তিমবুকটুর বই পালিয়েদের: ঐতিহাসিক শহরে পৌঁছানোর সাধনা ও প্রতিযোগিতা
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
জনগুলি
ثناء على الكتاب
شكر وتقدير
تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية
الجزء الأول: الاحتلال
1 - باحث عن المخطوطات
2 - فراغ واسع وممتد
3 - الجحيم ليس ببعيد
4 - المستكشف الرابع
5 - القاعدة تهب للإنقاذ
6 - سوف تكون من نصيبي
অজানা পৃষ্ঠা
7 - قائمة إسماعيل
الجزء الثاني: التدمير
8 - مستكشف من فوق مقعده الوثير
9 - فارس بلا رأس
10 - بابا تمبكتو
11 - عملاء سريون
الجزء الثالث: التحرير
12 - حياة العلماء
13 - الثنائي الرهيب
14 - ثقالة أوراق الملك ليوبولد
অজানা পৃষ্ঠা
15 - محرقة الكتب
16 - كتاب «تاريخ الفتاش»
17 - لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز!
18 - حمى المخطوطات
19 - مصنع الأساطير
خاتمة
الملاحظات
المراجع
مصادر الصور
ثناء على الكتاب
অজানা পৃষ্ঠা
شكر وتقدير
تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية
الجزء الأول: الاحتلال
1 - باحث عن المخطوطات
2 - فراغ واسع وممتد
3 - الجحيم ليس ببعيد
4 - المستكشف الرابع
5 - القاعدة تهب للإنقاذ
6 - سوف تكون من نصيبي
7 - قائمة إسماعيل
অজানা পৃষ্ঠা
الجزء الثاني: التدمير
8 - مستكشف من فوق مقعده الوثير
9 - فارس بلا رأس
10 - بابا تمبكتو
11 - عملاء سريون
الجزء الثالث: التحرير
12 - حياة العلماء
13 - الثنائي الرهيب
14 - ثقالة أوراق الملك ليوبولد
15 - محرقة الكتب
অজানা পৃষ্ঠা
16 - كتاب «تاريخ الفتاش»
17 - لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز!
18 - حمى المخطوطات
19 - مصنع الأساطير
خاتمة
الملاحظات
المراجع
مصادر الصور
مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو
অজানা পৃষ্ঠা
السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من أجل إنقاذ كنوزها
تأليف
تشارلي إنجليش
ترجمة
محمد حامد درويش
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
ثناء على الكتاب
«يمزج هذا التسجيل الآسر لإرث تمبكتو الفكري بين روايات مستكشفين أوروبيين للمدينة القديمة وتحقيقات صحفية معاصرة.»
مجلة «ذا نيويوركر» «جنبا إلى جنب مع رواية السيد إنجليش المفعمة بالحيوية لحكاية السعي إلى الوصول إلى تمبكتو نطالع سردا مثيرا لقصة أحدث عهدا؛ وهي عملية الإجلاء الجريئة لمئات الآلاف من مخطوطات تمبكتو التي اضطلع بها رجال مكتباتها أثناء احتلال الجهاديين لها في عام 2012 ... [إنه] سرد عبقري.»
অজানা পৃষ্ঠা
صحيفة «ذي إيكونوميست» «قصة مذهلة ... تتناسب تناسبا مثاليا مع سردية تمبكتو المتجددة.»
ملحق مراجعة كتب صحيفة «ذا نيويورك تايمز» «كتاب أخاذ ... مكتوب بحيوية صحفية.»
صحيفة «ذا صنداي تليجراف» «رواية مشوقة عن تاريخ تمبكتو وعن المغامرين الشجعان والمتهورين الذين جابهوا الموت وسعوا إلى المجد في محاولتهم للوصول إلى هناك.»
صحيفة «ذا تايمز»
أهدي هذا الكتاب إلى لوسي.
شكر وتقدير
المفاجأة الكبرى لمن يكتب نصا عن أحداث واقعية معاصرة هي مدى استعداد الناس للإدلاء بسرد عن الأحداث التي شهدوها لرجل غير مهندم الثياب يحمل جهاز تسجيل. وفي هذا الصدد، أود أن أعرب عن امتنان خاص لأولئك ممن هم في تمبكتو وأماكن أخرى في مالي الذين استخلصت منهم ذكرياتهم، والذين احتملوا زياراتي المتكررة بصبر وطيبة. لم يمتحن صبر أي شخص بهذه الطريقة أكثر من القاضي معيجا، الذي استطاع أن يجد ابتسامة مهما كان عدد المرات التي ظهرت فيها في مكاتب معهد أحمد بابا في باماكو. من الماليين الآخرين الذين أود أن أخصهم بالشكر الإمام الأكبر عبد الرحمن بن السيوطي، وعبد القادر إدريسا معيجا من معهد أحمد بابا، وإسماعيل ديادي حيدرة من مكتبة فوندو كاتي، وأيضا محمد دياكيتي، وقادر خليل، وتينا تراوري، وعبد الواحد حيدرة، وشيخ ديوارا. كما أعرب لعبد القادر حيدرة عن احترامي وامتناني على الساعات العديدة التي أمضيناها معا.
لا يمكن نقل الأخبار من أماكن بعيدة وخطيرة في بعض الأحيان إلا بمساعدة آخرين، وكان أهمهم لهذا المشروع أولئك الذين سهلوا لي إجراء المقابلات، وفي مناسبات قليلة سجلوها نيابة عني. في هذا الشأن، كان من حسن حظي أن أحظى بخبرة عثمان ديادي توريه ومامادو تابيلي في باماكو، اللذين عملا ساعات طويلة وسافرا مسافات هائلة سعيا وراء هذه القصة، وفطومة هاربر في تمبكتو، التي شاطرتني معرفتها الواسعة بمدينتها الأم. أما مساعدة طاهر حيدرة فكانت لا تقدر بثمن خلال زيارتي عام 2014.
لقد اعتمدت منذ البداية على مجموعة من الأصدقاء والزملاء الذين أضافوا في مراحل مختلفة تحسينات إلى الفكرة، أو حالة النص، أو الحالة المزاجية للمؤلف. وكان من بين هؤلاء نيكولاس بلينكو، وتوبي كليمنتس، وجون هينلي، وبول هاميلوس، وتشارلوت هيجينز، وجوليان بورجر، وسارة هولواي، وآندي بيكيت، وباسكال وايز، وسام ولاستون، وإنجريد كاريكاري، وتوم كامبل. كذلك اعتمدت على عدد قليل من المراسلين السابقين في غرب أفريقيا - أليكس دوفال-سميث، وشون سميث، وأفوا هيرش، ومارك تران - الذين تبادلوا معي جهات الاتصال ونصائح السفر المهمة. وما كنت سأزور تمبكتو على الإطلاق لو لم أعرف أن جان تومسون، وجوديث سوال، وجيمي ويلسون، وكارين بلويز من صحيفة «ذا جارديان» كانوا على علم برحلتي، وإن أخذت الأمور منحى خطيرا جدا، فعلى الأقل سيشاهد إيان كاتز مقاطع الفيديو. ساعدتني ميليسا دينيس، وكلير لونجريج، ولوسي لامبل، وتشارلوت نورثيدج بتكليفي بمقالات أثناء مضيي قدما. حسنت تشارلوت ألبين لغتي الفرنسية بقدر كبير؛ وقامت جولييت كورتوا بمعظم عمليات النسخ؛ وترجم فيليب أولترمان طلبات حرية تداول المعلومات الخاصة بي إلى الألمانية؛ وساعد إدجار شميتز في ترجمة الردود.
أيضا يستحق عدد من الدبلوماسيين والمغتربين في مالي شكري. ومن هؤلاء تو وكلاس تجيوكر ومارتن بروير وميريام تاسينج، وجميعهم من العاملين في السفارة الهولندية في باماكو؛ وتوماس شترايدر، وجونتر أوفيرفيلد، وجوزيف هينترسير من السلك الدبلوماسي الألماني؛ وديبورا ستولك من صندوق الأمير كلاوس؛ وإنوسنت تشوكووما من مؤسسة فورد؛ ومايكل هانسلر من مؤسسة جيردا هنكل؛ وبسام عدنان داغستاني من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث؛ وسالي هايدوك وكريستل فان هوف من برنامج الأغذية العالمي. تكرم الكولونيل فريدريك جوت ودعاني إلى مقر منظمة حلف شمال الأطلنطي في بروكسل، وشاركني مسودة كتابه «حرروا تمبكتو! يوميات الحرب في مالي»، والذي أوصي بها لدارسي الصراع. اقتطعت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، بعض الوقت من جدول أعمالها المزدحم على نحو استثنائي لشرح أسباب وآثار الدمار الثقافي، وكذلك فعل لازار إلوندو أسومو، ممثل المنظمة في باماكو. شرحت ندياي راماتولاي ديالو، وزيرة الثقافة في مالي، خطط الحكومة للمدينة بعد الأزمة.
অজানা পৃষ্ঠা
تكرم عدد من الأشخاص الذين يعرفون هذه المادة معرفة أفضل بكثير مني بتقديم النصائح حول تاريخ المنطقة ومخطوطاتها. وكان من بين هؤلاء ماورو نوبيلي من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين؛ وبروس هول من جامعة ديوك، الذي نبهني إلى مخاوفه بشأن قصة إجلاء المخطوطات؛ وديمتري بونداريف من جامعة هامبورج. وقدمت لي خبرات أكاديمية إضافية من سوزانا مولينز ليتيراس (من جامعة كيب تاون)، وتشارلز ستيوارت (أيضا من جامعة إلينوي)، وجورج بوهاس (من جامعة ليون)، وأليدا جاي بوي (من جامعة أوسلو سابقا). كذلك أسعدني جدا أن أحظى بنصائح جوزيف هنويك، الذي يمكن للقارئ أن يجد صوره الرائعة للمدينة ومخطوطاتها في كتاب «كنوز تمبكتو المخفية». يؤسفني أنني لم أبدأ المهمة في وقت مبكر بما يكفي لمقابلة والده، جون هنويك.
يوجد ما لا يقل عن أربعة أشخاص ما كان سيغدو لهذا الكتاب وجود بدونهم. هؤلاء هم وكيلاي، فيليسيتي روبنشتاين في لندن وستيوارت كريتشفسكي في نيويورك، اللذان أوليا الرعاية لكل من النص والمؤلف خلال المراحل الأصعب من عمليتي البحث والكتابة. بدونهم، ما كنت سأعثر على ريبيكا سالتان من دار ريفرهيد للنشر، التي جعل حكمها الجيد ومثابرتها ومهاراتها الفائقة في التحرير الكتاب على ما هو عليه. يكتمل الرباعي بأرابيلا بايك من دار وليام كولينز للنشر، التي أبقاني حماسها ودعمها لي على المسار الصحيح. أود أيضا أن أشكر آنا جاردين وميشيل كوفوبولوس من دار ريفرهيد للنشر، وجولييت ماهوني من مكتبة لوتينز آند روبنشتاين، على عملهم الجيد نيابة عن الكتاب.
أخيرا، أود أن أعرب عن امتناني لعائلتي؛ لباربرا إنجليش، التي قرأت المسودات الأولية، ولكن الأهم أنها سمحت لي بأن أقود السيارة عبر الصحراء الكبرى كما لو كنت مراهقا؛ ولهيو إنجليش، لإصلاح سياراتي دائما؛ ولهاري وآرثر وإدي إنجليش، الذين سيخوضون قريبا مغامراتهم الخاصة.
وقبل كل شيء، أود أن أشكر لوسي بلينكو، التي أهدي لها هذا الكتاب، على حبها وإيمانها.
تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية
من بين ملايين الوثائق التي يمتلكها الأرشيف الوطني التابع للحكومة البريطانية يوجد ملف رفيع يعرف باسم «سي أو 2 / 20». هذا الملف ليس موضع طلب كبير. ففي نهاية الأمر، هذه المحفوظات تحوي أوراقا تغطي ألف سنة من التاريخ البريطاني، ومعظم زائري غرف الاطلاع الفسيحة في منطقة كيو يأتون بحثا عن كنوز أوضح مثل «كتاب ونشيستر»، أو وصية شكسبير، أو الملفات التي جرت إتاحتها حديثا عن خونة وجواسيس الحرب الباردة. ومع ذلك كل بضعة أعوام سيطلب شخص ما ملف وزارة المستعمرات 2 / 20، وستسلم رسالة إلى بلدة تشيشير التابعة لوينسفورد، المحفوظ فيها الملف في منشأة تخزين في أعماق أضخم منجم ملح في بريطانيا. هناك، سيقدم موظف على الدخول في الظلام الممل، ويلتقط الملف من وسط أكثر من اثنين وعشرين ميلا من الرفوف الممنوحة للأرشيف الوطني، ويرسله جنوبا.
الصندوق الذي يصل بعد أيام إلى غرفة المطالعة مصنوع من ورق مقوى سميك وملفوف بشريط قطني أبيض. بداخله حزمة من مائة أو نحو ذلك من الاتصالات المكتوبة؛ مخطوطات، حسبما يمكننا أن نصفها، مرسلة من القنصل البريطاني في طرابلس إلى لندن في منتصف العقد الثالث من القرن التاسع عشر. تلقي كل ورقة من الأوراق البالية، التي سافرت مسافات بعيدة، ضوءا على ركن صغير من الزمان والمكان، ولبعضها صلة خاصة بحكايتنا. تلك هي الرسائل الأخيرة لمستكشف مغمور، هو ألكسندر جوردون لينج، وتغطي فترة حملته لاكتشاف «عاصمة وسط أفريقيا النائية الشهيرة»، بحسب وصفه لمدينة تمبكتو.
كان مقدرا للينج، الذي كان ميجورا بالجيش طويل السوالف من أدنبرة، أن يصبح أول مستكشف أوروبي يصل إلى هذا المكان البعيد المنال. في عشرينيات القرن التاسع عشر، هيمنت تمبكتو على أفكار أوروبا مثلما شكل يوما ما تصورها عن إلدورادو مفهومها للأمريكتين. كان يعتقد أن تمبكتو تحكم منطقة غنية جنوب الصحراء الكبرى تسمى «السودان»، حسب التسمية العربية «بلاد السودان» (أرض السود). كانت الشائعات عن وجود المدينة قد سرت في أوروبا لمئات السنين، وذاع صيت ثرائها منذ القرن الرابع عشر على الأقل. مثلما قيل على أرض زيبانجو التي بلغها ماركو بولو إنها أرض كان قصر الملك فيها مسقوفا بمعدن نفيس، قيل أيضا على منازل تمبكتو إنها كانت مغطاة بالذهب. كان عشرات الرحالة قد أرسلوا للعثور عليها، لكن كل محاولة كانت تبوء إما بالموت أو بالفشل.
في عام 1826، جاء دور الميجور لينج. كان لينج بريطانيا من نوع خاص، إذ كان نتاجا لذلك الزمن ما بين معركة ووترلو و«هجوم اللواء الخفيف» عندما كان العسكريون يسعون إلى الموت أو المجد، أو إلى مزيج من الاثنين. بملامحه الوسيمة واستغراقه في ذاته، كان يمكن له أن يكون ممن تظهر صورهم على أغلفة مجلة «فانيتي فير». كتب يقول: «سوف أفعل أكثر مما فعل أي أحد من قبل، وسأثبت أنني مثلما اعتبرت نفسي دوما رجل ذو إقدام وعبقرية.»
لم يتفق الجميع مع لينج في تقييمه غير المتواضع لقدراته. بينما كان متمركزا في سيراليون في عام 1824، كتب قائده لوزير الحرب والمستعمرات يقول إن «إنجازات لينج العسكرية كانت أسوأ [حتى] من شعره.» لكن يبدو أن هذا الهجاء اللاذع كان قليل الأثر؛ ففي ذلك العام عين لينج قائدا لبعثة بريطانية جديدة لتحديد مكان المدينة التي كان يعتقد أنه كان مقدرا له أن يعثر عليها. كان من شأن أن يصبح أول من يصل إلى تمبكتو أن يمنحه أكثر ما كان يصبو إليه في العالم، كما أوضح في قصيدة:
অজানা পৃষ্ঠা
إن ذلك هو ما يهفو إليه قلبي،
أن أرتقي درجات الشهرة الشاقة،
أن أنال نصيبي من التمجيد الذي يسبغه العدل،
وأن أمنح نفسي اسما خالدا.
انطلق لينج من طرابلس في صيف عام 1825، ممتطيا جمله عبر حرارة الصحراء الكبرى البالغة 120 درجة. كانت الأرض في هذا الوقت من العام قاحلة جدا حتى إن جماله صارت نحيفة كهيكل عظمي. أما دليله الذي كان ذا شخصية معتدلة وودودة على الساحل، فأصبح أكثر جشعا كلما ارتحلوا جنوبا، وفي تنزروفت، وهو سهل ملتهب الحرارة في مساحة كاليفورنيا، يبدو أنه خان لينج وأسلمه لمجموعة من الطوارق. أحاط رجال مدججون بالسلاح بخيمة المستكشف في الليل، وأطلقوا عليه النار، واخترقوا خيمته قبل أن يتركوه ظانين أنه فارق الحياة. تعد رواية لينج عن الإصابات التي لحقت به في هذا الهجوم واحدة من أبرز الآثار في ملف وزارة المستعمرات. فقد كتبت في العاشر من مايو من عام 1826، من معسكر صحراوي على بعد مائتي ميل شمال تمبكتو. حتى هذه المرحلة، كانت رسائله مكتوبة بخط منمق مزخرف مائل. أما هذه الرسالة، المبقعة حاليا بالعفن الفطري، والتي طبقاتها المطوية مسودة بتراب الصحراء الكبرى، فعبارة عن شخبطة لأعلى ولأسفل بغير نظام، ومكتوبة، كما أوضح، بيده اليسرى.
كتب يقول: «عزيزي القنصل، أرسل إليك رسالة قصيرة فقط، بواسطة وسيلة إرسال غير مضمونة، لأحيطك علما بأنني أتعافى من ... جروح بالغة تفوق بكثير أي حسابات كان يمكن لأي توقعات متفائلة أن تتوقعها.» تفصيل الواقعة عبارة عن حكاية مفاجئة من «الحرب والخيانة الدنيئة»، لكن لا بد من الاحتفاظ بها لوقت آخر. أما الآن، فسوف يحيط القنصل علما بعدد وطبيعة الجروح التي أصيب بها في الهجوم:
بداية من الأعلى، لدي خمسة جروح بسيف قاطع على قمة الرأس، وثلاثة على الصدغ الأيسر، وانفصل كثير من العظم من كل الكسور الناتجة عنها، وواحد على خدي الأيسر كسر عظمة الفك وقسم الأذن، مشكلا جرحا قبيح المنظر، وواحد على الصدغ الأيمن، وجرح غائر مريع في خلفية العنق، خدش القصبة الهوائية خدشا بسيطا.
كانت لديه طلقة بندقية في الورك، اخترقت جسده، وخدشت أثناء مرورها عموده الفقري. وكان لديه أيضا خمسة جروح بسيف قاطع في ذراعه ويده اليمنى، وهي «غائرة بعمق ثلاثة أرباع طولها»، وقد اخترقت عظام الرسغ. وكان لديه ثلاثة جروح في ذراعه اليسرى، التي كسرت، وجرح بسيط في رجله اليمنى، واثنان، منهما «جرح غائر مريع»، في رجله اليسرى، فضلا عن الضربة التي تلقاها في أصابع اليد التي يستخدمها للكتابة.
مدققا في حصيلة الخسائر هذه، كما لا بد أن القنصل الجزع قد فعل عندما وصلت الرسالة طرابلس بعد ستة أشهر، سيبحث القارئ عن مؤشرات على التراجع. من المؤكد أن لينج كان يخطط للعودة من أسرع طريق ممكن، ما إن تسمح حالته بذلك، مبتكرا طريقة لتجنب قطاع الطرق في طريق عودته. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق. إن جاذبية تمبكتو، الواقعة وراء الأفق، والتي لم تكن قد وقعت عليها عين أوروبية بعد، كانت جاذبية شديدة للغاية. إنه لن يجلب على نفسه العار بالاستسلام الآن. قال للقنصل إنه «بخير» رغم جروحه. وأضاف أنه ما زال يأمل في أن يعود إلى إنجلترا ومعه «الكثير من المعلومات الجغرافية المهمة.» لقد اكتشف أمورا كثيرة لا بد من تصحيحها على خريطة أفريقيا، وكان يتضرع إلى الرب أن يمنحه الوقت لينهي مهمته.
بعد شهرين تقريبا، كتب لينج مجددا. لقد أصبح موقفه أسوأ. لقد أصاب المعسكر «داء مروع» أشبه بحمى صفراء أودت بحياة نصف من فيه، وفيهم آخر من بقي من خدمه. وأبلغ القنصل بتعاسة: «أنا الآن العضو الوحيد الباقي على قيد الحياة من أعضاء البعثة.» وأضاف: «إن وضعي ليس طيبا على الإطلاق.» ومع ذلك، فإن حس المصير لديه الذي ينقله قوي جدا:
অজানা পৃষ্ঠা
إنني مدرك تمام الإدراك أنني إن لم تطأها قدمي، فإن العالم سيظل جاهلا بها [تمبكتو] ... كما أنني لا أبدي أي تأكيد مزهو باطل حين أقول إنه لن تطأها قدم مسيحية بعدي.
حقق لينج طموحه الكبير بعد ذلك بستة أسابيع، بدخوله تمبكتو في الثالث عشر من شهر أغسطس من عام 1826. ثم حدث أمر غريب جدا؛ لم يرد منه أي أخبار.
لمدة خمسة أسابيع لم يرسل كلمة واحدة عن وصوله إلى القنصل. لم يكتب مجددا إلا في الحادي والعشرين من سبتمبر، ثم لم يزد طول رسالته عن خمسمائة كلمة. كان لا يزال يمسك بالقلم في يده اليسرى، وخطه الآن متشنج ومتوتر. أخبر القنصل بأن حياته مهددة، وأنه يتعجل المغادرة:
ليس لدي وقت لأقدم لك روايتي عن مشاهداتي في تمبكتو، لكنني سأذكر بإيجاز أنه من كل ناحية عدا الحجم (الذي لا يتعدى محيط أربعة أميال) أنها قد أوفت بتوقعاتي بالكامل ... لقد كنت مشغولا أثناء إقامتي، أفتش في السجلات الموجودة في المدينة، وهي وفيرة، وأتحصل منها على معلومات من كل نوع، ولن يكون مرضيا بأي درجة مقبولة أن أقول إن مثابرتي قد أجزيت بسخاء.
في اليوم التالي لكتابته لهذه الرسالة، غادر لينج تمبكتو وخرج من سجلات التاريخ. بعث القنصل بالرسالة الأخيرة إلى لندن مع مذكرة تمهيدية تزعم تحقيق انتصار من نوع ما؛ إذ كانت «أول رسالة على الإطلاق تكتب من ذلك المكان على يد رجل مسيحي»، ولكن من ناحية تقديم معلومات عن هدف عظيم للجغرافيا الأوروبية، كانت رحلة لينج الاستكشافية فاشلة. لو أن تمبكتو كانت قد أوفت بتوقعاته «بالكامل »، فأين هي التفاصيل؟ الأمر الأكثر مدعاة للحيرة كان تأكيد لينج بأنه كانت توجد «سجلات وفيرة في المدينة»، والتي تحصل منها على «معلومات من كل نوع.» ما نوع السجلات الذي يمكن أن يسترعي انتباه رجل عسكري؟ وكيف تكون ذات نفع للحكومة البريطانية؟ •••
بعد قرنين تقريبا، من الجلي أن «السجلات الموجودة في المدينة» كانت كثيرة، وكان معظمها من النصوص العربية المعروفة حاليا إجمالا باسم «مخطوطات تمبكتو». تتسم مخطوطات المدينة، التي يبدو أن لينج كان أول أوروبي تقع عيناه عليها، بأنها كثيرة العدد لدرجة أنه لا أحد يعرف بالضبط عددها، وإن كان يعتقد أن عددها يبلغ عشرات أو حتى مئات الآلاف. وهي تحتوي على بعض من أقيم المصادر المكتوبة لما يطلق عليه العصر الذهبي لتمبكتو في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وإمبراطورية سونجاي التي كانت المدينة جزءا منها. اعتبر الخبراء تلك المخطوطات المكافئ الأفريقي لمخطوطات البحر الميت أو للوثائق الأنجلوساكسونية، والتي تعد بمنزلة دليل على تاريخ القارة المكتوب النابض بالحياة.
