প্লেটোর সংলাপ: ইউথিফ্রো - প্রতিরক্ষা - ক্রিটো - ফেডো
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
জনগুলি
إهداء
مقدمة
مقدمة «أوطيفرون»
أوطيفرون
مقدمة «الدفاع»
دفاع سقراط
مقدمة «أقريطون»
أقريطون أو واجب المواطن
مقدمة «فيدون»
فيدون أو خلود الروح
অজানা পৃষ্ঠা
إهداء
مقدمة
مقدمة «أوطيفرون»
أوطيفرون
مقدمة «الدفاع»
دفاع سقراط
مقدمة «أقريطون»
أقريطون أو واجب المواطن
مقدمة «فيدون»
فيدون أو خلود الروح
অজানা পৃষ্ঠা
محاورات أفلاطون
محاورات أفلاطون
أوطيفرون - الدفاع - أقريطون - فيدون
تأليف
أفلاطون
جمع
بنيامين جويت
ترجمة
زكي نجيب محمود
إهداء
অজানা পৃষ্ঠা
إلى الأستاذ الجليل أحمد حسن الزيات، أهدي هذا الكتاب؛ فهو صدى «رسالته»، وثمرة دعوته.
زكي نجيب محمود
أفلاطون.
مقدمة
نقل «بنيامين جويت
Benjamin Jowett » محاورات أفلاطون إلى اللغة الإنجليزية - كما نقلها كثيرون غيره - ولكنه اختص هذه المحاورات الأربع، التي نقدمها اليوم إلى قراء العربية، بكتاب مستقل؛ لأنها تصور حياة سقراط تصويرا دقيقا، أو لعل أفلاطون قد أضاف إليها من فنه ما خلع على تلك الحياة ثوبا من الكمال؛ فنحن لا ندري أهو يسوق في المحاورات الثلاثة أقوال سقراط بنصها التاريخي، أم ينسج فيها بخياله صورة تمثل شخصية أستاذه تمثيلا صحيحا، كما يفعل الروائي بأبطاله. ومهما يكن من أمر، فلا ريب في أنه وفق وأجاد في ذلك التصوير، فجاء سقراط كما كان في حياته التي أثبتتها الرواية التاريخية: كثير السؤال، قليل الجواب، حاضر البديهة، لاذع السخرية، يحاور محدثه ويداوره، آخذا بزمامه إلى غاية خلقية قصد إليها ودبر لها الحديث. ولكنك ستلمس في «فيدون»، وهو رابع المحاورات في هذا الكتاب، جانبا آخر من الفيلسوف، ففيه صورة من سقراط في نزعته المثالية وفلسفته الروحية التي بدأت عنده وبلغت أوجها في تلميذه أفلاطون. وها نحن أولاء نستعرض في هذه المقدمة أهم ما تحويه هذه المحاورات، لعلها تعين القارئ على حسن الفهم وجودة الإساغة والتقدير.
ففي «أوطيفرون» - وهو الحوار الأول - يقدم لنا أفلاطون أستاذه سقراط في ثوب المعلم الذي يحاول بما أوتي من قوة الجدل أن يوقظ الناس من سباتهم، فلا يسلمون تسليما أعمى بما ورثوه من آراء لم توضع على محك البحث والاختبار، وهو يحاول ما استطاع أن يثير فيهم حب البحث في معاني الأحكام التي يرسلونها إرسالا عن إيمان ساذج غرير في مسائل الأخلاق؛ فتراه يلمس مع محدثه تعريفا للتقوى لكي ينتهي بمحاوره إلى العقيدة بضعف الأساس الخلقي الذي يقيم عليه دعاة تعدد الآلهة مذهبهم؛ فهو يرى بعد البحث أن الفعل لا يكون صالحا إلا إذا صادف قبولا من الآلهة جميعا؛ ومن ثم ينشأ إشكال آخر وهو: هل يكون الفعل صالحا لأنه يرضي الآلهة، أم أن الآلهة يرضون عنه لأنه صالح؟ فإذا صح الفرض الأخير كان تعريف التقوى هو أنها جزء من العدالة؛ ولكن العدل بصفة عامة يتعلق بما نلتزم به نحو الناس من واجبات، ولا شأن له فيما بيننا وبين الآلهة من صلة. وهنا يغوص القارئ في بحث تحليلي للموضوع: فهل تقتضي خدمتنا للآلهة واجبات خاصة غير ما نقوم به من واجب اجتماعي؟ ... ثم يختتم الحوار بنتيجة تبدو سلبية في ظاهرها، وهي أن التقوى تنحصر في فعل ما يرضي الآلهة، وهو نفس التعريف الذي قرر المتحاوران رفضه بادئ ذي بدء باعتباره ناقصا لا يفي بالغرض، ولكن القارئ المدقق لن يخطئ ما انتهى إليه البحث من أن التقوى ليست جزءا من الأخلاق، ولكنها مظهرها الديني فحسب.
أما في «الدفاع»، وهو الحوار الثاني الذي ساق لنا أفلاطون فيه دفاعا، لسنا ندري أهو نص صحيح لما نطق به سقراط أمام قضاته، أم أن أفلاطون قد أنشأه إنشاء ليصور به دفاع سقراط، أو ما كان يجب أن يقوله سقراط في دفاعه؛ ففي هذه المحاورة ترى سقراط يبسط لقضاته طبيعة الرسالة التي كلفته الآلهة بأدائها، فكأنما أرسل ليوقظ الأثينيين من رقادهم واستسلامهم للآراء التقليدية الموروثة، وليحملهم على التأمل في معنى حياتهم والغرض منها؛ إذ هم يعيشون في جهالة يزيد في ظلامها وخطورتها ما يتوهمونه في أنفسهم من علم ومعرفة؛ لأنهم بسبب هذا الوهم يرون أنفسهم أهلا لأن يصدروا أحكاما في مسائل الأخلاق كلها.
