والسبب الأكبر في دوام محافظة الأتراك على الخط، هو عدم وجود قوات مدربة نظامية معنا، وقدرة الأتراك على الدفاع. أما التجهيزات فلم يكن يقدم للجيش الشرقي أي شيء سوى سلاح المحارب الراجل، وأما المدافع وما إلى ذلك مما تستعمل ضد القلاع والاستحكامات فلم يظفر الجيش الشرقي العربي منها بشيء. وكان لدى جيش الملك علي مدفعية محترمة من مدافع الصحراء ومدافع الهاوتزر ما تفوق به على الأتراك. وأما العناية بالتجهيزات فكانت مصروفة للجيش الشمالي، الذي كان يقوده الملك فيصل، ولقد كانت معه سيارات مدرعة ومدافع كثيرة جبلية وصحراوية ومدافع حصار، وكان كل الجنود المتطوعين من العرب والضباط يرسلون إلى ذلك الجيش، كجعفر باشا ونوري باشا وأمثالهما. وأما الجيش الشرقي فقوامه الملتحقون به من جنود عرب وضباط برتب صغيرة، يفرون من الجيش التركي إليه.
وكان من رأيي الاستيلاء على الخط ثم الاستيلاء على المدينة المنورة بالجيوش العربية الثلاثة: الجنوبي والشرقي والجيش الشمالي الذي يقوده فيصل. ولكن لسوء حظ العرب انتشر الضغط على الأتراك على طول الخط الحديدي، ثم تقدم جيش الملك فيصل واحتل العقبة ومنها أخذ يضيق على معان. فلو أسقطت المدينة المنورة في عام 1917 لكانت الجيوش العربية الثلاثة تتفرغ بمجموعها لفتح سوريا وللاشتراك في محاربات العراق، ولكن مال الآخرون إلى هذه الخطة. ولما هزم جيش اللورد اللنبي الأتراك في الناصرة، تقدمت مفارز من الجيش العربي الشمالي إلى الأزرق وأذرعات، فدخل الشام. وعلى الشام رفعت الرايات العربية بواسطة الأيوبي باشا وموافقة أحمد جمال باشا القائد التركي المعروف، وبإرادة سلطانية تعلن الاعتراف باستقلال البلاد العربية. وكانت القوى العثمانية المدافعة عن معان لا تزال بها لم تمس بسوء، أشبه ما تكون بالجيوش الألمانية في فرنسا عند غزو الحلفاء القارة الأوروبية في الحرب الأخيرة.
فخري باشا
هذا ما كان هناك ذلك الحين. ولكن فخر الدين باشا بقي في المدينة يدافع بإصرار، فلم يبق لزوم لأن يكون الجيش الشرقي بوادي العيص وبلاد جهينة. وبعد المخابرة مع جلالة الملك علي تحركت بالجيش الشرقي إلى الجفر - وهو موقع شمال المدينة المنورة بغرب يبعد قدر عشرين كيلومترا عنها - وبعد التضييق عليه ابتدأت الحركات الدالة على عدم الطاقة في المحصورين.
وقد ورد كتاب من السير وينجت - المندوب السامي بمصر بذلك الحين - إلى فخري باشا، يخبره فيه:
أن الأتراك قد هزموا، وأن الشام قد احتلت، وأن مسؤولية الدماء من بعد الآن ستقع عليك شخصيا إن لم تسلم.
فأجابه فخري باشا بالتركية بما نصه:
إلى جناب الجنرال ريجلاند وينجت بمصر: أنا عثماني، أنا محمدي، وأنا ابن بالي بك، وأنا جندي، وأرخ.
ثم فر بعض الضباط، منهم الكولونيل محيي الدين بك رئيس أركان حرب. ثم بعث فخري باشا بعد ذلك بكتاب إلى سمو الأمير علي (جلالة الملك علي) يقول له فيه إنه بعد هذا الجدال الطويل لم يبق أي سبب للدفاع وإنه قد أرسل الميرالآي علي نجيب بك والميرالآي صبري بك والأركان حرب اليوزباشي كمال بك لأجل التذاكر في كيفية تخليه عن المدينة وكيفية إجلاء الجنود الذين يمتد خطهم من تبوك إلى المدينة على سكة الحجاز. فبعث جلالة الملك علي إلي إشارة تلفونية يطلبني من الجفر، فحضرت حالا. وكان علي نجيب بك هذا قائد الآي من فرقة الحجاز بمكة المكرمة، وخرج بالآي هذا مع الوالي والكومندان وهيب بك المعروف، للقتال من أجل فتح مصر مع جمال باشا.
ولما ترجلت عن فرسي عند باب خيمة القيادة، خيمة جلالة الملك علي، تلقاني وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فقلت: أعلم أنك من أهل الإسلام. ثم دخلنا إلى حضرة المرحوم وطلب نجيب بك سرعة المذاكرة، فعينني جلالته رئيسا للجانب الغربي وعين نوري بك الكويري قائد الفرقة الجنوبية للجيش الجنوبي والأمير الآي السيد حلمي بك قائد الفرقة النظامية للجيش الشرقي، ومعهما القائد الشوربجي بك.
অজানা পৃষ্ঠা