في عام 2012 بدا أن ذلك التاريخ معرض للتهديد. فبعد انقلاب في جنوب مالي، سيطر على تمبكتو مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. بدأ الجهاديون يهدمون أضرحة أولياء المدينة الصوفيين التي يبلغ عمرها عدة قرون هدما منهجيا. وفي الثامن والعشرين من يناير من عام 2013، أعلن عمدة تمبكتو للعالم أن كل مخطوطات المدينة القديمة قد أحرقت هي الأخرى.
أتذكر صباح ذلك اليوم جيدا. كنت في ذلك الوقت أعمل محرر أخبار دولية في صحيفة «ذا جارديان»، وكان لمالي وقع خاص عندي. فقبل ذلك بسنوات كثيرة، وأنا في الثامنة عشرة من عمري، فكرت في السفر بالسيارة عبر الصحراء الكبرى. ادخرت المال، واشتريت سيارة لاند روفر قديمة، وانطلقت من يوركشاير مع صديق لي، مسافرا عبر المغرب والجزائر إلى مالي، التي وصلت إليها في ربيع عام 1987. كانت مدينة عقلحق الصحراوية هي علامة نهاية رحلة العبور، أي، بمنزلة ذروة رحلتنا، وما إن وصلنا إلى هناك حتى تكونت لدينا فكرة جديدة. ماذا لو قايضنا السيارة المتهالكة بثلاثة جمال أو أربعة وركبناها إلى تمبكتو؟ وهذه هي القصة التي سنرويها! عثرنا على بائع وتفاوضنا معه طيلة أسبوع، ولكن بما أنه لم يستطع إلا أن يقدم إلا جملا واحدا صغيرا، تخلينا عن الخطة وتابعنا المضي جنوبا. بعت السيارة في جاو، عاصمة سونجاي القديمة، وسافرت إلى بوركينا فاسو وكوت ديفوار ثم سافرت عائدا إلى الوطن. لم أكن قد وصلت إلى تمبكتو، لكنني أغرمت بحب فكرة السفر عبر الصحراء. عدت إلى الصحراء الكبرى في عام 1989 بسيارة مختلفة، ولكنها لم تكن موثوق فيها بما يكفي للمخاطرة بقيادتها إلى مالي. مرة أخرى، ظلت مدينة الثلاثمائة والثلاثة والثلاثين وليا بعيدة المنال على نحو مشوق.
في يوليو من عام 2012، شاهدت، بغضب وحزن، المشاهد المصورة للجهاديين وهم يهدمون آثار تمبكتو. في يناير من العام التالي، عندما قيل لمراسلنا إن الثوار قد أحرقوا النصوص التاريخية للمدينة، كنا سباقين إلى نشر الخبر على الطبعة الإلكترونية على الإنترنت لصحيفة «ذا جارديان». بعدها بأيام، أصبح واضحا أن المخطوطات لم تكن مع ذلك قد أتلفت؛ في حقيقة الأمر، كانت قد هربت إلى بر الأمان على يد رجال مكتبات المدينة. أصبحت شغوفا بتفاصيل هذه العملية. بدا لي أنها تكرار لحبكة لرواية روبرت كرايتون الهزلية «سر سانتا فيتوريا»، التي ينقذ فيها سكان بلدة توسكان الصغيرة مليون زجاجة من الخمر من النازيين الذين كانوا ينهبون البلدة. غير أن الأمر كان أفضل من ذلك بكثير؛ فالكنز في تمبكتو كان أكثر أهمية للغاية؛ والأكثر من ذلك، أن عملية الإجلاء هذه كانت حقيقية. استقلت من عملي، مصمما على أن أحول هذه القصة إلى كتاب.
ذكر بروس تشاتوين ذات مرة أن هناك مدينتين تحملان اسم تمبكتو. إحداهما هي المكان الحقيقي، مدينة منهكة تعبرها القوافل حيث ينعطف نهر النيجر نحو الصحراء الكبرى. أما الأخرى فأروع بكثير، وهي مدينة أسطورية في أرض خيالية، تمبكتو التي في الأذهان. خططت أن أقدم عرضا لمدينتي تمبكتو هاتين باتباع مسارين بالتناوب: مسار نضال الغرب لعدة قرون للعثور على المدينة، وغزوها، وفهمها؛ ومسار المحاولة المعاصرة لإنقاذ مخطوطاتها وتاريخها من التدمير. سيستكشف السرد الأول دور الأسطورة في تشكيل رؤيتنا لتمبكتو؛ أما الثاني فسيروي حكاية الاحتلال والإجلاء.
অজানা পৃষ্ঠা
ما لم أفهمه حينئذ كان كم تعكس بشدة هاتان القصتان بعضهما بعضا.
تشارلي إنجليش
لندن، 2017
الجزء
الاحتلال
إن كنت لا تعرف الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس فافرك كف الفارس فإنه يدور ثم يقف، فأي جهة وقف إليها فاسلكها ولا خوف عليك ولا حرج فإنها توصلك إلى مدينة النحاس.
كتاب «ألف ليلة وليلة»
الفصل الأول
باحث عن المخطوطات
مارس 2012
অজানা পৃষ্ঠা
في صباح ضبابي في باماكو، عاصمة دولة مالي المعاصرة في غرب أفريقيا، سارت سيارة تويوتا لاند كروزر ببطء نحو نهاية طريق خرساني وتركته لتنخرط في زحام السيارات الصباحي. في مقعدها الأمامي جلس رجل ضخم ذو مظهر مميز يرتدي عباءة فضفاضة وقبعة صلاة مستديرة. كان في السابعة والأربعين من عمره، وطوله يزيد عن الأقدام الست، ووزنه يقارب مائتي رطل، وعلى الرغم من وجود شارب صغير فرنسي الطراز متوازن بأناقة فوق شفته العليا، كان ثمة شيء يوحي بالقيادة في مظهره. في عينيه البنيتين البارزتين كان يكمن ذكاء حاد يكاد أن يكون خبيثا. كان هذا هو عبد القادر حيدرة، أمين مكتبة من تمبكتو، والذي كان اسمه سيصبح عما قريب شهيرا في أنحاء العالم.
لم يكن حيدرة رجلا مترددا، ولكن في ذلك الصباح، بينما كان سائقه يقود السيارة الثقيلة عبر الحشود الكثيفة من الدراجات البخارية الصينية الصنع التي تمر محدثة أزيزا والحافلات الصغيرة الخضراء المتهالكة التي طوت شوارع المدينة، كان واقعا في معاناة من التردد. كان راديو السيارة، المضبوط على إذاعة فرنسا الدولية، يفيض بتحديثات مقلقة عن الوضع في الشمال، بينما امتلأت باستمرار الهواتف المحمولة الرخيصة، التي كانت في متناول يده دوما، بإفادات من معارفه في تمبكتو، التي تبعد ستمائة ميل. كان المتمردون يتقدمون عبر الصحراء، ويجبرون القوات الحكومية واللاجئين على التراجع أمامهم. كانت محطات الحافلات تعج بالنازحين؛ كانت الطرق السريعة تزدحم بالدراجات البخارية والشاحنات الصغيرة والشاحنات الكبيرة القديمة التي تتأرجح تحت ثقل السكان الفارين. كان حيدرة قد عرف عندما غادر شقته أن قيادة السيارة في هذه الفوضى ستكون خطرة، لكن حينئذ بدأ الأمر يبدو مثل مهمة انتحارية. سرعان ما ضاق ذرعا بالأمر؛ فتحدث إلى سائقه، وبعد ذلك توجها صوب الغرب من جديد، عائدين إلى حواف العاصمة الأفريقية المترامية الأطراف.
ليست هناك كلمات كثيرة أفضل لوصف أمين المكتبة هذا من كلمة «مسئول». لقد كان مسئولا عن شريحة ضخمة من التاريخ المهمل، المتمثلة في مخطوطات تمبكتو، التي هي مجموعة كبيرة من الوثائق المكتوبة بخط اليد حتى إنه لم يكن أحد يعرف عددها على وجه الدقة، لكنه هو نفسه كان سيحصيها بمئات الآلاف. كان قلة من الناس قد فعلوا أكثر مما فعل حيدرة للكشف عن هذه المخطوطات. وفي الشهور التالية، لن ينال أحد فضلا أكثر مما سينال على إنقاذها.
من الناحية الشخصية كان أمين المكتبة رجلا ذا هيبة يصافحك مصافحة رقيقة رقة مذهلة، ويحييك تحية عابرة تبقى في الذاكرة. كان على دراية كبيرة بتاريخ ومحتوى الوثائق، لكنه لم يبد عالما بقدر ما بدا رجل أعمال كان يتولى شئونه بلغات مختلفة عبر هواتفه المحمولة، أو شخصيا من وراء مكتب بحجم قارب صغير. لم يكن المالك الوحيد للمخطوطات في المدينة، لكن بصفته مالك أكبر مجموعة منها ومؤسس «سافاما»، وهي منظمة مكرسة للمحافظة على تراث المدينة المكتوب، ادعى أنه يمثل أكثرية عائلات تمبكتو المالكة للمخطوطات.
نشأ حيدرة في منزل ضخم في تمبكتو مصنوع من قرميد البانكو ومبني حول ساحة، شأنه شأن مائة ألف منزل آخر في المنطقة. كان واحدا من أربعة عشر ابنا من أبناء مما حيدرة، الذي كان عالما من تمبكتو، وكانت المدينة التي نشأ فيها قد تغيرت قليلا على مدى مائة عام. في قلب المدينة كانت تقع المساجد الثلاثة الكبيرة؛ جينجربر، «المسجد الكبير» في الغرب؛ وسيدي يحيى في المركز؛ وسانكوري في الشمال. كانت المساحات بين المساجد مليئة بالمنازل والأسواق، وكانت المدينة القديمة، التي كانت على شكل قطرة دمع كبيرة، على مسافة ميل ونصف في الجوار. كان الناس قد دفنوا أقاربهم بالقرب من منازلهم، وبينما تنامت المدينة، كانت المدافن قد استوعبتها شبكة الأزقة والشوارع. كان الأحياء والأموات الآن يتواجدون جنبا إلى جنب، وفي تقليد الإسلام الصوفي الباطني، لم يعد الفاصل بينهم واضحا؛ الأسلاف الأكثر قداسة، العلماء والقضاة والقادة من الأزمنة السابقة، كانوا يرقدون في أضرحة كبيرة حيث كانوا يعظمون باعتبارهم أولياء. كان أحد ما قد ذكر أن عددهم 333 وليا، وإذ كان هذا الرقم رقما مباركا، فقد صار هذا هو ما أصبحت تمبكتو تطلقه على نفسها، «مدينة ال 333 وليا».
لم تكن توجد سيارات أو شاحنات في تمبكتو حينما كان حيدرة يترعرع؛ فلم تحظ المدينة بأول مضخة وقود حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي. كانت بدلا من ذلك مليئة بالحيوانات. كانت الأغنام والماعز والماشية والدجاج تلتقط طعامها من النباتات المتناثرة ومن الفضلات التي تلقى في الشوارع. كانت قوافل الحمير تجلب الحبوب من الميناء النهري إلى الجنوب، بينما كانت أكبر أحداث العام هي عمليات وصول قوافل الملح، التي كانت تضم آلاف الجمال، من المناجم في الصحراء.
