إهداء
إلى. . من يجوب الأرض سعيا؛ يحاول أن يبعث فى هذه الأمة سالف مجدها، ويستحضر عزتها،
إلى. . رفيق الدرب؛ أخى وأستاذى،
إلى. . الأستاذ الدكتور: نصر محمد عارف.
من شرب من كأس فضلكم أيمن البحيرى
1 / 3
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
لسماحة الشيخ الدكتور: على جمعة؛ أستاذ أصول الفقه، جامعة الأزهر.
كيف نتعامل مع التراث:
هناك مداخل مختلفة للتعامل مع قضية التراث الإسلامى، منها: نشر ذلك التراث الثرى الذى قامت به قديما المطبعة الأميرية، وغيرها فى القرن الماضى، حيث قاموا بتصحيح النص بصورة واضحة، قابلة للفهم، واضطلع بهذه المهمة؛ أعلام المصحيحين، من أمثال: الشيخ نصر الهورينى، والشيخ قطة العدوى، وغيرهم من مصححى المطابع الأميرية، الذين بلغوا من الدقة والعلم، والضبط لدرجة كبيرة، حتى اعتبروا أن النسخة المطبوعة مثل المخطوط؛ بل أصح، حتى لم يعد عندهم حاجة لهذه المخطوطات، فهلك أغلبها للأسف الشديد، فكم من مخطوطة طبعت ولا نجد لها أثرا فى مصر، مثل مخطوطات كتاب (إرشاد الفحول) للشوكانى، وغيره من الكتب؛ لأنهم بعد ما استعملوا المخطوطة، لم يهتموا بها، فضاعت فى المطابع بين أيد الطابعين؛ فهذا يمكن أن يطلق عليه نشر التراث.
أما مقارنة النسخ، وخدمة النص، وفهرسته، والتعامل معه؛ بحيث ييسر ونصل به إلى أقرب صورة كان يريدها المصنف، ونخدمه تعليقا، وشرحا لغريبه وعزوا لآياته وتخريجا لأحاديثه؛ فهو ما يسمى بتحقيق التراث.
وتحقيق التراث بهذه الصورة، ينبغى أن لا نقف عنده، ونعتبره غاية المرام؛ بل لا بد من أن نرقى إلى مرحلة أخرى نستفيد فيها من التراث: نحلل مناهجه، ونصوغها، ونبنى عليها، ولا نقف عند مجرد مسائله.
1 / 5
فالقضية ليست مجرد توثيق للتراث؛ بل هى أيضا محاولة لفهمه الفهم الواضح الدقيق، ومحاولة البناء عليه ومعرفة مدى حجيته، وما هو المقبول والمرفوض منه.
فإنه ليس من المناسب أن نرفض التراث أو نقبله، رفضا أو قبولا عشوائيا؛ بل ينبغى علينا أن نتعامل معه تعاملا واضحا، نستفيد من مناهجه، ونتجاوز مسائله.
وهذا الكتاب الذى بين يدينا اليوم؛ كتاب مهم فى التراث الإسلامى يلخص فيه ابن الجوزى؛ حصاد رحلته العلمية فى عمره المديد، وإنتاجه الغزير، ويلخص فيه تلك الفوائد التى تكون شخصيته العلمية، ومحدداتها الفكرية؛ يخرج لأول مرة لعالم الكتب المطبوعة.
نرجو أن ينفع الله به المسلمين، وأن يكون مادة ثرية للدراسات الإسلامية، آمين.
القاهرة الثانى من ربيع الآخر سنة (١٤١٩ هـ) أ. د. على جمعة
1 / 6
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبه ثقتى
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الحضارة الإسلامية، حضارة عالمية. عالميتها أو ضحها القرآن الكريم، قال تعالى مخاطبا رسوله ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧].
وقال تعالى ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ﴾ [سبأ:٢٨]. فكان النبى ﷺ خاتم الرسل.
وبه ﷺ ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام:١١٥].
