মুহাম্মদ ইকবাল: তাঁর জীবনী, দর্শন ও কবিতা
محمد إقبال: سيرته وفلسفته وشعره
জনগুলি
مقدمة للدكتور طه حسين
مقدمة الكتاب
الباب الأول: سيرة إقبال
1 - أسرته
2 - في سيالكوت
3 - في لاهور إلى سنة 1905
4 - سفره إلى أوروبا
5 - إقبال في وطنه
الباب الثاني: فلسفة إقبال
1 - منظومة أسرار خودي
অজানা পৃষ্ঠা
2 - خلاصة أسرار خودي
3 - المنظومة الثانية
4 - أوجه أخرى لفلسفة إقبال
5 - إجابة إقبال المعترضين على فلسفته في أوروبا
الباب الثالث: شعر إقبال
1 - دواوين إقبال
2 - مذهب إقبال في الفنون الجميلة
3 - مذهب إقبال في الشعر خاصة
4 - شعر إقبال
5 - أمثلة من شعر محمد إقبال
অজানা পৃষ্ঠা
خاتمة
مقدمة للدكتور طه حسين
مقدمة الكتاب
الباب الأول: سيرة إقبال
1 - أسرته
2 - في سيالكوت
3 - في لاهور إلى سنة 1905
4 - سفره إلى أوروبا
5 - إقبال في وطنه
الباب الثاني: فلسفة إقبال
অজানা পৃষ্ঠা
1 - منظومة أسرار خودي
2 - خلاصة أسرار خودي
3 - المنظومة الثانية
4 - أوجه أخرى لفلسفة إقبال
5 - إجابة إقبال المعترضين على فلسفته في أوروبا
الباب الثالث: شعر إقبال
1 - دواوين إقبال
2 - مذهب إقبال في الفنون الجميلة
3 - مذهب إقبال في الشعر خاصة
4 - شعر إقبال
অজানা পৃষ্ঠা
5 - أمثلة من شعر محمد إقبال
خاتمة
محمد إقبال
محمد إقبال
سيرته وفلسفته وشعره
تأليف
عبد الوهاب عزام
مقدمة للدكتور طه حسين
يرحم الله صديقى الكريم عبد الوهاب عزام فقد كان مصدر نفع أي نفع، وخير أي خير لوطنه ولغته. كان رائدا من رواد الحياة الأدبية العليا بأدق معانيها وأصدقها في الوطن العربي كله، ثم في التقريب بين هذا الوطن العربي، وبين أوطان أخرى بعيدة في الشرق والغرب.
عرفته طالبا في مدرسة القضاء الشرعي مختلفا إلى دروس الجامعة الحرة، وكنت في تلك الأيام أستاذا للتاريخ اليوناني الروماني القديم، فكان يختلف إلى الدروس التي كنت ألقيها. وأشهد لقد كان أبرع الطلاب الذين كانوا يشهدون دروسي في تلك الأيام وأنجبهم. كان أرقهم قلبا، وأدقهم شعورا، وأصفاهم ذوقا، وأبعدهم أفقا.
অজানা পৃষ্ঠা
لم يكن يكتفي بدروسه في مدرسة القضاء على عسرها وتعقدها، وإنما كان يقبل عليها وجه النهار، ثم يسعى من آخر النهار إلى الجامعة فيشهد ما كان يلقى فيها من دروس، فإذا فرغ لنفسه حين يقبل الليل جد في الدرس والاستذكار لما كان يسمع في المعهدين من دروس.
ثم لم يكن يكتفي بهذا كله، وإنما كان يضيف إليه نشاطا جديدا لم يكن مألوفا في مصر أثناء ذلك العصر.
كان يحاول أن يتعلم اللغة التركية، وكنت إذا أردت أن أدرب طلاب الجامعة على قراءة نص من النصوص الفرنسية التي تتصل بتاريخ الحضارة اليونانية أو الرومانية أو بالأدبين اليوناني واللاتيني؛ كلفته هو القراءة والتفسير، وقمت منه مقام الأستاذ الذي يعلم تلاميذه كيف يقرءون وكيف يفقهون.