في السادسة من عمره، أرسل حيدرة إلى كتاب ليتعلم النصوص المقدسة، وبعد ذلك إلى مدرسة كانت الدراسة فيها باللغتين الفرنسية والعربية ليتعلم كل الأمور الأخرى. وكان يتذكر أن طفولته كانت طفولة خالية من القلق، لكن مثل معظم التمبكتيين لم تكن العائلة تمتلك الكثير من المال. كانت أصولها الرئيسية هي المخطوطات. كانت تلك المخطوطات مخزنة في سائر أنحاء المنزل، كما سيتذكر حيدرة لاحقا، على أرفف كانت تنحني تحت وطأة الورق، وفي بيوت الأقارب وفي أنحاء تمبكتو. كانت في الأغلب مكتوبة باللغة العربية، وكانت مغلفة بجلد جمل أو غزال، أكلت أرضة الأرض نسيجه وتلطخ بالماء. وكانت تغطي كل موضوع موجود تقريبا. وكانت توجد أعمال في الفلك، والشعر، والطب، وكذلك وثائق ملكية، وأحكام قانونية، وسندات بيع عادية. وكانت في أغلبها وثائق إسلامية؛ تفاسير للنصوص المقدسة وتأويلات لمعانيها الشرعية.
استخدم والد حيدرة المخطوطات للتدريس. كان الطلاب يأتون من أنحاء الإقليم ليتعلموا من هذا العالم وكتبه، بينما كان أصدقاؤه - «الشخصيات العظيمة»، قادة المناطق المجاورة ووجهاء تمبكتو - يأتون ليجلسوا ويتبادلوا الآراء. في بعض الأحيان كان والده يطلب منه أن يجلب وثيقة معينة، وكان من شأن حيدرة أن يبحث في غرف المنزل ليعثر على الشيء المراد. لاحقا بدأ ينسخ أجزاء من المخطوطات، وبهذه الطريقة صار يعرفها ويفهمها.
توفي والده في عام 1981، عندما كان عبد القادر في السابعة عشرة من عمره. كان التقليد المتبع هو أن تجتمع عائلة المتوفى وأعيان المدينة لتقسيم التركة، ولهذه الغاية جمعت ممتلكات مما حيدرة في دفتر. لكن المخطوطات نحيت جانبا؛ فلم تكن المخطوطة ستقسم، أو تباع، أو يتخلى عنها. عوضا عن ذلك، كان أحد أفراد الجيل التالي سيكلف بمهمة رعايتها. اختار الكبار عبد القادر، إذ كانوا قد شهدوا طبيعته الميالة إلى حب البحث واكتساب المعرفة. وكان سيغدو هو «المسئول».
في تلك الفترة تقريبا، جاء الحكيم المالي أمادو همباطي با ليتحدث في تمبكتو. كان همباطي با، الذي عاش منذ الأيام الأولى للاستعمار الفرنسي، كاتبا موهوبا، وجامعا للتراث، وخبيرا في ثقافة غرب أفريقيا، ورجلا ذا ذكاء ومكانة عظيمين. ذهب حيدرة ليستمع إليه. قال همباطي با لمستمعيه أن يتخيلوا، من المنظور الثقافي للأمور، أن مدن العالم مصطفة في صف واحد. وقال إنه فيما مضى كانت تمبكتو في مقدمة الصف، لكن بعد ذلك أمر الله الصف أن يدور استدارة كاملة على عقبيه، وحينئذ صارت في المؤخرة. قال همباطي با: «لا نعرف كيف حدث هذا، ولكن يوما ما سيأمر الله باستدارة كاملة أخرى بحيث تعود تمبكتو إلى مكانها من جديد. ينبغي ألا تقفوا مكتوفي الأيدي وتنتظروا تلك اللحظة. يجب عليكم أن تعينوا التاريخ. يجب أن تخرجوا مخطوطاتكم. يجب أن تستخدموها.»
অজানা পৃষ্ঠা
انغرست كلمات همباطي با بعمق في وعي حيدرة. في ذلك اليوم، أدرك غايته. كان سيحاول أن يعيد الحياة إلى المدينة عبر مخطوطاتها.
كانت تمبكتو في ثمانينيات القرن العشرين بالفعل مقر منظمة مكرسة لدراسة النصوص العربية. وبتشجيع من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، كانت الحكومة المالية قد تبرعت بإنشاء معهد بحثي في المدينة في عام 1973، أسمي تيمنا باسم عالم تمبكتو في القرن السادس عشر أحمد بابا، وأوكلت إليه مهمة جمع تراث مالي المكتوب وحفظه. بدأ مركز أحمد بابا بأقل من مائة وثيقة وكان قد أضاف حوالي 3300 وثيقة أخرى بحلول عام 1984، عندما فاتح مديره حيدرة وقال له إنه ينبغي أن يأتي للعمل هناك «منقبا»، أي، باحثا عن المخطوطات. وقبل حيدرة ذلك. وأصبح أبرز منقب عن المخطوطات حظي به المركز على الإطلاق.
بدأ بالاتصال بأصدقائه واستخدام تأثيره، واسم عائلته، وطبيعته المثابرة. كثيرا ما كان الناس ينكرون أن لديهم مخطوطات، لكن حيدرة كان يتحدث إليهم المرة تلو الأخرى حتى ينجح في استمالتهم. كان يفتش في تمبكتو وكان يفتش أيضا في الإقليم الأكبر، قاطعا شمالي مالي طولا وعرضا راكبا حمارا، أو جملا، أو زورقا، أو سيارة لاند روفر. وأحيانا كان يسافر مع قوافل الملح، مرتحلا على قدميه إلى جانبها طيلة أربع عشرة ساعة متواصلة. وقد ذهب إلى مدن وقرى ونجوع، محاولا إقناع الناس بلطف أن يتنازلوا عما لديهم من وثائق كانوا قد خبئوها أو نسوها. سافر إلى حدود موريتانيا والسنغال في الغرب، وإلى الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر في الشرق. ذهب إلى جوندام، وديري، وتونكا، ونيافونكي، ونيونو، وإلى كل ما بينها من أماكن. كان يدفع ما يصل إلى مائتي دولار مقابل وثيقة قيمة من ورقة واحدة، وثلاثمائة دولار مقابل مخطوطة كاملة، لكنه في بعض الأحيان كان يدفع الثمن بالحيوانات، التي كثيرا ما كانت قيمتها عند الناس أكثر من النقود. كانت المخطوطات التاريخية هي أكثر ما يسعى إليه، يليها المخطوطات التي كانت مزخرفة بزخارف متقنة، أو قديمة جدا، أو مكتوبة على يد كتاب محليين. إذا كانت حمولته مرهقة، كان حيدرة يستأجر سيارة أو قاربا نهريا ليحملها عائدا بها إلى تمبكتو. ورويدا رويدا، جلب الكتب والوثائق. وفي غضون اثني عشر عاما أضاف ستة عشر ألف مخطوطة إلى مجموعة أحمد بابا. واستمر في تنقيبه بعد ذلك، لكنه توقف عن الإحصاء.
وبينما كان حيدرة ينشئ الأرشيف الوطني، أخذ يفكر أكثر فأكثر في مخطوطاته الخاصة، التي كانت موضوعة في صناديق مكدسة في غرف صغيرة مظلمة، معرضة للرطوبة والأرضة وخطر الحريق. لم تكن التقاليد تسمح له بأن يبيعها، حتى إن أراد ذلك، لذا قرر أن ينشئ مكتبته البحثية الخاصة. أرسل فاكسات إلى مؤسسات ومنظمات دولية وألح في الحديث على زوار مؤثرين للمدينة الشهيرة، طالبا دعمهم. عرض عليه الناس أن يشتروها، لكن لم يرغب أحد في أن يدفع له مقابل الإبقاء عليها في تمبكتو.
في عام 1997، جاء العالم البارز من جامعة هارفرد هنري لويس جيتس الابن إلى مالي، ودعاه حيدرة لرؤية مجموعته. ذرف جيتس الدموع عند رؤية الوثائق التي كانت موضوعة أمامه. تساءل حيدرة لماذا كان جيتس يذرف الدمع؟ أوضح جيتس أن السبب أنه كان يدرس في بعض من أفضل الجامعات في العالم قرابة عشرين عاما، وأنه كان يقول دوما لطلابه إنه لا يوجد تاريخ مكتوب في أفريقيا، وأنه كله شفاهي. والآن عندما وقعت عيناه على هذه المخطوطات، تغير كل شيء. عندما عاد جيتس إلى الولايات المتحدة، مارس ضغوطا من أجل الحصول على تمويل لمشروع حيدرة، الذي سرعان ما نال دعم مؤسسة أندرو دبليو ميلون. قدمت جهات مانحة أجنبية أخرى، هي مؤسسة فورد، ومؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي التي مقرها في لندن، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، أموالا أكثر بمرور السنين. وفي عام 2000 افتتح أول أرشيف خاص معاصر في تمبكتو، مكتبة مما حيدرة التذكارية، في احتفال حضرته سيدة مالي الأولى. بعد ذلك، ساعد حيدرة أصدقاءه على إنشاء مؤسساتهم، وسرعان ما كانت المكتبات تظهر في كل مكان، إذ أخرجت عائلات تمبكتو مجموعاتها.
بحلول هذا الوقت كانت المخطوطات بصدد أن تصبح مسألة مشهورة. وتزايد استخدامها من أجل السعي وراء تفسير جديد لماضي أفريقيا يمكن أن يكافح العنصرية التي لازمت القارة زمنا طويلا. فمن إيمانويل كانت إلى ديفيد هيوم، كان فلاسفة ومؤرخون غربيون قد استشهدوا بغياب الأعمال المكتوبة في أفريقيا باعتباره دليلا على أن القارة كانت متخلفة للغاية حتى عن أن يكون لها تاريخ. كتب هيوم في عام 1748: «لم توجد أبدا أي أمة متحضرة بأي لون بشرة إلا اللون الأبيض، ولا حتى وجد أي فرد بارز في الفعل أو التفكير. لا توجد لديهم اختراعات تتسم بالإبداع، ولا فنون، ولا علوم.» كانت أصداء هذه الرؤية لا تزال تتردد لدى المؤرخ البريطاني هيو تريفور-روبير في عام 1963 والذي قال: «ربما في المستقبل، سيوجد تاريخ أفريقي ما يمكن أن يدرس. لكن في الوقت الحاضر لا يوجد. لا يوجد سوى تاريخ الأوروبيين في أفريقيا. أما الباقي فظلام.» كانت المخطوطات موجودة في سائر أنحاء غرب أفريقيا، لكن تمبكتو كانت الأشهر، والآن اعتبرت دليلا مضادا. في عام 2001، أدرجها رئيس جنوب أفريقيا تابو إيمبيكي في حملة للمساعدة على إعادة تعريف القارة بمفهوم أفريقي. وأمر بإنشاء مبنى ضخم جديد لمركز أحمد بابا في تمبكتو يشمل مساحة للعرض، وقاعة للمؤتمرات، وورشا للترميم، ويعمل وفق برنامج أكاديمي للحفاظ على المخطوطات. قال إيمبيكي: «تفتح [المخطوطات] آفاقا للتفكير بطرق جديدة بشأن العالم، وهي تعد فرصة لتأمل التاريخ بنظرة جديدة.»