وهذه الخاصية الشديدة الأهمية. أخرجت حملة الرسالة، صحبة النبى ﷺ ليحققوا قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران:١١٠]. وانطلقت الحضارة من ثوابت أرستها العقيدة الربانية الموحاة من الله تعالى، ذات الأركان الثابتة والمقومات والخصائص الفاعلة، فكان الكتاب الحكيم، والسنة الصحيحة، وهما الوحى المعصوم، مصدرا هذه العقيدة الربانية التى جاءت لتحل وتفك الإشكالات التى آثارها الفلاسفة الأقدمون عن الحقيقة الإلهية، والحقائق الكونية، أو طبيعة الإنسان وحقيقته، وعلاقة هذه الحقائق بعضها ببعض، وكانت هذه الإشكالات مصدرها الفكر البشرى المحض، وشطحاته العقلية، وتصوراته الفلسفية بإيعاز من عدوه الأزلى ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام:١١٢].
فهذه العقيدة المنبثقة عن الوحى-المعصوم المستندة عليه-الذى ميز هذه العقيدة السلمية عن المعتقدات الوثنية التى تنشئها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية المختلفة، ومنحها خصائص لم تتوافر فى عقيدة غيرها، (ففيها الإحاطة والشمول، والتوازن، والقدرة على الإجابة على الأسئلة الكلية، وتقديم التفسيرات وتحديد العلاقة بين الله تعالى والكون والإنسان) (١).
1 / 7
وبعد أن رسخت العقيدة فى قلوب الرعيل الأول، صحبة رسول الله ﷺ -ولا عجب أن يمكث رسول الله ﷺ فى مكة قبل الهجرة قرابة الثلاثة عشرة عاما، مشمّرا عن ساعدى الجد، يرسخ التوحيد، الذى هو حجر الأساس فى العقيدة، يرسخه فى قلوب أصحابه حتى بات كالجبال الراسيات-فبعدها أصبح الناس فى حاجة ضرورية إلى شريعة فوق حاجتهم إلى أى شيء آخر؛ شريعة مبناها على تعريف مواقع رضى الله وسخطه فى حركات العباد الاختيارية، فمبناها على الوحى المحض؛ منطلقة من اعتقاد سليم، يشعر المرء بالرضى ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة:١١٩]. فمنّ الله عليهم بشرعة امتازت بتحقيق مصالح الخلق ودرء المفاسد عنهم، وبيان العلل والأسباب والحكم والغايات الكامنة، تمكن بها المسلم من العيش باستمرار تحت مظلتها، وتنظيم شؤون حياته وفقا لتوجيهات الشارع الحكيم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣].
فكانت إشارة البدء إلى نسج الحضارة الإسلامية وبناء العمران البشرى-بمعناه المادى والمعنوى-على منول الحياة فكان؛ مؤداها: إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
فكان أتباع النبى ﷺ هم أهل البصيرة الذين أمسكوا بطرف الخيط لنسج الحضارة الإسلامية، فقد بلّغهم الرسول ﷺ البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستبصرين، وهم على أثره مهتدون. وخرجوا بكتابهم إلى حوض الحضارات القديمة، وهناك كان المحك، (ولم يكن خروجهم ذاتيا من عند أنفسهم، وما كان الخروج من طبيعتهم؟ لكن الله تعالى أخرجهم فى إطار دفع إلهى-لا فى إطار استعلاء قومى ذاتى، وكانت علاقتهم بالقرآن والرسالة التى اشتمل عليها، علاقة تكليف وتبين وإيمان لا علاقة إنشاء وتوليد من ذواتهم) (١) وبخروجهم ذابت كل الحضارات أمام الأنساق المعرفية للحضارة الجديدة، ولم يمض وقت طويل على بدء الدعوة وتبليغ الرسالة حتى غمر الإسلام بنوره النصف الجنوبى من العالم-المعروف آنذاك-أى من جنوب الصين شرقا إلى جنوب أوروبا غربا، وقد استوعب الشعوب بمنظومته المعرفية وهيمنة خصائص وثقافة الحضارة الإسلامية.
1 / 8
وانهار الكيان الرومى فى الشام ومصر، وتحللت القومية الفارسية، ليصبح قلب العالم المعمور كله مركزا للحضارة الإسلامية، ومحط إشعاع يخرج منه ليضىء جنبات العالم. والإشعاع عرض"، فكان لا بد له من ذات؛ يخرج منه شعاع العلم والفكر؛ فكان علماء المسلمين ومفكريهم ذواتا لإشعاع الحضارة الإسلامية.
