للسبكي، ومقامة (المفاخرة بين السيف والقلم) للإمام زين الدين عمر بن مظفر الوردي، و(المقامة اللازوردية في موت الأولاد) للسيوطي نفسه.
إن بعضا من كتب الاختيارات والمجاميع الأدبية يتخذ التبويب والتقسيم منهجا في مصنفاتها، نجد ذلك في الكتب مثل: بهجة المجالس لابن عبد البر، الذي قسم الكتاب إلى مائة واثنين وثلاثين بابا، والتذكرة الحمدونية، وقد قسم مؤلفها الكتاب إلى خمسين بابا، وكل باب يحتوي على عدة فصول، ومحاضرات الراغب الأصفهاني، الذي قسم كتابه إلي حدود وفصول وأبواب، وكذلك فعل الأبشيهي في المستطرف إذ قسم الكتاب إلى أربعة وثمانين بابا، كل باب فيه فصول، وكذلك فعل بهاء الدين العاملي في كتابه المخلاة إذ قسمه إلى جولات، بلغت أربعين جولة، وهكذا أكثر كتب المختارات.
أما السيوطي في كتابه المحاضرات فقد آثر أن يتحرر من هذه التقسيمات، بل جاءت مختاراته مقتبسات من كل كتاب، وبعد أن يتم ما أراده من حسن الاختيار من ذلك الكتاب ينتقل إلى كتاب آخر، وهكذا، فاختياره يقوم على تنوع النصوص من الكتاب الواحد، فنجده يذكر عنوانا مثل: (منتخبات من كتاب ...)، أو (مستحسنات من كتاب..)، أو (منتقى من المصنف ...)، أو (ذكر مستحسنات انتقيتها من كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل ﵁، أو (في تاريخ ابن عساكر)، وهكذا، وإذا انتهى من النقل ذكر ما يدل على الانتهاء، كأن يقول: (هذا كله في تاريخ ابن عساكر)، أو (آخر المنتخب من تذكرة اليغموري)، أو يقول في آخر المنقول: (انتهي)، وهكذا، وكل ذلك يدل على أمانة السيوطي في النقل وعزو الآراء إلى أصحابها.
وهذه الأمانة في نقل النصوص وعزو كل منقول إلى صاحبه، صفة عرف بها السيوطي والتزمها في جميع كتبه، وهو ملتزم بها ويحرص على ذكرها، من ذلك أنه أفرد لها فصلا في كتابه (المزهر) بعنوان: (عزو العلم إلى قائله) [١]، وينص على حرصه على عزو الآراء إلى أصحابها، وأنها عادة عرف بها، يقول في مقامة (الكاوي في تاريخ السخاوي): «وقد علم الله والناس من عادتي في التأليف أني لا أنقل حرفا من كتاب أحد، إلا مقرونا بعزوه إلى قائله، ونسبته إلى ناقله، أداء لشكر نعمته، وبراءة من دركه وعهدته» [٢] .
وبذلك جعل السيوطي من كتابه مكتبة كبيرة ضمت كثيرا من كتب الأدب والتاريخ والتراجم والحديث والرسائل والشعر، ومنهج السيوطي هذا يقترب من منهج الحصري
_________
[١] المزهر في علوم اللغة وأنواعها ٢/٣١٩.
[٢] شرح مقامات السيوطي ٢/٩٤٩- ٩٥٠.
1 / 25