وكان زملاؤه يألفونه ويعجبون به، وكنت له محبا وبه معجبا كزملائه. وقد ظفر بالليسانس من الجامعة القديمة، وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي، ثم أرسل إلى السفارة المصرية في بلاد الإنكليز حين استطاعت مصر أن ترسل السفراء إلى البلاد الأجنبية. فلم يكتف بعمله فيها، وإنما اختلف إلى جامعة لوندرة، فسمع لدروس المستشرقين فيها، وجعل يدرس اللغة الفارسية وآدابها، وظفر منها بدرجة الماجستير، ثم دعوته إلى الجامعة المصرية بعد أن أصبحت حكومية، فعلم في كلية الآداب مع أستاذه وكان يعلم اللغة العربية واللغتين الفارسية والتركية، ولم يكن يكتفي بهذا أيضا، وإنما كان يستزيد من العلم باللغات الشرقية حتى أتقن الفارسية والتركية، وأصبح مؤسسا للقسم الذي كانت تدرس فيه هاتان اللغتان. فهو أول مصري علم في جامعة وطنه اللغات الشرقية الإسلامية.
وفي أثناء ذلك ظفر بترجمة عربية للشاهنامه، فصححها وأكملها، ثم نشرها وتقدم بها وبدراسة للشاهنامه؛ لنيل درجة الدكتوراه من الجامعة المصرية، وكان يوم مناقشته في رسالته يوما مشهودا من أيام الجامعة؛ شارك في مناقشته أساتذته الذين صاروا له زملاء، وحضر هذه المناقشة تلاميذه، كما شهدها مدير الجامعة ووزير المعارف إذ ذاك.
فكان امتحانه عيدا من أعياد كلية الآداب، بل من أعياد الجامعة، رأت فيه مصر شابا من شبابها يتخصص في الأدب الفارسي ويشارك الغربيين في إحيائه، ثم يحييه للأمة العربية التي بعد عهدها بمثل هذه الدراسات. ثم صار أستاذا للغة الفارسية وآدابها ورئيسا للدراسات الشرقية الإسلامية، ولم يلبث أن برز في هذه الدراسات فأتقن العلم بها إتقانا نادرا، وكان في الوقت نفسه كثير البحث عن القديم من الأدب الفارسي، كثير العكوف على دراسته مغرقا في دروس التصوف الفارسي؛ حتى تأثر بهذا التصوف في حياته اليومية وفي سيرته مع من يألف من الأساتذة ومن يعلم من الطلاب. وظفر ذات يوم بنسخة مخطوطة من كتاب كليلة ودمنة الذي نقل إلى العربية في القرن الثاني للهجرة، وكانت نسخته تلك أقدم النسخ المعروفة من هذا الكتاب، فأسرع إلى تحقيقها ونشرها، ثم أنفق حياته الجامعية كلها في تثبيت هذه الدراسات الشرقية الإسلامية، فتخرج عليه تلاميذ برعوا في هذا اللون من العلم كما برع أستاذهم، وأصبحوا الآن أساتذة لهذه الدراسات في الجامعات المصرية.
فهو لم يهد علمه إلى وطنه العربي فحسب، وإنما أهدى إلى هذا الوطن علماء نابهين يسيرون الآن سيرته، فيهدون علمهم إلى وطنهم وينشئون لهذا الوطن علماء مثلهم. فقد كان عبد الوهاب عزام إذن شخصية مباركة على العالم العربي الحديث لم يؤثر نفسه بالخير، بل لم يؤثر نفسه بخير ما، وإنما آثر وطنه بالخير كله وبالجهد كله وبالإخلاص كله. فإذا عدا عليه الموت فاختطفه من بين تلاميذه وزملائه ومحبيه، فإن الموت لم يقدر عليه ولم يقطع صلته بالحياة؛ لأنه ما زال يحيا بيننا بعلمه الذي انتشر في الشرق العربي كله بل في الشرق الإسلامي كله، وبتلاميذه الذين يبذلون من الجهد مثل ما بذل، ويجدون في الدرس كما جد، ويخلصون قلوبهم لوطنهم وأمتهم وللعلم كما أخلص جهده لوطنه وأمته وللعلم. وقد استكشف فيما استكشف نابغة من نوابغ الشرق هو الشاعر العظيم محمد إقبال شاعر الهند والباكستان، فلم يختص نفسه بما درس من شعره وأدبه، وإنما قدم طائفة صالحة رائعة من آثاره لوطنه وللغته العربية، وألف عنه كتابا ممتعا هو الذي أشرف بتقديمه إلى قراء العربية في طبعته الثانية.