في تلك الأثناء كان البحث في العدد المتنامي من الوثائق التي كانت تصل إلى تمبكتو يجري على قدم وساق. في عام 2001، أعلن جون هنويك من جامعة نورث ويسترن، الخبير الدولي الرائد في التراث الإسلامي المكتوب لغرب أفريقيا، أن خبيئة من ثلاثة آلاف مخطوطة كانت قد عرضت عليه في تمبكتو كانت «تعيد كتابة التاريخ». قال هنويك لصحيفة «شيكاجو تريبيون»: «كادت عيناي تخرجان من محجريهما.» وأضاف: «لم يسبق لي أن شاهدت أي شيء مثلها من قبل.» قال شون أوفاهي، صديق هنويك وزميله، إن الأمر كان «مثل مصادفة تأريخ أنجلو-ساكسوني آخر أعطانا رؤية جديدة للتاريخ المبكر لإنجلترا.» كان الكشف ببساطة «استثنائيا»، على حد قول ديفيد روبنسون، أستاذ التاريخ الأفريقي بجامعة ميتشجن ستيت.
بحلول عام 2011، كان حيدرة وزملاؤه الباحثون عن المخطوطات قد أحرزوا تقدما هائلا في المهمة التي كان همباطي با قد حددها لهم وهي مهمة استعادة تمبكتو لمكانتها الصحيحة في العالم. قدر حيدرة أن عدد المخطوطات المحصاة في الإقليم حينئذ بلغ ما لا يقل عن 101820 مخطوطة، وكان العدد في البلد ككل قريبا من المليون. ولولا الحرائق، والحروب، والكوارث الطبيعية، كان العدد سيصبح أعلى بكثير.
ثم تحولت الاضطرابات في الصحراء خارج المدينة، التي كانت قد دوت على مدى عقود، إلى فوضى صاخبة.
كان شمال مالي لأمد طويل منطقة مجاورة مضطربة، وكان مأوى لقطاع الطرق، والمهربين، والمتمردين. كان لدى القادة المسلحين في الشمال تظلمات من النظام الحاكم في باماكو منذ عهود الاستعمار، وأدت هذه التظلمات إلى تفجر أعمال تمرد متكررة منذئذ. في عام 2003، كان الجهاديون الجزائريون الذين يخوضون حربا في مواجهة حكومتهم قد اتخذوا ملاذا عبر الحدود في مالي، وبعد ذلك بفترة وجيزة تلقوا مباركة أسامة بن لادن واتخذوا اسم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». لقد ضرب هؤلاء جذورا عميقة لهم في الصحراء، آخذين حصة من تجارة التهريب، لكن أكبر مصدر للمال لهم كان يأتي من عمليات الخطف. فما بين عامي 2003 و2010، جنى هذا التنظيم عشرات الملايين من الدولارات عن طريق أخذ فدية عن دبلوماسيين غربيين، وعاملين في مجال الطاقة، وسائحين ضلوا طريقهم ودخلوا الإقليم الخطأ.
অজানা পৃষ্ঠা
في عام 2011، أضيف مكون إضافي إلى الوضع المتأجج. في تلك السنة، أطاح تمرد في ليبيا، مدعوما بطائرات حلف الناتو المقاتلة وصواريخه الجوالة، بنظام العقيد معمر القذافي، وعاد إلى الديار مئات من الطوارق الماليين، الذين كانوا قد وظفوا في جيوش الدكتاتور، ومعهم كل ما استطاعوا حمله من أسلحة وذخيرة. وفي مالي انضموا إلى حركة سياسية كانت تحشد لإقامة دولة طوارق مستقلة تسمى أزواد، وظهرت إلى الوجود «الحركة الوطنية لتحرير أزواد». أعلنت الحركة الحرب على حكومة باماكو وبمعاونة حلفائها من تنظيم القاعدة ألحقت سلسلة من الهزائم النكراء بقوات مالي المسلحة ذات الروح المعنوية المنهارة. وفي منتصف شهر مارس من عام 2012، شنت مجموعة من ضباط الجيش المالي الساخطين انقلابا، وفي أثناء الفوضى السياسية التي أعقبت ذلك، اغتنم المتمردون فرصتهم، فاجتاحوا الشمال بينما تراجع الجيش في حالة من الفوضى.
بينما كان حيدرة جالسا في سيارته في صباح يوم الحادي والثلاثين من مارس، غير رأيه مرة أخرى. في وقت خطر كهذا كان يوجد مكان واحد ينبغي عليه التواجد فيه. عادت سيارة اللاند كروزر المرهقة أدراجها من جديد، واتجهت في الاتجاه الشمالي الشرقي، صوب تمبكتو والحرب.
الفصل الثاني
فراغ واسع وممتد
يونيو-نوفمبر 1788
بدأ السعي من أجل استكشاف تمبكتو، كما كانت تلك الأمور تبدأ في بعض الأحيان، في غرفة تعلو حانة لندنية.
في التاسع من يونيو من عام 1788، اجتمعت مجموعة من تسعة رجال من أصحاب النفوذ في حانة سانت ألبان، والتي تقع على مقربة شديدة من مقر الملك الرسمي في قصر سانت جيمس، وجلسوا ليناقشوا مستقبل الاستكشاف. ضم هذا الاجتماع لنادي السبت الحصري - لم يبد مهما أن ذلك اليوم كان الاثنين - وزير خارجية سابقا، وحاكما عاما مستقبليا للهند، ولوردا من لوردات الحاشية الملكية، إلى جانب قلة قليلة من فرسان المنطقة. ثمانية من أعضاء النادي البالغ عددهم اثني عشر رجلا كانوا أعضاء في البرلمان؛ وستة كانوا زملاء لمؤسسة النخبة العلمية المتمثلة في الجمعية الملكية. وكان واحد منهم - وهو صاحب الدور الرئيسي في تجميع العناصر الرئيسية الفاعلة - يشغل منصب رئيس الجمعية الملكية، وهو السير جوزيف بانكس.
كان بانكس في ذلك الوقت في الخامسة والأربعين من عمره، وكان مدمنا لمعاقرة الخمر، ومائلا إلى البدانة. وعلى خلاف سلفه الشهير، إسحاق نيوتن، كان شخصية محبوبة؛ إذ وصفه جيمس بوزويل بأنه «ضخم كالفيل، وهادئ ولطيف جدا»، وكان يسمح للمرء بأن «يركب على ظهره أو أن يلعب بخرطومه.» كان قد تلقى تعليمه في مدرسة هارو وكلية إيتون، حيث اكتشف أن لديه كراهية للأدب الكلاسيكي وحبا لعلم النبات، وبعد فترة وجيزة من تركه جامعة أكسفورد كان قد انطلق في مغامرته العلمية الأولى، مسافرا بصفته عالم تاريخ طبيعي على فرقاطة تابعة للبحرية الملكية متجهة إلى نيوفاوندلاند ولابرادور. ومع ذلك، كانت هذه مجرد بروفة للرحلة التي كانت ستجعله مرموقا؛ رحلة جيمس كوك الأولى للطواف حول العالم. عاد في عام 1771 من تلك الرحلة التي استغرقت ثلاثة أعوام بثلاثين ألف عينة نباتية مذهلة وبشهرة تخطت حتى شهرة كوك . ثم أصبح صديقا مقربا من الملك جورج الثالث، مطورا حدائقه النباتية الملكية في كيو إلى مركز رئيسي للأبحاث، وببلوغه الخامسة والثلاثين من عمره كان يتولى قيادة أهم مؤسسة علمية في العالم، وهي الجمعية الملكية. وظل في منصب رئيس الجمعية طيلة العقود الأربعة التالية، منشئا شبكة من الأصدقاء والمعارف اشتملت على أبرز الفلاسفة الطبيعيين في ذلك العصر - بنجامين فرانكلين، وكارل لينيوس - إلى جانب مفكرين مبدعين ورجال دولة بدءا من توماس بين وحتى هنري كريستوف، ملك هاييتي. ومن منزله في 32 ميدان سوهو بعث بآلاف الرسائل مانحا الرعاية والنصيحة للمشاريع التي أشعلت حماسه. وكم كان لديه من الحماس!
على مشارف نهاية عصر التنوير، اتخذت خطوات عملاقة في كل مجال من مجالات السعي الإنساني، من الجغرافيا والموسيقى إلى تربية الحيوانات وزراعة نبات الراوند. كان عصر ثورة في السياسة - ففي عام 1783، كانت أمريكا قد نالت الاستقلال عن أحد الأنظمة الملكية؛ وفي عام 1789، تخلصت فرنسا من نظام ملكي آخر - وفي العلم أيضا. كانت إسهامات بانكس في العلم هائلة. فقد ساند ويليام روي، مؤسس هيئة المساحة البريطانية؛ وويليام سميث، مبتكر أول خريطة جيولوجية؛ وويليام هيرشل، أول شخص في التاريخ يكتشف كوكبا في النظام الشمسي، وهو كوكب أورانوس. ومن مقعده في مجلس الزراعة ومجلس خطوط الطول، ساعد في تحديث إنتاج الحبوب والملاحة، بينما بصفته عضوا في مجلس أمناء المتحف البريطاني وضع مجموعات شكلت أساس متحف التاريخ الطبيعي والمكتبة البريطانية. واستحوذت المغامرات فيما وراء البحار بوجه خاص على اهتمام بانكس؛ إذ كان وراء المهمة المشئومة للسفينة «باونتي» التابعة للبحرية الملكية لاستزراع نباتات فاكهة الخبز من تاهيتي لإطعام العبيد في منطقة الكاريبي، وشجع إقامة مستعمرة عقابية في أستراليا. وفقط في يناير من عام 1788، كان أول أسطول يحمل مدانين قد وصل إلى شاطئ كان يوما ما قد بحث فيه عن أنواع نباتات جديدة، وهو الشاطئ الذي كان كوك قد منحه اسم خليج بوتاني.
في صيف عام 1788، كان بانكس ورفاقه على وشك أن يولوا اهتمامهم إلى وجهة جديدة. كانت أفريقيا في ذلك الوقت قارة غامضة للجغرافيا الغربية، وكان بانكس غير اعتيادي في كونه قد وطئها بقدمه، عندما ألقت سفينة كوك «إنديفور» مرساتها في خليج كيب تاون في عام 1771. ربما يكون المستكشفون قد عبروا الدائرة القطبية الجنوبية، لكن ما كانوا يعرفونه عن أفريقيا القريبة كان هزلا، كما أوضحت مقطوعة ساخرة قصيرة وضعها الكاتب الساخر جوناثان سويفت قبل ذلك بنصف قرن:
অজানা পৃষ্ঠা
وهكذا فإن الجغرافيين في خرائط أفريقيا
يملئون فراغاتهم بصور متوحشين،
وفوق نجود غير مأهولة
يضعون الأفيال للافتقار إلى المدن.
كان الاهتمام بهذه القارة المهملة قد أشعل فتيله في منتصف سبعينيات القرن الثامن عشر جيمس بروس، وهو إقطاعي اسكتلندي كان قد شرع في استكشاف منابع النيل وانتهى به الحال إلى العيش في إثيوبيا لعامين. كتب هوراس والبول في عام 1774: «إن أفريقيا حقا قد صارت صرعة جديدة.» وأضاف: «لقد عاد للتو من هناك سيد يدعى بروس، والذي عاش ثلاثة أعوام في بلاط إمبراطورية الحبشة، وأفطر كل صباح مع وصيفات الشرف على ظهور ثيران حية.» وأورد والبول بحقد أنه، نتيجة لذلك، كانت مآثر بانكس «منسية تماما.»
