أخبرونا عن اليوم، هل كان يقدر على أن يفنيه؟ فإن قالوا لا، قيل لهم: فكيف يقدر بعد اليوم على ما لا يقدر عليه اليوم؟ وأنى له القدرة بعد هذا على شيء، أليست له قدرة عليه اليوم؟ فإن قالوا: بأنه قادر على أن يفنيه اليوم، وبعد اليوم، قيل لهم: أفتركه يفعل الشرور، ويحدث القبائح، ويفسد في الأرض ولا يصلح ألوفا من السنين، وهو قادر على أن يفنيه، فأي شر تضيفون إلى هرمز، وأي قبيح تنسبون إليه أعظم من هذا وأشنع منه؟ ويسألون عن الذي يسأل عنه أهل الدهر وغيرهم من أصحاب الاثنينن فيقال لهم: أخبرونا عن الشيطان، أبطبع يفعل الشر أم باختيار؟ فإن قالوا: باختيار، قيل لهم: فهو إذن يترك فعل الشر، ويفعل الخير؛ إذ كان فعل الشر منه اختيارا لا طبعا، فكيف حتى قلتم: إنه لا يكون من فعله إلا القبح والشر دون الحسن والجميل؟ فإن قالوا: فعل الشر منه طبع غير اختيار قيل لهم: وكيف كان طبعا وهو قد كان ولا يفعل ثم فعل بعد ذلك، والطبع لا يفارق الشيء ولا يزايله، مع أن هذه الأفعال التي أضافوها إليه مختلفة الأجناس، متضادة المعاني، وليست هي من جنس ما يطبع الشيء عليه، وكل ما يدخل على من قال بالاثنين من جميع ما رسمناه في كلامنا فهو داخل على هؤلاء القوم حرفا حرفا، وأما تكذيب المجوس (¬1) بالمرسلين فذلك أمر يشملهم مع غيرهم، مع جميع أهل التكذيب، والرد على جميعهم واحد، والله ولي التوفيق.
أهل الكتاب:
... وأما أهل الكتاب فإنهم مع اختلاف مللهم، وتفاوت أقاويلهم مجمعون على تكذيب نبينا (¬2)
¬__________
(¬1) - يرى ابن حزم أن المجوس يقرون ببعض الأنبياء دون بعض. راجع الفصل 1/177 بتحقيقنا.
(¬2) - نبي: النبي بغير همز، فقد قال النحويون: أصله الهمز فترك همزه، واستدلوا بقولهم: مسيلمة نبي سوء.
وقال بعض العلماء: هو من النبوة أي الرفعة، وسمي نبيا لرفعة محله عن سائر الناس، المدلول عليه بقوله تعالى: {ورفعناه مكانا عليا} (سورة مريم: 57)، فالنبي بغير الهمز أبلغ من النبيء بالهمز؛ لأنه ليس كل منبئ رفيع القدر والمحل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: يا نبي الله. فقال: "لست بنبيء الله، ولكن نبي الله"، لما رأى أن الرجل خاطبه بالهمز لبغض منه، والنبوة والنباوة: الارتفاع.
পৃষ্ঠা ৬৩