ثم تناول مصحفا شريفا عنده، وقال لي: هل تعرف هذا؟ قلت: نعم كتاب الله، وهو مهدى إلى والدي مني، وهو كوفي الخط، وقد أهداه إلى دولتك، فقال: هل تشك في إسلامي؟ فقلت: معاذ الله أما الظاهر فإنك من خيار المسلمين ولا يعلم السرائر إلا الله. فوضع يده على الكتاب وقال: والله إني لمعكم ولست عليكم. فأصدقني الخبر عن هذه الشوائع. فقلت: شوائع الثورة؟ قال: نعم. فقلت: هي لا تعدو ثلاثة احتمالات: إما أنها مكذوبة، أو أنها عليكم وعلينا، أو أنها عليكم من الشرافة والناس، ولو كان هذا الأخير لما حضرت الآن بين يديك وقد تفعل بي ما تشاء. وعندئذ دخل أحمد بك قائد الفرقة وسليمان بك فارتخيا عليه وقالا ما لم أسمعه فانتهرهما فخرجا (وأخيرا علمت - بعد أن وقعوا جميعا بأسري - أنهما طلبا إليه أن يأمر بالقبض علي) فقمت مودعا فودعني وقال: لا تقطع الاتصال بي فقلت: ألست على اتصال بمكة بالتلفون؟ قال: بلى. فقلت: في هذا الكفاية، وقلت: سآمر قائمقام الطائف بأن ينادي بالأمان للناس حتى يرجع كل أحد إلى بيته، وفي هذا من التكذيب ما يكفي. فقال: هذا حسن وسأفعل أنا أيضا.
فخرجت ووجدت أحمد بك وسليمان بك في الصفة، ومعهما الأميرالآي حيدر بك متصرف عسير السابق، فلم يحتفلوا بي وقد خرجت ولم أحتفل بهم. وبعد أن استوينا على ظهور خيلنا يممنا قصر شبرا، وبها العلم الهاشمي والقوات. ولقد وجدت الشريف حسين الجندي على وعد مني عند العكرمية، فقلت: اذهب الآن إلى الوالي وقل إنك تلقيت مني أمرا بالمناداة بالأمان، ثم عد وابعث من يقطع أسلاك التلغراف من مركز معشي إلى الكر، وامنع كل من يسافر إلى مكة منع قتل وإبادة. ثم تحركت بالقوة إلى المركز الهاشمي للحركة، وهو عند سفح جبل سواقة على يسار الطريق للذاهب إلى مكة عن ناحية العرفية.
وفى تلك الليلة تلقيت مذكرة من الوالي غالب باشا هذا نصها:
إلى صاحب السعادة الشريف عبد الله بك، بعد توجهكم انقطعت الخطوط التلغرافية بين مكة والطائف، وإن الموظفين الذين أرسلوا لإصلاحه لم يعودوا، وقد شاعت الشوائع بأن المعتدين على الخطوط التلغرافية قد سجنوهم؛ ولذلك أطلب إليكم الرجوع حالا إلى الطائف، فإن تأديب عشيرة البقوم ليست من الأهمية بشيء إزاء الحالة الراهنة.
فأجبته بالآتي:
حضرة صاحب السعادة الوالي والكومندان بالطائف، لقد تلقيت مذكرتكم ليلا، ولم يبلغني خبر ما حصل على الخطوط التلغرافية. وإن وكيل قائمقام الطائف تحت أمركم لتنفيذ رغائبكم. أما أنا فسأكون بطرفكم بعد غد السبت إن شاء الله.
وفي 9 شعبان كانت الثورة في البلاد الحجازية، ما عدا الطائف فإن الهجوم قد وقع عليه في الحادي عشر من شعبان، بسبب بعض النواقص. وفي ليلة السبت الحادي عشر من شعبان، في نصف الليل، ابتدأ الهجوم من الجبهة الشمالية التي كنت أدير حركتها بذاتي.
وكان الأتراك قد حكموا سور البلدة، وحفروا خندقا من بستان الرياض متجها من الشرق إلى ناحية الغرب إلى مكان يسمى معشي، ثم انحرف إلى الجنوب إلى هضبة أم السكارى وبها أحد مراكزهم القوية وبها مدفعان، ثم انحرف خندقهم مشرقا مرة أخرى إلى أن حاذى برج غلفة، ثم مال إلى الشمال وخالط وادي وج، ثم انحرف مشرقا إلى الجنوب حتى اتصل بصفاة تسمى دقاق اللوز، ثم مال إلى الغرب مرة أخرى واتصل بالخندق الأساسي المار الذكر؛ وقد وصل هذا الخندق بخنادق فرعية تربط نواحيه الأربع بالمركز في خطوط متعرجة تحجب السائر فيها.
أما الهجوم فقد وقع بعنف شديد؛ وفي الجبهة الشمالية بالقلب كانت تتقدم الحملة البواردية الخواص وهم الرماة، يتقدمهم راقي بن عفار ثم من كان من الحملة من الثبتة الجوازي ومن الكثمة الغشاشمة والروانية ثم بنو سعد، عليهم جميعا الشريف سلطان بن راجح: فعاد المهاجمون ببعض الأسرى والأسلاب.
وعند بزوغ الشمس ابتدأت المدفعية التركية كأشد ما يكون ترمي بحممها المهاجمين، ولم أدر لماذا لم يعزز القائد التركي المدفعية بهجوم من المشاة. هذا ولم يتمكن بنو سعد من الوصول إلى أهدافهم، فاضطروا إلى التراجع إلى نواحي شبرا، ثم انصرفوا بشيء من عدم الطاعة إلى بلادهم. وقد جاءني من قائدهم الشريف سلطان ما يفيد بذلك فأمرته بأن يتركهم. وانصرف همي إلى إنقاذ القسم من الرماة الخاصة الذين حجزوا في العكرمية وفي أسفل شرقوق - وهو جبل بين مسرة وشبرا - وفي تلك الأثناء كان إلى جنبي الشيخ فاجر بن شليويح والشريف حمزة الفعر، وإذا بالأتراك يحرقون قصور الإمارة السبعة بالنار، فقلت لمن معي: لا ترهبوهم إنهم إنما أرادوا بهذا إخافتكم، ولو كانوا كما يقال لهاجمونا هجوما معاكسا؛ وهذه البيوت تبنى إن شاء الله في أسرع ما يمكن.
অজানা পৃষ্ঠা