5
الشباب المولي!
هذه هي المرة الثانية التي يهتف فيها «فلان» بسني، ويزعم أنني أتشرف الآن على الخمسين، إذا لم أكن قد جزتها بقليل! وترى ما خيره في أن يباديني بهذا ويؤكده ويلح فيه، وأنا أنفيه جاهدا فلا يصدق، وأرده عنه فلا يرتد، وأزجره فلا يزدجر! وتالله ما أراه يطلب بهذا إلا غيظي وإحناقي بإظهاري وإظهار الناس على أنني قد علت بي السن، وأنني أنشأت أمعن في الشيخوخة المضنية للأجسام، والداعية للأسقام، والمهرولة بالأحياء إلى الموت الزؤام!
اللهم إنه لسمج به أن يطلب لي هذا ويتمناه على الله، ثم لا يستحي أن يصارحني بهذه المنية ويصارح بها الناس، على حين أنني - شهد الله - ما أسلفت إليه إساءة، ولا تناولته قط بمكروه!
سبحان الله! ما أعظم كدر النفوس، وأشد اضطغان القلوب، حتى على من هو غير حقيق منها إلا بالعطف والإيثار!
وبعد، أفأراني حقا قد بلغت الخمسين؟ هذه الخمسون التي لا يبلغها المرء إلا إذا جاز مستمهلا بأيام الشباب، حتى تطويه السنون عنه طي السجل للكتاب وهيهات للمرء أن يأسى عليه بعد أن نهل من معين اللذات وكرع، ومرع في طيبات العيش ورتع، وواتى النفس بكل مناها، وأبلغ مطالب الصبوة غاية مداها، ويا طالما طاب مراحه وأنسه، وسطعت في أفق السعادة شمسه، ويا طالما اشتد لهوه وقصفه،
1
وتقلب في ألوان المتاع عطفه، لا تكدر الهموم من صفوه، ولا تشغله متاعب الحياة عن متاعه ولهوه، مخلصة لداعيات الصبا نفسه، لا يعنيه يومه ولا يعنيه غده ولا أمسه، حتى إذا استوفى حظه من متع الشباب، وشبع منها وبشم بها؛ انصرف عنها زاهدا فيها كارها لها، وأقبل على ما هو الأخلق بالحكمة، والأشبه بكمال الرجال، وأصبح يتمثل بقول الشاعر:
وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه
فإذا عصارة كل ذاك أثام •••
অজানা পৃষ্ঠা