مقدّمة المحقّق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله العليم الوارث، الحكيم الباعث، والصّلاة والسّلام على خير الخلائق، محمد الذي جاء بأفضل الطرائق، وهدى لأقوم المناهج.
وبعد، فعلم التفسير من أشرف العلوم، وهو أولى ما يعكف عليه الباحث، ويلزمه الدارس، والمصنّفات فيه لا تدخل تحت حدّ وحصر، منها المطبوع، والمخطوط، والمفقود، ومن أجلّ ما صنّف في غريب القرآن كتاب «المفردات» للراغب الأصفهاني.
لذا عملنا على تحقيقه وضبطه، وإخراجه بصورة تناسب مكانته العلمية، وهيئة تلائم صدارته العملية، إذ أنّ النسخ المطبوعة مليئة بالأخطاء، ومشحونة بالتصحيفات والتحريفات، وفيها أحيانًا نقص إمّا في الأبواب، وإمّا في الآيات، وإمّا في الأشعار.
وبدأنا أولًا بدراسة عن المؤلّف وحياته، وكتابه، وأتينا- بحمد الله- بما لم يأت به أحد قبلنا فيما يتعلق بالمؤلف وترجمته. ثم قمنا بتحقيق الخطوات التالية:
١- ضبط نص الكتاب، ومقابلته على عدة نسخ.
٢- شكل الكلمات التي تحتاج إلى شكل.
٣- تخريج الآيات القرآنية، وذكر أرقامها وسورها. وجعلناها في المتن تخفيفًا للحواشي.
٤- تخريج القراءات القرآنية، ونسبة كلّ قراءة إلى قارئها، وتبيين القراءة الصحيحة من الشاذة.
٥- تخريج الأحاديث والآثار من كتب السّنّة، وكنّا، غالبًا نذكر درجتها من الصحة والضعف.
٦- نسبة الأبيات الشعرية لقائليها، وبيان محلها في كتب اللغة والتفسير، وضبط الأبيات، إذ قلّ ما وجدناه منها صحيحًا.
٧- ضبط الأمثال والأقوال العربية، وبيان محالها في كتب اللغة.
1 / 5
٨- ترجمة مختصرة للأعلام الواردة، وذكر أماكن ترجمتها.
٩- وفي الختام قمنا بعمل الفهارس العلمية للكتاب، لتسهّل للباحث الاطلاع والرجوع.
ونسأل الله التوفيق والسداد، والقبول والصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
صفوان داودي المدينة المنورة- شعبان ١٤٠٨ هـ
1 / 6
ترجمة المؤلف
اسمه ونسبه «١»:
اشتهر الراغب الأصفهاني بلقبه، فلذلك كثر الاختلاف في اسمه، والأشهر أنّ اسمه الحسين، وعليه مشى جلّ من ترجم له.
فقيل: الحسين بن محمد بن المفضل «٢»، وقيل: الحسين بن مفضل بن محمد «٣» .
وقيل: الحسين بن الفضل «٤»، وقيل: المفضل بن محمد «٥» .
شيوخه وتلامذته:
لم تذكر المصادر المتوفرة بأيدينا شيئًا عمّن تلقّى عنه الراغب علومه وثقافته، كما لم تذكر شيئًا عن تلامذته وطلابه، والظاهر أنّ المؤلف كان مغمورًا يحبّ الخمول كما يتضح لنا من شعره كما سيأتي.
لكن الذي يغلب على ظني ويترجح عندي أنّه قرأ العربية على أبي منصور الجبان،
_________
(١) انظر: ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي ٢/ ٢٩٧، وتاريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص ١١٢، ونزهة الأرواح وروضة الأفراح للشهرزوري ٢/ ٤٤، وطبقات المفسرين للداوودي ٢/ ٣٢٩، والأعلام للزركلي ٢/ ٢٥٥، ومعجم المؤلفين ٤/ ٥٩، وهدية العارفين ص ٣١١٠، وكشف الظنون ١/ ٣٦، ومفتاح السعادة ١/ ١٨٣، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي ص ٦٩، وسير أعلام النبلاء للذهبي ١٨/ ١٢٠، والوافي للصفدي ١٣/ ٤٥.
(٢) وعليه مشى صاحب الأعلام وصاحب معجم المؤلفين والذهبي والصفدي.
(٣) وعليه مشى صاحب فهرس الخزانة التيمورية ٣/ ١٠٨.
(٤) وعليه مشى صاحب نزهة الأرواح.
(٥) وعليه مشى السيوطي والداوودي.
1 / 7
واسمه محمد بن علي بن عمر، قال عنه ياقوت: أحد حسنات الري، وعلمائها الأعيان، جيّد المعرفة باللّغة، باقعة الوقت، وفرد الدّهر، وبحر العلم، وروضة الأدب «١» .
وقال القفطي: الفاضل الكامل العلامة، شيخ وقته في اللغة واستفادتها، وله رواية «٢» .
وقال أيضًا: هو إمام في اللغة، مبرز في زمانه «٣» .
وكان الصاحب يعزّه ويجلّه. وله مناظرة مع ابن سينا.
صنّف كتاب «الشامل» في اللغة، كثّر فيه الألفاظ اللغوية، وقابل الشواهد، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة، وله أيضًا كتاب كبير سماه: «لسان العرب» استوفى فيه اللغة غاية إمكانه، لكنه مات قبل إخراجه من المسوّدة.
وقال السيوطي: الشامل في اللغة، قرئ عليه سنة ستّ عشرة وأربعمائة «٤» .