فصاحب هذا الكتاب (المجتبى من المجتنى) هو: الإمام العالم شيخ الإسلام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن الجوزى؛ أحد هذه الذوات التى تولدت فى بوتقة الحضارة الإسلامية، وكتابه نموذج تراثى جيد، يقدم فيه لطائف وفوائد حصيلته العلمية التى اجتناها على امتداد رحلته العلمية، فهو يقول-﵀ فى مقدمته للكتاب: هذا كتاب اجتنيت فيه مما اجتبيت من علوم مختلفة.
فالشيخ ﵀ استهله بما اجتناه من فوائد ونكت علوم القرآن الكريم، وذلك راجع لمكانة كتاب الله تعالى فى النفوس، وأنه أعز ما أخذناه عن رسول الله ﷺ بلا منازع؛ فهو دستور الأمة، ومحور الاتكاز. ثم عطف الشيخ بعد ذلك على أشرف ذات تلقت من ربها ذلك الكتاب الكريم؛ وهو رسول الله ﷺ، فتكلم عن نسبه الشريف، وأهله رضوان الله عليهم أجمعين. ثم أطل الشيخ-﵀-على العشرة المبشرين، وتبعهم بأهل بدر ﵃ أجمعين. وتكلم عن بعض المسائل الحديثية، واختتم كتابه بالأوليات، وهو فصل فى أول كل شىء. وهذا عرض وموجز للكتاب ومنهج المؤلف.
وبالجملة؛ فالكتاب يعتبر مرجع سهل، وروضة طيبة ثرية تزدخر بالفوائد، كما يقول المؤلف نفسه: فهو أسهل متناول للحافظ وأحسن روضة للناظر.
وقد عزفنا فى هذا الكتاب عن وضع الهوامش، أو التعليق، وهذا ما أشار به علينا فضيلة الأستاذ الدكتور: على جمعة-حفظه الله-وحثنا على إخراجه بصورة جيدة جزاه الله عنا وعن المسلمين خيرا.
تحقيق المخطوط:
عند ما عثرت على مخطوط الكتاب (المجتبى من المجتنى) للإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو الفرح ابن الجوزى-﵀-وهى نسخة وحيدة، أوقفها السلطان:
محمود خان وقفا شرعيا لمن طالع، شمرت له عن ساعدى الجد، ثم عكفت أنظر
1 / 9
وأقلب الصفحات، ثم قمت بنسخ المخطوط، وفى حالة تعثرى فى قراءة لفظه، أو إشكال فى فهم عبارة؛ أرجع إلى المصادر المعتمدة، وكم عانيت فى إخراج هذا الكتاب بصورة نحسبها-إن شاء الله-طيبة مرضية؛ بذلنا فيها جهدا كبيرا، ولم نبخل بالوقت أو الجهد حتى كانت الصورة الماثلة أمامكم، والله الموفق.
وصف المخطوط:
- مصدره: دار الكتب المصرية، مصورة عن نسخة خطية محفوظة بمكتبة:
آيا صوفيا بالآستانة. تصنيف [معارف عامة. رقم (٥٣٩)]. عدد اللوحات: (١٩٠) لوحة. من القطع الصغير، عدد الأسطر: (١٢) سطرا، نوع الخط: نسخ عادى، وجميل، بخط الناسخ:. . .، وكان الفراغ من نسخه (٦٣٢) هـ.
عملنا فى هذا الكتاب:
١ - ضبط النص، وتقويم العبارة، وتصحيح التحريف والتصحيف، وإن ندر ذلك.
٢ - تفقير الكتاب؛ ليسهل النظر فيه، وذلك بأن جعلنا لكل فقرة؛ تحتوى على فائدة رقما.
٣ - عزو الآيات.
٤ - الفهارس اللازمة للكتاب المعينة على البحث فيه.
