فإن زعموا أن الظلمة فعلته فقد نقضوا قولهم وجعلوها حية فاعلة، وإن زعموا أن هذا كله من فعل النور، قيل لهم: فمن أجهل ممن قال شيئا، وهو عنده صدق، ثم أكذب نفسه؟ ومن قال: إن شيئا هو كذب، ثم أخبر أنه صدق؟ ومن غضب من شيء، ثم رضي عنه؟ ومن أثنى على شيء بالثناء الحسن، ثم أساء الثناء عليه؟ وليس شيء من الجهل والخطأ، واعتقاد الباطل، ونفي الحق إلا وهو منه، فكيف زعمتم أن هذا حكيم، وأنتم تضيفون إليه هذه الأشياء المتناقضة، وهذا الجهل الفاحش؟
ويسألون عما سئلت عنه المنانية، فيقال لهم: أخبرونا عن مفارقة النور الظلمة ألطبع (¬1) هو أم لاختيار؟ فإن زعموا أنه لطبع أبطلوا الممازجة بعد المفارقة، فإن قالوا باختيار فيلزمهم أن يكونوا لا يدرون لعلة قد مازجها قبل تلك المفارقة، ثم تخلص منها، ثم مازجها مائة ألف مرة، إذ كانت الممازجة والمفارقة اختيارا لا طبعا، في جميع ما سئلت عنه المنانية، حرفا حرفا، وعليهم أكثر مما ذكرنا، وفيما ذكرنا من ذلك كفاية عما لم نذكره.
¬__________
(¬1) - الطبع: قوة للنفس في إدراك الدقائق، والسليقة: قوة في الإنسان بها يختار الفصيح من طرق التراكيب من غير تكلف، وتتبع قاعدة موضوعة لذلك مثل اتفاق طباع العرب الأولين على رفع الفاعل، ونصب المفعول، وجر المضاف إليه، وغير ذلك من الأحكام المستنبطة من تراكيبهم.
পৃষ্ঠা ৪৪