والذي حملني على هذا الظن أنّه أولًا: كان معاصرًا للراغب، وفي طبقةٍ قبل طبقته، إذ أنه أدرك الصاحب بن عباد، والراغب لم يدركه مجالسةً. ثانيًا: أنّ الراغب نقل عنه باسمه في كتابه «المفردات» «٥» .
فأظنه حضر دروسه في كتاب «الشامل»، لأنهما كانا في أصبهان. والله أعلم بالصواب.
مؤلفاته:
خلّف الراغب تراثًا كبيرًا من المؤلفات، وحريّ به ذلك، إذ أنّه عاش في القرن الرابع الهجري وهو قرن الازدهار العلمي، والنهضة والعلمية. فمنها:
١- كتاب المفردات في غريب القرآن. وسنعقد له بابًا خاصًا.
٢- تفسير القرآن الكريم. وبعضهم يسميه «جامع التفاسير»، وهو خطأ، وإنّما اسمه:
«جامع التفسير»، وفرق واضح بين الاسمين.
وقد ذكره الراغب نفسه في كتابه: «حلّ متشابهات القرآن» عند كلامه على سورة الكافرون، فقال: إنا قد أجبنا في «جامع التفسير» عن ذلك بأجوبة كثيرة «٦» .
_________
(١) انظر: معجم الأدباء ١٨/ ٢٦٠.
(٢) انظر: إنباه الرواة ٣/ ١٩٤.
(٣) انظر: إنباه الرواة ٤/ ١٧٦.
(٤) انظر: بغية الوعاة ١/ ١٨٥.
(٥) انظر: مادة (دلى) .
(٦) انظر: حل متشابهات القرآن- خ، ص ٢٨٠.
1 / 8
وذكره صاحب كشف الظنون، فقال: وهو تفسير معتبر في مجلد، أوله: الحمد لله على آلائه ... إلخ.
أورد في أوله مقدّمات نافعة في التفسير، وطرزه «١» أنّه أورد جملًا من الآيات، ثم فسّرها تفسيرًا مشبعًا، وهو أحد مآخذ أنوار التنزيل للبيضاوي «٢» .
- وقد طبعت مقدّمة التفسير مع تفسير سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة بتحقيق د. أحمد فرحات في دار الدعوة في الكويت.
وقال الفيروزآبادي: له التفسير الكبير في عشرة أسفار، غاية في التحقيق.
فإذا أردنا أن نجمع بين قول صاحب كشف الظنون وبين قول الفيروزآبادي فهذا يعني أنّ للراغب تفسيرين: أحدهما كبير، والآخر صغير.
أما تفسيره فتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ولي الدين جار الله في تركيا، وفيها الجزء الأول من أول المقدمة وينتهي بتفسير آخر سورة المائدة، ويقع في ٣٥٠ ورقة، ولم نجد بقيّته إلى الآن.
واطلعت على تفسير آخر للقرآن مختصر منسوب للراغب الأصفهاني، واسمه:
مختصر تفسير متشابهات القرآن، ومنه نسخة مخطوطة في اليمن في مكتبة مسجد صنعاء، في ١٦٥ ورقة، لكنه يحتاج لتأكيد النسبة.
٣- درّة التأويل في متشابه التنزيل. وأظن أن اسمه أيضًا: درة التأويل في حل متشابهات القرآن.
فكثير من الباحثين جعلوهما كتابين، أي: درة التأويل كتاب، وحل متشابهات القرآن كتاب، وهما في الحقيقة كتاب واحد.
فنجد مثلًا حاجي خليفة ذكر كتاب «درّة التأويل في متشابه التنزيل» في الكشف ١/ ٤٣٩، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي ٣/ ٥٠٥.
قال حاجي خليفة: وذكر الراغب أنّه صنفه بعد ما عمل كتاب «المعاني الكبير» وأملى كتاب «احتجاج القراء» .
ونجد أنّ الراغب ذكر ذلك في مقدمة كتابه «حل متشابهات القرآن» «٣» الذي سموه: درّة التأويل.
_________
(١) أي: أسلوبه.
(٢) انظر: كشف الظنون ١/ ٤٧٧.
(٣) انظر: حل متشابهات القرآن- خ ص ١ (مخطوط راغب باشا) . [.....]
1 / 9
وذكر بروكلمان أيضًا كتاب «حل متشابهات القرآن» فجعله غير الأول، وقال:
وهو مخطوط في مكتبة راغب باشا رقم ١٨٠، بينما قال: إنّ كتاب درّة التأويل مخطوط في مكتبة أسعد أفندي في جامع السليمانية، والمتحف البريطاني.
وقد اطلعت على نسخة المتحف البريطاني فإذا هي عينها كتاب «حلّ متشابهات القرآن» الموجود في مكتبة راغب باشا.
وذكر عدد من الباحثين أنّ كتاب «درّة التنزيل وغرّة التأويل» المطبوع، والمنسوب للخطيب الإسكافي هو نفس كتاب الراغب، وهذا لا يبعد، ففي مقارنة الكتابين وجدنا تطابقًا كاملا بينهما عدا الصفحة الأولى فيها بعض الاختلاف. والذي يترجح عندي أن الكتاب للراغب لكن الصفحة الأولى وضعت خطأ عليه، أو سهوًا، أو تعمّدًا، إذ ذكر إبراهيم بن علي بن محمد المعروف بابن أبي الفرج الأردستاني أنّ هذه المسائل أملاها أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب في القلعة الفخرية إملاءً، كما ذكر في المقدمة أنّ له- أي الخطيب- «كتابا في الحروف المقطعة»، وهذا لم ينسبه أحد للراغب. والله أعلم بالصواب.
