محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
প্রকাশক
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
সংস্করণের সংখ্যা
١٣٩٥ هـ/١٩٧٥م
জনগুলি
مقدمة الطبعة الثانية
بقلم الفقير إلى عفو ربه: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عفا الله عنه.
الحمد لله الذي مَنَّ على عباده في كل زمان فترة بإيجاد أئمة هدى؛ يدعون الناس إلى الصراط المستقيم، ويرشدونهم إلى الطريق القويم، ويبصّرون بكتاب الله أهل العمى، ويصبرون منهم على الأذى، ينفون عن كتاب الله وعن سنة رسوله ﵊ انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، ويشرحون لهم حقيقة الدين، ويكشفون لهم الشبه بواضحات البراهين.
وكان من جملة هؤلاء الأئمة المهتدين والدعاة المصلحين؛ الإمام العلامة، والحبر الفهامة، مجدد ما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر، والدعي إلى سنة خير البشر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي، طيب الله ثراه، وأكرم في الجنة مثواه، فلقد شرح الله صدره لمعرفة حقيقة الإسلام وما دعا إليه سيد ولد عدنان عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام؛ من الهدى ودين الحق، في عصر استحكمت فيه غربة الإسلام، وغلب على أهله الجهل والبدع والخرافات، وعبادة الأنبياء والصالحين والأشجار والأحجار، وقَلَّ فيه من يصدع بالحق، ويشرح للناس حقيقة التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، ويحذرهم من أنواع الشرك المنافية لدين الإسلام، فقام هذا الإمام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري بالدعوة إلى الله سبحانه بقلمه ولسانه، وأوضح للناس حقيقة ما بعث الله به نبيه ﵊، وما ألصقه به الجهال والضُّلاَّل وهو برئ منه من الشرك والبدع والخرافات، وأوذي في ذلك أذى كثيرًا من الجهال وأدعياء العلم، ومن علماء السوء الذين آثروا الحظ الأدنى على الحظ الأعلى، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾، ومن الأمراء الجهال الذين لا يهمهم إلا تثبيت مناصبهم، وتحصيل أغراضهم العاجلة.
فصبر ﵀ على ذلك، واستمر في الدعوة
1 / 3
والبيان، وإيضاح الحق بأنواع الأدلة من الكتاب والسنة، وشرح حال سلف الأمة؛ حتى قَبِل الدعوة من سبقت له السعادة، وساهم في نصرها ونشرها بكل ما يستطيع من قوة.
وكان على رأس من نصر الدعوة، وأيدها بقلمه ولسانه وسيفه وسنانه وأولاده وعشيرته، وكل من دخل في طاعته: الإمام الهمام محمد بن سعود؛ جد الأسرة السعودية الحاكمة، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته، وسائر من ساهم في نصر الدعوة وتأييدها، والاستقامة عليها.
فقام في ذلك هذا الإمام أكمل قيام، وأعلن الجهاد على من وقف في طريق الدعوة، ولم ينشرح لها صدره فلم يتقبلها، بل حاربها وصد عنها، حتى أيده الله ونصره وأتباعه، وأظهر على يديه الدعوة الإسلامية نقية سليمة من شبهات المخرفين، وبدع المضلين.
واستمر الشيخ ﵀ في الدعوة إلى الله ﷿، وتدريس العلوم الشرعية للطالبين، وكشف الشبهات التي يروجها الكفار والملحدون من عبّاد القبور وغيرهم، ويشجع على الجهاد بأنواعه، ويشارك فيه بنفسه وأولاده، ويؤلِّف المؤلفات النافعة والرسائل المفيدة في بيان العقيدة الصحيحة، ورد ما يخالفها بأنواع الأدلة والبراهين؛ حتى ظهر دين الله، وانتصر حزب الرحمن، وذلَّ حزب الشيطان، وانتصرت العقيدة السلفية في الجزيرة العربية وما حولها، وكثر الدعاة إلى الحق، ونكست أعلام البدع والشرك والخرافات، وقام سوق الجهاد، وعمّرت المساجد بالصلوات والدروس الإسلامية النقية.
فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة، التي تفضل الله بها سبحانه على عباده عند ظهور البدع وغلبة الجهل، واندراس معالم الإسلام، وظهور الشرك في غالب المعمورة.