لم يكد يصدق سقراط ما قالت به راعية دلفي من أنه أحكم الناس لأنه يوقن أنه لا يعلم شيئا، فانطلق يحاور الناس ويجادلهم ليرى مبلغ ما يعلمون لعله يقيم الدليل على كذب الراعية فيما زعمت له من مكانة ممتازة في الحكمة، ولم يختر من الناس إلا من عرفت عنهم المقدرة والكفاءة من أعلام الساسة والجند وغيرهم، فراعه أن يجدهم جاهلين فيما يدعون العلم به، بل إن الشعراء أنفسهم الذين ينطقون بالقول الجزل والحكمة الرائعة لم يستطيعوا أن يجيبوا بشيء ذي غناء حين استفسرهم سقراط عما يقولون من شعر؛ مما دل سقراط على أنهم ينشدون الشعر عن وحي لا عن معرفة، أما أصحاب الحرف فقد ألفاهم يعلمون بعض العلم عما يدور حول حرفهم التي يزاولونها؛ فهم يعلمون أغراضهم التي يقصدون إليها، ويعرفون الوسائل الصحيحة التي تؤدي بهم إلى تلك الأغراض، غير أنهم حين سئلوا: ما الغرض من حياتهم، وكيف تحققون هذا الغرض؟ كانوا أشد من غيرهم جهالة.
ويسلم سقراط في حوار الدفاع بأن هنالك غرضا خلقيا واحدا من أجله ينبغي أن يحيا الناس أجمعون إذا ما عرفوا حقيقة طبيعته؛ فكل الناس ينشدون الخير، وأما المال والشرف والمنزلة الرفيعة بين الناس وما إلى هذه الأشياء فليست تستحب إلا لأنها وسائل للخير. ولقد ألقى سقراط على الحياة نظرة بما عرف فيه من إدراك سليم مستقيم عملي، فرأى أنه خير للمرء أن يموت من أن ينزل عن أداء واجبه. نعم إن الموت بلاء فادح، ولكن سقراط نظر إليه بعينين صافيتين، فرأى أنه لا ينبغي أن يخشى جانبه؛ لأنه إما أن يكون حالة من اللاشعور فلا بأس فيه، أو أننا سنحيا بعد الموت في عالم آخر نلتقي فيه بخير الرجال وأعلامهم الذين عاشوا فيما مضى، وكلتا الحالتين لا تبعثان على الخوف.
অজানা পৃষ্ঠা
وأما الحوار الثالث «أقريطون»، فيمثل منظرا آخر من حياة سقراط؛ فهو في السجن يرقب منيته، وأقريطون صديقه الحميم إلى جانبه يستحثه لينتهز الفرصة السانحة للهروب قبل أن ينفذ فيه الحكم بالموت، ولكن سقراط لا يستجيب لدعوته، ويأخذ في تحليل الموقف كما هو شأنه دائما ... فإذا كان من المقطوع بصحته أن الغاية التي يجب أن ينشدها كل إنسان ليست هي مجرد الحياة، ولكنها «الحياة الطيبة»؛ أعني أن واجب الإنسان أن يملأ حياته بالأعمال الصحيحة القويمة. نقول إذا كانت تلك هي الغاية من الحياة؛ فما أكمل صورة للحياة؟ يقول سقراط: إنه قد تعاقد مع الدولة على ألا يقترف في حياته ما من شأنه أن يضعف سلطانها، أويجوز له إذن أن يحنث بعهده ذاك لكي يربح سنوات قليلة من حياة لا غناء فيها؟ أويحق له أن يفر من موقفه خشية الموت؟
لم يرد أفلاطون بهذا الحوار أن ينبئ القارئ برفض سقراط للهرب من السجن فرارا من الموت وكفى، بل قصد كذلك أن يبرئه مما قد يتهم به من أنه مواطن سيئ يؤذي أمته أكثر مما ينفعها؛ فلقد أعلن سقراط في حوار «الدفاع» أنه سيؤدي رسالته الفلسفية مهما كلفته من عناء، ومهما أوذي في سبيلها من ذوي السلطة والنفوذ؛ إذ هو بأدائه لتلك الرسالة إنما يطيع أمر الله، وطاعة الله عنده خير من طاعة الإنسان. ولقد يتبادر إلى ذهن القارئ أن سقراط بذلك إنما يتحدى قانون دولته ويخرج عليه؛ فأراد أفلاطون بهذا الحوار أن يصحح هذا الخطأ، وأن يبين أن ذلك التحدي من سقراط لا يتنافى مع ولائه للدولة وقوانينها، فها هو ذا يقبل على الموت حتى لا يحنث في عهده للدولة أن يكون خاضعا لقانونها.
أما الحوار الأخير «فيدون»، فيسمو بنا إلى عالم جديد تجلت فيه عظمة سقراط حين دنا من الموت، وتستطيع في هذا الحوار أن تتبع الفلسفة السقراطية في تدرجها حتى بلغت إلى مرتبة المثالية الأفلاطونية في تمامها وكمالها.
