মুজতামাক মাদানি ওয়া থাকাফাত ইসলাহ
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
জনগুলি
ونذكر من بين هؤلاء الكاتبة الأرجنتينية ماريانو جروندونا في دراسات لها معاصرة، وكذلك الكاتب ماريو فارجاس الذي يؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية مع ضرورتها لتحديث البلاد لا يمكن تحقيقها:
ما لم يسبقها أو يصحبها إصلاح لأعرافنا وعاداتنا وأفكارنا وكل المنظومة المعقدة من العادات والمعارف والتصورات والصور التي نفهمها حين نقول «الثقافة»، إن ثقافتنا الآن لا هي ليبرالية ولا ديمقراطية، لدينا حكومات تسمي نفسها ديمقراطية، ولكن مؤسساتنا وردود أفعالنا وعقلياتنا وسلوكنا أبعد ما تكون عن وصفها بالديمقراطية، إنها لا تزال خصائص استبدادية مطلقة، وعقائدية جامدة.
وثمة كتاب، من بين كتب أخرى كثيرة، من تأليف لورانس هاريزون بعنوان: «التخلف حالة ذهنية»، ويدرس الكتاب التطوير الاقتصادي والاجتماعي من زاوية ثقافية، وعقد مقارنات ثنائية بين عدد من الدول، مثال ذلك أن غانا في الستينيات كانت أكثر تقدما من كوريا الجنوبية، ولكن كوريا الآن تحتل مكانة مرموقة بين الدول المتقدمة، بينما تراجعت غانا كثيرا، ولنا أن نضيف إليه مثال مصر واليابان في أواخر القرن التاسع عشر؛ إذ كانت مصر أكثر تقدما من اليابان، بل تطلعت اليابان لدراسة النهضة من خلال التجربة المصرية، ولكن واقع الحال شاهد الآن بما يملأ النفس مرارة وحسرة.
وفسر هاريزون هوة التطور بعوامل ثقافية: قيم ثقافية تدعم التطوير، وأخرى سلبية تعيق النزوع إلى التغيير، ويقول ثمة قيم ثقافية إيجابية: التغيير والمنافسة، الإبداع، العمل الجاد، التفرد، التفوق، النظام، الالتزام، العقلانية، السلطة للعقل وقسمة مشتركة ليست لحاكم منفرد، ويضيف قوله: «يسود ثقافة المجتمع المؤمن بالتغيير مفهوم أن الثروة ليست ما أملك، وإنما ما أبدعه، أن أبدع ما ليس موجودا بعد، كما وأن العقل والفعل الاجتماعيين هما مبدع الثورة.»
ونعود لنؤكد - في ضوء ما سبق - أن التطوير الحضاري للمجتمع موقف من الحياة، ونمط سلوكي في الاستجابة للتحديات، وهو ثقافة حوار بين الإنسان - المجتمع - والبيئة والمجتمعات المحيطة، وثقافة إنجاز، وفضول معرفي، ويمثل العلم والمعرفة العلمية روح العصر، لذا فإن الثقافة العلمية هي جوهر آلية التكيف، والوجود الاجتماعي الآن، حسب منطق العصر، ليس وجودا تراتبيا هرميا رأسيا وسيادة علوية على رعية كما كان الحال في حضارة الرعي أو الزراعة، بل أصبح وجودا شبكيا أفقيا متكافئا، وهذا هو جوهر الوجود الديمقراطي الآن في عصر المعلوماتية وانفجار المعرفة، وثقافة التطوير الحضاري ثقافة نهم معرفي للتوظيف المعرفي المنهجي من أجل التكيف، إنها ثقافة تمرد على الجمود والتقليد والتماس التجديد، لذلك فإن عملية التطوير هي إبداع اجتماعي ذاتي المنطلق لا يأتي مفروضا من خارج، سواء خارج الذات في الزمان أو من خارج الوطن، إن التفاعل مع الخارج غير الانفعال بالخارج، التفاعل استفادة إرادية نقدية للاستجابة الفاعلة وفق هدف ومصلحة، والتفاعل أيضا قرين فعل داخلي وتكامل معه على نحو يكشف الإمكانات الإبداعية الذاتية لاطراد التطوير.