وختاما؛ نسأل الله أن نكون قد وفقنا فى هذا العمل؛ ولا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساعدنا بالوقت والجهد على إتمامه وإخراجه بهذا الثوب القشيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
القاهرة مساء يوم السبت الثالث من ربيع الأول، لسنة (١٤١٩ هـ) الموافق آخر يونية لسنة (١٩٩٨ م) أبو محمد أيمن البحيرى
1 / 10
ترجمة المؤلف
نسبه؛
هو: عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن عبد الله بن حمادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزى-نسبة إلى فرضة نهر البصرة- ابن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق؛ الشيخ الحافظ الواعظ؛ جمال الدين أبو الفرج؛ المشهور بابن الجوزى، القرشى التيمى البغدادى الحنبلى.
نشأته:
ولد أبو الفرج ابن الجوزى سنة (٥١٠ هـ) ومات أبوه وعمره ثلاث سنين. وكان أهله تجارا فى النحاس، فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد (محمد بن ناصر الحافظ) فلزم الشيخ وقرأ عليه، وسمع عليه الحديث، وتفقه بابن الزاغوانى، وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأخذ اللغة عن أبى منصور الجواليقى، وكان وهو صبى؛ دينا مجموعا على نفسه، لا يخالط أحدا، ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان.
وقد حضر مجلس وعظه الخلفاء، والوزراء، والملوك، والأمراء، والعلماء، والفقراء، ومن سائر صنوف بنى آدم، وقيل: كان يجتمع فى مجلس وعظه، عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه، مائة ألف أو يزيدون، وربما تكلم من خاطره على البديهة نظما ونثرا.
وبالجملة؛ كان أستاذا فردا فى الوعظ وغيره، وقد كان فيه بهاء وترفع فى نفسه، وإعجاب وسمو بنفسه، وذلك ظاهر فى كلامه، فى نثره ونظمه، فمن ذلك قوله:
أفضى بى التوفيق فيه إلى الذى ... أعيا سواى توصّلا وتغلغلا
لو كان هذا العلم شخصا ناطقا ... وسألته هل زار مثلى؟ قال: لا
1 / 11
شيوخه:
لم يرحل ابن الجوزى فى الحديث، ولكنه سمع من أبى القاسم ابن الحصين، وأبى الوقت السّجزىّ، وابن ناصر، وابن البّطىّ، وأبى الحسن على بن عبيد الله بن نصر بن السرّى، وطائفة مجموعهم: نيف وثمانون شيخا قد خرّج عنهم (مشيخة) فى جزءين.
تلاميذه:
حدث عنه ولده الصاحب العلامة؛ محيى الدين يوسف؛ أستاذ دار المستعصم بالله، وولده الكبير، علىّ الناسخ، وسبطه الواعظ، شمس الدين يوسف بن قز غلى الحنفى وصاحب (مرآة الزمان) وابن الدبيثى، وابن البخار، وابن خليل، وخلق سواهم.
مكانته العلمية:
قال عنه الحافظ الذهبى: هو الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام، مفخر العراق، وكان رأسا فى التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويسهب، ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، ويقيم بفنونه مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع فى النفوس، وحسن السيرة، وكان بحرا فى التفسير، علامة فى السير والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة فى الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، ما عرفت أحدا صنف ما صنف.
ومن غرر ألفاظه: من قنع، طاب عيشه، ومن طمع، طال طيشه.
وسأله رجل: أيما أفضل: أسبّح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور.
وقال أبو عبد الله بن الدبيثى فى (تاريخه):
شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف فى فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك.
وإليه انتهت معرفة الحيدث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه.
1 / 12
وقال الموفق عبد اللطيف:
كان ابن الجوزى يكتب فى اليوم أربع كراريس، وله فى كل علم مشاركة، لكنه كان فى التفسير من الأعيان، وفى الحديث من الحفاظ، وفى التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظى، فله فيه ملكة قوية.
تصانيفه:
قال ابن كثير:
برز ابن الجوزى فى علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف، وكتب بيده نحوا من مائتى مجلدة، وله من المصنفات فى التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنظر فى النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو ما يضيق هذا المكان عن تعدادها.
