وليكونوا من كناسي الشوارع؛ بل ليكونوا ممن ضمنتهم
4
السجون في أفظع الجرائم، يا لله ما أسعدهم جميعا وما أنعم حالهم، إنهم ليكادون يطيرون طيرا بما يجدون من لذة العافية في الأبدان! من لي بيوم واحد أو بساعة واحدة أراجع فيها العافية وأنعم بها، فلا آسى بعدها على شيء أبدا!
ما لكم يا أهل العافية لا تطربون ولا تمرحون ولا تطولون الجبال الشامخة من تتايه ومراح؟ إنه ليخيل إلي أنكم تجاهدون في كظم أفراحكم أشد الجهاد!
فلو خلعتم علي شيئا مما تجدون من العافية؟ إذن لرأيتم أنه لا يتسع لمراحي كل ما بين الأرض والسماء!
الصحة، الصحة وحدها، ففيها عن كل عرض غناء.
ما عزبت عن الإنسان نعمة من نعم الدنيا إلا اقتصر حسه على ألم فقدانها والحرمان منها، أما فقد الصحة فإن يشعر الحرمان من كل شيء؛ وقد صدق من قال: «يا أهل العافية لا تستقلوا النعم!»
أستغفر الله! بل إن فقدان الصحة لمما يزهد في أنعم الحياة، وإنني لأذكر، وأنا في مرضي هذا، أنه ما عرضت لي منية من المنى التي طالما هفت نفسي إليها وسألت الله فيها جاهدا، إلا دقت في عيني، وهانت على نفسي ، حتى لأراني في تشهيها والاحتفال لها إنما كنت سخيفا كل سخيف!
هذا جرحي قد اندمل، وها أنا ذا أمشي وئيدا إلى العافية، وإني لأشتهي بعض الطعام ولكن هيهات أن ينولني الطبيب، فآه! هذا اللون ما أحسنه وأسوغه وأحلى مذاقه، وما أنعم الآكليه وأسعدهم؟ فلو رجعت إلى العافية لكسرت عليه عشر وجبات متتابعات!
هذه الرقعة من القاهرة أو من غير القاهرة ما أجملها وما أبدعها، وما أبهى خططها وأحلى موقعها! لئن رددت إلى العافية لأتخذن منها منتجعي ومثابي، ومذهبي في غدوي ومآبي!
অজানা পৃষ্ঠা