وبكى حين ثار فيه المدام
كان لي صاحبا فأودى به الده
ر وفارقته عليه السلام
وحين أترجم لموضوع اليوم بكلمة «قصة» لا أعني الرواية ولا ما يشبه الرواية ؛ فإنني لا أشيع فيها خيالا، ولا أخترع لها أبطالا، ولا أخلق مفاجآت، ولا أبتكر مواقف، ولا أمد لها مغزى يصيب غرضا، ولا أعالج تحليل نفس أو فكرة، لأنني لا أجيد هذا الضرب من البيان ولا أحذقه، بل إنني لم أحاوله قط طول حياتي الكتابية، وإنما أقص حادثة وقعت بسمعي وبصري، فإن هي أصابت غرضا أو اتصل بها مغزى، فذلك من صنعها نفسها، لا فضل لي من ذلك في كثير ولا قليل.
كان لي صاحب شاب نشأ في الحسب، وتقلب في شيء من النعمة، وأصاب حظا من العلم، وكان يكلف كلفا شديدا بالأدب، فلا يخلو بنفسه إلا أكب على ديوان شعر لواحد من متقدمي الشعراء، فإذا سقط على كلام جيد رائع جعل يترنم به، وإذا وقع له في نثر النثار أو في خطب الخطباء كلام بليغ راح يشيع فيه نفسه ويقلب به لسانه، وكان رحمه الله إلى هذا عذب الروح، جم التواضع حاضر البديهة، حلو الحديث، ولكنه مع هذا كله كان شديد الحياء حتى لترى فيه خفر الفتاة الكعاب، يتحامى مجالس الناس ولا يتهافت عليها، فإذا قضت عليه الأسباب بأن يدخل في غمرهم عقد الحياء لسانه، وملك عليه بيانه.
وكان عصبي المزاج يثيره التافه من الأمر فيغضب، ولكن الغضب لا يصل من نفسه إلى أبعد من السطح، فهو كالغدير تثير صفحته العاصفة، ولكن باطنه كله سهل وادع رفيق.
ولقد جرى عليه القدر، فعلق فتاة يصل أهلها بأهله بعض السبب، وكانت حلوة نجلاء العينين، لها فم دقيق بديع، إذا افتر افتر عن مثل حب الغمام، أو عن عقد من الدر بديع النظام، مدملجة الجسم، ممشوقة القد، مشرقة الوجه، حتى لتحسب أن وجنتيها تجول فيهما الشمس، وكانت إلى هذا مرحة لعوبا تكاد من خفة الروح ومن شدة المراح تطير.
وهو يرتصد لها في مغداها ومراحها، ولربما استهلك في ذلك يومه الأطول، حتى إذا جازت به أسبل عينيه، أو لفت النظر إلى شيء آخر من الخجل والاستيحاء!
ولقد حدثني أنه جاز في رفقة من صحبه ببيتها صباح يوم، فإذا هي في ثياب التفضل تقطف من الحديقة أزهارا، فلما رأتهم توارت منهم في بعض الشجر، قال: فتشجعت وأرسلت نظري، فإذا غصن تتدلى منه وردة لم ير الراءون شبها لها في الزمان! •••
وأخذ فيه الهوى، وألحت عليه الصبابة، ولحقه من الوله عليها ما نقرأ مثله في الكتب فلا نصدقه.
অজানা পৃষ্ঠা