وهو كتاب أقل ما يوصف به أنه صورة صادقة رائعة لكاتبه ولموضوعه جميعا. فهو لا يصور إقبالا وحده، وإنما يصور معه مؤلفه عبد الوهاب عزام. كلا الرجلين كان عذب الروح محببا إلى القلوب، وكلا الرجلين كان بعيد المرامي؛ لم يكن عبد الوهاب عزام يكتفي بأن يكون مصريا عربيا، وإنما كان يريد - وقد حقق ما كان يريد - أن يكون عربيا إسلاميا. فأتقن العلم بأمور المسلمين جميعا قريبهم وبعيدهم، وسار سيرة المسلم الصادق في إسلامه والمتصوف المخلص في تصوفه. ولم يكن إقبال يكتفي بأن يكون هنديا يفكر دائما في أن يستقل المسلمون بالباكستان، وإنما كان حريصا على أن يكون كذلك، وعلى أن يكون مسلما صادق الإسلام ومتصوفا خالص التصوف.
فكان لقاء هذين الرجلين الكريمين لقاء روحي ائتلفا فتحابا في ذات الله وفي ذات الإسلام. وكلا الرجلين كان شاعرا كاتبا. أدى إقبال أكثر آثاره شعرا، وترجم عبد الوهاب عزام إلى العربية كثيرا من آثاره شعرا أيضا. ثم لم يقف عزام عند اللغة الفارسية وحدها، وإنما أتقن معها التركية ونقل منها إلى العربية أشياء كثيرة متفرقة. ولم ينفع وطنه بالعلم ولا بالعلم والأدب وحدهما، وإنما كان سفيرا لبلاده في الباكستان، فأحسن السفارة وبلغ من التقريب بين المسلمين من العرب والمسلمين من الشرق البعيد ما لم يبلغه مصري قبله.
ثم يريد الله لعبد الوهاب عزام أن يختم حياته مديرا للجامعة الأولى التي أنشئت في أعماق نجد في عاصمة البلاد العربية السعودية. ولو قد مدت له أسباب الحياة هناك لكان لتأثيره في العقل العربي شأن أي شأن، ولكن لله حكمة هو بالغها وأمرا هو منفذه؛ فقد اختار لعبد الوهاب عزام أن يلم بوطنه وأهله وأصدقائه مودعا أو كالمودع، ثم يسافر إلى جامعته في الرياض فيكون هذا آخر العهد به آخر العهد بشخصه الحبيب، فأما علمه وأدبه فباقيان ما بقيت اللغة العربية والأمة العربية. سلام على عبد الوهاب عزام من صديق له وزميل أحبه أشد الحب، وآثره أعظم الإيثار، ولقي من حبه وإيثاره ما لا يستطيع أن ينساه.
অজানা পৃষ্ঠা
مقدمة الكتاب
محمد إقبال شاعر نابغة، وفيلسوف مبدع، احتفل في باكستان وغيرها في نيسان الماضي بالذكرى الرابعة عشرة لوفاته. وذكره يشيع، وصيته يذيع على مر الأيام، ولا سيما منذ نشأت دولة باكستان، وهي حقيقة تخيلها والناس منه يضحكون، ويقظة حلم بها واليائسون به يتفكهون.
احتفى الناس بذكراه كل عام، وكثرت المجامع في كل ذكرى تشيد بدعوته، وتدعو إلى رسالته، وشرع أدباء الأمم يعنون بترجمة شعره إلى لغاتهم.
وقد سئلت أن أكتب في سيرته وفلسفته وشعره كتابا مجملا، أجعله مقدمة لتفهم دواوينه التي ترجمتها إلى اللغة العربية. فأجبت على العلات، وعلى كثرة الشواغل.
وأنا لا أدعى إلى إقبال إلا لبيت؛ استجابة لما في نفسي من عشق وإكبار لهذا الشاعر الفيلسوف المؤمن.
وهذه مقدمة أقدمها تعريفا به. أقدم فيها ما يقرب إلى القارئ صورته ويجمل له دعوته؛ ليتهيأ لقراءة هذا الكتاب طلبا للتفصيل، ورغبة في المزيد، وشوقا إلى شعر بدع وفلسفة أنف، وإعجابا بالفكر المحلق، والمفكر الحر، والفيلسوف الذي لا يسير مع الزمان، ولا يخضع لتقلب الحدثان، والشاعر الذي ينفخ الحياة في الموات، ويبعث في القفر ألوان النبات، ويشعل الجمر الخامد، في الرماد الهامد.
