মুহালহিল সাইয়্যিদ রাবিয়া
المهلهل سيد ربيعة
জনগুলি
وكان فرسان تغلب مجتمعين واجمين لما بلغهم من تحرك قبائل بكر إليهم مرة أخرى وإقبالهم عليهم بالعدد الكبير والسلاح المشحوذ، والخيل المسومة، ومعهم الحارث بن عباد في قومه بني قيس بن ثعلبة.
لقد تألب بنو بكر لمساعدة شيبان منذ غضب الحارث بن عباد لقتل ابنه بجير، والتف حولهم من كان قعد عن نصرتهم من العشائر والبطون. وضعفت تغلب بمن انصرف عنها من حلفائها حتى لم يبق معها إلا قبائل النمر بن قاسط، وذاقت في عام واحد مرارة الهزيمة الطاحنة مرة بعد مرة، وجعلت ترتد من موطن إلى موطن، وتنزح من موضع بعد موضع، حتى ألقت رحالها أخيرا عند «قضة» في أطراف نجد من الشمال. ولكن الحارث بن عباد لم يضع ثأره، ولم يهدئ من حقده، بل كان لا يزال يثب في إثر تغلب لينتقم لقتل ابنه الحبيب بجير المظلوم. وكانت شيبان تقبل معه على الحرب تحت راية الحارث بن همام بن مرة كأنها الذئاب الجائعة، لتغسل عن كرامتها ما أصابها من تغلب في طوال السنين المنصرمة.
اجتمعت تغلب في ذلك الصباح القائظ في رحبة حلالها، يتشاور قادتها فيما هم فاعلون في لقاء عدوهم المقبل، فقد سمعوا أنه مغير عليهم بجيش خميس، ليعيد عليهم الكرة بعد انتصاره الأخير في وادي القصيبات، يقوده الحارثان: الحارث بن عباد، والحارث بن همام، الذي آلت إليه زعامة شيبان.
جلس شيوخ تغلب وأصحاب الرأي فيها، وفرسانها الشجعان من الشباب، وقد لفوا اللثم على وجوههم اتقاء الرياح اللافحة، وعصف الرمال يزيد نفوسهم الثائرة ضيقا.
ووقف الفارس الكهل امرؤ القيس بن أبان يتكلم، فأرهف الجلوس آذانهم لاختطاف كلماته من أذيال الهواء الصاخب، فقال: «أي قوم! لا تردوا اليوم نصيحتي فقد جربتم من عواقب إغفالها ما كان أولى بكم لو تجنبتموه. لقد نصحت المهلهل ألا يقتل الفتى ابن الحارث فلم يقبل نصيحتي، ولقد رأيتم ماذا حل بنا من وراء بغيه. رأيتم تألب بني بكر علينا بعد أن كانوا عونا لنا، فلا يمضي يوم حتى نسمع بحليف منهم ينفض من حولنا، أو نصير منهم ينطوي تحت لواء عدونا. وإذا تمادى الأمر بنا بعد اليوم لم نأمن أن يحل بنا من الكوارث أمثال ما أنزلناه بآل شيبان في تلك السنين. فالرأي عندي أن نرحل من هذا القفر الأجرد، وحسبنا ما لقينا فيه من هزيمة بعد هزيمة. فإذا نحن عدنا إلى ديارنا ...»
وأراد امرؤ القيس أن يمضي في قوله لولا أن قام شاب وسيم من طرف الجماعة، وصاح به غاضبا: «حسبك يا مرأ القيس من حقدك على المهلهل، فوحق مناة إنك لا تقول قولك هذا إلا حسدا له ومنازعة لسيادته.»
وتحرك لسماع هذه الكلمات جماعة كان جلهم من شبان تغلب الذين لا يرون في المهلهل إلا بطلهم المهيب، وفارسهم الذي لا يبارى، يحبون أن يسروا وراءه في كل موطن، ويطيعونه وإن مضى بهم إلى برك الغماد من أقصى الأرض؛ فقد تعلقت نفوسهم به وحل الإعجاب به من قلوبهم حيث لا تبلغ النصيحة.
وارتفعت أصوات هؤلاء من جوانب الجمع يقولون: «صدقت يا هجرس! صدقت يا هجرس بن كليب! بعدا للجبناء! لا نطيع غير المهلهل.»
ونظر الشيوخ حولهم مترددين، وقام بعضهم يريد الكلام فلم يقو على إغراق ضجة الشباب الثائر. فلم يجد امرؤ القيس بن أبان بدا من الصمت، ومضى ذاهبا عن الجمع وهو غاضب حتى قبع معتزلا في حلته. ونهض القوم بعده في اضطراب وضجيج، فانصرف الشيوخ واجمين فرادى وثناء، واجتمع الشبان في صعيد واحد وقد جرفتهم الحماسة، وساروا والهجرس بن كليب في طليعتهم قاصدين حلة المهلهل، يهتفون به ويجددون العهد على طاعته؛ فقد كان المهلهل في ذلك اليوم مقيما في بيته، لم يحضر في ذلك الجمع من أثر جراح أصابته في آخر وقعة أصابتهم بكر فيها؛ وقعة القصيبات.
كان المهلهل مستلقيا في فراشه، وكانت ابنته سلمى تمسح الدماء عن جرح عميق في أعلى ذراعه، بعد أن ضمدت سائر جراحه، وكانت تحدثه عن زوجها وابن عمها الهجرس بن كليب الذي تزوجها عندما لحق بعمه في بني تغلب. ولما انتهت من غسل جرحه بالماء الساخن ذرت عليه رمادا من أعواد طرفاء محروقة، ولفت حوله ضمادة من الصوف. فقال لها أبوها: أما قال لك الهجرس أين خرج اليوم؟ لقد بكر في الخروج قبل أن أراه.
অজানা পৃষ্ঠা