وصناعة الطب وسائر الصناعات صناعة أرضية وموضوعها الأبدان والأشخاص الزائلة المتغيرة القابلة للزيادة والنقصان والكون والفساد فصناعة النجوم إذا أشرف الصناعات كلها قدرا وأجلها مرتبة فإذ كان علم النجوم كما ذكرنا وكان في ظاهر علم حركات الكواكب ومعرفة قواها التي تظهر في هذا العالم ما وصفنا من استدلال كثير من العامة والصناع بقليل تجاربهم ومعرفتهم على كثير مما هو كائن في جميع هذه الصناعات بما يحدث في كل زمان وفصل من فصول السنة بشدة حر أو برد أو رطوبة أو يبوسة من قبل اختلاف حركات الكواكب في ممرها ومسيرها وانتقالها في أرباع الفلك فما ينكر على العالم بحركات الكواكب وطبائعها وطبائع الزمان الكثير التجارب الذي قد انتهى إليه مما جر به العلماء بصناعة النجوم على قديم الدهور وما استخرجته العلماء والفلاسفة بحكمتها وعلمها ولطيف أفكارها أن يقول إذا رأى الزمان معتدلا بحسن المزاج هذا زمان صحة الأبدان وبقائها واعتدال طبائعها والدال عليه كوكب كذا وكذا وإذا كان الزمان غير معتدل بغلبة بعض الطبائع عليه أن يقول هذا زمان مرض الأبدان وثقلها وفسادها وضعف طبائعها والدال عليه كوكب كذا وكذا ويكون ذلك الكوكب المنسوب إليه ذلك الشيء من الجودة والردائة هو المعروف عند كل من تقدم من أهل صناعة النجوم والمتفق عليه عندهم بتقديم المعرفة وطول التجارب وظاهر الدلالة وباطنها أنه الدال على ذلك الشيء الذي نسبوه إلى ذلك الكوكب من الصحة والمرض أو الخير أو الشر ثم ينظر إلى ذلك الكوكب الدال على فساد الزمان أو صلاحه فإذا انفرد بالدلالة على بعض أشخاص الحيوان وكانت حاله مثل الحال التي دلت على صلاح الزمان أو فساده إن يقول إن ذلك الشخص يكون حاله كذا وكذا من البقاء أو التلف أو الصلاح أو الفساد ويستدل على كل حالات ذلك الشخص من الخير أو الشر على قدر ما يستدل به على حال الزمان من الاعتدال أو غيره لأن الكواكب التي تدل على الكل وحالاتها تدل على جزء ذلك الكل فإذا كان الكوكب يدل على الزمان وعلى أحواله وما يكون فيه من الأشخاص وحالاتها فقد يدل على الشخص الواحد وعلى حالاته أيضا ولأن الأبدان والنفوس والخلق والأخلاق وسائر الأشياء تختلف على قدر اختلاف قوى حركات الكواكب في أحوال السنة وفي أحوال الزمان وفي المكان يترقى من هذا العالم على مثل هذه المراتب إلى أن يصف من اختلاف قوى حركات الكواكب في الزمان والمكان وفي أحوال السنة ومن مسقط النطفة ومن ابتداء مولد الإنسان وخلقه وخلفه ومكانه وغذائه ونشوئه وانتقاله وقوته وضعفه وشجاعته وجبنه وسخائه وبخله وغير ذلك من حالاته ويعرف من مثل هذه الجهة حالات سائر الحيوان والنبات والمعادن ثم يستدل بجميع حركات الكواكب على جميع أحوال الأشخاص من البقاء أو التلف أو الصلاح أو الفساد أو الجودة أو الردائة وسائر الأشياء
পৃষ্ঠা ৭২