أبين في هذه الكلمات كيف سمعت بإقبال اسما مبهما وقولا معجما، وكيف زادت معرفتي به على مر الزمان حتى وقعت في بحره وسبحت في لجه، ثم أويت إلى الساحل أنظر العباب الزاخر، والآذي الثائر، وأصف ما أرى لمن لم يعرفه معرفتي، ولم يولع به ولوعي.
سمعت وأنا في بلاد الإنكليز، قبل وفاة الشاعر بأكثر من عشر سنين، أن في الهند صوفيا اسمه إقبال له نظرات في التصوف، وله فلسفة في النفس، وأن ذكره جاء في بعض المجلات الأوروبية، وكلامه نشر فيها. وأنا نزاع إلى الصوفية منذ نشأت. وزادني معرفة بها ورغبة فيها وحبا في المزيد منها؛ أن تعلمت اللغة الفارسية وقرأت الشعر الفارسي. وأعلام شعراء الفرس وأشدهم استيلاء على النفوس واستحواذا على القلوب هم الصوفية منهم. وقد أثروا تأثيرهم في الشعر الفارسي حتى لا يخلو شاعر فارسي من نفحة صوفية.
لبثت متشوقا إلى إقبال؛ أخباره وشعره وفلسفته. على قلة ما سمعت عنه، وعلى غموضه وعلى كثرة شواغلي.
وما أحسب علمي به زاد على هذه النتف من الأخبار، حتى صحبت الصديق الشاعر محمد عاكف رحمه الله - وكان صديقي ورفيقي وأنيسي في حلوان دار إقامتنا، وفي جامعة القاهرة - فأراني يوما ديوان پيام مشرق أحد دواوين الشاعر إقبال، وما قرأت من قبل ولا سمعت من شعر إقبال كثيرا ولا قليلا.
অজানা পৃষ্ঠা
وقال محمد عاكف: إن صديقا - وأحسبه سفير تركيا في أفغانستان يومئذ - أرسله إلي. فأقبلنا على الديوان نقرأ معا فنعجب بالفكر والشعر، وننتقل في روضة أنف تلقى العين والنفس بهجتها من النوار والزهر، مختلف الألوان والأشكال، مؤتلف الرونق والجمال.
عرفت إقبالا في كلامه يومئذ، ولكنها معرفة من قرأ قليلا من كلامه، غير خبير بعباراته. ولا عارف بإشاراته ولا مدرك فلسفته ومذاهبه ودعوته ومقاصده.
ولا تزال نسخة پيام مشرق التي أعارني إياها الصديق محمد عاكف عندي عليها علاماته في مواضع الإعجاب. أو مواضع السجود من الشعر كما قال الفرزدق،
1
وهي عند ذكرى اللقاء الأول، لقاء إقبال في ديوان رسالة المشرق، وذكرى شاعر الإسلام محمد عاكف.
ثم أهدى إلي أحد مسلمي الهند - وقد عرف حبي إقبالا وحرصي على الاستزادة من كلامه - المنظومتين: أسرار خودي ورموز بي خودي. فرأيت فيهما أسلوبا بدعا من الفلسفة التي سماها فلسفة خودي «الذاتية»، وطريقة عجبا في الشعر، ومذهبا معجبا في التأليف بين مذهبه وبين الإسلام؛ عقائده وفلسفته وحضارته وتاريخه. وما زال أصحابي في بلاد العرب والعجم يتحفونني بما تناله أيديهم من دواوين إقبال، فأزداد معرفة به وإعجابا وحبا وغراما.
وشرعت أنشر ترجمة منثورة لشعره في مجلة الرسالة. ولا أدري كم واليت نشر قطع من شعر إقبال وعرفت به. وقد دعيت قبل وفاة الشاعر ببضع سنين وأنا في مدينة الإسكندرية إلى التحدث عنه. وكان الأدباء في بلاد العرب عرفوه بي، وعرفوني به. فتحدثت بما راع السامعين من فلسفة الشاعر وشعره.
وشرعت سنة 1936م أنظم منظومة سميتها اللمعات، وأهديتها إلى إقبال ونشرت مقدمتها في مجلة الرسالة.
2
وكان من سعادة الجد وغبطة العين والقلب، أن قدم إقبال مصر في طريقه إلى المؤتمر الإسلامي الذي اجتمع في المسجد الأقصى سنة 1931م.
