মুহালহিল সাইয়্যিদ রাবিয়া
المهلهل سيد ربيعة
জনগুলি
وعادت في الوقت عينه جماعة همام بعد أن رويت واستراحت، وعادت معها كتيبة جساس بعد أن تنفست.
والتحم عامة جيش شيبان بعامة جيش تغلب، وعلا القتال وعم الاضطراب، واختلط الجمعان وفشا في الجانبين القتل وتعالى فيهما الضجيج، وتردد النصر بينهما؛ فتارة تنحاز تغلب إلى الكثبان، وتارة تنحاز شيبان إلى جانب الوادي، وتفرق المتقاتلون، فمنهزم يتبعه خصمه، وراكض يلجأ إلى قومه، ومتعب يلتمس صخرة يستريح عندها، وظامئ يطلب شربة يرتوي بها، ومالت الشمس إلى الغروب وميزان القتال لا يزال مترجحا، تارة يميل مع شيبان وأخرى يميل إلى تغلب. وفي أثناء ذلك الهرج الشامل علت صيحة من جانب الكثيب حملتها الرياح الثائرة مع رمالها، وكان يمتزج فيها رنين الفرح الوحشي بجلجلة اضطراب وفزع: «قتل همام بن مرة! قتل سيد شيبان!»
وسمع المتقاتلون تلك الصيحة وهم لا يعرفون من أين أقبلت، فوقفوا في مواضعهم حينا يتلفتون في دهشة، فهل هي بعض خدع الحروب، يقذف بها أحد المتحاربين يقصد بها قصدا؟ أم هو فارس من فرسان تغلب أصاب قرينا من فرسان شيبان يحسبه سيد القوم فصاح تلك الصيحة، وهو واهم قد اشتبه الأمر عليه؟ أو هو رجل مدع من بني تغلب يريد أن يباهي لحظة بأنه قد هد شيبان بمقتل سيدها، لكي يتحدث الناس باسمه حينا فيرضي غروره حتى يظهر الحق بعد لأي، فيكون قد أصاب من جلال البطولة نصيبا مخلوسا؟ أم قد فترت تغلب عن القتال وأعياها ثبات شيبان فصاح رجالها تلك الصيحة، لكي يتستر وراءها المهلهل ويأمر رجاله أن يكفوا عن القتال مكتفين ذلك اليوم بما نالهم من جراح دامية في النضال العنيف؟ ترددت كل هذه الخواطر في قلوب مختلفة، وتلفت فرسان شيبان وهم وقوف لعلهم يرون بطلهم هماما فيعرفونه بدرعه المعلمة وفرسه الكميت النبيل. وأصاخوا بالأسماع لعلهم يسمعون صوتا يرتفع بتكذيب الصيحة الخبيثة فيطمئنوا على فارسهم الباسل، ولكنهم لم يسمعوا من ذلك شيئا، بل سمعوا الصيحة الأولى تتردد مرة أخرى في قسوة كأنها من صوت القضاء.
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون: من يكون ذلك الصائح؟ وهل هو ممن يعرفون من فرسان تغلب؟
وعند ذلك ترددت الصيحة، وكانت في هذه المرة صرخة رددتها صفوف العدو في فرح: «قتل سيد شيبان!»
فلم تلبث شيبان أن تفرقت، ولم تلبث عزائمهم أن تضعضعت، وتردد الفرسان لحظة، ثم جرفهم خوف كأنه السيل، فركضوا خيولهم يطلبون مضارب الخيام لعلهم يقدرون على حماية الحرم فيستطيعوا النجاة من العدو المنتصر.
ونظرت تغلب إلى مهلهل ينتظرون ما يقول بعد سماع ذلك النبأ الخطير، فقد أجهدهم القتال، وما كان مقتل مثل همام بالنصر اليسير، فهل يسير بهم المهلهل بعد هذا النبأ حتى يجهز على بني شيبان وهم في دهشتهم واضطرابهم؟ أم يأمرهم بإيقاف الحرب والاكتفاء من ذلك اليوم بقتل همام؟
ووقف المهلهل صامتا لحظة بعد أن سمع الصيحة وكان لا يزال في سلاحه ودروعه كقطعة من الحديد، ورآه الفرسان يركز رمحه في الركاب، ويسند عليه رأسه حينا، ثم رأوه يرفع رأسه ويشير إليهم قائلا بصوت خافت: «ليهنئكم النصر أيها الفرسان، وحسبكم اليوم ما كان!»
في تلك الليلة كان مهلهل يجول في أنحاء الوادي يسير في أثر فتى ضئيل حائل اللون، حتى إذا بلغ الفتى الجانب الأدنى من الكثبان، وقف وأشار إلى جسم ممدود على الأرض مائل إلى جنبه، وقد اختلطت حوله الرمال بالدماء، يمد يده نحو قربة ماء في حفرة بين الرمال.
وقال الفتى في لهجة المباهاة مشيرا إلى ثنية وراء الكثيب: «هناك انتظرته حتى اشتد به العطش، فأتى ليرتوي من قربته التي جعلها في جانب من الرمال، فلما جلس ليستريح ويشرب تغفلته وطعنته، وكانت طعنة قاضية.»
অজানা পৃষ্ঠা