فهذا حوار يدور بين سقراط وأصدقائه الذين التفوا حوله لينفقوا معه ساعاته الأخيرة، فدار البحث بين الأستاذ وتلاميذه حول خلود الروح. ولقد أقام سقراط على ذلك براهين عدة بناها على بقاء الأشياء ومقدرة النفس على إدراك ذلك البقاء؛ فما دام العقل في تفكيره لا يقف عند المظاهر الحسية المتغيرة بل ينفذ إلى قوانينها الخالدة الكامنة وراءها، فلا بد أن تكون طبيعته شبيهة بطبيعة هذه الأشياء؛ أي إن له وجودا لا يخضع للتغير ولا للفناء. والأولى أن يعتبر الموت خلاصا للعقل من ضعف الجسد الذي كان يحول بينه وبين رؤية حقائق العالم المثالي - أي العالم العقلي - في وضوح وجلاء. وهنا قدم له تلاميذه اعتراضا بأن الروح تعتمد في أداء عملها على حياة الجسم، فيرد عليهم اعتراضهم ثم ينتقل بعد ذلك إلى المقارنة بين نظرية المثل وبين المذاهب الطبيعية التي ذهب إليها أسلافه من الفلاسفة والتي لم تحاول أن تبين أن الخير هو الغاية من الكون. ثم استطرد فأخذ يبسط النظرية المثالية، فينتقل من فكرة إلى فكرة أعم منها فأعم. وهكذا حتى وصل إلى مبدأ شامل سام، هو مبدأ المعرفة كلها وأصل الوجود. وأخيرا يختتم سقراط حواره بصورة خيالية للحياة الأخرى بما فيها من ألوان الثواب والعقاب، معترفا بأنه لا يريد بتلك الصورة أنها الحقيقة الحرفية لما سيكون، ولكنها تدل على اتجاه الحقيقة لا أكثر ولا أقل.
ليس ما في هذا الحوار من آراء ينتمي إلى سقراط؛ فهو أقرب إلى مأساة نثرية سطرها أفلاطون ليصور بها خاتمة سقراط، ففيها مميزات شخصية سقراط واضحة بارزة، فترى تحمسه وحريته الفكرية وهدوءه وتجرده عن الهوى في بحثه عن الحقيقة. هذا ومن الجائز أن تكون بعض التفصيلات التي وردت في المحاورة عن موته صحيحة، غير أننا نلاحظ أن العبارة التي ذكرت في النهاية على أنها آخر ما نطق به سقراط - أي حين يطلب إلى أقريطون أن يضحي من أجله ديكا إلى أسكلبيوس شكرا على شفائه من مرض الحياة الممض الطويل - نقول إن هذه العبارة لا تدل على عقيدة سقراط، ولكنها سيقت لتشف عن روح الفكاهة التي عرف بها الفيلسوف.
مقدمة «أوطيفرون»
هذا حوار يمثل سقراط قبل محاكمته بتهمة الفجور التي اتهمه بها نفر من الأثينيين. وقد أراد أفلاطون أن يبين للناس مدى جهلهم بحقيقة الفجور الذي رموا به سقراط؛ فاتخذ حادثة قد تكون وقعت بالفعل في أسرة أوطيفرون موضوعا لمحاورته. وبطل الحادث رجل من أهل أثينا، علا كعبه في شئون العلم والدين، ألا وهو «أوطيفرون».
يقدم لنا أفلاطون هذا الرجل وقد التقى بسقراط في دهليز كبير القضاة؛ إذ كان لكل منهما عند القاضي مسألة قصد إلى إنجازها، أما سقراط فقد جاء في شأن قضيته التي اتهم فيها بالإلحاد والتي أقامها عليه «مليتس»، وأما «أوطيفرون» فجاء مدعيا في قضية قتل أقامها على أبيه. وتفصيل هذه القضية الأخيرة أن رجلا فقيرا من أتباع أسرة أوطيفرون قتل عبدا من عبيدها في «ناكسوس»؛ فأمر أبو «أوطيفرون» بالقاتل، فشد وثاقه وألقي في خندق ريثما يستفتي علماء الدين في أثينا عما ينبغي أن ينزل بهذا المجرم من صنوف العقاب، ولكن المنية لم تمهل الجاني حتى يعود الرسول من أثينا يحمل الفتوى، فقضى نحبه لما أصابه من جوع وبرد، فلم يتردد «أوطيفرون» في أن يتهم أباه بجريمة القتل.
لم يكد سقراط يصغي إلى رواية الرجل في اتهام أبيه حتى أيقن أنه لا بد عالم أدق العلم بطبيعة الخير والشر والتقوى والفجور، وإلا لما اجترأ أن يقدم على هذا الاتهام الخطير، وما دام سقراط نفسه على وشك أن يتقدم إلى المحاكمة متهما بالفجور، فخير ما يصنعه أن يتلقى عن «أوطيفرون» العلم بحقيقة التقوى والفجور لعله يفيد به شيئا أثناء محاكمته، ويكفيه أن يحتج للقضاة برأي هذا الرجل، ولن يسع القضاة إلا التسليم والقبول ... فما التقوى إذن؟
ألقى سقراط هذا السؤال؛ فأجابه أوطيفرون أن التقوى هي أن يصنع كما صنع هو؛ أعني أن يتهم أباه - إن كان مخطئا - بجريمة القتل، وهو إن فعل ذلك فإنما يقتفي أثر الآلهة أنفسهم، فذلك ما صنعه «زيوس» ل «كرونوس» وما صنعه «كرونوس» ل «أورانوس».