فجزى الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود وأتباعهما وأنصارهما أفضل الجزاء، وأعظم المثوبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقد ألَّف في دعوة الشيخ وجهاده وجهاد آل سعود جَمٌّ غفير، منهم الشيخ العلامة المؤرخ: أبو بكر حسين بن غنام، ومنهم الشيخ العلامة: عثمان بن عبد الله بن بشر، ومنهم في عصرنا الشيخ العلامة: أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي، القاضي حاليًا بالمحكمة الشرعية بقطر، فقد ألَّف كتابًا موجزًا مفيدًا، عنوانه: الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عقيدته السلفية، ودعوته الإصلاحية، وثناء العلماء عليه، أجاد فيه وأفاد، وأوضح فيه دعوة الشيخ وعقيدته وجهاده؛ بأسلوب جيد مفيد، ونقل فيه عن معاصريه وغيرهم من العلماء والمفكرين من المسلمين وغيرهم ما كتبوه عن دعوته، وما أثنوا به عليه، ورغب إليَّ في قراءة كتابه، وتصحيح ما وقع فيه من أخطاء مطبعية، وتعليق
1 / 4
ما استحسن تعليقه، فأجبته إلى ذلك مساهمة في نشر الحق والدعوة إليه، وقرأت كتابه قراءة تدبّر وتفهّم واستفادة، وأصلحت ما وجدت من أخطاء مطبعية، وعلّقت بعض التعاليق القليلة التي أرى أن فيها مزيدًا من الفائدة لقارئ هذا الكتاب.
وكان المؤلف أثابه الله قد وضع بعض الحواشي المفيدة على الطبعة المذكورة، فلهذا رأيت تمييز تعليقي بوضع اسمي في آخره، وما سواه فهو للمؤلف.
وقد رأى وفقه الله أن يضيف إلى النقول السابقة في الطبعة الأولى نقولًا أخرى مفيدة، تبتدئ من الثاني والثلاثين، وتنتهي بالثاني والأربعين من بنود هذا الكتاب، وقد قرأتها فألفيتها مفيدة تحسن إضافتها إلى الكتاب.
وأسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب الجليل جميع من اطلع عليه ويضاعف لمؤلفه الأجر وأن يغفر للشيخ محمد بن عبد الوهاب أنصاره وأتباعه في الحق وسائر دعاة الهدى وأن يتغمدهم برضوانه ويعاملنا وإياهم وسائر المسلمين بلطفه وعفوه وأن يكثر في المسلمين دعاة الهدى وأنصار الحق وأن يجمع كلمتهم على الهدى ويصلح قادتهم أنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. حرر في ٢٢/٣/١٣٩٣
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عبد العزيز بن عبد الله بن باز
1 / 5
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم السيد: علي صبح المدني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام الأتَمَّان الأَكملان على أَفضل الخلق وخاتم الرسل، سيد الخليقة على الإطلاق؛ محمد بن عبد الله، الذي ابتعثه الله على حين فترة من الرسل، فهدى به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، فأدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة، وجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفع راية التوحيد، وجاهد في الله حق جهاده، ففتح الله على يديه الفتح المبين.
ولم ينتقل من هذه الدنيا إلا وقد دانت الجزيرة العربية بدين الحق، وتخطت دعوته إلى تخوم الأقطار الفارسية والرومية، فأتم صحابته الكرام فتح تلك الأصقاع المجاورة، فدخل الناس في دين الله أفواجًا.
ثم بعد انقراض رجال القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية، دَبَّ في المسلمين داء التنافس على الرئاسة، وحب الدنيا، فتفرقت كلمتهم، وتبدد شملهم، فذلوا بعد عزة، وضعفوا بعد قوة، فأصبحوا مسودين بعد أن كانوا سائدين، ومحكومين بعد أن كانوا حاكمين، وفقدوا كل شيء حتى تعاليم دينهم الحنيف، ولا سيما توحيد رب العالمين، فاشرأبت أعناق الشرك، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فأحلّوا البدعة محل السنة، والشرك محل التوحيد.
وما زالوا كذلك غارقين في بحار الوثنية والشرك إلا من شاء الله، إلى أن قيّض الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها؛ ألا وهو شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب،
1 / 7
فاندفع إلى مبارزة أئمة الشرك والضلال، سلاحه كتاب الله وسنة رسوله ﵊، يكر على تلك الجحافل، فيبددها مع قلة عدد أنصاره وعدده، فكان النصر حليفه في كل وقائعه، ولا غرو فقد قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ وقال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ .
ولم يمت ﵀ ورضي عنه - إلا بعد أن دانت لدعوته الجزيرة العربية، فوحّد الله على يديه تلك القبائل والأمراء المتناثرة المتنافرة، فتحققت الوحدة العربية، ومات وهو قرير العين، مطمئن القلب، وقد خلفه أولاده ولا زالوا إلى الآن فكانوا خير خلف لخير سلف.