অজানা পৃষ্ঠা
ودعت جمعية الشبان المسلمين إلى الاحتفال بالرجل العظيم. واقترح أستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار - رحمه الله - أن أقدم محمد إقبال إلى الحضور؛ إذ كنت - على ضآلة معرفتي - أعرف الحاضرين به. وكان هذا شرفا لي وسرورا، وفاتحة من عالم الغيب لصحبة طويلة، صحبة المريد للمرشد، والتلميذ للأستاذ، ومقدمة لجهد مديد في الكتابة عن الشاعر والحديث عنه، وترجمة دواوينه إلى العربية.
تحدثت ما وسعت معرفتي، وأنشدت أبياتا من ديوان رسالة الشرق علقت بذهني.
وهي بالعربية فيما أتذكر:
يا من يطلب في المدرسة المعرفة والأدب والذوق! إن أحدا لا يشرب الخمر في مصنع الزجاج
قد زادت دروس حكماء الفرنج عقلي، وأنارت صحبة أصحاب البصائر قلبي
أخرج النغمة التي في قرار فطرتك. يا غافلا عن نفسك! أخلها من نغمات غيرك.
وكذلك أنشدت هذه الشطرات:
يا لك من يراعة
تصورت من نور
مسيرها سلسلة
অজানা পৃষ্ঠা
الغياب والحضور
وسنة الظهور
وقلت له حين انفض المجلس: لا تؤاخذني، ليس في وسعي أن أنشد شعرك خيرا مما أنشدت. فقال: حسن! أنشدت صحيحا. ووقف إقبال بعد أن عرفت الحاضرين به تعريفا موجزا، فتكلم بالإنكليزية في أحوال المسلمين وتطور الفكر الإسلامي، وأفاض ما شاء علمه وبيانه. ومما وعيته من هذا الكلام قوله عن الصوفية: إنهم علماء النفس بين المسلمين.
وقد وكل إلى الأستاذ محمد الغمراوي أن يسجل خلاصة خطاب إقبال ويقرأها على الحضور. فكتب وحاول أن يترجم ما كتب ارتجالا، ثم رأى أن يترجم على روية وينشر الترجمة في مجلة الشبان المسلمين. وقد حرصت على لقاء الشاعر من بعد، ولكن ضيق الوقت قبل سفره إلى القدس لشهود المؤتمر الإسلامي لم يبلغني ما حرصت عليه إلا لقاء للوداع في محطة القاهرة.
ولبثت أكتب عن إقبال، وأترجم من شعره ما وسع وقتي، وعلى قدر فقهي وعلمي بسيرته حتى نعي إلينا في نيسان من سنة 1938م.
فكان كما قال أبو تمام: أصم بك الناعي وإن كان أسمعا.
وقد احتفلت جماعة الأخوة الإسلامية بتأبينه - وكنت يومئذ رئيس الجماعة - فكان لها حفلتان بقبة الغوري وجمعية الشبان المسلمين، وتكلمت في الحفلين وأنشدت من منظومة اللمعات التي نظمتها وأهديتها إلى إقبال. وأنشدت قصيدة ترجمتها من ديوانه «بانگ درا». وكان مما قلت في أحد خطاباتي في تأبين الشاعر العظيم:
في اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان/أبريل سنة 1938م، والساعة خمس من الصباح، في مدينة لاهور، مات رجل كان على هذه الأرض عالما روحيا يحاول أن ينشئ الناس نشأة أخرى، ويسن لهم في الحياة سنة جديدة.
وسكن فكر جوال جمع ما شاءت له سعته من معارف الشرق والغرب، ثم نقدها غير مستأسر لما يؤثر من مذاهب الفلاسفة، ولا مستكين لما يروى من أقوال العظماء.
ووقف قلب كبير كان يحاول أن يصوغ الأمة الإسلامية من كل ما وعى التاريخ من مآثر الأبطال وأعمال العظماء.
অজানা পৃষ্ঠা
وقرت نفس حرة لا يحدها زمان ولا مكان، ولا يأسرها ماض ولا حاضر. فهي طليقة بين الأزل والأبد، خفاقة في ملكوت الله الذي لا يحد.
مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين، الرجل الذي يخيل إلي - وأنا في نشوة شعره - أنه أعظم من أن يموت وأكبر من أن يناله حتى هذا الفناء الجثماني.
فاضت روح الرجل الكبير المحبوب في داره بلاهور، ورأسه في حجر خادمه القديم علي بخش، وهو يقول: إني لا أرهب الموت، أنا مسلم، أستقبل المنية راضيا مسرورا.