অজানা পৃষ্ঠা
فلم يكد سقراط يسمع هذه القصة عن الآلهة حتى أعلن مقته لهذه الأساطير، وأخذ يستوثق من أوطيفرون صدقها، فيجيب هذا بأنها حق صريح، ويبدي استعداده أن يقص على سقراط مزيدا منها، ولكن سقراط يرده في رفق ويعود به إلى سؤاله الأول عن التقوى، ما هي؛ فأما أن يجيبه بأنها فعل ما فعله هو من اتهام المرء لأبيه إن كان أبوه ذا خطيئة، فإنه بذلك لا يزيد على أن يسوق مثلا من أمثلة التقوى؛ إذ لا يمكن أن يكون هذا القول تعريفا جامعا لها.
هنا يجيب أوطيفرون بأن «التقوى هي ما هو عزيز لدى الآلهة، والفجور ما ليس بعزيز لديهم»، ولكن سقراط لا يطمئن إلى هذا الجواب؛ أفلا يجوز أن يختلف الآلهة في الرأي كما يختلف الناس سواء بسواء؟ إن ذلك جائز ولا ريب، وبخاصة فيما يتعلق بالخير والشر؛ إذ لا يقوم الخير والشر على قاعدة ثابتة. ولعل هذا الضرب من أوجه الاختلاف هو الذي يثير الخصومة والقتال؛ وإذن فالفعل الذي يكون عزيزا لدى إله قد لا يكون عزيزا لدى غيره من الآلهة، فيكون الفعل الواحد على هذا الحساب تقيا وفاجرا في وقت واحد. خذ مثلا لذلك اتهام أوطيفرون لأبيه؛ فقد يصادف هذا الفعل رضى في نفس «زيوس» (لأن زيوس أقدم على نفس الفعل نحو أبيه)، ولكنه قد يغضب «كرونوس» أو «أورانوس» (لأنها لقيا من ولديهما مثل هذا العقوق).
هنا يجيب أوطيفرون أن الآلهة والناس أجمعين لا يختلفون في وجوب عقاب القاتل، فيوافق سقراط على ذلك، ولكنه يشترط لهذا الإجماع على إنزال العقوبة بالقاتل أن يثبت أنه قاتل حقا، وألا يقوم الاتهام على مجرد الظن؛ فهل إذا نظرنا إلى قضية أوطيفرون على أبيه وتقصينا بالنظر كل ما يحيط بها من ظروف، نستطيع أن نقيم الدليل على أن الوالد قد اقترف جريمة القتل، حتى نقطع بأن الآلهة مجمعة على عقابه راضية عن فعلة أوطيفرون؟ ويستطرد سقراط فيقترح تعديلا في تعريف التقوى والفجور بحيث تكون صيغته: «إن ما تجمع الآلهة على حبه فهو تقي، وما تجمع على كراهيته فهو فاجر»، فيوافقه أوطيفرون على هذا التعديل.
عندئذ يأخذ سقراط في تحليل الصيغة الجديدة، فيقول إن في بعض الحالات يسبق الفعل الحالة؛ أعني مثلا أن الفعل الذي يتم لك به أن تكون محمولا أو محبوبا يسبق حالة كونك محمولا أو محبوبا؛ وبناء على ذلك يكون العزيز لدى الآلهة عزيزا لأنهم أحبوه أولا، والعكس غير صحيح؛ أي إنهم لم يحبوه لأنه عزيز لديهم . أما الفعل التقي فيحبه الآلهة بسبب تقواه، وهذا مساو لقولك إنهم يحبونه لأنه عزيز لديهم. وهنا يبدو لنا شيئا من التناقض غير الواضح؛ إذ تبين لنا منذ برهة قصيرة أن الفعل يسبق الحالة، فيكون الشيء محبوبا أولا وعزيزا ثانيا. ولكن هذا التعريف الجديد معناه كما رأينا أن الشيء يكون عزيزا لدى الآلهة أولا ومحبوبا من أجل ذلك ... وهنا يحس أوطيفرون أنه قد تورط فيما لا قبل له به، ويعترف لسقراط أن ما قدمه من أقوال وشروح مضطرب لا يثبت ولا يستقر، بل إنه ليحس أن سبيل البرهان قد التوى عليه، وأن براهينه تفلت من يده وتدور في دائرة كما تفعل أشباح «ديدالس» التي تروى عنها الأساطير. ولا عجب أن يثير سقراط في أقوال محاوره هذا الاضطراب وهذا الدوران؛ إذ هو خلف تحدر من سلالة «ديدالس» فيظهر أنه قد ورث عن جده الأكبر هذا الفن.