فجدير بالأجيال المتأخرة أن يدرسوا سير عظماء أسلافهم ليتأسّوا بهم، وينهجوا على منوالهم، فدراسة مناقب هؤلاء الأعلام تملأ الأجيال المتأخرة روحًا تقدمية، وأنفسًا طموحة إلى العلا، شريطة أن تكون تلك الدراسة موزونة بميزان الكتاب والسنة، وكذلك كما قال عمر بن الخطاب: "كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
لذلك نقدم هذه السيرة العطرة لنباتة البلاد العربية خصوصًا، ولكافة المسلمين عمومًا، لتكون حافزًا لهم على التمسك بدينهم، خالصًا من شوائب الشرك والبدع.
ونهيب بسكان الجزيرة العربية ولا سيما الأقطار المقدسة أن يحرصوا على تربية أولادهم وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية، ويبعدوهم عن بهرجة المدينة اللادينية الزائفة.
وختامًا فقد أجاد وأفاد مؤلف هذه الرسالة، فقد جمع إلى إيجاز العبارة، إستيفاء المراد.
فنسأل الله أن يجزل له الثواب جزاء ما بذل من هذا المجهود الطيب، وأن يوفقه إلى الاستزادة من المؤلفات النافعة التي تغرس الفضائل الإسلامية في الناشئة حتى ينبتوا نباتًا حسنًا، وعلى الله التوفيق.
وصلى الله وسلم وبارك على خاتم رسله محمد وآله وصحبه أجمعين.
1 / 8
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسائر أئمة الدين والهداة المخلصين والدعاة المصلحين.
أما بعد:
فلم يخف ما كانت عليه العرب قبل البعثة المحمدية من شقاء، وشرك، وكفر، وذل، وفقر، وانحطاط، وتفرق، وشتات.
لا شريعة سماوية إليها يرجعون، وعلى منهاجها يسيرون، ولا ملك يجمع كلمتهم ويعدل بينهم.
ولما أراد الله لهم السعادة، وإنقاذهم من مهاوي الذل والكفران؛ بعث الله نبينا محمدًا ﷺ، فدعاهم إلى توحيد الخالق العليم، وأرشدهم إلى سلوك الصراط المستقيم، فدخلوا في دين الله أفرادًا وجماعات، واعتنقوا هذا الدين الحنيف بحب وإخلاص، ومشوا على منهاجه القويم.
فتوحدت كلمتهم، وقويت شوكتهم، وعز سلطانهم، وفتحوا الأقطار، وأناروا الطريق للبشر، وهدوهم إلى السبيل الأقوم، ودانت لهم الأمم، ودخلوا في دين الله أفواجًا أفواجًا، وخفقت رايتهم من حدود أوروبا إلى الصين، وقوي سلطانهم، فأذل الله لهم الملوك الكافرين.
وذلك كله ببركة اتباعهم لكتاب الله المجيد والسنة المطهرة، واتصافهم بالأخلاق العظيمة والصفات الكريمة.
1 / 9
وبعد انقضاء القرون المفضلة؛ كثرت البدع والخرافات، والرجوع إلى الوثنية الأولى، بتعظيم المشاهد والقبور، وصرف العبادة لها من دون الله، وتقديم الآراء على السنة المطهرة، والتقليد على الأخذ من الوحيين، وتعطيل الأسماء والصفات بالتأويل، ودانوا بالبدع، وحكموا بحسن أكثر أنواعها.
سرى ذلك في أكثر الأمة الإسلامية، من بعض الأمم الأعجمية الداخلة في الإسلام نفاقًا وكيدًا من بعضهم، وحسن ظن من بعض، وعدم فهم كامل لأصول الدين.
وسكت الأكثرون، إما لجهل بالحقائق، وإما مداهنة مع الرؤساء والجماهير، فلهذه الأسباب عَمَّ طوفان البدع والوثنية، فأغرق الأكثرين، وعم أرجاء الأرض من سائر الأقطار.
ولكن والحمد لله لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع والشرك القبيح؛ من علماء ربانيين، ودعاة مصلحين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها، بالدعوة والتعليم، وحسن القدوة، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما يقومون برد الشبه، وقمع الملحدين، وتأييد شريعة سيد المرسلين.
وذلك مصداق ما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود: "إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لههذ الأمة أمر دينها" ١.
ولقد كان الشيخ الكبير والمصلح الشهير، الداعي إلى توحيد الله العلي الكبير، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي، ﵀، من أولئك العدول المجددين، والمصلحين والمخلصين.
١ هذا الحديث إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي والعلامة السخاوي وآخرون، قال الحافظ ابن كثير ﵀ في "النهاية" لما ذكر هذا الحديث ما نصه: "وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر - والله أعلم - أنه يعم حملة العلم من كل طائفة، وكل صنف من أصناف العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين، إلى غير ذلك من الأصناف"انتهى، والله أعلم. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.؟
1 / 10
قام يدعو إلىتجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده بمشرعه في كتاباته، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين ﷺ.
