وكان الضابط قد طلب من سعد باشا أن يركب عربة عسكرية، ثم دعاني إلى ركوب عربة أخرى، وذهب بنا إلى ثكنة قصر النيل، وفي الوقت نفسه كانوا قد قبضوا على محمد محمود باشا، وحمد الباسل باشا، وخصصوا لكل منا غرفة.
أمضينا ليلتنا في هذه الثكنة، وفي الصباح طلبوا منا أن نستحضر من منازلنا ما يلزم لبضعة أشهر من أمتعة وملابس، وسمحوا لكل منا باصطحاب خادم ... وأركبونا سيارات عسكرية نقلتنا إلى المحطة، حيث كانت عربة خاصة في انتظارنا، فسار بنا القطار إلى الناحية الشرقية.
التدريب على الغرق
لم نكن نعلم أين يكون منفانا، فلما وصلنا إلى الإسماعيلية، واتجه بنا القطار نحو بورسعيد تنفسنا الصعداء؛ لأننا كنا نخشى أن يذهبوا بنا إلى الهند أو جزر الأوقيانوس أو جنوب أفريقا، ثم أركبونا الباخرة «كاليدونيا» فسارت بنا حتى اجتازت تمثال ديلسبس، ودخلت البحر الأبيض ... وفي هذه الأثناء صعد إلينا الضابط المكلف بحراستنا، وأفهمنا أن وجهتنا «مالطة».
سارت بنا الباخرة، وفي الساعة التي اجتزنا فيها المياه المصرية قيل لنا: إن البحر الأبيض المتوسط مملوء بالألغام التي بثها الألمان لبواخر الحلفاء، كما قيل لنا: إنه يجب أن نكون دائما على استعداد؛ لكي ننجو بأنفسنا في حالة حدوث انفجار، وأخذوا يدربوننا مع الجنود على طرق النجاة، فكانوا يعطون كلا منا طوقا من الفلين، ويرشدونه إلى مكانه في قارب النجاة المعين لنزوله في حالة حدوث انفجار في الباخرة، ثم يمثلون لنا رواية الغرق بجميع أدوارها.
مرت رحلة البحر في أمان ... ووصلنا إلى مالطة، فنقلنا إلى حصن عسكري ...
وقد كانت حياتنا في هذه الجزيرة محوطة بالاحترام والتكريم، وقد سمحوا لنا بالرياضة والقراءة، وأعطونا نوعا من الحرية لم يكن لغيرنا من المعتقلين، واخترنا لنا طاهيا ألمانيا يدعى «ماربورج» كان له مطعم معروف بالقاهرة، واعتقل خلال الحرب مع غيره من الألمان، ولم نكن ندري ما حدث في مصر بعد خروجنا منها، ولكن في آخر الأمر وبعد اشتداد الحال علمنا بها من بعض التلغرافات، التي كانت تنتشر في مالطة فتفاءلنا بما سيكون إليه المصير.
الإفراج عنا
رأت إنجلترا أن لا سبيل إلى الاستمرار في هذه السياسة، التي نتج عنها قيام ثورة خطيرة في البلاد، فعدلت عنها، وأعلنت الإفراج عنا يوم 7 أبريل سنة 1919 ... وكنا وقتئذ جالسين نحن الأربعة في معتقلنا نتجاذب أطراف الحديث، فدخل علينا ضابط بريطاني، وقال لنا:
استعدوا للسفر غدا، فقد أطلق سراحكم، وسمح لكم بالذهاب إلى باريس.
অজানা পৃষ্ঠা