ولكن سقراط لا يأبه لهذا الضجر من صاحبه ويلقي السؤال في صورة أخرى، فيقول: «هل كل تقي عادل؟» فيجيب أوطيفرون أن نعم، فيتبع ذلك بسؤال ثان: «وهل كل عادل تقي؟» فيجيب محاوره بالنفي، فيلقي سقراط سؤالا ثالثا: «إذن فأي أجزاء العدل تكون التقوى؟» فيجيب أوطيفرون بأن التقوى هي جانب العدل الذي نخدم به الآلهة، كما أن للعدل جانبا آخر نخدم به الناس، ولكن ماذا نريد «بخدمة» الآلهة؟ إننا إذا أطلقنا لفظة «الخدمة» فيما نقدمه من العناية إلى الكلاب والجياد والناس، إنما نريد أننا ننفع هؤلاء بما نؤديه لهم من «خدمات»، فإذا كانت أفعال التقوى عبارة عن «خدمة» للآلهة؛ فهل نريد بذلك أننا ننفع الآلهة بخدمتنا إياهم؟ ... فيوضح أوطيفرون ما أشكل من الأمر على سقراط بأنه يريد بشعائر التقوى تلك الأفعال التي نؤديها في عبادتنا للآلهة، فيستأنف سقراط اعتراضه بأن «الخدمات» التي يؤديها الزارع والطبيب والبناء لها غرض ترمي إليه؛ فأي غرض نقصد بخدمتنا للآلهة، وماذا تجدي عليهم خدماتنا؟ فيعتذر أوطيفرون بأن الوقت قصير، ولا يستطيع أن يجيب على مثل هذه الأسئلة بغير تدبر وتفكير، ولكنه على كل حال يمكنه أن يقول في يقين إن التقوى هي أن نعلم كيف نرضي الآلهة بالقول والعمل؛ أعني بالصلاة وتقديم القرابين، فيفسر لنا سقراط هذا القول بأن التقوى إذن هي «علم الأخذ والعطاء»، فنطلب من الآلهة ما نريده، ونرد إليهم في مقابله ما يريدون؛ أعني أنها بعبارة: موجزة لون من التبادل التجاري بين الآلهة والناس، ولكنه تبادل مجحف بالآلهة لأنهم يعطوننا كل خير، أما نحن فماذا نقدمه لهم من الخير في مقابل عطائهم؟ فيعترض عليه أوطيفرون بأننا إذا لم نعط الآلهة خيرا، فحسبنا أننا نتخلق إزاءهم بأخلاق الشرف، فيقول سقراط جوابا على ذلك: إذن فنحن لا نعطيهم شيئا ينفعهم، ولكننا نفعل ما يسرهم، وما يكون عزيزا لديهم، وذلك ما أقمنا البرهان على فساده فيما سبق.
وهكذا لا يبرح سقراط ملحا في سؤاله رغم ما يحاوله محاوره من المراوغة والهروب؛ لأنه لا يشك في أن أوطيفرون لا بد عالم بحقيقة التقوى، وإلا لما حدثته نفسه قط أن يتهم أباه وهو الشيخ المسن؛ فهو إذن يرجو أوطيفرون ويلح في رجائه ألا يبخل عليه بعلمه الغزير وأن يتفضل بتعليمه حقيقة التقوى، فيعتذر أوطيفرون أن وقته قصير لا يسمح له بإطالة الوقوف؛ فيخيب أمل سقراط في أن يعرف من هذا العالم شيئا قد ينفعه فيما هو مقبل عليه من المحاكمة. •••
لا ريب في أن أفلاطون قد قصد بهذا الحوار أن يقارن معنى التقوى والفجور كما يفهمها عامة الناس بمعناهما على حقيقته وكما يجب أن يفهم، ولكننا نرى سقراط يفند الرأي الشائع عن التقوى والفجور دون أن يعقب على ذلك بتعريف لهما كما يراهما؛ فهو يمهد الطريق ليظفر من محدثه بجواب عن سؤاله الذي ألقاه في أول الحوار، ثم يرفض أن يدلي آخر الأمر برأيه في الموضوع كما هو منهجه في المحاورة.
ومما ينبغي ملاحظته أن أوطيفرون رجل من رجال الدين كان له ما للسفسطائيين من الغرور الكاذب والاعتداد بالنفس، فلم يداخله الشك أول الأمر في أنه على حق حين تقدم إلى القضاة باتهام أبيه ، في حين أنه كغيره من السفسطائيين يعجز أن يصوغ تعريفا جامعا لما يظن أنه على أتم العلم به، بل يعجز عن أن يتابع إقامة البرهان على سلامة ما يقول. ولقد أفلح أفلاطون في تصوير شخصيته تصويرا يمثل كل أفراد طائفته بما عرف عنهم من خطأ الرأي وضيق الفكر والثقة الكاذبة بالنفس.
وإنه لجدير بنا أيضا أن نشير إلى ما في هذا الحوار من موازنة رائعة بين العقيدة الدينية الجامدة حين تتمسك باللفظ فيضيق أفقها، وتصدر على الجهل والغرور، والعقيدة الدينية السامية المستنيرة التي حاول سقراط عبثا أن يستخرجها من محاوره ... «التقوى هي فعل ما أنا فاعل»؛ ذلك هو معنى الدين كما يفهمه الرجل الساذج الذي لا يتسع صدره لما قد يكون لدى غيره من الناس، أو لدى أمم غير أمته، من صنوف العبادة.
ولقد أراد أفلاطون في جملة ما أراد بهذا الحوار أن يجيب عن هذا السؤال: «لماذا حكم على سقراط بالموت؟» فأنطق سقراط بأن استنكاره للأساطير الخرافية قد يكون سببا أثار عليه الخصوم، كما أجرى على لسانه سببا آخر حين قال: «إن الأثينيين لا يحفلون بالرجل إذا ظنت فيه الحكمة، أما إذا أخذ يبث في الناس حكمته فإنهم عندئذ ينتحلون سببا لغضبهم عليه.» ولعل هذه العبارة صادقة في كل قوم وفي كل بلد؛ فالناس متسامحون ما دمت تقصر علمك على نفسك، أما إذا علمتهم إياه وكان مخالفا لما درجوا عليه من علم فإنهم لا يدخرون وسعا في المقاومة والمعارضة. •••
অজানা পৃষ্ঠা
ويرمي أفلاطون بهذه المحاورة القصيرة إلى أغراض ثلاثة: (1)
فهو أولا يتناول فكرة التقوى بالدراسة. (2)
وثانيا يقابل بين الديانة الصحيحة والديانة الزائفة. (3)
وثالثا يدافع عن سقراط في تهمته؛ لأنه إذا لم تكن التقوى والفجور واضحي المعالم والحدود، فكيف نرمي سقراط بهذا الاتهام؟
وهذا الحوار مثل قوي لأسلوب أفلاطون، فترى فيه عمق النظر والمقدرة العظيمة في تصوير الأشخاص، كما نلمس في كل سطوره تهكما لاذعا بارعا.