كما قام يدعو إلى نبذ البدع والمعاصي، وعبادة الأولياء والصلحاء والأشجار والغيران.
ويأمر بإقامة شرائع الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة.
ولا زال الناس من عصره إلى اليوم، من مادح وقادح، يعتقد أن الشيخ لم يكن على الصواب، وأن دعوته التي دعا إليها الناس مخالفة للسنة والكتاب ولمذاهب الأئمة الأربعة ﵏.
والسبب في ذلك: أن دعاية الأتراك واشراف مكة في العصر الماضي بضد دعوة الشيخ والسعوديين لأغراضهم السياسية قد نالت رواجًا وانتشارًا في الأقطار الإسلامية١، وتأثر بها الأكثرون، كما أثّرت الكتب التي كتبها بعض أدعياء العلم في نقد الدعوة، والرد على الشيخ.
وما كان أولئك عالمين بحقيقة دعوته، لأنهم لم يطلعوا على كتبه، ولا على كتب أبنائه وأحفاده، من أجل أن وسائل نشر العلم والكتب لم تكن إذ ذاك ميسورة كاليوم، وإنما سمعوا من أفواه بعض الناس، وكتبوا بدون تثبت ومستند، وراجت الدعاية لدى الجمهور، وظنوا أنها صحيحة.
كما اعتقدوا صحة ما كانوا يسمعونه وما يقرءونه من بعض الكتب التي تنتقد الشيخ ودعوته.
وجهل أولئك المؤلفون أو تجاهلوا أن الواجب على الشخص ولا سيما من انتسب إلى العلم أن لا يقبل كل ما يقال عن شخص أو مذهب أو طائفة
١ سيجئ هذا البحث في أثناء الكتاب مفصلًا.
1 / 11
حتى يثبت لديه، بأن يسمع من ذلك المنسوب إليه ما أذيع عنه، أو يقرأ كتابه ويتأكد من صحة نسبة الكتاب إليه، وهكذا القول فيما سمعه عن مذهب أو طائفة.
قلنا: إن دعاية الأتراك والأشراف في العصر الماضي قد نالت رواجًا وانتشارًا.
أما في هذا العصر، فقد خفّت وطأة تلك الدعاية السيئة، وعرف كثير من العقلاء في سائر الأقطار والبلدان، حقيقة دعوة الشيخ وصحتها، وذلك بفضل انتشار العلم والوعي في العالم، وبفضل ما اتصفت واشتهرت به الدولة السعودية من التوحيد، وتحكيم الشرع المبين، وإقامة شعائر الإسلام، وإقامة الحدود الشرعية، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونشر العدل والأمان، وتمسكها بالسنة الصحيحة والقرآن، ومحاربة أهل البدع، والاهتمام بالعلم والتعليم، ونشر المدارس والمعاهد والكليات في سائر أرجاء المملكة العربية، وفتح الأبواب للطلاب الوافدين من مختلف البلدان، وإعانتهم بالوسائل النافعة الكافية.
كما اشتهرت بالكرم والبذل لجميع الوافدين إليها؛ من غير فرق بين مذهب وبلد وعنصر.
وبالرغم مما قلنا من انتشار الوعي، واتصاف الدولة العربية السعودية بتلك الصفات الكريمة؛ لا زال كثير من المنتسبين إلى العلم فضلًا عن العوام يزعمون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ لم يكن على الصواب، وأن الفئة الوهابية تكفّر المسلمين، ولا ترى للأنبياء مقامًا ولا احترامًا ولا شفاعة، كما لا تحترم الأولياء والصالحين، ولا ترى زيارة قبر الرسول ولا غيره.
إلى غير ذلك من الأقاويل الزائفة التي لا تعتمد إلا على الوراثة، والسماع عن الماضين الجاهلين، والاغترار ببعض كتب المخرفين.
1 / 12
السبب الباعث للتأليف:
فمن أجل ذلك؛ رأيت أن أكتب في سيرة الشيخ المجدد لما اندرس من معالم الإيمان والإسلام، وعقيدته، ودعوته الإصلاحية مؤلفًا وسطًا، اعتمدت فيه على ما ذكره المؤؤخون لـ"نجد" كابن غنام، وابن بشر، والألوسي، والريحاني وغيرهم ممن ذكر الشيخ ودعوته في ثنايا كتبهم.
كما اعتمدت على بعض رسائل إمام الدعوة وأبنائه وأحفاده.