٤- تحقيق البيان في تأويل القرآن. ذكره الراغب في مقدمة كتابه «الذريعة إلى مكارم الشريعة»»
، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي ٥/ ٢١١، وحاجي خليفة في كشف الظنون ١/ ٣٧٧.
وجعله بروكلمان كتابا في الأدب، وذكر أنه مخطوط في مشهد ١/ ٢٤، ٥٦.
وقد اطّلعت على نسخة مخطوطة منه مصورة في أم القرى من كتابخانه آستانة- قدس- في مشهد، وبعد المقارنة تبين أنه كتاب الاعتقاد للراغب، وليس كتاب تحقيق البيان المذكور.
وعلى هذا يعتبر هذا الكتاب حاليا من المفقودات.
٥- احتجاج القراء. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن «٢»، وذكره حاجي خليفة ٢/ ١٥.
٦- المعاني الأكبر. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن، وحاجي خليفة ٢/ ١٧٢٩.
_________
(١) انظر: الذريعة ص ٢.
(٢) انظر: ورقة ١.
1 / 10
٧- الرسالة المنبهة على فوائد القرآن. ذكرها الراغب في مقدمة المفردات، ولم نعثر عليها. وذكرها أيضا في مادة: حرف.
٨- محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء. وهو كتاب ذو شهرة كبيرة في ميدان الأدب، مطبوع في مجلدين كبيرين، بمكتبة الحياة- في بيروت، لكنّه مليء بالأخطاء المطبعية والتصحيفات والتحريفات في الأعلام والأشعار.
ولأهمية هذا الكتاب كان يهدى إلى الوزراء والأمراء، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء ص ٣٦٩ أنّ أمين الدولة ابن التلميذ أهدى كتاب المحاضرات إلى الوزير ابن صدقة، وكتب معه:
لمّا تعذر أن أكون ملازما ... لجناب مولانا الوزير الصاحب
ورغبت في ذكري بحضرة مجده ... أذكرته بمحاضرات الراغب
٩- مجمع البلاغة، ويسمّى أفانين البلاغة. طبع مؤخّرا في عمّان، بمكتبة الأقصى، بتحقيق الدكتور عمر الساريسي، وبذل فيه جهدا طيبا لكن فيه كثير من الأشعار المشهورة لم يعرف نسبتها.
١٠- أدب الشطرنج. ذكره بروكلمان ٥/ ٢١١، ولم نعثر عليه.
١١- مختصر إصلاح المنطق. توجد منه نسخة مخطوطة في مركز البحوث الإسلامية في جامعة أم القرى برقم ٣١٦، وهو مصوّر عن نسخة المكتبة التيمورية رقم ١٣٧.
١٢- رسالة في آداب مخالطة الناس. مخطوطة ضمن مجموعة رسائل للراغب برقم ٣٦٥٤ بمكتبة أسعد أفندي في تركيا.
١٣- رسالة في الاعتقاد. وقد قام بتحقيقها الطالب أختر جمال محمد لقمان، ونال بها شهادة الماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم العقيدة، عام ١٤٠١- ١٤٠٢ هـ، والمشرف على الرسالة الدكتور محيي الدين الصافي، وقد اطلعت عليها، وهي مطبوعة على الآلة الكاتبة في ٤٠٠ صفحة. ولكن الطالب لم يأت بدراسة وافية عن الراغب.
١٤- الذريعة إلى مكارم الشريعة. مطبوع عدة طبعات، آخرها بتحقيق الدكتور محمد أبو اليزيد العجمي، وقد خلط في مقدمته بين الراغب وعالم آخر، فقال عن الراغب: ذكر أنه ولي القضاء، وأقام ببغداد خمس سنين، واستقر بمرسية، واستقضى فيها ولما كانت وقعة قتندة بثغر الأندلس شهدها غازيا، واستشهد فيها. ا. هـ.
1 / 11
وهذه الترجمة ليست للراغب بل هي لابن سكّرة، واسمه الحسين بن محمد بن سكرة توفي ٥١٤ هـ، فظنّه الراغب؟!.
قال حاجي خليفة: قيل: إنّ الإمام الغزالي كان يستصحب كتاب الذريعة دائما ويستحسنه لنفاسته.
أقول: وللغزالي أيضا كتاب اسمه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» ولعلّه تأثر بكتاب الراغب فسمّاه باسمه، أو لعلّ المراد أن الغزالي يستصحب كتابه هذا معه في الأسفار، أو هو نفس كتاب الراغب، ولكثرة ملازمته له ظنّ أنه للغزالي. والله أعلم بالصواب «١» . والغزالي متأثر بكتب الراغب، ففي كتاب معارج القدس ينقل فصلا كاملا من كتاب «تفصيل النشأتين» للراغب، وهو تظاهر العقل إلى الشرع وافتقار أحدهما إلى الآخر.
١٥- تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين. ألّفه للوزير أبي العباس الضبي، وقد طبع عدّة طبعات، آخرها: طبع دار الغرب الإسلامي بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار، عام ١٩٨٨ م ١٤٠٨ هـ. ولم يأت فيه بشيء يذكر عن الراغب وحياته.