وحصر أفرادها؛
منها: كتابه فى التفسير المشهور ب (زاد المسير) وله تفسير أبسط منه ولكنه ليس بمشهور، وله (جامع المسانيد) استوعب به غالب مسند أحمد وصحيحى البخارى ومسلم وجامع الترمذى، وله كتاب (المنتظم) فى تواريخ الأمم من العرب والعجم فى عشرين مجلدا. وله مقامات وخطب، وله (الأحاديث الموضوعة) وله (العلل المتناهية فى الأحاديث الواهية) وله فى الطب كتاب (اللقط) مجلدان، وله من النظم والنثر شىء كثيرا جدا، وله كتاب سماه (لقط الجمان فى كان وكان) وكتاب (المجتبى من المجتنى) وهو كتابنا هذا، وله اسم آخر ذكره، حاجى خليفة فى كشف الظنون (المجتبى من العلوم) وغير ذلك.
وفاته:
وكانت وفاته ليلة الجمعة بين العشاءين الثانى عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمس مائة، وله من العمر سبع وثمانون سنة، وحملت جنازته على رؤوس الناس، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد، وكان يوما مشهودا، حتى قيل: إنه أفطر جماعة من الناس من كثرة الزحام وشدة الحر.
1 / 13
وقد أوصى-﵀-أن يكتب على قبره هذه الأبيات:
يا كثير العفو يا من ... كثرت ذنبى لديه
جاءك المذنب يرجو ... الصفح عن جرم يديه
أنا ضيف وجزاء ... الضيف إحسانّ إليه
مصادر الترجمة:
البداية والنهاية، لابن كثير (١٣/ ٣١).
سير أعلام النبلاء، للذهبى (٥٣٨٧).
كشف الظنون، لحاجى خليفة (٢/ ٩١٢).
الأعلام، للزركلى (٤/ ٣٢٠).
1 / 14
صورة غلاف المخطوط
1 / 15
الصفحة الأولى من المخطوط
1 / 16
الصفحة الثانية من المخطوط
1 / 17
الصفحة الأخيرة من المخطوط
1 / 18
المجتبى من المجتنى
للحافظ شيخ الإسلام أبى الفرج عبد الرحمن بن على ابن الجوزى توفى (٥٩٧ هـ)
1 / 19
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدّمة
قال الشيخ الإمام العالم شيخ الإسلام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن الجوزى ﵀:
الحمد لله على جميع الآلاء، وصلى الله على أشرف الأنبياء وعلى أصحابه وأزواجه الأتقياء؛ صلاة تدوم بدوام الأرض والسماء، هذا كتاب اجتبيت فيه مما اجتنيت من علوم مختلفه؛ فهو أسهل متناول للحافظ، وأحسن روضة للناظر والله الموفق.
1 / 21
١ - فصل
الخطاب فى القرآن
على خمسة عشر وجها
[١] خطاب عام: كقوله تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة:٢١].
[٢] وخطاب خاص: كقوله ﴿أَكَفَرْتُمْ﴾ [آل عمران:١٠٦] هذا ما كفرتم.
[٣] وخطاب الجنس: كقوله ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ﴾ [البقرة:٢١].
[٤] وخطاب النوع: كقوله ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف:٢٦] ﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ [البقرة:٤٠،٤٧،١٢٢].
[٥] وخطاب العين: كقوله تعالى ﴿يا آدَمُ﴾ [البقرة:٣٣] ﴿يا نُوحُ﴾ [هود:٤٦].
[٦] وخطاب المدح: كقوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:١٠٤].
[٧] وخطاب الذم: كقوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التحريم:٧].
[٨] وخطاب الكرامة: كقوله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ [المائدة:٤١،٦٧].
[٩] وخطاب الإهانة: كقوله ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [الحجر:٣٤].
[١٠] وخطاب الجمع بلفظ الواحد: كقوله ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ﴾ [الانفطار:٦] ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ﴾ [الإنشقاق:٦].
[١١] وخطاب الواحد بلفظ الجمع: كقوله ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢٦].
[١٢] وخطاب الواحد بلفظ الاثنين: كقوله ﴿أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ﴾ [ق:٢٤].
[١٣] وخطاب الاثنين بلفظ الواحد: كقوله ﴿فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى﴾ [طه:٤٩].
[١٤] وخطاب العين والمراد به الغير: كقوله ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾ [يونس:٩٤].