وسأختمه إن شاء الله بثناء العلماء الراسخين، وبعض المؤرخين المحققين من المسلمين والغربيين، على ذلك الإمام الجليل، الذي شغل عصره وبعده، بعلومه وآرائه، وإصلاحه، ودعوته المقيدة بالكتاب والسنة، والذي دوى صوته بعلومه ودعوته في نجد وفي الخارج، وجادل وناضر بقوة جنانه، وفصاحته لسانه، وواضح برهانه.
وإن كنت لست أهلًا لذلك؛ لقصور باعي، وعدم سعة إطلاعي عما هنالك، ولكني بالله استعنت، وإليه تضرعت؛ أن يعينني على هذا المرام، راجيًا أن يقف القارئ بعد الاطلاع على هذا الكتاب، وإمعان النظر فيه؛ على حقيقة دعوة الشيخ وعقيدته السلفية، وما اتصف به من العلم والورع والغيرة على الدين، والنصح لعباد الله، والجهاد في سبيله.
فلا ينتهي من قراءته، إلا وقد انكشفت تلك الحجب والأستار التي نسجها أولئك المغرضون حول دعوة الشيخ ﵀.
ويعلم أن ما كان يسمعه من أفواه بعض الجاهلين، أو أدعياء العلم ضد الشيخ ودعوته وأتباعه؛ لا نصيب له من الصحة.
1 / 13
وأن تلك الكتب التي ألَّفها بعض من انتسب إلى العلم، رادًا بزعمه على الشيخ وأتباعه لا قيمة لها في ميزان العلم والنقد، إذ لم تستند على دليل نقلي صحيح، ولا برهان عقلي سليم.
وكل ما هناك افتراءات على الشيخ، واستنادات على حكايات ملفّقة، وأحاديث ضعيفة أو موضوعة. وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الله الملك المعبود.
فأقول وبالله التوفيق، وبيده أزمة التحقيق.
المؤلف:
1 / 14
محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
ولادته، ونشأته ورحلته لطلب العلم:
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد ابن راشد التميمي، سنة ١١١٥ هجرية، الموافق سنة ١٧٠٣م، في بلدة العيينة، الواقعة شمال الرياض.
ونشأ الشيخ في حجر أبيه عبد الوهاب، في تلك البلدة في زمن إمارة عبد الله بن محمد بن حمد بن معمر. وكان سباقًا في عقله وفي جسمه، حاد المزاج، فقد استظهر القرآن قبل بلوغه العشر، وبلغ الاحتلام قبل إتمام الاثنتي عشرة سنة.
قال أبوه: "رأيته أهلًا للصلاة بالجماعة، وزوجته في ذاك العام".
طلبه للعلم:
درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث.
وكان في صغره، منكبًا على كتب التفسير والحديث والعقائد.
وكان يعتني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، ويكثر من مطالعة كتبهما.
رحلاته العلمية:
ثم غادر البلاد قاصدًا حج بيت الله الحرام.
وبعد أدائه الفريضة أَمَّ المدينة المنورة، وقصد المسجد النبوي، وزار إمام المرسلين ﷺ، وصحابته الأبرار المخلصين.
1 / 15
شيوخه بالمدينة المنورة:
وكان فيها إذ ذاك من العلماء العاملين، الشيخ: عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف النجدي، كان رأسًا في بلد المجمعة.
فأخذ عنه الشيخ: محمد بن عبد الوهاب كثيرًا من العلم، وأحبه الشيخ عبد الله، وكان به حفيًا، وبذل جهدًا كبيرًا في تثقيفه وتعليمه، وكان من أكبر عوامل توثيق الروابط بينهما وتمكين المحبة توافق أفكاره ومبدئه مع تلميذه في عقيدة التوحيد، والتألم مما عليه أهل نجد وغيرهم من عقائد باطلة، وأعمال زائفة.
واستفاد الشيخ من مصاحبته فوائد عظيمة، وأجازه الشيخ: عبد الله بالحديث المشهور والمسلسل بالأولية "الراحمون يرحمهم الرحمن" من طريقين:
أحدهما: من طريق ابن مفلح عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وينتهي إلى الإمام أحمد.
والثاني: من طريق عبد الرحمن بن رجب عن العلامة ابن القيم عن شيخ شيخ الإسلام، وينتهي أيضًا إلى الإمام أحمد.
كما أجازه الشيخ بكل مافي ثبت الشيخ عبد الباقي الحنبلي، شيخ مشايخ وقته؛ قراءة وعلمًا وتعليمًا، صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم وشروح الصحيحين، وسنن الترمذي والنسائي، وأبي داود، وابن ماجة ومؤلفات الدارمي، بسنده المتصل إلى المؤلف.
