ولهذه العلة صارت كل ثلاثة منها مثلثات مصالحات موافقات فانظر إلى هذه الطبائع ما أعجب اتفاقها إن منها اثنين خفيفين عاليين وهما الهواء والنار وهما على مرتبتين خفيف وأخف من الخفيف فالهوائية خفيفة والنارية أخف من الخفيف وطبيعتين ثقيلتين غليظتين سفليتين وهما الماء والأرض وهما على مرتبتين غليظ وأغلظ من الغليظ فالغليظ الماء وأغلظ من الغليظ الأرض فصارت كل المائيات الغليظة السفلية مقابلة للأرضيات التي هي أغلظ من الغليظ وصارت كل الهوائيات الخفيفة العلوية مقابلة للناريات التي هي أخف من الخفيف الفصل الرابع في ترتيب طبائع البروج
إن ناسا ممن نظر في العلوم الطبيعية ردوا هذا الترتيب وقالوا لم بدؤوا في ترتيب دلالة البروج بالنار ثم بالأرض ثم بالهواء ثم بالماء ولأي شيء لم يجعلوا النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأرض على ما هو عليه في الترتيب الطبيعي فقلنا إن من الأركان ما هو مفرد وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ومنها ما هو مركب وهو النار والأرض والهواء والماء وهذه الأركان الأربعة وإن كانت مركبة فإن كل واحد منها ينسب إلى الركن المبسوط الذي هو عليه أغلب وذلك أن الحرارة على النار أغلب واليبوسة على الأرض أغلب والرطوبة على الهواء أغلب والبرودة على الماء أغلب فنسب كل واحد من هذه الأركان المركبة إلى الركن المبسوط الذي هو عليه أغلب ومن هذه الأركان الأربعة المفردة اثنان فاعلان متضادان وهما الحرارة والبرودة واثنان منفعلان متضادان وهما اليبوسة والرطوبة فأما الفاعلان فأحدهما به يكون حركة الحيوان وهي الحرارة والآخربه يكون فساده وهو البرودة والمنفعلان هما اليبوسة والرطوبة وأحد المنفعلين وهو اليبوسة يقبل الانفعال أكثر مما يقبله الآخر فأما الرطوبة فإنها دون اليبوسة في قبول الانفعال
فلما كانت الأربعة الأركان المفردة على هذه الحال بدؤوا بالنار لعلل أما إحداها فلأن الغالب على النار الحرارة ولأنه لا يحدث حركة ولا كون حيوان إلا بالحرارة الغريزية التي تحدث في ذلك الشيء جعلوه في الطرف الأول وجعلوا الماء الذي عليه قوة البرودة أغلب في الطرف الآخر لأنه إذا كانت الحرارة تفعل الكون بالحرارة الغريزية التي تحدث في الحيوان فالبرودة إذ هي ضد الحرارة تفعل فساد ذلك الكون
পৃষ্ঠা ১৯৮