١٦- الإيمان والكفر. ذكره صاحب هدية العارفين ١/ ٣١١، ولم نجد عنه خبرا.
١٧- رسالة في مراتب العلوم. مخطوطة ضمن رسائل الراغب بمكتبة أسعد أفندي رقم ٣٦٥٤، وتقع في سبع ورقات.
١٨- كتاب كلمات الصحابة. ذكره البيهقي في تاريخ حكماء الإسلام ص ١١٢.
١٩- أصول الاشتقاق. ذكره الراغب في المفردات، انظر مادة: جدر.
٢٠- رسالة في شرح حديث «ستفترق أمتي» والجمع بين الروايتين للحديث الأولى: [كلها في النار إلا واحدة] والثانية: [كلها في الجنة إلا واحدة] .
ذكره الراغب في كتاب الذريعة ص ١٣٢.
٢١- كتاب شرف التصوف ... ذكره الراغب في تفسيره ورقة ٤٢ و٥٠.
٢٢- تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد. ذكره في مقدمة المفردات، وفي تفسيره ورقة ٥٤.
٢٣- رسالة تحقيق مناسبات الألفاظ. ذكره في مقدمة المفردات.
_________
(١) انظر: كشف الظنون ١/ ٨٢٦، ومقدمة إحياء علوم الدين تحقيق د. طبانة ص ٢٢.
1 / 12
كتبٌ نُسبت إليه:
- وجدت في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة كتابا باسم «أطباق الذهب» نسب للراغب الأصفهاني، عارض فيه «أطواق الذهب» للزمخشري. ومنه نسختان خطيتان فيها.
وواضح أنه ليس للراغب، لأنّ الراغب توفي قبل الزمخشري بقرن، والصحيح نسبة الكتاب لعبد المؤمن بن هبة الله الأصفهاني.
ثم وجدته مطبوعا بهذه النسبة بمطبعة بولاق بمصر، ومنه نسخة في مكتبة الحرم المدني الشريف.
وصفه وخُلقه:
قال عنه الذهبي: العلّامة الماهر، والمحقق الباهر، كان من أذكياء المتكلمين «١» .
وقال البيهقي وتبعه الشهرزوري: كان من حكماء الإسلام، وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة «٢»، وكان حظّه من المعقولات أكثر «٣» .
وقال الصلاح الصفدي: أحد أعلام العلم، ومشاهير الفضل، متحقق بغير فنّ من العلم وله تصانيف تدل على تحقيقه وسعة دائرته في العلوم، وتمكّنه فيها «٤» .
- ووجد على نسخة مخطوطة من كتاب الذريعة: كان حسن الخلق والخلق، وكان يستعبد الناس حسن محاورته بهم «٥» .
- وجاء على الورقة الأخيرة من مخطوطة حل متشابهات القرآن: تصدر للوعظ والتدريس والتأليف، وله مصنفات كثيرة جليلة، ومناظرات عجيبة «٦» .
وقال الخوانساري عنه: الإمام، الأديب، والحافظ العجيب، صاحب اللغة والعربية، والحديث والشعر والكتابة، والأخلاق والحكمة والكلام، وعلوم الأوائل، وغير ذلك، وفضله أشهر من أن يوصف، ووصفه أرفع من أن يعرف، وكفاه منقبة أنّ له قبول العامة والخاصة، وفيما تحقّق له من اللغة خاصة، وكان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته «٧» .
ثم قال: ذكره صاحب «معجم الأدباء» كما نقل عنه بهذه الصورة: الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، أحد أعلام العلم بغير فنّ من العلوم أدبيّها وحكميّها، وله كتاب تفسير القرآن، قيل: وهو كبير.
_________
(١) انظر: سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٢٠.
(٢) وسنفرد لذلك بابا خاصا في آخر المقدمة.
(٣) انظر: تاريخ حكماء الإسلام ص ١١٢، ونزهة الأرواح ٢/ ٤٤.
(٤) انظر: الوافي في الوفيات ١٣/ ٤٥.
(٥) انظر: الراغب الأصفهاني وجهوده للساريسي ص ٣٣.
(٦) انظر: الراغب الأصفهاني وجهوده للساريسي ص ٣٣.
(٧) انظر: روضات الجنات ص ٢٣٨- ٢٥٠.
1 / 13
قلت: فإن صحّ نقل الخوانساري عن ياقوت فهذا يعني أن كتاب معجم الأدباء المطبوع ناقص، أو احتمال آخر أنه ذكره في غير هذا الكتاب. والله أعلم.
- وكان المؤلّف يؤثر التواضع والخمول، ويكره الشهرة والذيوع، ويعتبر أنّ من مدح نفسه فقد ذمها وعابها، فنجده يقول في محاضراته: (وأعوذ بالله أن أكون ممن مدح نفسه وزكّاها، فعابها بذلك وهجاها، وممن أزرى بعقله بفعله) «١» .
ويؤيّد هذا أنه يعتبر أنّ من ذكر أشعاره في مصنفاته فهو مزر بعقله، فيقول: أعوذ بالله أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه «٢» .
وأيضا كان الراغب أيضا من الصوفية الذين يفضلون الخمول، وقد ذكره الهجويري في كتابه «كشف المحجوب» ٢/ ٥٨٤ أنه كان من مشايخ الطريقة.
عقيدته:
تنازع الناس في عقيدة الراغب، فقال قوم: هو من المعتزلة، وقال آخرون: هو من الشيعة، وقال غيرهم: هو من أهل السّنة والجماعة.