أوطيفرون
أشخاص الحوار:
سقراط، أوطيفرون.
المنظر:
دهليز كبير القضاة.
অজানা পৃষ্ঠা
أوطيفرون :
فيم تركك اللوقيون
Lyceum
1
يا سقراط؟ وماذا تصنع في دهليز كبير القضاة؟ يقينا إنك لم تجئ مثلي في شأن قضية أمام القاضي.
سقراط :
لست بصدد قضية يا أوطيفرون! إنما هو اتهام كما يسميه الأثينيون.
أوطيفرون :
ماذا؟ أحسب أن أحدا قد رماك باتهام؛ لأنني لا أصدق أن تقف أنت من غيرك موقف المتهم.
سقراط :
অজানা পৃষ্ঠা
كلا ولا ريب.
أوطيفرون :
إذن؛ فقد آخذك امرؤ باتهام؟
سقراط :
نعم.
سقراط.
أوطيفرون :
ومن هو ذا؟
سقراط :
شاب نكرة يا أوطيفرون، لا أكاد أعرفه، اسمه مليتس وهو من أهل مدينة بتثيس
অজানা পৃষ্ঠা
، ولعلك ذاكر صورته؛ فله منقار، وشعر طويل مستقيم، ولحية شعثاء.
أوطيفرون :
كلا، لست أذكره يا سقراط، ولكن بأية تهمة رماك؟
سقراط :
بأية تهمة؟ إنها اتهام خطير يدل على أنه ذو خلق عظيم، ولا ينبغي بلا ريب أن يزدرى من أجله؛ فهو يقول إنه يعلم كيف يفسد الشباب، ومن هم المفسدون.
ويخيل إلي أنه لا بد أن يكون رجلا حكيما، فلما رآني نقيض الرجل الحكيم أشار عني، وهو معتزم أن يتهمني بإفساد أصدقائه من الشبان. وستكون الدولة - وهي أمنا - حكما في هذا. إنه الوحيد بين ساستنا الذي أراه قد بدأ بدءا صحيحا في غرس الفضيلة في الشباب. فهو كالزارع القدير، يعنى بالنبات الصغير أول ما يعنى، فيباعد بيننا وبينه؛ لأننا متلفوه، وما تلك إلا خطوة أولى إذا ما أتمها توجه بعنايته إلى الغصون المكتهلة، ولو استمر كما بدأ لأصبح للشعب مصلحا جد عظيم.
أوطيفرون :
أرجو له أن يستطيع، ولكني كم أخشى يا سقراط أن يكون العكس هو الصحيح، فرأيي أنه بمهاجمته إياك إنما يصوب ضربة إلى الدولة في أساسها، ولكن كيف تفسد الشباب في زعمه؟
سقراط :
إنه يوجه إلي اتهاما عجيبا يثير الدهشة فور سماعه؛ فهو يقول إني شاعر أو مبتدع للآلهة؛ فأختلق آلهة جديدة وأنكر وجود الآلهة القديمة، هذا هو أساس دعواه.
অজানা পৃষ্ঠা
أوطيفرون :
أفهم ما تقول يا سقراط؛ فهو يريد أن يتهمك بالعلامة المعهودة التي تأتيك من حين إلى حين كما تقول. وسيقدمك إلى المحكمة لأنه يظن أنك ذو بدعة في الدين، ولعله يعلم ما أعلمه علم اليقين من أن مثل هذه التهمة سهلة القبول لدى الناس؛ فأنا حين أتحدث في الجماعة عن أشياء مقدسة وأتنبأ لهم بالمستقبل يهزءون مني ويظنون أني مجنون، ومع ذلك فكل كلمة مما أقوله حق، ولكنهم يغارون منا جميعا، فيجب علينا أن نستبسل ونهاجمهم.
سقراط :
ليس ضحكهم يا عزيزي أوطيفرون بذي خطر؛ فقد يقال عن رجل إنه حكيم، ولكن الأثينيين فيما أحسب لا يكلفون أنفسهم عناء بشأنه إلا إذا أخذ يبث في الناس حكمته، عندئذ يأخذهم الغضب لسبب ما، وقد يكون لغيرة فيهم، كما تقول أنت.
أوطيفرون :
لا ينتظر أن أختبر خلقهم على هذا النحو.
سقراط :
أظن أنك لن تفعل؛ لأنك متحفظ في سلوكك، ويندر أن تبث حكمتك. أما أنا فقد تعودت محسنا أن أفرغ ما بنفسي لكل إنسان، بل إني لأود أن أؤجر المستمع، وإني لأخشى أن يظن الأثينيون أني كثير الثرثرة، فلو حدث - كما سبق لي القول - أن اكتفوا بسخريتهم مني، كما زعمت أنهم فعلوا معك؛ إذن لأنفقنا الوقت في المحكمة في مرح شديد. ولكن قد يأخذهم الجد، وعندئذ لا يستطيع أن ينبئ بالخاتمة إلا أنتم معشر المنجمين.
أوطيفرون :
أظن يا سقراط أن الأمر سينتهي بلا شيء، وأنك رابح قضيتك كما أظنني كاسبا لقضيتي.
অজানা পৃষ্ঠা
سقراط :
وما قضيتك يا أوطيفرون، أأنت المتهم أم المتهم؟
أوطيفرون :
أنا المتهم.
