جدت بنفسك المطمئنة على صدري الملتاع، فإذا بك تخوض لجنة الموت في دعة ورفق ونعومة نفس، لا مجاهدة ولا معاناة ولا اختلاج، حتى أسلمت نفسك، ولولا إجلالك الموت لظل على شفتيك هذا الذي طالما نعمني من حلو الابتسام.
وما لك يا بني وأنت بين يدي تعالج نزعا أو تعاني احتضارا؟ فعنك كنت وما زلت أنزع، وعنك كنت وما برحت أحتضر، وإنه لنزع شديد، وإنه لاحتضار يا بني طويل!
لقد استحالت كل جارحة في نفسا تعاني من سكرات الموت ما لا يعلم مدى أوجاعه وآلامه وبرحه إلا الله، فهذه تزم بملازم الحديد زما، وهذه تضغمها أنياب النمور ضغما، وهذه توخز بالإبر وخزا، وهذه تحز بالمدى حزا، وهذه تفريها المخالب فريا، وهذه تشويها النار شيا، وكيف لي بعذاب نزع واحد، ولم يصبح لي كسائر الناس نفس واحدة «ولكنها نفس تساقط أنفسا»؟
لا شك يا بني أنك مضيت من فورك إلى الجنة، فإذا أحببت أن تعرف مبلغ عذاب أهل النار، فأشده بعض ما أنا فيه!
ويلي منك يا بني! لقد ورثتني كل يوم موتات لا نجاء لي منها إلا بهذا الذي يدعونه الموت، اللهم يا من امتحنني بهذا العذاب كله في الدنيا، أقلني بفضلك من عذاب الجحيم في الآخرة. •••
لست أدري يا بني أينا الأحق برثاء صاحبه؟ لعمر الله إذا حققت، وأنت في مقعد الصدق، لرأيتني الجدير منك بالمرحمة وطول الرثاء، ولكأنما كان يعنيني وإياك هذا الشاعر حين يقول:
لو كان يدري الميت ماذا بعده
للحي منه بكى له في قبره
غصص تكاد تفيض منها نفسه
ويكاد يخرج قلبه من صدره
অজানা পৃষ্ঠা