إن كانت أفريقيا حقا صرعة جديدة في لندن، فقد كانت أيضا موضوع أزمة أخلاقية وشيكة ستشكل سياسة بريطانيا الخارجية طيلة النصف القرن التالي. بحلول أواخر القرن الثامن عشر، كانت التجارة على سواحل غينيا - التي كانت قد عرفت كذلك بسبب سلعها الرئيسية من عاج، وذهب، وعبيد، وحبوب - قد أصبحت ركيزة أساسية في الاقتصاد البريطاني. وفي النصف القرن الذي سبق عام 1772، كانت التجارة الأفريقية قد ازدادت بمقدار سبعة أمثال، وصولا إلى مليون جنيه إسترليني تقريبا في العام. في ذلك العام كتب تاجر إنجليزي مجهول يقول: «كم هي هائلة أهمية تجارتنا مع أفريقيا، التي تمثل القاعدة والأساس الأولين من بين البقية الباقية كلها؛ الزنبرك الرئيسي في الآلة والذي يجعل كل ترس يتحرك!» كان قدر كبير من التجارة يتم في البشر؛ فكان القباطنة البحريون الذين يتخذون مقار لهم في لندن، وليفربول، وبريستول يقايضون البنادق المصنوعة في برمنجهام والقماش المصنوع في شرق إنجلترا بالعبيد، الذين كانوا يرسلون بالسفن إلى مزارع التبغ والسكر في الهند الغربية التي أبقت على الاقتصاد البريطاني قائما. وفي ستينيات القرن الثامن عشر حملت السفن البريطانية اثنين وأربعين ألف عبد في العام عبر المحيط الأطلنطي، وهو شيء لم تفعله أي أمة أوروبية أخرى.
ومع ذلك كانت بريطانيا قد بدأت تشعر بوخز الضمير، عندما حدث تواصل لأول مرة بين الناس وضحايا العبودية. كان يوجد عشرة آلاف رجل أسود يعملون خدما في المنازل في إنجلترا في عام 1770، وبحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر ظهر فيض صغير من الكتب الرائجة التي أظهرت شرور هذه التجارة، من بينها كتاب «القصة المثيرة لحياة أولوداه إيكوانو»، الذي أصبح نصا كلاسيكيا لنشطاء طائفة الكويكر المناهضين للعبودية الذين أسسوا فيما بعد حركة التحرير من العبودية. ومن منظور أعضاء نادي السبت مثل هنري بوفوي، انطوى إيجاد سلع أفريقية بديلة على إمكانية وضع حد لتجارة الرقيق. واشتم آخرون، من بينهم بانكس، رائحة فرص تجارية جديدة يمكن أن تكون جيدة لبريطانيا.
لم توضح هذه الدوافع صراحة في أدبيات النادي. كان السبب المقدم للتوجه الجديد إلى أفريقيا، حسبما وضعه بوفوي وأقره بانكس، هو نداء الاستكشاف الخالص والقائم منذ زمن بعيد:
من بين غايات الاستقصاء التي تسترعي اهتمامنا بأقصى قدر، ربما لا يوجد شيء يستثير بقدر كبير الفضول المستمر، من الطفولة إلى الشيخوخة؛ شيء يرغب المتعلم وغير المتعلم بنفس القدر في استكشافه، مثل طبيعة وتاريخ تلك الأجزاء من العالم، التي، بقدر علمنا، لم تستكشف إلى حد الآن.
أضاف بوفوي أنه بفضل نجاح الملاحة البحرية البريطانية، ورحلات كوك على وجه التحديد، «لم يبق شيء جدير بالبحث بحرا باستثناء القطبين نفسهما.» يكمن مستقبل الاستكشاف الآن في البر؛ فقد ظل ما لا يقل عن ثلث سطح اليابسة الصالح للسكنى مجهولا، وفي ذلك حيز كبير من آسيا وأمريكا، وتقريبا كل أفريقيا. بفضل جهود جورج فورستر، وهو موظف في شركة الهند الشرقية كان قد سافر من البنغال إلى إنجلترا عبر أفغانستان، وفارس، وروسيا، كان مرجحا للدراية بأجزاء آسيا أن «تتقدم نحو الكمال .» في الوقت نفسه كان من الممكن الاعتماد على تجار الفراء من مونتريال في التعامل مع مشكلة غرب كندا. لكن كان الداخل الأفريقي لا يزال «فراغا ممتدا عريضا فحسب» كان الجغرافيون قد اقتفوا فيه، بيد مترددة، «أسماء قليلة لأنهار غير مستكشفة وأمم غامضة.»
অজানা পৃষ্ঠা
وأورد بوفوي أن هذا الجهل «يجب أن يعتبر مما يجلب التعيير بدرجة ما على العصر الحالي.» ولمداواة وصمة العار الجغرافية هذه، من شأن نادي السبت أن ينشئ كيانا جديدا، هو الرابطة الأفريقية، والذي سيكون مكرسا لتشجيع استكشاف القارة:
رغبة منهم في انتشال العصر الحالي من تهمة الجهل، التي، من نواح أخرى، لا يتسم بها إلا قليلا، وضع بضعة أفراد، على قناعة شديدة بنفع وفائدة توسيع نطاق دعم المعرفة البشرية، خطة لإنشاء رابطة لتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من أفريقيا.
سرعان ما اتفق على قواعد الرابطة: اتفق على رسم اشتراك بقيمة خمسة جنيهات في العام، واختيرت لجنة من خمسة أفراد. كان بانكس هو أمين الصندوق وبوفوي هو السكرتير، بينما عين اللورد رودان، وأسقف لانداف، والمحامي أندرو ستيوارت أعضاء مساعدين. ستكون مهمة هؤلاء الرجال هي تعيين «مبعوثين جغرافيين» ليضطلعوا برحلات الاستكشاف الأولى.
كان السؤال المتبقي إذن هو إلى أين، في تلك المساحة المجهولة من الأرض، ينبغي إرسالهم. •••
تم-بك-تو. إن معنى هذه المقاطع الثلاثة القصيرة محل خلاف. هل تشير إلى «جدار» أو «بئر» بكتو، وهي أمة عاشت في هذا المكان الشهير، الذي يوجد على بعد خمسة أميال وراء المنحنى الواقع في أقصى شمال نهر النيجر؟ أم أنها تشير إلى سونجاي، التي تعني «معسكر المرأة ذات السرة الكبيرة»؟ أم هل تدل ببساطة على مكان منخفض، مختف وسط الكثبان الرملية؟ توجد نظريات كثيرة، ومنطوقات كثيرة، وتهجيات كثيرة لهذه الكلمة، التي وصفها بروس تشاتوين بأنها «صيغة شعائرية، إذا ما سمعت مرة واحدة لا تنسى أبدا.» ما يبدو واضحا هو أن مستوطنة أقيمت هناك حوالي عام 1100، وتنامت لتصبح مدينة ذات تأثير بفضل موقعها عند ملتقى أكبر صحراء حارة في العالم وأطول أنهار غرب أفريقيا .
تنبسط الصحراء الكبرى على مساحة 3,6 ملايين ميل مربع تلفحها الشمس، وتمتد من المحيط الأطلنطي إلى البحر الأحمر ومن البحر المتوسط إلى الساحل الأفريقي. وهي تغطي من سطح الأرض ما يزيد عن الولايات المتحدة أو الصين، أو قارة أستراليا. وهي حسب المخيلة الشائعة تتألف من محيط من الكثبان الرملية، ومع أن هذه البحار من الرمال موجودة بالفعل، فإنها تمثل أقل من سدس المساحة الكاملة. ويطلق الطوارق على الصحراء الكبرى اسم «تيناريوين»، ويعني «الصحارى»، بالجمع، ليعكس طبائعها المختلفة الكثيرة. فتوجد جبال شاهقة ارتفاعها 11000 قدم ومسطحات ملحية بحجم بحيرة أونتاريو حيث يمكن للرمال المتحركة أن تبتلع سيارة. وفي الغالب، توجد مئات الآلاف من الأميال المربعة من الصخر المسطح العاري.
منذ ستة آلاف عام مضت، كانت الصحراء الكبرى خضراء؛ كانت تجوبها الأفيال، والزراف، وحيوانات وحيد القرن التي كانت تشرب من بحيراتها وتأكل من نباتاتها. أما الآن فقدر كبير منها لا يرى المطر لفترات تمتد لسنوات في المرة الواحدة. عندما ينزل المطر، تظهر سيول ماء هادرة تحفر خنادق عميقة في الأرض قبل أن تختفي بعد لحظات. وهذه الصحراء وفق بعض التقديرات أشد الأماكن حرارة على سطح الأرض، حيث يمكن لدرجات الحرارة في الظل أن تصل إلى 140 درجة، لكن في ليالي الشتاء، بدون دثار غطاء السحب، والتربة، والحياة النباتية، يمكن للصحراء أن تتجمد مكتسية بالصقيع. وفوق هذه المساحة الجرداء، تشكل الطبقات المتصادمة من الهواء الساخن والبارد رياحا عنيفة تهب باستمرار لفترات تمتد إلى خمسين يوما في المرة الواحدة، مثيرة غبارا خانقا يحجب الشمس ومستحثة أعاصير رملية دوامية تقتل الحيوانات وتقتلع الأشجار من جذورها.
إذا كانت الصحراء تمقت الحياة، فعلى حافتها الجنوبية الغربية تلتقي بالقوة الحيوية لغرب أفريقيا، المتمثلة في مسطح مائي يطلق عليه السكان المحليون اسم جوليبا، أي «النهر العظيم» أو «نهر الأنهار»، والذي يعرفه بقية العالم باسم «نهر النيجر». يبدأ نهر النيجر من مسيل صغير على ارتفاع 2800 قدم في مرتفعات فوتاجلون في غينيا، أحد أكثر الأماكن غزارة في هطول الأمطار على وجه الأرض. فوتاجلون هو مصدر ثلاثة مجار مائية عظيمة في غرب أفريقيا، والاثنان الآخران هما نهر جامبيا ونهر السنغال. يطلق اسم كل نهر من هذين النهرين على بلد، ولكن نهر النيجر العظيم يمنح اسمه لبلدين. إذا ما اتخذ هذا النهر الطريق الأقصر إلى المحيط الأطلنطي، فإنه سيصبح سيلا جارفا منحدرا بطول 150 ميلا؛ بدلا من ذلك إنه يتحرك بثقة في الاتجاه الخاطئ، شاردا جهة الشمال الشرقي لينزلق بطريقة عجائبية وسط كثبان الصحراء في التقوس العظيم لمنحنى النيجر قبل أن يصب، على بعد 2600 ميل من منبعه، في خليج بنين.
يتبدد ماء نهر النيجر، قرابة ثلث مسار رحلته الطويلة، في دلتا داخلية منبسطة بطول 300 ميل. من الجو يبدو هذا مثل جدول مائي يتضاءل وهو يمر على امتداد شاطئ: يتفرع الماء إلى عشرات من القنوات والجداول الضحلة. يتبخر ثلثا تياره هنا، وبحلول نهاية موسم الجفاف تنضب الحياة في مسالك شاسعة من مجرى النهر. في شهر يوليو، عندما يسقط المطر مجددا وتتدفق كميات هائلة من الماء في اتجاه مجرى النهر، تمتلئ القنوات والبحيرات الجافة وتزدهر الحياة من جديد. تتدفق الحشائش العائمة ونباتات الأرز البري؛ ويفقس بيض السمك والحشرات؛ وتأتي طيور أبو قردان وأبو ملعقة، منضمة إلى أفراس النهر، والتماسيح، وخراف البحر. يسوق رعاة الماشية حيواناتهم إلى الحشائش التي نمت على امتداد حافة النهر؛ ويحصد الفلاحون الأرز، والذرة البيضاء والرفيعة.
تقع تمبكتو عند نهاية مصب الدلتا، وعند الجزء الواقع أقصى شمال منحنى النهر. وهي تقع عند ملتقى طرق التجارة النهرية وطرق القوافل الصحراوية: فحسب القول المأثور القديم، هي الملتقى «لكل من يسافرون بالجمال أو بقوارب الكانو.»