[١٥] وخطاب التلون: وهو على وجوه منها؛ أن تخاطب ثم تخبر كقوله ﴿حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس:٢٢]. وقوله ﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم:٣٩]. وقوله ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ [الحجرات:٧].
1 / 23
[١٦] ومنها أن تخبر ثم تخاطب: كقوله ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ﴾ [آل عمران:١٠٦]. وقوله ﴿وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرابًا طَهُورًا إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً﴾ [الإنسان:٢١].
[١٧] ومنها أن يخاطب عينا ثم يصرف الخطاب إلى الغير: كقوله ﴿إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح:٨،٩]. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالياء، ولا يصلح هذا الوجه إلا على غير قرآتهما.
٢ - فصل
الوقوف فى القرآن على ثلاثة أوجه
[١٨] وقف تام، ووقف حسن ليس بتام، ووقف ليس بحسن ولا تام.
[١٩] فالتام: ما حسن الوقف عليه ابتدأ بما بعده، وهو الذى لا يكون ما بعده متعلقا به كقوله ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:١٥٧].
[٢٠] والوقف الحسن: الذى يحسن الوقف عنده، ولا يحسن الابتدأ بما بعده كقوله ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾ [الفاتحة:٢] فهذا حسن؛ لأنه تم المقصود منه وليس بتام؛ لأنك إذا ابتدأت فقلت ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ [الفاتحة:٢] قبح الابتداء بالمخفوض.
[٢١] والوقف القبيح: لقوله ﴿بِسْمِ اللهِ﴾ لا يجوز؛ لأنه لا يعلم إلى أى شىء أضفته.
٣ - فصل [وذكر بعض العلماء:]
[٢٢] وذكر بعض العلماء: أن فى القرآن آيات تقتضى إليها معناها أن يقف ويفصلها عما بعدها؛ فمنها قوله تعالى فى البقرة: ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:٢٧٤]. يقف ثم يبتدئ ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا﴾ [البقرة:٢٧٥].
[٢٣] وفى آل عمران: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ [آل عمران:٧]. يقف ثم يبتدئ ﴿وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:٧].
[٢٤] وفى براءة: ﴿لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [التوبة:١٩]. يقف ثم يبتدئ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا﴾ [التوبة:٢٠].
1 / 24
[٢٥] وفى النور: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النور:١٩]. يقف ثم يبتدئ ﴿لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:١٩].
[٢٦] وفى يس: ﴿يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ [يس:٥٢]. تقف ثم تبتدئ ﴿هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ﴾ [يس:٥٢].
[٢٧] وفى حم المؤمن: ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ﴾ [غافر:٦] تقف ثم تبتدئ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾ [غافر:٧].
[٢٨] وفى الحشر: ﴿وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ [الحشر:٧]. يقف ثم يبتدئ ﴿لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ﴾ [الحشر:٨].
٤ - فصل
[اسم الله الأعظم]
[٢٩] حدثنا عن شريح العابد قال: رأيت فى النوم كأن قائلا يقول لىّ: ائت فلانا فقد أمرناه أن يعلمك اسم الله الأعظم، فلما أصبحت جاءنى رجل فقال:
إنى أريت البارحة، فقيل لى ائت شريحا، فعلمه اسم الله الأعظم، وهو كل شىء فى القرآن: لا إله إلا هو.
[٣٠] واعلم إن ذلك فى ثلاثين موضعا فى البقرة: ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ [البقرة:١٦٣]. وفيها الله ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:٢٥٥].
[٣١] وفى آل عمران: ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران:٢].
وفيها: ﴿كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:٦] وفيها: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ وفيها: ﴿قائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ [آل عمران:١٨].
[٣٢] وفى سورة النّساء: ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ [النساء:٨٧].
[٣٣] وفى الأنعام: ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:١٠٢] وفيها:
﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:١٠٦].
[٣٤] وفى الأعراف: ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ﴾ [الأعراف:١٥٨].
[٣٥] وفى التوبة: ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:٣١] وفيها ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ [التوبة:١٢٩].
[٣٦] وفى هود: ﴿وَأَنْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود:١٤].
1 / 25