فإن قالوا: نور، قيل لهم: فقد وجدنا شيئا من النور حادثا، فلم لا تجعلونه كله حادثا، إذ كان شيء منه حادثا، وأنتم تزعمون أن الشاهد يدل على الغائب، فإذا كان شيء واحد تشهدون له بالحدوث، إذا كان الشاهد يدل على الغائب، وإن كنتم تحكمون على كمال الشيء بجزئه، وعلى كثيره بقليله، أفلا حكمتم على ما لم تروه منه بالحدوث، إذا وجدتم منه شيئا حادثا؟ وكذلك يقال لهم: إن زعمتم أن الحادث عند المزاج ظلمة، مثل ما قيل لهم في النور، ويقال لهم: أخبرونا عن علة الامتزاج بعد الافتراق ما هي؟ فإن قالوا: إن الظلمة لم تزل في بلادها متعلقة متحركة تدنو منه الأول فالأول حتى صارت إليه فمازجته، قيل لهم: هل لتحركها أول حتى صارت إليه؟ فإن قالوا: ليس لتحركها أول ولا ابتداء، قيل لهم: فكيف أفضت إليه؟ والذي قطعت من المسافة لا يتناهى، فإن قالوا لتحركها أولا وابتداء أثبتوا السكون قبل الحركة، قيل لهم: ذلك السكون من طبعها أم ليس من طبعها؟ فإن قالوا: من طبعها أبطلوا عنها أن تتحرك أبدا، وإن قالوا: ليس من طبعها السكون، وليس من طبعها الحركة أثبتوا الاختيار، وأقروا بالحادث، وانهدم جميع أساس مذهبهم، وكل ما يدخل على الدهرية في زعمهم أن الأشياء لم تزل، فهو داخل على هؤلاء الآخرين حرفا حرفا، ويقال لهم: أخبرونا عن قولكم في النور (¬1)
¬__________
(¬1) - النور: هو الجوهر المضيء، ويطلق اسم النور على الهداية كما في قوله تعالى: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} (سورة البقرة: 257) أي الهداية، وقوله تعالى: {أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا} (سورة الأنعام:122) أي هداية، وقوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض} (سورة النور: 35) أي هادي أهلهما. والنور من جنس واحد..بخلاف الظلمة إذ ما من جنس من أجناس الأجرام إلا وله ظل، وظله الظلمة، وليس لكل جرم نور، وهذا كوحدة الهدى وتعدد الضلال؛ لأن الهدى سواء أكان المراد به الإيمان أو الدين هو واحد، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الدين مجموع الأحكام الشرعية، والمجموع واحد، والضلال متعدد على كلا التقديرين، أما الأول فلكثرة الاعتقادات الزائفة، وأما على الثاني فلانتفاء المجموع بانتفاء أحد الأجزاء، فيتعدد الضلال بتعدد الانتفاء. راجع الفرق بين الفرق ص 271.
পৃষ্ঠা ৩৬