قيل لهم: نعم قد يجوز في الوهم، وليس بمستحيل فيه أن يكون الجسم يفنى عند حال فناء شيء من هذه الأعراض، ويبطل عند بطلانها، ويجوز ألا يفنى، ويبقى إلى حال أخرى غيرها، وأخرى غير تلك الأخرى، أو حال أخرى غير تلك الأخرى، وليس ذلك مما يبطل عنه الفناء، إذ لم تكن شريطة بطلان الفناء على الشيء بقاءه حالا أو حالتين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، فليس سبيل القدم والحدوث هكذا؛ وذلك أن وصفك للشيء بالقدم ينفي عنه الحدوث في كل حال، ووصفك له (¬1) بالبقاء لا ينفي عنه الفناء في كل حال، فبالجملة إنك متى ما ذكرت شيئا بأن يبقى بعد الحدوث، ولم تنف عنه أن يكون يفنى، ومتى ما وصفته بالقدم فقد أحلت عنه أن يكون يحدث أبدا.
ومن الدلالة على حدوث الأشياء أنا نظرنا إلى أدنى (¬2) حركات الأجسام إلينا وحركات الفلك فوجدناها آخر ما مضى منها، فعلمنا عند ذلك أن لجميع ما مضى منها أولا، كما كان له آخر، فلما ثبت أن لجميع ما مضى منها أولا، علمنا أنها جميعا محدثة كائنة بعد إذ (¬3) لم تكن، وبطل بذلك قول من زعم أنها لم تزل.
¬__________
(¬1) - البقاء: هو سلب العدم اللاحق للوجود، أو استمرار الوجود في المستقبل إلى غير نهاية، وهما بمعنى كما في شرح "الإرشاد" وهو أعم من الدوام.
والدائم الباقي: هو الله تعالى بافتقار الموجودات إلى مريم، كافتقار المعدومات إلى موجد.
والباقي تعالى هو باق لذاته، خلافا للأشعري فإنه عنده هو ببقاء قائم بذاته.
والباقي بنفسه لا إلى مدة هو الباري، وما عداه باق بغيره، وباق بشخصه إلى أن يشاء الله أن يفنيه، كالأجرام السماوية، والباقي بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوانات، والباقي بشخصه في الآخرة كأهل الجنة، وبنوعه وجنسه هو ثمار أهل الجنة كما في الحديث، وكل عبادة يقصد بها وجه الله فهي الباقيات الصالحات. راجع التعريفات للجرجاني.
(¬2) - سقط من (ب) لفظ (أدنى).
(¬3) - في (أ) أن بدلا من (إذ).
পৃষ্ঠা ৮