وتستلزم ثقافة التطوير مثقفا يتصف بالاستقلالية الذاتية الحرة والنهج المعرفي العلمي والتعالي على الانحيازات، كما يمتلك أفقا رحبا شاملا لقضايا المجتمع، ويتصف أيضا بالحرص على أن ينأى بفكره وثقافته وجهده عن خدمة أمير أو سلطان، بل خدمة الجماهير في ضوء رؤية إبداعية مستقلة أصيلة، ويغدو بفضل جهده وصفاته، أداة إثراء فكري لمجتمعه، وهذه إحدى مظاهر أزمة الثقافة والمثقف في مصر، إذ ظل المثقف وثقافته على مدى القرون، ولا يزال، في خدمة صاحب السلطان حتى باتت ثقافته ليست أداة تحرر، وإنما توجهه على طريق التبعية والتماهي بين ذاته والسلطة.
وحيث إن نهج التطوير والتغيير قيمة ثقافية، وموقف من الحياة، فإن لنا أن نسأل عن طبيعة القيم الثقافية السائدة في المجتمع التي تحدد للإنسان العام، أداة البناء، ومن ثم للمجتمع تطلعاته واستجاباته ونظراته وتأويلاته؟ كيف نرى الوجود من خلال ثقافتنا الاجتماعية؟ وما هي تصوراتنا عن الحياة وإلى أين ينصرف مخاضنا أفرادا ومجتمعا؟ وما هي القيم التي تستثير فينا نوازع الغضب أو الرضا والإقدام والفعل بعامة، والتي تمثل مفتاح السلوك أو «الزرار» الذي إذا ضغطنا عليه حرك فينا كوامن النفوس واستنفر الروح منا.
إننا نحصر قيم الوجود في العبادات والحدود الدينية وحدهما، بمعنى الحلال والحرام دينيا فقط، هذا بينما يجدر بنا أن نضيف إلى هذه القيم قيما ثقافية جديدة لازمة لكي نتحرك على طريق التقدم، أو جدير بنا أن نقدم تأويلات تدعم هذا التوجه نحو التطوير وتجعل من التطوير قيمة، مثلما نجعل من العمل والإبداع قيمة سلوكية في التطبيق العملي، إن الفن قيمة، والإبداع العلمي قيمة، والموضوعية قيمة، والتناغم الاجتماعي قيمة، والحفاظ على البيئة قيمة، والفضول المعرفي أو مغامرة الاستكشاف المعرفي قيمة، وصنع حياة جميلة ميسورة وعادلة قيمة، والاستقلال قيمة، بينما الأمية والاستبداد والظلم والفقر والتخلف رذائل وكبائر.
وإذا كنا ننشد بناء مجتمع مدني على مستوى حضارة الصناعة والمعلوماتية باعتبار أن هذا هو التطوير (لا الإصلاح) المنشود، فحري أن ندرك أنه بالضرورة مجتمع مواطنة حرة ومؤسسات حرة متكافئة متشابكة، ومواطنين أحرار ذوي عقول حرة وفكر حر متساوين، لهم ثقافة الفعالية الاجتماعية وقدرة على مغامرة الاستكشاف المعرفي والإبداع، لنقف أندادا مع المجتمعات المتقدمة.
وحري أن ندرك أن الفقر حرمان من الحرية، والأمية حرمان من الحرية، وقصور البحث العلمي حرمان من الحرية، والتخلف بجميع صوره حرمان من الحرية على الصعيدين المحلي والدولي، والتحجر والجمود والتعصب نفي للحرية، هذا بينما التطوير الحضاري هو التوجه الصحيح على طريق الحرية لخلق مجتمع حر لمواطنين أحرار، مجتمع إنتاج حضاري مبدع بذاته في تعاون شبكي على النطاق العالمي.
অজানা পৃষ্ঠা