سيداتي، سادتي
لعله قد هجس في نفوسكم جميعا أو في نفوس كثير منكم هذا السؤال: ترى لو أن مخترعا عظيما كالسنيور مركوني كان قد طالع سلفنا الأقدمين بهذا «الراديو» فماذا كانوا يظنون، وكيف كانوا يقولون؟
أما أنا بالذات، فقد غم علي الأمر، وتقسمت ذهني ألوان الفروض، ولكنني لم أستقر منها على واضح صريح، فضلا عن حق يقين!
ولكن، ولكن للمصادفات، المصادفات وحدها في كثير من الأحيان، آثارا تعيي على أشد عقل، وأعظم جهد، وأحكم تدبير، بل إن للمصادفات، المصادفات وحدها، في كثير من الأحيان، الفضل الأول فيما هدي إليه أعلام الناس من اختراع عظيم، وما وقفوا عليه من استكشاف جليل!
هذه المصادفات، أو على الأصح هذا القدر، لقد ساقني يوما، وكان ذلك من نحو عامين، إلى زيارة صديق جمع الله له إلى النعمة والترف، حلية الظرف والذكاء، وما إن كدت أطالعه بالسلام ويتلقاني بالتحية، حتى قال لي: إني سأريك الساعة شيئا عجبا لعله لم يخطر لك على قلب أبدا! قلت: هات ما عندك، فتقدم إلى خادمه بأن يدعو الشيخ عدلان، وما لبثنا غير قليل حتى أقبل علينا شيخ من الأعراب أسمر اللون شديد السمرة، خفيف اللحم، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، أملى علي شكله الستين، ثم علمت أنه قد أطل على الثمانين، وهو مع هذا مستوي القامة، حتى كأن قامته الرمح المثقف، فحيا بتحية الإسلام، فرددنا التحية بالتحية.
وأقبل علي صاحبي يعرف لي الرجل، قال: إنه من إحدى بوادي نجد، وهو يتنخس في الدواب،
2
على أنه لم تهيأ له رؤية الحضر من قبل، بل لقد كان يرسل على إبله وخيله إلى مصر وغير مصر ولده وبعض معشره، ثم بدا له أن يفد معهم هذا العام، ليشهد عيش الحضر قبل أن يدركه الأجل، ووافق مقدمه حاجتي إلى بعض الجياد، وسألته أن يقيم عندي ما أقام في مصر، لما رأيت من ظرفه، وخفة روحه، ولطف حديثه، وحسن بديهته.
ولقد بعثت «الراديو» ذات عشية في حضرته، فارتاع وشده، وذهب الرعب بلبه كل مذهب، ثم اطمأن صاحبي فترة قصيرة وقال: وعلى الشيخ عدلان أن يقص بقية الحديث، والتفت إلى الرجل وسأله أن يتكلم، فتعذر وتمنع، فعزم عليه إلا تكلم، فأكرم الضيف وأومأ إلي.
تنحنح الرجل، وسعل سعالا رفيقا، ثم أنشأ يتحدث في لهجة بدوية كثيرا ما كان يلتوي علي فيها اللفظ، فيسويه لي بعض من حضر.
অজানা পৃষ্ঠা