ومسند الإمام الشافعي، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، إلى غير ذلك مما ثبت في ثبت الشيخ عبد الباقي.
ثم وصل الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف حبل الشيخ محمد، بحبل المحدث الشيخ محمد حياة السندي، وعرفه به وبما هو عليه من عقيدة صافية، وبما تجيش به نفسه من مقت الأعمال الشائعة في كل مكان من البدع، والشرك الأكبر والأصغر، وأنه إنما خرج من نجد للرحلة في طلب العلم،
1 / 16
وسعيًا إلى الاستزادة من السلاح الديني القوي، الذي يعينه على ما هو مصمم عليه من القيام بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
وممن أخذ عنهم الشيخ وانتفع بمصاحبته الشيخ: علي أفندي الداغستاني، والشيخ: إسماعيل العجلوني، والشيخ: عبد اللطيف العفالقي الإحسائي، والشيخ: محمد العفالقي الإحسائي.
وقد أجاز الشيخان الداغستاني والإحسائي بمثل ما أجازه الشيخ عبد الله بن إبراهيم بما في ثبت أبي المواهب.
ثم توجه إلى نجد، ثم البصرة، قاصدًا الشام، ليستزيد من العلوم النافعة.
شيوخه بالبصرة:
فأقام مدة بالبصرة، درس العلم فيها على جماعة من العلماء.
منهم الشيخ: محمد المجموعي، وقرأ الكثير من النحو واللغة والحديث، كما كتب كثيرًا في تلك الإقامة من المباحث النافعة والكتب القيمة، ونشر علمه النافع وآراءه القيمة حول موضوع البدع والخرافات، وإنزال التضرع والحاجات بسكان القبور من عظام نخرة، وأوصال ممزقة، وعزز كلامه بالآيات الساطعات، والبراهين الواضحات.
فقابلوه بالتكذيب والأذى وأخرج من البلاد وقت الهجرة١ وأنزلوا بعض الأذى بشيخه المجموعي.
فقصد الزبير في وقت الصيف وشدة الرمضاء، وكان ماشيًا على رجليه، وكاد يهلك من شدة الظمأ.
فساق الله إليه رجلا من بلد الزبير يسمى أبا حميدان، فرآه من أهل العلم والصلاح، فحمله على حماره، حتى أوصله إلى بلد الزبير.
وتوجه إلى الشام راجلًا لينهل من مناهل العلماء، ويتغذى من الثقافات الدينية، مستزيدًا.
١ الهجيرة.
1 / 17
عودته إلى نجد:
غير أنه قلت نفقته، فقفل راجعًا، فأتى الأحساء، فنزل بها عند الشيخ: عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي، وقرأ عنده ما شاء الله أن يقرأ.
ثم توجه إلى حريملاء، قرية من نجد، وذلك لأن والده الشيخ: عبد الوهاب قد انتقل إليها.
ولما آب الشيخ من رحلته الطويلة وراء العلم والتحصيل، لازم أباه، واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما.
وعكف على كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهما الله، فزادته تلك الكتب القيّمة علمًا ونورًا وبصيرة، ونفخت فيه روح العزيمة.
ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وما بالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة، والعادات الفاسدة، فصمم على القيام بالدعوة.
حالة نجد قبل الدعوة من حيث الديانة والسياسة
سبق أن ذكرنا لك أيها القارئ الكريم: أن الشيخ ﵀ زار الحجاز والأحساء والبصرة ولا زبير، وقيل: حتى فارس، حسبما نقل عن "لمع الشهاب"؛ ليروي ظمأه من مناهل العلوم الدينية، ويتفهم أصول الدين وشرائعه القويمة، ويقف على أحوال أولئك الأقوام وعقائدهم وعلومهم، بعدما شاهد في نجد وطنه ما شاهد من المنكرات الأثيمة، والشركيات القبيحة الذميمة، القائلة لمعنى الإنسانية.
وكان أيام تحصيله يقرر لسامعيه ومخالطيه ما فهمه من الدين والتوحيد، ويبين قبائح ما تأتيه العامة وأشباه العامة من أدعياء العلم.
وعندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله ﷺ ودعائه من دون الله؛ فكاد مرجل غيظه ينفجر.
1 / 18
فقال للشيخ محمد حياة السندي: ما تقول يا شيخ في هؤلاء؟.
فأجابه على الفور: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .
درس أحوال نجد وأهل البلدان التي زارها، ورأى ماهم فيه من بُعْدٍ عن الدين، ولا سيما نجد.
ماذا رأى؟.
