إن في النجوم وحركاتها نوعين من العلم عجيبين في الفكرة عظيمين في القدر فالنوع الأول يقال له علم الكل وهو علم كيفية وكمية الأفلاك العليا وأفلاك الكواكب كل فلك على حدته وبعد كل فلك من صاحبه وميل بعضها عن بعض وعظمها وقدر كل فلك في نفسه وبعده من الأرض وإن الأرض مستديرة وإن الأفلاك مستديرة محيطة بها وإن الفلك الأعلى يدوربذاته ويدير هذه الأفلاك وما فيها من الكواكب على الأرض في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب دورة واحدة وإن الشمس تطلع على قوم دون قوم وإنه يكون في وقت واحد على قوم نهار وعلى قوم آخرين ليل وإن الأجرام العلوية كلها تتحرك حركتين فأما كثير من الأفلاك فإنها تسير سيرا موافقا لسير الفلك الأعلى من المشرق إلى المغرب فأما الكواكب فإنها تسير من المغرب إلى المشرق مخالفة لسير الفلك الأعلى وإن كثيرا من الأفلاك يكون سيره موافقا لسير الكواكب وقد ذكرنا جميع ذلك في زيجنا الكبير وفيه ذكر أنواع حركات الأفلاك والكواكب كل فلك وكل كوكب على حدته وما خاصة كل واحد منها وأيها أسرع حركة وأيها أبطأ وأيها أعلى من صاحبه وإن قدر الأرض في الصغر عند الفلك الأعلى كقدر النقطة عند الدائرة ومعرفة كسوف الكواكب بعضها لبعض وكسوف النيرين فمعرفة هذا وكل شيء يحتاج إليه من هذا الجنس من كيفيات الأفلاك وكمياتها وكمية حركات الكواكب وحالاتها فهو يقال له علم الكل فأما كثير من كيفية ظاهر علم الكل وكميته فهو موجود بالعيان وما لا يوجد من ذلك عيانا فالقياس عليه هو المضطر إلى قبوله لأن الدلالات والبراهين عليه من أسباب بينة واضحة متفق عليها من علم الحساب والهندسة والمساحة التي لا يخالطها شك ولا تمتنع العقول من قبولها ولا يدفع هذا العلم إلا معاند للحق وقد ألف بطلميوس الحكيم كتابا يقال له كتاب المجسطي فيه جميع ما يحتاج إليه من علم حالات الأفلاك والكواكب على الاستقصاء
والنوع الثاني علم الأحكام وهو معرفة طبيعة كل كوكب وكل فلك وخاصية دلالاتها وما يتولد ويحدث من قوى حركاتها المختلفة وطبعها في هذا العالم الذي هو دون فلك القمر من اختلاف الأزمنة وتغيير الطبائع التي هي النار والهواء والماء والأرض وفي الأشياء التي تحدث من هذه الطبائع من أشخاص الحيوان والنبات والمعادن وبالنوع الأول من علم النجوم الذي هو علم الكل يستدل على هذا النوع الثاني الذي هو علم أحكام النجوم
فأما كثير من علم الأحكام فهو ظاهربين موجود وما كان منه غير ظاهر فإنه يستدل عليه بالقياسات الواضحة من علم طبائع الأشياء وما يظهر من قوى حركات الكواكب على هذا العالم في وقت مسامتتها بعض المواضع وبعدها عن الأرض وقربها منها ولا يدفع هذا النوع الثاني من علم النجوم إلا القوم الذين بعدوا عن المعرفة والتمييز والفكرة في حالات الأجرام العلوية
পৃষ্ঠা ৫৪