والصحيح الذي لا غبار عليه- إن شاء الله تعالى- أنّه من أهل السنة والجماعة.
ويؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال: كان في ظني أنّه معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من «القواعد الصغرى» لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في: «تأسيس التقديس» في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب كان من أئمة السّنة، وقرنه بالغزالي.
قال: وهي فائدة حسنة، فإنّ كثيرا من النّاس يظنون أنّه معتزلي «٣» . ا. هـ..
ويتضح هذا أيضا من خلال كتابه «المفردات» حتى نجده يردّ على المعتزلة، فمن ذلك ردّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم)، وعلى البلخي في مادة (خل) .
وأيضا فإن الراغب قال في كتاب الاعتقاد: أمّا رؤية العباد لله ﷿ في القيامة فقد أثبتها الحكماء وأصحاب الحديث كما نطق به الكتاب والسنة «٤» .
_________
(١) انظر: المحاضرات ١/ ٧.
(٢) انظر: المحاضرات ١/ ١١٠.
(٣) انظر: بغية الوعاة ٢/ ٢٩٧، وأساس التقديس ص ٧.
(٤) انظر: رسالة الاعتقاد ص ١٠٥. [.....]
1 / 14
وبذلك يخالف المعتزلة المنكرين للرؤية محتجين بقوله تعالى: لَنْ تَرانِي [الأعراف/ ١٤٣] .
وله ردود أخرى عليهم في كتابه «الاعتقاد» .
وأمّا تشيعه فقد أراد الشيعة أن يجعلوه في صفهم ومن جماعتهم، نظرا لكثرة علمه، وسعة اطلاعه، واستدلوا على ذلك بكثرة نقوله عن عليّ بن أبي طالب ﵁ وأئمة آل البيت.
وهذا ليس بحجة، إذ حبّ آل البيت جاءت به الأخبار الصحيحة، فإذا ما أحبّهم أحد ونقل كلامهم فلا يعني أنه شيعي، وكثير من العلماء استشهدوا بأقوال آل البيت كالزمخشري مثلا في «ربيع الأبرار»، والغزالي في «إحياء علوم الدين»، والفيروزآبادي في «بصائر ذوي التمييز»، وغيرهم، ولم يقل أحد إنّهم من الشيعة.
والذي يبطل مزاعمهم أيضا قول الراغب نفسه في رسالة الاعتقاد، لما ذكر أهل البدع قال:
وأعظمهم فرقتان: فرقة تدبّ في ضراء، وتسير حسوا في ارتضاء، تظهر موالاة أمير المؤمنين، وبها إضلال المؤمنين، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذمّ الصحابة وأزواج النبيّ ﵃، وشهد التنزيل بذلك لهم، ويقولون: كلام الله رموز وألغاز لا ينبئ ظاهره عن حق، ومفهومه عن صدق، يجعل ذلك من الذرائع إلى إبطال الشرائع «١» .
وقال أيضا في موضع آخر: والفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنين والسبعين سبعة: المشبّهة، ونفاة الصفات، والقدرية، والمرجئة، والخوارج، والمخلوقية، والمتشيعة.
فالمشبّهة ضلّت في ذات الله، ونفاة الصفات في أفعاله، والخوارج في الوعيد، والمرجئة في الإيمان، والمخلوقية في القرآن، والمتشيعة ضلّت في الإمامة.
والفرقة الناجية هم أهل السّنّة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة «٢» .
كل هذا يبيّن لنا أنّ الراغب ليس من المعتزلة ولا من الشيعة، بل من أهل السنة والجماعة.
_________
(١) انظر: رسالة الاعتقاد ص ٤٣.
(٢) انظر: كتاب الاعتقاد ص ٥٤.
1 / 15
مذهبه الفقهي:
الذي تبيّن لنا بعد مطالعة كتبه أنّه لم يكن من المقلّدين لأحد في الفروع الفقهية، وإنما كان مجتهدا في ذلك. وبعضهم جعله شافعيا، ولم يصب، بل للمؤلف ردّ على بعض أقوال الشافعية.
ففي مادة (طهر) - مثلا- يقول في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورًا:
قال أصحاب الشافعي ﵁: الطّهور بمعنى المطهّر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ، لأنّ فعولا لا يبنى من: أفعل وفعّل، وإنما يبنى من فعل.
وانظر كلامنا على ذلك في موضعه.
ونراه يعرض أقوال الفقهاء في خلال كتبه، فتارة يأخذ بقول ذا، وتارة بقول ذاك مما يدلّ على عدم التزامه بمذهب معين.
ففي مادة: عود، عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يقول: فعند أهل الظاهر: هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة، وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله: فَإِنْ فاؤُ.
وعند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها.
وعند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل.
وفي مادة (طهر)، عند قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ يقول:
فدلّ باللفظين على أنّه لا يجوز وطؤهنّ إلا بعد الطهارة والتطهير، ويؤكد ذلك قراءة من قرأ:
يَطْهُرْنَ أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل.
وهذا مذهب الشافعي، إذ لا يجوز عنده الوطء إلا بعد الاغتسال.
وفي مادة (فكه)، يقول: الفاكهة قيل: هي الثمار كلها، وقيل: بل هي الثمار ما عدا العنب والرّمان.
وقائل هذا كأنّه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، وعطفهما على الفاكهة.
قلت: وهذا قول أبي حنيفة، فإنه لم يجعل العنب والرمان من الفاكهة، لأنّ قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فيه العطف، وأصل العطف أن يكون للمغايرة.