رأى نجدًا كما يحدثنا المؤرخون السالفون لنجد، كابن بشر، وابن غنام، والألوسي، والمعاصرون ك "حافظ وهبة"، وغيره مرتعًا للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة، يحج الناس إليها، ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم، فقد كانوا في الجبيلة يؤمون قبر زيد بن الخطاب، يتضرعون لديه، ويسألونه حاجاتهم وكذلك في الدرعية، كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون..
وأغرب من ذلك: توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل، واعتقادهم أن من تؤمه من العوانس تتزوج، فكانت من تقصده تقول: "يا فحل الفحول، أريد زوجًا قبل الحول".
وفي الدرعية، كان غار يقصدونه، بزعم أنه كان ملجأ لإحدى بنات الأمير التي فرّت هاربة من تعذيب بعض الطغاة.
وفي شعب غبيرا، قبر ضرار بن الأزور، كانوا يأتون لديه من الشركة والمنكر ما لعل مثله، لا يتصور.
ورأى في الحجاز من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول ﷺ؛ ما لا يسوغ إلا مع رب الأرباب.
كما رأى في البصرة والزبير، وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل، ولا يقره الشرع.
1 / 19
كما سمع عن العيدروس في "عدن"، والزيلعي في اليمن الشئ الكثير.
رأى ما رأى، وسمع ما سمع، وتحقق، ووازن تلك الأفعال المنكرة بميزان الوحيين: كتاب الله المبين، وسيرة الرسول الأمين ﷺ، وأصحابه المتقين، فرآهم في بعد عن منهج الدين وروحه.
رآهم لم يعرفوا لماذا بعث الله الرسل؟، ولماذا بعث الله محمدًا للناس كافة؟، ورأى أنهم لم يعرفوا حالة الجاهلية، وما كان فيها من الوثنية الممقوتة، رآهم غَيَّروا وبدلوا أصول الدين وفروعه، إلا القليل.
هذه حالتهم في دينهم وعبادتهم.
حالة نجد السياسية:
أما حالتهم السياسية: فكما جاء في كتاب "جزيرة العرب في القرن العشرين": رأى أنه ليس هناك قانون ولا شريعة إلا ما قضت به أهواء الأمراء وعمالهم، وكانت نجد متقسمة إلى ولايات عديدة، يحكم كل واحدة منها أمير، لا تربطه وجاره أية رابطة.
ومن أهم هؤلاء الأمراء: بنو خالد في الأحساء، وآل معمر في العيينة، والأشراف في الحجاز.
وعدا هؤلاء، أمراء لا يعبأ بذكرهم.
وقد كان أولئك الأقوام في حروب دائمة، لا سيما مع البادية.
وكان الأمير على قدم الاستعداد عندما تسنح الفرص ليعتدي على جيرانه إذا بدا من هؤلاء الجيران ضعف أو عدم استعداد. انتهى. هكذا كانت حالة بلاد العرب عند إياب الشيخ من رحلته العلمية.
بدء نهضة الشيخ في الإصلاح الديني:
وبعد أن ثبت لديه وتحقق حالتهم السيئة في دينهم ودنياهم، ورأى إقرار العلماء في الحجاز وفي نجد وسائر الأقطار على تلك المنكرات والمبتدعات،
1 / 20
إلا القليل منهم ممن كان لا يتجاسر أن يبوح بمقت ما فعلوا، وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن، وما تأباه السنة المحكمة.
وكان يقوي عقيدته بخطئهم، وركونهم إلى البدع ما يقرؤه من الروايات القائلة: بأن المسلمين لا بد أن يغيروا، وأن يسلكوا مسالك الذين من قبلهم، كالحديث الصحيح: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، وكحديث: " لا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان"، وحديث: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ".
حينئذ صمّم الشيخ أن يعلن قومه بأنهم قد ضلوا الطريق السوي، وزاغوا عن منهج الصواب.
يقول بعض الكاتبين: "حقًا إن الموقف دقيق حرج، يحتاج إلى شجاعة ما ضية، وإلى إيمان لا يبالي بالأذى في سبيل إرضاء الله وإرضاء الحق الذي اقتنع به، وسبيل إنقاذ البشرية المعذّبة، كما يحتاج إلى عدة كافية من قوة اللسان، وإصابة البرهان، ليواجه ما يجابهه من شبهات واعتراضات لا بد منها. ثم إلى مؤازر قوي يحمي ظهره، ويدافع عن دعوته".
دعوته لقومه:
ابتدأ الشيخ ﵀، دعوته لقومه في بلدة "حريملاء"، وبَيّن لهم أن لا يُدعى إلا الله، ولا يُذبح ولا يُنذر إلا له، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار من الاستغاثة بها، وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضرر منها؛ ضلال وزور، وبأنهم في حالة لا ترضي، فلا بد من نبذ ذلك، وعزز كلامه بآي من كتاب الله المجيد، وأقوال الرسول وأفعاله، وسيرة أصحابه، فوقع بينه وبين الناس نزاع وجدال، حتى مع والده العالم الجليل، لأنه كان مغترًا بأقاويل المقلدين السالكين تلك الأفعال المنكرة في قوالب حب الصالحين.