অজানা পৃষ্ঠা
مثلما منحت الفيضانات السنوية لنهر النيل الحياة لممالك مصر القديمة، احتضنت دلتا نهر النيجر الداخلية الخصبة حضاراتها. حتى في الأزمنة القديمة، تسربت أنباء عن هذه الأراضي إلى أوروبا. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، أشار هيرودوت إلى وجود نهر في الطرف البعيد من الصحراء يعج بالتماسيح، وتوجد مدينة على ضفافه يسكنها سحرة سود. وصف بلينيوس الأكبر، فيما كتب بعد ذلك بخمسة قرون، قبائل متوحشة عاشت هناك، ومنها الأيجيباني، الذين كانوا «نصف رجال، ونصف وحوش»؛ والتروجلودايت، الذين لم يكن بوسعهم الكلام إلا بإصدار ضوضاء كصرير الخفافيش؛ والبليميون، الذين كانوا «بلا رءوس، وكانت أفواههم وعيونهم في موضع صدورهم.» بقي ذكر البشر المشوهي الخلقة موجودا حتى العصور الوسطى: أظهرت خريطة مابا موندي هيرفورد، التي وضعت حوالي عام 1300، البليميين وكذلك التروجلودايت في أفريقيا، بينما بالغ مؤرخون لاحقون في وصف أفارقة بلينيوس فجعلوهم أناسا بعين واحدة في منتصف جباههم، أو بقدم عملاقة واحدة كانت كبيرة بما يكفي لأن تحميهم من الشمس.
في القرن السابع، قطعت الجيوش المسلمة، التي انطلقت غربا تجتاح الساحل الجنوبي للبحر المتوسط إلى المحيط الأطلنطي، طريق أوروبا المسيحية لأفريقيا، وطيلة ألف ومائتي عام قلت المعلومات الآتية مما وراء الصحراء الكبرى متحولة إلى أصداء كانت تتسرب آتية عن طريق التجار الذين كانوا يجتازون الصحراء. غالبا ما كانت تلك المعلومات خيالية - وصلت أنباء عديدة في العصور الوسطى إلى أوروبا عن نمل عملاق يحصد الذهب من قيعان الأنهار الأفريقية - لكن كان ثمة أساس للأقاويل المتداولة عن ثراء الإقليم. قبل الاستعمار الإسباني للأمريكتين، كان ثلثا كل الذهب الذي يتداول في منطقة البحر المتوسط يأتي من السودان. روى الجغرافي المسلم الإدريسي، في القرن الثاني عشر، أن ملك غانا القديمة كان ثريا جدا حتى إنه كان يمتلك «لبنة من ذهب وزنها ثلاثون رطلا من ذهب، تبرة واحدة خلقها الله خلقة تامة من غير أن تسبك في نار ولا تطرق بآلة»، بينما في القرن الرابع عشر، أرخ ابن بطوطة - أحد أكثر الناس ترحالا في التاريخ - مآثر الإمبراطور المالي موسى الأول. إن هذا الإمبراطور - الذي في بعض الأحيان يعرف باسم مانسا موسى، ويعني «الملك موسى» - كان يقال عنه إنه حج إلى مكة في عام 1324 مع حاشية من ستين ألف جندي، وخمسمائة عبد، وطن من الذهب للنفقات، وأنه كان معطاء بشدة حتى إنه تسبب في هبوط سعر المعدن النفيس في القاهرة لمدة جيل.
ظهرت تمبكتو لأول مرة في الجغرافيا الأوروبية بعد ذلك بخمسين عاما، في الأطلس الكتالوني، وهو خريطة للعالم المعروف ظهرت عام 1375 أعدها رسام الخرائط المايوركي أبراهام كريسكيس من أجل ملك إسبانيا. كانت التهجية التي استخدمت لاسم المدينة هي «تينبوتش»، ومن البداية كانت مقترنة بالثراء، حيث إن كريسكيس رسم موسى بجوارها، ممسكا بصولجان ذهبي ضخم وبكتلة ذهب كبيرة وعلى رأسه تاج ذهبي ثقيل. بدت الأنباء اللاحقة وكأنها تؤكد معلومات كريسكيس: ففي عام 1454، وصل مستكشف فينيسي، يعمل لحساب الأمير البرتغالي هنري الملاح، إلى ودان، وهي واحة تجارية إلى الجنوب من طرابلس، وعاد جالبا معه سردا يوضح كيف أن قوافل الجمال تأخذ الملح الصخري إلى «تانبوتو» ثم إلى «ميلي، إمبراطورية السود»، حيث قويضت مقابل كميات كبيرة من الذهب. ومع ذلك، لم تنشر رواية مستقاة من شاهد عيان عن تمبكتو إلا في القرن السادس عشر، مؤكدة الأسطورة الذهبية.
كان اسم الرحالة هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي. هناك معلومات قليلة متاحة عن سيرته الذاتية، ولكن يعتقد أنه ولد في غرناطة وانتقل عندما كان شابا إلى فاس، حيث تلقى تعليما جيدا. وفي وقت ما بين عامي 1506 و1510، في السابعة عشرة من عمره، قيل إنه رافق أحد أعمامه في مهمة دبلوماسية إلى السودان وزار تمبكتو. وبعد عقد من الزمن، أسر على يد قراصنة مسيحيين أخذوه إلى روما، وهناك حرره البابا ليون العاشر وتحول إلى المسيحية، متخذا اسم يوهانيس ليون دي ميديشي، الذي أصبح فيما بعد ليون الأفريقي. استقر ليون في إيطاليا وكتب عدة كتب، ولكن كتابه «وصف أفريقيا»، بسرده للحياة في السودان، هو الذي قوبل بأكبر قدر من الحماس؛ إذ قيل إنه قد اكتشف عالما جديدا على الأوروبيين، مثلما كان كولومبوس قد فعل باكتشاف أمريكا.
في وصف ليون، كانت تمبكتو مدينة غنية وساحرة. ومع أن منازلها كانت في الغالب مبنية من الطين والقش، فإنه في وسط المدينة كان يوجد «مسجد بناه معماري من بيتيس [في جنوب إسبانيا] بأحجار البناء والملاط الجيري ... وقصر كبير بناه هذا المهندس نفسه، حيث يقيم الملك.» وفرت آبار المدينة العديدة الماء العذب، وكان ثمة وفرة من الحبوب ، والماشية، واللبن، والزبد؛ إلا أن الملح كان غاليا جدا، لأنه كان يتعين جلبه مسافة خمسمائة ميل من المناجم الصحراوية. وذكر أن سكان المدينة كانوا «أثرياء جدا»، وعوضا عن استخدام النقود المسكوكة كانوا يستخدمون قطعا من الذهب الخالص. وإلى جانب الاحتفاظ بجيش نظامي دائم قوامه ثلاثة آلاف من الخيالة إضافة إلى عدد كبير من جنود المشاة الذين كانوا يطلقون سهاما مسمومة، امتلك ملك تمبكتو «كنزا عظيما من العملات والسبائك الذهبية»، التي كانت الواحدة منها تزن ألفا وثلاثمائة رطل، وكان بلاط قصره «فخما»:
عندما يذهب الملك من مدينة إلى أخرى مع حاشيته، يركب جملا، وتساق الخيل أمامه بأيدي السياس. وإذا دعت الضرورة إلى القتال، يعقل السياس الإبل، ويمتطي جميع الجنود الجياد. وعندما يريد أي شخص أن يخاطب الملك، يجثو بين يديه ويأخذ حفنة من التراب ويحثوها على رأسه وكتفيه.
كان لأهل المدينة طبيعة مرحة، إذ كتب ليون: «من عادتهم أن يتجولوا في المدينة ليلا بين العاشرة مساء والواحدة بعد منتصف الليل وهم يعزفون على آلات موسيقية ويرقصون.» كان يوجد هناك أيضا الكثير من الأشخاص المتعلمين. كان هذا يعني أنه كان يوجد نهم شديد للمخطوطات، التي كانت تلقى تقديرا في أسواق المدينة يفوق ما كانت تلقاه البضائع الأخرى:
في تمبكتو يوجد عدد كبير من القضاة، وعلماء الدين، والشيوخ، الذين يدفع إليهم جميعا راتب حسن من الملك، الذي يجل كثيرا المثقفين. وتباع كتب مخطوطة كثيرة آتية من بلاد البربر. وتدر تلك المبيعات أرباحا تفوق أي بضائع أخرى.
ترجم عمل ليون على نطاق واسع. نشرت نسخة باللغة الإنجليزية في عام 1600 وأدت إلى موجة من الاهتمام بأفريقيا: فقد كانت مصدرا محتملا لمسرحية شكسبير «عطيل»، وقد كان من شأن وصفها لثراء منطقة جنوب الصحراء الكبرى أن شجع المغامرين الإنجليز في ملاحقتهم للبرتغاليين أن يقطعوا شوطا أطول على ساحل غينيا. في عام 1620، وصلت حملة استكشافية بقيادة السيد الإنجليزي ريتشارد جوبسون إلى تيندا، على نهر جامبيا؛ وهناك أخبره تاجر أفريقي عن مدينة أبعد في اتجاه منبع النهر تسمى تمبوكوندا ، والتي يوجد فيها «منازل مكسوة بالذهب.» أعيد نشر رواية جوبسون لحملته في عام 1625 على يد جامع المقتطفات الأدبية صامويل بورتشاس، الذي حث مواطنيه على استكشاف القارة الأفريقية. أورد بورتشاس: «إن أغنى مناجم الذهب في العالم موجودة في أفريقيا، ولا يسعني إلا أن أتعجب من أن كثيرين أرسلوا كثيرين، وأنفقوا الكثير في رحلات أبعد إلى الشرق والغرب وتجاهلوا أفريقيا في المنتصف.»
بحلول أواخر القرن الثامن عشر، كانت أسطورة تمبكتو الذهبية قد استقرت في المخيلة الأوروبية. وكانت هذه بمثابة المغناطيس الذي من شأنه أن يجتذب الأوروبيين إلى قلب غرب أفريقيا.
অজানা পৃষ্ঠা
لم يهدر مجلس الرابطة الأفريقية وقتا. بعد أربعة أيام من الاجتماع في حانة سانت ألبان، اجتمع أعضاؤه في منزل بانكس في ميدان سوهو ليناقشوا أمر إرسال أول مستكشف «بأقصى سرعة» بحثا عن اكتشافات جديدة. وعلى حد قول أحد رجال الدولة الأفارقة في القرن العشرين، فإنه لم يكن يهم كثيرا أنه «لم يكن يوجد ما يكتشف؛ فقد كنا موجودين هنا طوال الوقت.» •••
ما نوع الشخصية التي من شأنها أن تغادر من فورها إلى المجاهل الشاسعة لخرائط الرابطة الأفريقية؟ من كان شجاعا، أو يائسا، أو مغرورا بما يكفي لأن يجازف بالاستكشاف، وأن يغامر بحياته - ولقد كان ما يغامر به دوما هو «حياته هو» - في أرض كانت ملامحها الرئيسية مجهولة، فضلا عن طبيعة سكانها، ووحوشها، وطقسها وأمراضها؟ أي مكافأة يمكن أن تغري رجلا على أن يتجول على غير هدى وسط قبائل البليميين والتروجلودايت، دون أن يكون متسلحا إلا بمسدس ومظلة وأشياء قليلة أخرى؟ إن أي رجل أوروبي جيد الاطلاع طلب منه في عام 1788 أن يرتحل إلى المناطق الداخلية للقارة كان لا بد أن يعتبر الرحلة بمثابة حكم بالإعدام، كما كان حالها وأن يبقى بالديار. ولكن مستكشفي الرابطة الأفريقية لم يكونوا على اطلاع جيد. وكان ذلك، من نواح كثيرة، هو بيت القصيد.
لم تكن الحواجز الجغرافية مستعصية. نعم، كانت المسالك عبر الصحراء تعج بالهياكل العظمية للدواب والعبيد على حد سواء، ولكن الصحراء الكبرى، التي كانت تشبه إلى حد كبير محيطا، كانت تتقاطع فيها طرق التجارة وكانت تجتازها القوافل طيلة قرون. في المناطق الاستوائية، كان يمكن للأمطار الغزيرة الجارفة أن تعوق حركة المستكشف، لكن لم تكن توجد سلاسل جبال منيعة من قبيل تلك التي في آسيا، ولا غابات يستحيل اختراقها مثل تلك التي في حوض الأمازون. ويمكن للرحالة أن يتحرك من قرية إلى أخرى عبر شبكة من الدروب والمسالك المعروفة.