وكذلك في كتابه «محاضرات الأدباء» يذكر أبوابا من الفقه كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ويذكر أحكامها على المذهب الشافعي، والمالكي، والحنبلي، والحنفي، ومذهب الشيعة، ومذهب الخوارج.
1 / 16
كل هذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه لم يكن ملتزما مذهبا معينا، وإن كان يميل أحيانا لبعض أقوال الشافعي، ونجده في تفسيره يردّ على ابن داود الظاهري في انتقاداته على الشافعيّ ويدافع عنه.
شعره:
لم تذكر المصنفات التي ترجمت للراغب سوى بيتين من الشعر، ذكرهما الشهرزوري في نزهة الأرواح وروضة الأفراح «١»، وهما:
يا من تكلّف إخفاء الهوى كلفا ... إنّ التكلّف يأتي دونه الكلف
وللمحبّ لسان من ضمائره ... بما يجنّ من الهواء يعترف
ومن خلال مطالعة مصنفاته استطعنا العثور على محاورة شعرية له، فنجده يقول:
كتبت إلى أبي القاسم بن أبي العلاء أستعير منه شعر عمران بن حطّان، وضمّنتها أبياتا لبعض من امتنع من إعارة الكتب إلا بالرهن، وأبياتا عارضها أبو علي بن أبي العلاء في مناقضته فقلت:
١-
يا ذا الذي بفضله ... أضحى الورى مفتخره
٢- أصبحت يدعوني إلى ... شعر ابن حطّان شره
٣- فليعطينيه منعما ... عارية لأشكره
٤- مقتفيا والده ... ألبس ثوب المغفره
٥- عارض من أنشده ... إذ رام منه دفتره:
٦- هذا كتاب حسن ... قدّمت فيه المعذرة
٧-[حلفت بالله الذي ... أطلب منه المغفره
٨- أن لا أعير أحدا ... إلا بأخذ التذكرة
٩- بنكتة لطيفة ... أبلغ منها لم أره]
١٠- فقال- والقول الذي ... قد قاله وحبّره-:
١١-[من لم يعر دفتره ... ضاقت عليه المعذرة
١٢- يقبح في الذكر وفي ... السماع أخذ التذكرة
١٣- ما قال ذاك الشعر إلا ... ماضغ للعذرة]
١٤- فامنن به مقتفيا ... سلوك طرق البرره
_________
(١) انظر: روضة الأفراح ١/ ٤٤.
1 / 17
فأجابني بأبيات، منها:
١- حبّر شعرا خلتني ... أنشر منه خبره
٢- يريدني فيه على ... خليقة مستنكره
٣- مستنزل عن عادة ... عوّدتها مشتهره
٤- أن لا أعير أحدا ... لا رجلا ولا مره
٥- لا أقبل الرّهن ولا ... تذكر عندي تذكره
٦- ولو حوت كفي بها ... فضل الرضا والمغفره
٧- كان لشيخي مذهب ... من مذهبي أن أهجره
٨- خالفت فيه رسمه ... معفّيا ما أثره
٩- ولو أتاني والدي ... من بيته في المقبرة
١٠- يروم سطرا لم يجد ... ما رامه وسطره
قال الراغب: والغرض من ذلك ما قاله أبو القاسم لا ما خاطبته به، أعوذ بالله أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه.
ذكر ذلك الراغب في محاضرات الأدباء ١/ ١٠٩- ١١٠.
ما نسب إليه من الشعر:
ذكر الدكتور الساريسي نقلا عن كتاب «مجمع البلاغة» للمؤلف ص ٣٩٧ ما يلي:
وأنشدت بعض الناس- وقد لامني لمنعي إياه شيئا سألنيه-:
ألام وأعطي والبخيل مجاور ... له مثل مالي لا يلام ولا يعطي
فقال: نعم تلام، ثم تلام، وأنشد:
فما كلّ بمعذور ببخل ... ولا كلّ على بخل يلام
فظن الساريسي أن هذا من شعر الراغب فنسبه إليه «١» .
والحق أنّ البيت تمثّل به تمثّلا وليس له، وإنما البيت لعبد الله بن جدعان، ذكره النهرواني في الجليس الصالح ٢/ ٢٣٨، وذكر قصة له، وذكره ابن قتيبة دون نسبة في عيون الأخبار ٢/ ٣٣.
_________
(١) انظر: الراغب الأصفهاني وجهوده ص ٣٩.
1 / 18
منهج الراغب في كتاب «المفردات»:
لقد سلك الراغب في كتابه منهجا بديعا، ومسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، وعمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها.
ويذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثا.
ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة.
ولنضرب أمثلة على ذلك:
ففي مادة (إبل)، يقول: الإبل يقع على البعران الكثيرة، ولا واحد له من لفظه.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم يقول:
وأبل الوحشي يأبل أبولا، وأبل أبلا: اجتزأ عن الماء، تشبيها بالإبل في صبرها عن الماء.
فهذا المعنى المجازي للفظ، والجامع بين المعنى الحقيقي والمجازي الصبر عن الشيء، ثم يقول:
وكذلك: تأبّل الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها.
وهذا أيضا مجاز، والعلاقة واضحة بينه وبين المعنى الحقيقي.
وفي مادة (بور) قال: البوار: فرط الكساد.
فهذا هو المعنى الحقيقي، ثم قال:
ولمّا كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد، كما قيل: كسد حتى فسد، عبّر بالبوار عن الهلاك.