1 / 21
فاستمر الشيخ يجاهد بلسانه وقلمه وإرشاده، وتبعه أناس من أهل تلك البلدة، حتى انتقل أبوه عبد الوهاب إلى جوار رب الأرباب سنة ١١٥٣هـ.
والظاهر أن والده اقتنع بأقوال ابنه ومبادئه، كما اقتنع أخوه سليمان بعدما وقع بينه وبينه نزاع وردود١.
وبعد وفاة والده جاهر قومه بالدعوة والإنكار على عقائدهم الضالة، ودعا إلى متابعة الرسول في الأقوال والأفعال.
وكان في تلك البلدة قبيلتان، وكل يدعي الزعامة، وليس هناك من يحكم الجميع، ويأخذ حق الضعيف، ويردع السفيه، وكان لإحدى القبيلتين عبيد يأتون بكل منكر وفساد، ولا يحجمون عن التعدي على العباد؛ فصمم الشيخ على منعهم وردعهم.
ولما أحس أولئك الأرقّاء بما صمّم عليه الشيخ، عزموا أن يفتكوا به خفية، فتسوروا عليه من وراء الجدار، فشعر بهم بعض الناس، فصاحوا بهم وهربوا.
عندها غادر الشيخ "حريملاء" إلى "العيينة" مسقط رأسه، وموطن آبائه، وحاكمها إذ ذاك عثمان بن حمد بن معمر، فتلقاه بكل إجلال وإكرام، وبين الشيخ له دعوته الإصلاحية المباركة، القائمة على دعائم الكتاب والسنة المطهرة، وشرح له معني التوحيد، وأن أعمال الناس اليوم وعقائدهم منافية للتوحيد، وتلا عليه الآيات والأحاديث النبوية، ورجا له من الله إن قام بنصر
_________
١ راجع "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان" ص: ٤٦١، الطبعة الثالثة، رسالة الشيخ سليمان بن عبد الوهاب إلى أحمد بن محمد التويجري، وأحمد ومحمد ابني عثمان ابن شبانة، كيف نصحهم بأن يقوموا مع الحق أكثر من قيامهم مع الباطل، وصرح فيها بأن الشرك أعظم ما نهى الله عنه.
وانظر جواب أولئك الثلاثة للشيخ سليمان ابن عبد الوهاب، ص: ٤٦١ برجوعهم عما كانوا عليه.
1 / 22
بلا إله إلا الله أن ينصره الله ويعلي كلمته، وتكون له السيادة والزعامة على نجد وغيرها، وله السعادة الأبدية إن شاء الله.
فقبل عثمان، ورحّب بما قال الشيخ، فأعلن الشيخ بالدعوة إلى الله، وإفراد العبادة لله، والتمسك بسنة رسول الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقطع الشيخ الأشجار المعظّمة هناك، وهدم قبة زيد بن الخطاب، بمساعدة عثمان الأمير، وأقام الحد على امرأة اعترفت بالزنا مرارًا، بعدما تأكد من صحة عقلها وكمال حواسها. فاشتهر أمر الشيخ، وذاع صيته في البلدان.
فبلغ خبره "سليمان بن محمد بن عريعر" حاكم الأحساء وبني خالد، فبعث هذا الجاهل الظالم إلى عثمان بن معمر كتابًا جاء فيه:
"إن المطوّع الذي عندك، قد فعل ما فعل، وقال ما قال، فإذا وصلك كتابي فاقتله، فإن لم تقتله، قطعنا خراجك الذي عندنا في "الأحساء"".
فعظم على عثمان الأمر، وكبر عليه مخالفة ابن عريعر، وغاب عن ذهنه عظمة رب العالمين، وكانت النتيجة من جرّاء ذلك الكتاب وضعف إيمان ابن معمر أن أمر بإخراج الشيخ من بلده.
ولم يفد فيه وعظ الشيخ ونصحه، وأنه لا بد للداعي والمصلح من أن يناله الأذى، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين.
فخرج الشيخ ﵀، يمشي على رجليه موكلًا به فارس يمشي من خلفه، وليس مع الشيخ إلا المروحة في أشد وقت الحر من الصيف.
فهمّ الفارس بقتل الشيخ، وكان بإيعاز من ابن معمر، فارتعدت يده وكفى الله شره.
وكان الشيخ في مشيه لا يفتر عن ذكر الله، ويردد قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ .
1 / 23