سقراط :
ومن تتهم؟
أوطيفرون :
ستظنني مجنونا حين أنبئك.
سقراط :
لماذا؟ أللهارب أجنحة؟
অজানা পৃষ্ঠা
2
أوطيفرون :
لا! إنه لا يمتاز بحضور البديهة في سنه هذه.
سقراط :
ومن هو ذا؟
أوطيفرون :
إنه أبي.
سقراط :
أبوك يا رفيقي العزيز؟!
أوطيفرون :
অজানা পৃষ্ঠা
نعم.
سقراط :
وبماذا اتهمته؟
أوطيفرون :
بالقتل يا سقراط.
سقراط :
يا للآلهة يا أوطيفرون! ما أقل ما يعلم غمار الناس عن الحق والصواب، إنه لا بد للإنسان أن يكون ممتازا وأن يكون قد خطا في الحكمة خطوات فسيحة، حتى يستطيع أن يتلمس سبيله إلى مثل هذه الدعوى.
أوطيفرون :
حقا يا سقراط، لا بد أن يكون كذلك.
سقراط :
অজানা পৃষ্ঠা
أحسب أن الرجل الذي قتله أبوك كان أحد أقربائك ، ولا شبهة في هذا؛ لأنه لو كان غريبا لما فكرت قط في اتهامه.
أوطيفرون :
يدهشني يا سقراط أن أراك تفرق بين القريب والغريب؛ إذ لا شك أن جرمك هو هو في كلتا الحالتين، إذا أنت ظاهرت القاتل عن عمد؛ حيث ينبغي عليك أن تبرئ نفسك وتبرئه بإقامة الدعوى عليه. فالسؤال الصحيح هو هل قتل القتيل عدلا؟ فإن كان قد قتل عدلا، فواجبك أن تدع الأمر جانبا، أما إذا كان ظلما فلا بد أن تشكو القاتل، حتى لو كان يساكنك تحت سقف واحد، ويطعم معك على مائدة واحدة. وقتيلنا هذا كان رجلا فقيرا يعتمد على معونتي، وكان يشتغل فلاحا في حقلنا في ناكسوس
Naxos .
3
وذات يوم أخذته نشوة الخمر فاعترك مع خادم بالمنزل وقتله، فكبله أبي يدا وقدما وقذف به في خندق، ثم أرسل إلى أثينا ليستفتي كاهنا عما يجب أن يفعل به. وكان في ذلك الحين لا يأبه له ولا يعنى به لأنه اعتبره قاتلا، وظن أن لن يقع ضرر جسيم حتى ولو أصابه الموت، وذلك بعينه ما حدث؛ فقد أثر فيه البرد والجوع والأغلال التي تكبله تأثيرا أدى إلى موته قبل عودة الرسول من لدن الكاهن، وأبي وأسرتي غاضبان مني لنيابتي عن القاتل في اتهام أبي زاعمين أنه لم يقتله، وأنه حتى لو فعل ذلك فما الميت إلا قاتل، وما ينبغي لي أن أأبه له؛ لأن ابنا يتهم أباه فهو فاجر؛ ذلك يدل يا سقراط على مبلغ علمهم الضئيل برأي الآلهة في التقوى والفجور.
سقراط :
يا لله يا أوطيفرون! وهل بلغ علمك بالدين وبالتقوى وبالفجور مبلغ الدقة العظيمة بحيث لو سلمنا أن الظروف كانت كما تروى، فلا تخشى أنك أنت كذلك قد ترتكب شيئا من الفجور في إقامة الدعوى على أبيك؟
أوطيفرون :
إن أفضل ما في أوطيفرون، وهو ما يميزه يا سقراط من سائر الناس، هو دقة علمه بمثل هذه المسائل جميعا، وهل تراني أصلح لشيء لو سلبتني ذلك العلم؟
অজানা পৃষ্ঠা
سقراط :
أيها الصديق النادر! أحسب أن خير ما أصنعه أن أكون تلميذا لك؛ وإذن فسأتحدى مليتس قبل أن تحين المحاكمة معه، وسأقول له: إنني ما فتئت عظيم الشغف بالمسائل الدينية؛ فما دام يتهمني بطيش الخيال والإبداع في الدين؛ فقد أصبحت تلميذا لك. إنك يا مليتس - هكذا سأسوق إليه القول - تعترف بأن أوطيفرون لاهوتي عظيم، وبأنه سديد الرأي، فإذا اعترفت به وجب أن تعترف بي، وألا تدعوني للمحكمة. أما إذا أنكرته فقد وجب عليك أن تبدأ باتهامه لأنه معلمي، ولأنه سيكون فسادا، لا للشبان، بل للشيوخ؛ أعني فسادا لي لأنه يعلمني، وفسادا لأبيه إذ ينذره ويعاقبه. فإذا أبى مليتس أن يصغي إلي، ومضى في سبيله دون أن ينقل الدعوى مني إليك، فخير ما أصنعه أن أكرر هذا التحدي في المحكمة.
أوطيفرون :
نعم ولا ريب يا سقراط، فإذا ما حاول أن يتهمني؛ فأنا المخطئ إن لم أجد له مغمزا فتوجه إليه المحكمة من القول أكثر جدا مما توجهه إلي.