فهذا المعنى المجازي، وهذا يسمى مجازا بالأوّل.
ثم ذكر أمثلة من القرآن والحديث، فقال: قال ﷿: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ، وروي: «نعوذ بالله من بوار الأيم»، وقال ﷿: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ.
1 / 19
وفي مادة (خبت) يقول:
الخبت: المطمئن من الأرض، وأخبت الرجل: قصد الخبت أو نزله. نحو: أسهل وأنجد.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم قال:
«ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع» .
فهذا المعنى المجازي، والعلاقة بينهما المشابهة، ثم قال:
قال الله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، وقال: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي:
المتواضعين، نحو: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ.
ففسّر القرآن بالقرآن، ثم قال: وقوله تعالى: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ أي: تلين وتخشع.
والإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
ففسّر القرآن بالقرآن أيضا.
وفي مادة (مرد) يقول:
قال تعالى: وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس: المتعري من الخيرات.
فهذا المعنى المجازي، وأصله كما قال: من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرّى من الورق.
فالجامع بين المعنيين العري. ثم قال:
ومنه قيل: رملة مرداء: لم تنبت شيئا، ومنه: الأمرد، لتجرّده عن الشعر.
وروي: «أهل الجنّة مرد» قيل: حمل على ظاهره. وقيل: معناه: معرّون من الشوائب والقبائح.
ففسّر الحديث أولا على قول اللغويين والمحدّثين، ثم ذكر قول الحكماء ثانيا. ثم قال:
ومنه قيل: مرد فلان عن القبائح، ومرد عن المحاسن وعن الطاعة.
قال تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أي: ارتكسوا عن الخير، وهم على النفاق.
وقوله تعالى: مَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
أي: مملّس. من قولهم: شجرة مرداء: إذا لم يكن عليها ورق، وكأنّ الممرد إشارة إلى قول الشاعر:
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الظافر
1 / 20
فهنا أتى بالشاهد الشعري.
وهكذا إلى آخر الكتاب، وكان يناقش الأئمة، ويردّ بعض أقوالهم، وله اختيارات في المسائل «١» .
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب «المفردات»:
اعتمد الراغب على مؤلّفات العلماء قبله، فبحث فيها، وناقش أصحابها، وارتضى أقوالا، وردّ أخرى، وأهم هذه المصادر:
١- كتاب «المجمل في اللغة» لابن فارس.
ويبدو أنّ الراغب قد اعتمد عليه كثيرا، مع أنه لم يذكره باسمه، ويتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب، والتشابه الكبير في العبارة، وربما ينقل عنه حرفيا، والموافقة في الأبيات الشعرية.
وقد بيّنا ذلك في خلال تعليقاتنا على الكتاب، انظر مثلا مادة (أبّ)، (أسّ)، (جنف)، (خصف)، (ركز)، (سجل)، (صفد)، تجد تقاربا تاما في العبارات، إلا أن الراغب اختصر، وقلّل الأبيات الشعرية.
٢- كتاب «الشامل في اللغة» لأبي منصور الجبان.
وقد ذكره المؤلّف صراحة في مادة (دلّى) . وكتاب «الشامل» وصف بأنه كثير الألفاظ، قليل الشواهد، في غاية الإفادة، ونجد أنّ هذه الأوصاف تنطبق على كتاب المفردات أيضا.
٣- «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت.
وقد نقل عنه المؤلف في مادة (بقل) .
٤- «المسائل الحلبيات» لأبي علي الفارسي.
نقل عنه المؤلف في عدّة مواضع دون ذكر اسم الكتاب، بل يقول: قال الفارسي. انظر مثلا مادة (حشا)، (رأى) .
٥- «معاني القرآن» للفرّاء.
انظر مثلا مادة (تترى) .
٦- كتاب «الجمهرة» لابن دريد.
_________
(١) وقد أفردنا في الفهارس قسما خاصا لآراء الراغب واختياراته.
1 / 21
ويظهر ذلك في تشابه النقول والعبارات، وقد صرّح باسم ابن دريد في كتابه.
انظر مثلا مادة (لهث) .
٧- «معاني القرآن» للزجاج.
ويبدو ذلك واضحا حينما تكلّم المصنف على مادة (توراة)، كأنه نقل كلام الزجاج حرفيا، وأيضا في مادة (شور)، نجده يتقارب جدا مع كلام الزجاج على قوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.
انظر معاني القرآن ١/ ٤٨٣.
وصرّح المؤلف بالنقل عنه، وذلك في مادة (هيت)، عند قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ.
٨- كتاب «العين» للخليل.
وقد صرّح باسم الخليل في عدة أمكنة، انظر مثلا مادة (مكّ)، (قول)، (ظلم)، (ضعف) . (أوّل) .
٩- «تفسير أبي مسلم الأصفهاني» .
انظر مادة (جهنم)، و(عرض) .
ولعلّ تأثّر الراغب بالمعتزلة حاصل من أخذه كلام أبي مسلم.
١٠- «مجاز القرآن» لأبي عبيدة.
انظر مثلا مادة (بعض)، (دبّ)، (ناء) .
١١- «معاني القرآن» للأخفش.
انظر مثلا مادة (قوم)، (عود) .
١٢- «المسائل البصريات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (برأ) .
١٣- «المسائل العضديات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (دم) .
١٤- «تفسير غريب القرآن» لابن قتيبة.
انظر مثلا مادة (دون) .
١٥- كتاب سيبويه.