قرأت كلام إقبال في الحياة والموت، ورأيت استهانته بالحمام واستهزاءه بالذين يرهبونه. ما كان هذا خدعة الخيال ولا زخرف الشعر؛ فقد صدق إقبال دعوته في نفسه حين لقي الموت باسما راضيا.
جد المرض بإقبال وكان يقترب إلى الموت وهو متقد الفكر قوي القلب، يصوغ عقله كلمات يوقظ بها النفوس النائمة، وينثر قلبه شررا يشعل به القلوب الخامدة. وكان في شغل بنظم ديوانه الأخير «أرمغان حجاز»؛ هدية الحجاز، وكان قلب الشاعر يهفو إلى الحجاز. وكم تمنى أن يموت فيه. وقد ضمن هذه الأمنية دعاءه في كتابه رموز بي خودي.
ومما قال في أشهره الأخيرة:
آية المؤمن أن يلقى الردى
باسم الثغر سرورا ورضى
وقد أنشد هذين البيتين - وهما مما أنشأ أخيرا - قبل الموت بعشر دقائق وترجمتهما:
نغمات مضين لي هل تعود
অজানা পৃষ্ঠা
أنسيم من الحجاز يعود؟
آذنت عيشتي بوشك رحيل
ألعلم الأسرار قلب جديد؟
وقد زرت من بعد قبره وداره. ولقيت ولده جاويد وخادمه علي بخش وسيقرأ القارئ هذا في الفصول الآتية.
ولما سافرت إلى مدينة دلهي عام 1947م، عزمت على السفر إلى لاهور، على بعد المشقة وظهور الفتن والقلق في أرجاء الهند. وما كان مثلي، وقد قدم الهند، ليصبر عن زيارة ضريح إقبال وداره. فأعددت للسفر إلى لاهور، ونظمت أربعة أبيات، وسألت نقاشا في دلهي القديمة أن ينقشها على لوح من الرخام، وحملتها معي وسلمتها إلى القوام على ضريح إقبال لتوضع هناك. والأبيات:
عربي يهدي لروضك زهرا
ذا فخار بروضه واعتزاز
كلمات تضمنت كل معنى
من ديار الإسلام في إيجاز
بلسان القرآن خطت ففيها
অজানা পৃষ্ঠা
نفحات التنزيل والإعجاز
فاقبلنها، على ضآلة قدري
فهي في الحق «أرمغان الحجاز»
و«أرمغان الحجاز» في البيت الأخير معناها هدية الحجاز، وهو اسم آخر منظومة نظمها إقبال. وقد نشرت بعد وفاته.
وكان من عجائب الاتفاق أن بلغت لاهور قبل ذكرى وفاة إقبال بيومين، ولم أكن أعرف موعد هذه الذكرى، وكانت حفلة لي ولوفد من إيران رئيسه الصديق علي أصغر حكمت، عند ضريح إقبال، وكانت حجرة الضريح لم تكمل بناء.
وقد ألقيت كلمة في هذا الاحتفال جاء فيها:
إقبال!
يا شاعر الإسلام! أنرت مقاصده، وجلوت فضائله وأضأت سراجه، وأوضحت منهاجه، ودعوت المسلمين إلى المجد الذي يكافئ دعوتهم، ويلائم سنتهم، ويناسب تاريخهم.
إقبال!
يا شاعر الشرق! أشدت بمآثره، وفخرت بروحانيته، وأخذت على الغرب المادية الصماء، والغرور والكبرياء، ونقدت قادته، وزيفت سادته، دحضت باطلهم، وأبطلت سحرهم، ووقفتهم للحساب العدل، وأبنت ما لهم وما عليهم، وما أحسنوا وما أساءوا.
অজানা পৃষ্ঠা
إقبال!
يا شاعر الحياة! عرفت معناها وكشفت عن قواها، وبصرت بمجراها ومنتهاها، وأوضحت منارها وصواها.
إقبال!
يا شاعر النفس! أثرت خفاياها، وأظهرت خباياها، وأبنت ما في «خودي» من كهرباء، فيها القوة والنار والضياء، ودعوت إلى إثارة معادنها، واستخراج دفائنها. وقلت:
أخرج النغمة التي في قرار فطنتك، يا غافلا عن نفسك! أخليها من نغمات غيرك.
إقبال!
يا شاعر بيخودي! أوضحت كيف يكون الإيثار، وكيف ينظم الفرد في الجماعة.
إقبال!