سقراط :
ولما كنت يا صديقي العزيز أعلم عنك هذا؛ فأنا راغب في أن أكون تلميذا لك؛ إذ يلوح لي أنك لست ملحوظا من أحد، فلم يلحظك حتى مليتس هذا، ولكن عينيه الحادتين قد استكشفتاني على الفور فاتهمني بالفجور؛ وعلى ذلك فأنا أتوسل إليك أن تنبئني حقيقة التقوى والفجور التي قلت إنك تعلمها جيد العلم، كما تنبئني بطبيعة القتل وسائر ضروب الاعتداء على الآلهة، ما هي؟ أليست التقوى في كل فعل هي هي دائما؟ وكذلك الفجور، أليس دائما نقيض التقوى؟ ثم أليس هو هو دائما، فله تعريف واحد يشمل كل ما هو فاجر؟
أوطيفرون :
كن على يقين من ذلك يا سقراط.
سقراط :
وما التقوى وما الفجور؟
অজানা পৃষ্ঠা
أوطيفرون :
التقوى هي أن تفعل كما أنا فاعل؛ أعني أن تقيم الدعوى على من يقترف جريمة القتل أو الزندقة أو ما إلى ذلك من الجرائم، سواء كان أباك أم أمك أم كائنا من كان، فذلك لا يبدل من الأمر شيئا. وأما الفجور فهو ألا تقيم على هؤلاء الدعوى. وأرجو أن ترى يا سقراط الدليل الساطع الذي أقيمه لك على صدق ما أقول، وهو دليل سقته بالفعل إلى سائر الناس؛ برهانا على مبدأ أن الفاجر لا ينبغي أن ينجو من العقاب كائنا من يكون. ألا ترى إلى الناس كيف يعدون «زيوس» أفضل الآلهة وأقدمهم مع اعترافهم بأنه كبل سلفه «كرونوس
Cronos » لأنه مزق أبناءه تمزيقا مروعا، بل إنهم ليقرون أنه أنزل العقاب بأبيه نفسه «أورانوس
Uranus » لسبب شبيه بهذا، عقابا يفوق الوصف، ثم يغضبون مني إذا أنا أقمت الدعوى على أبي، وهكذا ترى الناس يتناقضون في موقفهم إزاء الآلهة وإزائي.
سقراط :
ألا يجوز يا أوطيفرون أن أكون قد رميت بالفجور لأني أمقت هذه الأقاصيص التي تروى عن الآلهة؟ وإذن فأحسب أن الناس قد أخطئوا فهمي، ولكن ما دمت أنت تسلم بها وأنت الخبير بها، فخير ما أصنعه هو أن أستسلم لحكمتك العليا. ماذا أقول غير هذا، وأنا معترف بأنني لا أعلم عنها شيئا نشدتك حب «زيوس» إلا أنبأتني هل تعتقد حقا في صدقها؟
أوطيفرون :
نعم يا سقراط، بل وهنالك من الأشياء ما هو أشد عجبا والناس عنها غافلون.
سقراط :
وهل تعتقد حقا أن الآلهة كان يحارب بعضها بعضا، وأن قد نشبت بينها معارك ومواقع حامية، كما يقول الشعراء، وما تستطيع أن تراه مبسوطا في تآليف الأعلام من رجال الفن؟ إن المعابد ملأى بها، وإنك لترى بخاصة ثوب
অজানা পৃষ্ঠা
Athene - الذي يقدم إلى الأكروبوليس عند
4
العظيمة موشى بها. أكل هذه القصص عن الآلهة حق يا أوطيفرون؟
أوطيفرون :
نعم يا سقراط، وأعود فأقول إنني أستطيع أن أنبئك بأشياء كثيرة أخرى عن الآلهة تثير منك أبلغ الدهشة إذا أنت أصغيت إليها.
سقراط :
أود هذا، ولكن أحب أن تنبئنيها في ساعة أخرى من فراغي، أما الآن فأوثر أن أسمع منك جوابا دقيقا لم تعطنيه حتى الآن يا صديقي عن سؤالي: ما التقوى؟ إذ إنك لم تجب حين سألتك إلا بقولك: إنها فعل ما أنت فاعل؛ أي اتهام أبيك بالقتل.
أوطيفرون :
وما قلته لك يا سقراط حق.
سقراط :
অজানা পৃষ্ঠা
لست أشك في ذلك يا أوطيفرون، ولكني أحسبك مسلما بأن هنالك في التقوى أفعالا كثيرة أخرى.
أوطيفرون :
نعم هنالك.
سقراط :
تذكر أني لم أطلب إليك أن تضرب لي للتقوى مثلين أو ثلاثة، بل أن تشرح الفكرة العامة التي من أجلها تكون الأشياء التقية كلها تقية. ألا تذكر أن ثمة فكرة واحدة من أجلها كان الفاجر فاجرا والتقي تقيا؟
أوطيفرون :
أذكر ذلك.
سقراط :
أنبئني ما حقيقة هذه الفكرة، حتى يكون لدي معيار أنظر إليه، وأقيس به الأفعال، سواء في ذلك أفعالك أم أفعال سواك، وحينئذ أستطيع أن أقول إن هذا العمل المعين تقي وإن ذلك فاجر.
أوطيفرون :
অজানা পৃষ্ঠা
سأنبئك إن أردت.
سقراط :
لشد ما أريد.
أوطيفرون :
إذن فالتقوى هي ما هو عزيز لدى الآلهة، والفجور هو ما ليس بعزيز لديهم.
سقراط :
جد جميل يا أوطيفرون، لقد أدليت لي الآن بالجواب الذي أردت، لكني لا أستطيع حتى الآن أن أقرر إن كان كل ما تقوله حقا أم لا، ولو أنني لا أشك في أنك ستقيم الدليل على صدق عبارتك.
أوطيفرون :
بالطبع.
سقراط :
অজানা পৃষ্ঠা