1 / 22
انظر مثلا مادة (أين)، (آية)، (كان) (طهر) .
١٦- الغريب المصنف لأبي عبيد، ويظهر ذلك من التشابه الكبير في بعض المواد والشواهد وانظر مادة (دين) .
١٧- الأمثال لأبي عبيد.
١٨- «غريب الحديث» لأبي عبيد. انظر مادة (حرس) .
١٩- مجالس ثعلب. انظر مثلا مادة (أين) و(أوّه) .
٢٠- غريب الحديث لابن قتيبة. انظر مادة (بشر) .
٢١- الحجة للقراءات السبعة للفارسي. انظر مادة (طهر) و(دخل) .
وغير ذلك من الكتب.
بالإضافة إلى نقله كلام السلف من المفسرين كابن عباس «١»، وابن مسعود «٢»، وعليّ ابن أبي طالب «٣»، وعمر بن الخطاب «٤»، ومجاهد «٥»، وقتادة «٦»، والحسن البصري «٧»، والأصم «٨»، وجعفر الصادق «٩»، والشعبي «١٠»، وسفيان «١١» .
ومن اللغويين: المبرّد «١٢»، والكسائي، وسيبويه «١٣»، ويونس ١»
، وأبو زيد «١٥»، والتوزي «١٦»، والأصمعي «١٧»، وابن الأعرابي «١٨» .
ومن القراء: حمزة «١٩»، ويعقوب «٢٠»، والنقاش «٢١» .
_________
(١) انظر: مثلا مادة: (رفث)، (رقى)، (شرع)، (شهد)، (ضعف)، (عذر)، (قطع) .
(٢) انظر مثلا مادة: (بشر) . (قر) .
(٣) انظر مثلا: (سكن)، (عقل)، (عود)، (حبر) .
(٤) انظر مثلا مادة: (خلف)، (صعد) .
(٥) انظر مثلا مادة: (شهد)، (قبل) .
(٦) انظر مثلا مادة: (شبه)، (كره) .
(٧) انظر مثلا مادة: (رف)، (شغف)، (صغر)، (ظل)، (قرّ) .
(٨) انظر مثلا مادة: (شبه)، (قوم) .
(٩) انظر مثلا مادة: (علم)، (وجه) . [.....]
(١٠) انظر مثلا مادة: (حر) .
(١١) انظر مثلا مادة: (سرف) .
(١٢) انظر مثلا مادة: (حجر) . (سطر) .
(١٣) انظر مادة: (أين) ومادة: (طهر) .
(١٤) انظر مادة: (زلق) .
(١٥) انظر مادة: (كسف)، (شعل) .
(١٦) انظر مادة: (جبل) .
(١٧) انظر مادة: (ويل) .
(١٨) انظر مادة: (صهر) .
(١٩) انظر مادة: (أتى) .
(٢٠) انظر مادة: (ينع) .
(٢١) انظر مادة: (صور) .
1 / 23
ومن المتكلمين: الجبائي «١»، وأبو القاسم البلخي «٢»، وأبو بكر العلاف «٣» .
ونقل طائفة من كلام الحكماء دون ذكر أسمائهم.
كل هذا مما جعل الكتاب مرجعا هاما من مراجع البحث في اللغة والتفسير.
الناقلون عنه والمتأثرون به:
أكثر العلماء من النقل من كتاب «المفردات»، وفي مقدمتهم الفيروزآبادي صاحب القاموس، فنجده قد عكف على كتاب الراغب، واختصره، وزاد فيه أشياء، ثم أصدرها في كتابه القيّم: «بصائر ذوي التمييز»، فنجده كثيرا ما ينقل عبارات الراغب بتمامها، وأحيانا ينقل فصولا كاملة.
ومنهم أيضا السمين الحلبي، حيث ألّف، كتابه: «عمدة الحفاظ في أشرف الألفاظ» وجعل كتاب الراغب لبّ كتابه، ثم زاد عليه أشياء كثيرة، وكتابه ما زال مخطوطا.
ومنهم الزركشي في البرهان في علوم القرآن. انظر مثلا ٢/ ١٤٨، ٤/ ١٨.
والسيوطي في المزهر ١/ ١٨٤، والإتقان، ١/ ٢١٨- ٢١٠، ومعترك الأقران ١/ ٢٢.
والرازي في تفسيره.
والبغدادي في خزانة الأدب. انظر مثلا ١/ ٣٧، ٣/ ٣٩٧، ٧/ ١٢٨- ٢٤٥، ٨/ ٩٢، ٩/ ٣٠٢.
والزبيدي في تاج العروس. انظر مثلا مادة (رجع)، (ربع)، (أبد)، (أمد)، (عود) .
وابن حجر في فتح الباري. انظر مثلا ٣/ ١٢٠، و١١/ ٥٠٣ كتاب القدر.
وابن الحنبلي في عقد الخلاص. انظر مثلا ص ٢٨١.
والسمين في الدر المصون. انظر مثلا ٣/ ٦٨٩، ٤/ ٣٨٩، ٥٤٧، ٥/ ٥٧٠، ٦/ ١٨٢- ٤٤٢.
والألوسي في روح المعاني. انظر مثلا ١/ ٢٦٢ و٢/ ١٢٩- ١٣١.
وابن القيم في بدائع الفوائد ٢/ ٣٦.
_________
(١) انظر مادة: (ختم) .
(٢) انظر مادة: (خل) . [.....]
(٣) انظر مادة: (لات) .
1 / 24