يا شاعر الحرية! أشدت بذكرها، وأكبرت من قدرها، ودعوت إليها كاملة، وأردتها شاملة، وأبغضت العبودية في شتى مظاهرها، ومختلف صورها.
إقبال!
অজানা পৃষ্ঠা
يا شاعر الجهاد والدأب، والكدح والنصب. قلت إن الحياة جهاد مستمر، وكفاح لا يستقر، وإن الحياة في الموج الهائل، والموت في سكون الساحل.
إقبال!
يا شاعر التجديد والتقدم! قلت إن الحياة مجددة تكره التكرار، ومقدمة تأبى التقهقر. ودعوت الإنسان أن يمضي قدما في الحياة مقدما، له كل حين فكرة، وفي كل ساعة نغمة. وبينت أن الإقدام والابتكار، هما فرق ما بين العبيد والأحرار.
إقبال!
يا شاعر الجمال!
صورته في الأرض والسماء، واليبس والماء، وفي الصحاري الجرداء، والحدائق الغناء، وفي الصبح والمساء، والضياء والظلماء، وصورته في كل خلق كريم، ومنهج قويم.
إقبال!
يا شاعر الجلال! جلوته في الخالق والخليقة، وفي الهمم العالية، والعزائم الماضية، والأماني الكبيرة والمقاصد الجليلة.
إقبال!
أيها الشاعر الملهم! بانت لك الأسرار، ورفعت عن الغيوب لك الأستار. فرأيت الباطن كالظاهر، وأدركت المستقبل كالحاضر.
অজানা পৃষ্ঠা
إقبال!
يا شاعر الإسلام، ويا شاعر الشرق، ويا شاعر الحياة، ويا شاعر الإنسانية، ويا شاعر الحرية والجهاد والتقدم والإقدام، ويا شاعر الجمال والجلال!
لقد حييتك على بعد الديار وشط المزار، وأشدت بذكرك وعرفت بقدرك وأهديت إليك اللمعات، جوابا لمنظومتيك «أسرار خودي» و«رموز بي خودي».
وأنا اليوم أحييك على القرب. وسيان في عظمتك القريب والبعيد. إن هذا الضياء لا يقيس المسافات، ولا تبعد عليه الغايات.
إن هذا الفكر الذي يطوي الآفاق، ويخترق السبع الطباق، لا تختلف عنده الأرجاء، فالداني والنائي لديه سواء.
كان مناي أن أزورك في حياتك، ثم تمنيت أن أزور ضريحك بعد مماتك. وهأنذا أشرف بأن ألقي أمامك هذه الكلمات، وأودع ضريحك هذه الزهرات:
عربي يهدي لروضك زهرا
ذا فخار بروضه واعتزاز «الأبيات المثبتة [سابقا]».
لقد ضمنت لك آثارك الخلود في هذه الدنيا، وعند الله جزاؤك في الأخرى، جزاء المجاهدين المخلصين.
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين .
অজানা পৃষ্ঠা
ثم ذهبت أنا والصديق علي أصغر حكمت إلى دار إقبال، التي سكنها آخر عمره ومات فيها، وهي دار صغيرة المبنى كبيرة المعنى، تأخذها العين في نظرة، ويسافر فيها الفكر إلى غير نهاية.
وقابلنا هناك جاويد، وهو ابن الشاعر. ذكره في كثير من شعره، وأعرب عن أمله فيه، ورجائه في مخايله، وسمى باسمه المنظومة الرائعة «جاويد نامه». وجاويد معناه الخالد.
ورأينا حجرة كان الشاعر الخالد يكتب فيها شعره ومقالاته، وفيها فاضت روحه. وهي حجرة يستطيع شاعر بليغ أن يفصلها أبياتا خالدات، وقصائد سائرات.
لبثنا حينا في الدار ذات الذكر والعبر نحدث جاويد. وأهدى إلينا صورة والده. وإنها لذكرى عظيمة: صورة إقبال يهديها ابن إقبال في دار إقبال.
وكان علمي بإقبال يزداد على مر الزمان، فيزداد شغفي به، وإكباري إياه، وإيماني بمذهبه في هذه الحياة. فترجمت من شعره، وهممت بأن أترجم ديوانا من دواوينه، فلم يتسع وقتي، ولا تسنى مطلبي.