الأمر الذي كان يمكن أن يكون أكثر خطورة هو الاستقبال الذي كان من المرجح أن يلاقيه المستكشف المسيحي. بعد قرون من الصراع الديني، عرف المسلمون في شمال أفريقيا أن الأوروبيين كانوا يريدون تجارتهم وأرضهم، بينما كان الرحالة غير المسلمين بمثابة هدية لرجال القبائل الصحراوية الذين كانوا يبحثون عن مصادر مشروعة للسرقة. فحسبما أورد التاجر، الذي كان يتخذ من السنغال مستقرا، أنطوان برونو دي بومجورج في عام 1789: «من المستحيل أن يكون المرء على معرفة بالمناطق الداخلية البعيدة للبلد، لأن ... الرجل الأبيض الذي سيمتلك الشجاعة الكافية لأن يقدم على رحلة كهذه ستقطع رقبته قبل أن يصل إليها.»
على مسافة أبعد جنوبا، كان الناس أكثر تسامحا مع غير المسلمين، لكن كان يتربص بهم هنا تهديد أعظم، كما أوضح قول مأثور قديم عند تجار الرقيق:
احذر، احذر من خليج بنين؛
لأن قلة يخرجون منه مع أن كثيرين يدخلون إليه!
أدى المرض إلى جعل غرب أفريقيا المكان الأكثر فتكا في العالم بالأوروبيين. في أوائل القرن التاسع عشر كان يمكن توقع أن يلقى ما يقارب نصف أي سرية جنود متمركزة على الساحل الغربي الأفريقي، الذي أصبح معروفا بأنه «مقبرة الرجل الأبيض»، حتفهم في غضون عام. وكانت المناطق الداخلية تشتهر بأنها أكثر فتكا: فكانت بعثات التجارة في المناطق الداخلية، التي كان من شأنها أن تعني موتا شبه مؤكد للأوروبي، توكل من الباطن لتجار أفريقيي المولد.
كان يتفاخر في الإقليم بتلك البيئة الغنية بالطفيليات المخترقة للجلد، والفيروسات، والبكتريا، والحشرات التي ما كان بوسع أي مستكشف أن ينجو منها. اشتملت تلك الأشياء على دودة غينيا، التي كانت يرقاتها تدخل الجسم عن طريق مياه الشرب، ثم تنتقل إلى النسيج الذي يوجد تحت جلد الضحية، حيث كانت تنمو، على مدى عدة أشهر، حتى يصل طولها إلى ثلاثة أقدام. وإذا نجا العائل من هذا العذاب، كانت تظهر في أسفل الساق بعد عام بثور مليئة بالصديد ومؤلمة بشدة، ثم تنفتق إذ تشق الديدان العملاقة طريقها خروجا منها. في الوقت نفسه، كانت ذبابة التسي تسي الماصة للدماء تحمل داء النوم، الذي كانت أعراضه الأولية من حمى وفقدان للوزن تؤدي إلى حدوث تغيرات في الشخصية وحالة من النوم القهري مع انتقال المرض إلى المخ، ليقتل العائل بعد عدة أعوام فحسب. ويمكن لحالات العدوى المعوية مثل الدوسنتاريا الأميبية أن تكون مميتة أيضا.
ومع ذلك فإن أخطر مرض بفارق ما كان الملاريا. الشكل الأكثر شيوعا من هذا الطفيل في غرب أفريقيا، المعروف باسم «المتصورة المنجلية»، هو أيضا الأشد فتكا: إنه ما زال يقتل مئات الآلاف من البشر سنويا. تترعرع البعوضة التي تحمله حول البشر، ويمكن ليرقاتها أن تنمو في بركة صغيرة بصغر أثر قدم حيوان. وما إن تحقن كائنات الملاريا الدقيقة في الجسم، حتى تدخل في مجرى الدم وتحمل إلى الكبد، حيث تنمو داخل الخلايا التي تنفجر بعد ثمانية إلى اثني عشر يوما، لتنطلق عشرات الآلاف من الذرية، التي تبدأ بعد ذلك في اجتياح خلايا الدم الحمراء للعائل وتلتهمها من الداخل. وعندما تنهار كل خلية، تنتقل الطفيليات إلى خلايا أخرى، حتى يتعرض دم العائل للتكسر على نطاق هائل. يبدأ الضحايا في تقيؤ عصارة المرارة، ويكتسب جلدهم، وأظافرهم، وعيونهم لونا أصفر. وأخيرا، يتحول لون برازهم وبولهم إلى اللون الأسود، وحينئذ لا يكون الموت عنهم ببعيد.
অজানা পৃষ্ঠা
في عام 1788، لم تكن الملاريا ولا الناقل الحشري لها مفهومين: كان المرض يعزى إلى الهواء الفاسد، أو «الميازما». ومع أن لحاء شجرة الكينا كان علاجا معروفا، فلم يكن يستخدم بطريقة فعالة ولم تستخلص منه مادة الكينين حتى عام 1820. كان سكان غرب أفريقيا يمتلكون على الأقل بعض المقاومة نتيجة لتعرضهم للمرض في الطفولة؛ أما الأوروبيون فلم يكن لديهم أي مقاومة له.
كحال مستكشفيهم، لم يكن أعضاء الرابطة الأفريقية الوليدة في لندن إلى حد كبير على دراية بهذه الأخطار. كان مكوث جيمس بروس المؤقت في إثيوبيا قد أثبت أن الترحال إلى أفريقيا لم يكن من اللازم أن يكون مميتا، بينما كان كوك وآخرون قد أظهروا أن العالم كان منفتحا أمام النوع الصحيح من الاستكشاف الحذر: فلماذا يجب أن يكون الترحال في أفريقيا أصعب من، مثلا، الإبحار في الحيد المرجاني العظيم؟ لرجل ذي شخصية من النوع الصحيح، وذي تكوين مناسب، وينعم بالإيمان والحظ الجيد، كان أي شيء ممكنا بالتأكيد.
لم يكن ينقصهم المتطوعون. ففي غضون أيام من اجتماعهم الأول، كان أعضاء مجلس الرابطة الأفريقية قد عثروا على متطوعين اثنين مناسبين للغاية.
كان سيمون لوكاس، ابن تاجر الخمور اللندني، قد أرسل إلى قادس وهو صبي ليتعلم مهنته، لكنه تعرض للأسر على يد عصابة من قراصنة البربر، تسمى قراصنة سلا، والتي باعته عبدا للبلاط الإمبراطوري للمغرب. وظل هناك مدة ثلاثة أعوام، وبعد إطلاق سراحه عاد ليعمل دبلوماسيا بريطانيا لمدة ستة عشر عاما، قبل أن يعود أخيرا في عام 1785 إلى إنجلترا، حيث عين ترجمانا شرقيا في بلاط سانت جيمس. وعرض خدماته على الرابطة الأفريقية بشرط أن يحصل له مجلس الرابطة على إجازة مدفوعة الأجر طوال مدة مهمته.
كان لوكاس مريضا في يونيو من عام 1788؛ لذا أصبحت الانطلاقة الأولى على عاتق متطوع الرابطة الثاني، الأمريكي جون ليديارد البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاما. كان ليديارد هو الآخر ذا مؤهلات عالية، وإن كان بطريقة مختلفة جدا. يبدو أن كل من التقى بهذا الرجل ذي البنية الجسدية الرائعة كان ينبهر بنظرته الثابتة وطلعته البهية. كان، حسبما أورد بوفوي، «رجلا غير عادي»، والذي «بدا أنه شعر منذ شبابه برغبة لا تقهر في أن يطلع على المجهول، أو على أقاليم العالم غير المكتشفة على نحو كامل.»
كان ليديارد قد نشأ في هارتفورد، بولاية كونيتيكت، وأظهر ولعا مبكرا بالمغامرة بالهروب من كلية دارتموث حديثة التأسيس والتجديف بزورق كانو طوله أربعين قدما مسافة 150 ميلا في نهر كونيتيكت. بعد ذلك ترك دارتموث بلا رجعة، وانضم إلى تاجر يتاجر عبر المحيط الأطلنطي الذي أخذه معه إلى أوروبا، حيث عمل بحارا، في عام 1775، من أجل أن يحظى بفرصة تقديم نفسه للقبطان كوك. أخذ كوك ليديارد معه في رحلته الثالثة والأخيرة، والتي أثناءها، حسبما يزعم أحيانا، أصبح ليديارد أول حالة موثقة لأمريكي أوروبي يضع وشما. وبعد عودته، ترك البحرية الملكية لكيلا يقاتل بلده في صفوفها، واستقر ليكتب كتابا يسرد فيه رحلة الإبحار حول العالم وأصبح هذا الكتاب من الكتب الأكثر مبيعا.
في منتصف ثمانينيات القرن الثامن عشر عاش في باريس، حيث عقد صداقة مع جون بول جونز وتوماس جيفرسون. وكشأن الجميع، انبهر توماس جيفرسون، الذي كان في ذلك الوقت سفير الولايات المتحدة في فرنسا، بشخصية ليديارد، وكتب جيفرسون أنه كان «رجلا ذا عبقرية، وبعض المعرفة العلمية، وشجاعة وإقدام لا يعرفان الخوف.» واقترح على ليديارد أن يحاول العثور على طريق بري من أوروبا إلى الأمريكتين عبر سانت بطرسبرج، وكامشاتكا، وخليج نوتكا، وأشرك صديقه جوزيف بانكس بصفته ممولا. انطلق المستكشف نحو قفار سيبيريا ووصل إلى ياكوتسك قبل أن يقبض عليه باعتباره جاسوسا، بأوامر من الإمبراطورة كاترين العظيمة. وجرى ترحيله، بعد أن دفع ثمن مروره إلى لندن بشيك مسحوب على اسم بانكس، ووصل لمنزل رئيس الجمعية الملكية في لندن في يونيو من عام 1788، مرتديا أسمالا بالية. كان توقيت ذلك ممتازا. على الفور اقترح بانكس «مغامرة تكاد تضاهي في خطورتها تلك التي كان قد عاد منها»، في أفريقيا. كان ليديارد المفلس مستعدا، وبعث بانكس بمتطوعه المحتمل إلى بوفوي من أجل الحصول على رأي ثان. وغني عن القول أن ليديارد حاز قبوله، إذ كتب يقول:
أذهلني ما يتمتع به من رجولة، وصدر عريض، وطلعة بهية، وعينين لا تهدآن. بسطت خريطة أفريقيا أمامه، وقلت له، وأنا أرسم خطا من القاهرة إلى سنار، ومن هناك غربا في خط العرض والاتجاه المفترض إلى نهر النيجر ، أن ذلك هو الطريق، الذي كنت أتوق إلى أن تستكشف أفريقيا عبره، إن أمكن ذلك. فقال إنه يعتبر نفسه محظوظا على نحو استثنائي أن تعهد إليه هذه المغامرة.
ربما كان من شأن متعهد آخر للاستكشاف، في عصر آخر، أن يسأل إن كان الرحالة، الذي كان قد عاد حالا في أسمال بالية من رحلة دامت عامين، وقطع فيها 7000 ميل، مستعدا لمهمة من شأنها، إن سار كل شيء على ما يرام، أن تدوم ثلاثة أعوام أخرى. كان مطلوبا من ليديارد أن يسافر من مرسيليا إلى القاهرة، ومكة، ثم إلى النوبة، وأن يعبر الصحراء بطولها، وأن يعثر على نهر النيجر، وأن يشق طريقه عائدا. كان هذا يعني أن يقطع على الأقل 12500 ميل، معظمها برا، عبر بعض من أكثر المناطق عدائية على وجه الأرض. لكن بوفوي لم يساوره أي تردد. وسأل المرشح للقيام بالرحلة: متى سيكون بوسعه أن ينطلق في رحلته؟
أجاب ليديارد: «صباح الغد.»
অজানা পৃষ্ঠা