67 - وحدثني الحسن بن مسلم الأقريطشي -ورأيته بعد أن علت سنه وبلغ المائة سنة، وكان صحيح التمييز، سليم الحواس- قال:
((ألح غزونا على الروم، ونالهم منا مكروه عظيم، فوجد متملك الروم من هذا، ونذر أن يخرب أقريطش ولو أنفق ذخائر مملكته. فنظر إلى راهب محبوب تتعالم الروم زهادته، فأنزله من متعبده، وضم إليه أكثر جيوشه، فوافى جمع لم يحط بأقريطش مثله قط. ففزعنا إلى غلق الحصن، وتسرع الروم إلى بناء مساكن لهم، وخرجوا من المراكب، وغلبونا على ميرة البلد وما يكون في جواره. واشتد الحصار، ونزع السعر، وتحلق المأكول، وشاع الجهد.
ثم زادت المكاره حتى أكل الناس ما مات من البهائم جوعا، وأجمعوا على أن يفتحوا الباب له، فقال لهم شيخ: ((إني قد أراكم قد حرمتم التوفيق في قوتكم وضعفكم! والصواب أن تقبلوا مني ما أشير به عليكم!))، قالوا: ((قل))، قال: ((اتركوا لله قبيح ما يحملكم عليه تظاهر النعمة والسلامة، وأخلصوا له إخلاص من لا يجد فرجه إلا عنده، وافصلوا صبيانكم من رجالكم، ورجالكم من نسائكم)). فلما ميزهم هذا التمييز صاح بهم: ((عجوا بنا إلى الله!))، فعجوا عجة واحدة، وبكى الشيخ وبكى أكثر الناس. ثم قال: ((عجوا أخرى، ولا تشتغلوا بغير الله))، فعجوا عجة أعظم من الأولى، وبكى الناس أيضا. ثم #105# عج الثالثة وعج الناس معه، وقال: ((تشرفوا من الحصن، فإني أرجو أن يكون الله قد فرج عنا)).
فحلف لي الحسن: ((إني تشرفت مع جماعة فرأيت الروم قد قوضوا [رجالهم]، وركبوا مراكبهم. وفتح باب الحصن، فوجدوا قوما من بقاياهم فسألوهم عن حالهم: فقالوا: ((كان عميد الجيش بأفضل سلامة إلى اليوم، حتى سمع ضجتكم في المدينة فوضع يده على قلبه وصاح: ((قلبي! قلبي!))، ثم طفئ)). فانصرف من كان معه إلى بلد الروم. وخرجنا عن الحصن، فوجدنا في تلك الأبنية من القمح والشعير ما وسع المدينة وأعاد إليها خصبها، [وكفينا] جماعتهم من غير قتال)).
পৃষ্ঠা ১০৪