ولما بعثت إلى باكستان سفيرا لمصر هاج نفسي القرب، ولقيت بين الحين والحين من يحدث عن إقبال ومن رآه؛ فزحزحت الشواغل عن ساعات من الوقت شغلت فيها بإقبال. فترجمت ديوانين من دواوينه؛ ترجمت «رسالة المشرق» وطبعتها في كراجي حين الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الشاعر، ثم ترجمت «ضرب الكليم» ونشرته في القاهرة حين الذكرى الرابعة عشرة. وأترجم اليوم - والله المستعان - ديوانين: «أسرار خودي» و«رموز بي خودي». وقد قاربت الفراغ منهما والحمد لله. وكم شاركت في الاحتفال بإقبال فقلت وسمعت، وكم جالست أحباء إقبال ومنهم من عاشره ووعى عنه عن كثب، وعرف معيشته في داره، ومجالسه بين أصحابه وسماره.
ولا تزال مجالس أصدقاء إقبال تجتمع عندي كل أسبوع مرة أو مرتين، فنقرأ شعره ونروي أخباره، ونستمع إلى حديث العارفين بفلسفته، المتوفرين على استكناه حقائقها واستجلاء أسرارها.
وكثيرا ما سمعت من هؤلاء الأصدقاء الذين سميتهم دراويش إقبال؛ أن هذه المجالس أحب شيء إليهم في هذه الدنيا، وأنها عندي لكذلك.
هذه كلمة أردت أن أعرف بها القراء إقبالا كما عرفته ؛ ليقبلوا على قراءة تاريخه وفلسفته وشعره في الفصول الآتية.
الباب الأول
অজানা পৃষ্ঠা
سيرة إقبال
الفصل الأول
أسرته
يرجع نسب أسرة محمد إقبال إلى براهمة كشمير. أسلم أحد أجداده قبل ثلاثة قرون في عهد الدولة المغولية، كبرى الدول الإسلامية التي قامت في الهند. أسلم هذا الجد على يد الشيخ شاه همداني أحد أئمة المسلمين في ذلك العصر.
وهاجر محمد رفيق جد محمد إقبال من قرية لوهر في كشمير إلى مدينة سيالكوت من ولاية بنجاب. وكثير من أهل كشمير يهاجرون إلى سيالكوت طلبا للرزق؛ إذ كانت أقرب المدن إلى بلادهم، ومنها ينتشرون في أرجاء الهند. فكثير من أهل سيالكوت يرجعون إلى أصول كشميرية.
حل محمد رفيق في سيالكوت ومعه أخوة ثلاثة، أحدهم الشيخ محمد رمضان وكان صوفيا ألف كتبا كثيرة باللغة الفارسية.
وسعى محمد رفيق في طلب الرزق يعينه ابنه محمد نور أبو محمد إقبال.
وقد ذكر إقبال في مواضع من شعره أنه من سلالة البراهمة، لا يفخر بهذا الأصل بل يفخر بأن رجلا من سلالة البراهمة أدرك من حقائق الإسلام وأسراره ما أدرك.
يقول في ضرب كليم يخاطب «سيدا مصابا بالفلسفة»:
وإنني في الأصل سومناتي
অজানা পৃষ্ঠা
إلى مناة نسبي واللات
وأنت من أولاد هاشمي
وطينتي من نسل برهمي
ويقول في أبيات أخرى عنوانها: إلى أمراء العرب:
هل يسعد الكافر الهندي منطقه
مخاطبا أمراء العرب في أدب
ويقول في پيام مشرق:
انظر إلي فما ترى في الهند غيري رجلا من سلالة البراهمة عارفا بأسرار الروم وتبريز.
وفي شعر آخر:
قد قامر الأمراء بالدين والقلب في حلبة السياسة، فما ترى غير ابن البرهمن محرما للأسرار.
অজানা পৃষ্ঠা
ويقول في بال جبريل في قصيدة مسجد قرطبة:
أنا كافر هندي فانظر إلى شوقي وذوقي، ملء قلبي الصلاة والسلام، وعلى شفتي الصلاة والسلام.
ويقول في هجرة أسرته من كشمير:
لقد هجر الدر أرض اليمن
ونافجة المسك أرض الختن
وبلبل كشمير في الهند ثاو
بعيدا من الروض خار الوطن
والدا إقبال
كان والداه صالحين تقيين؛ فأما أبوه فكان متصوفا عاملا كادحا في كسب رزقه يعمل لدينه ودنياه.
ويؤثر عنه أنه قال لإقبال حين رآه يكثر قراءة القرآن: إن أردت أن تفقه القرآن فاقرأه كأنه أنزل عليك.
অজানা পৃষ্ঠা