সোয়াদ নামের একটি মেয়ের স্মৃতিকথা
مذكرات طفلة اسمها سعاد
জনগুলি
في سريرها قبل أن تنام، لم تكن تنام إلا وهي ممسكة بيد أمها، تلف أصابعها حول أصابعها، وكلما غلبها النوم وارتخت أصابعها من حول أصابعها نهضت أمها من جوارها بهدوء، ولكنها سرعان ما تسمع صوت السرير يهتز؛ فتدرك أن أمها تتركها وتقبض بأصابعها على يدها مرة أخرى، لا تدعها تفلت منها، وتغني لها أمها بصوت خافض أو تحكي لها حكاية أم طرطور أحمر حتى يغلبها النوم تماما، وحين تسحب أصابعها من يدها تظل أصابعها مرتخية ولا تقبض على يدها، فتنهض من سريرها وتغطيها وتطفئ النور وتذهب إلى حجرتها.
لم تكن تحس بها وهي تتركها، لكنها كانت تحلم أن أمها ضاعت منها في الشارع ولم تجدها، وأنها ظلت تائهة في الشوارع تبكي، حتى رأت وجه أبيها، فقفزت من الفرح وأمسكت يده، لكن يد أبيها أفلتت من يدها، وضاع أبوها في الزحام، وحاصرتها من كل جانب عيون غريبة واسعة، وأفواه غريبة واسعة، وارتعدت وتراجعت إلى الخلف لتختفي في البيت، ولكنها لم تجد أمها في البيت، وإنما امرأة غريبة شعرها طويل وفمها واسع كالغولة، وقالت لها إن أمها ماتت، وتحاول أن تصرخ لكن صوتها لا يخرج، ومن شدة الفزع تصحو من النوم فجأة، وتجد نفسها وحدها في الظلام، فتنادي على أمها بصوت عال: ماما ... وحين ترى وجه أمها تدرك أنها كانت تحلم، وتفرح لأن أمها لم تمت، وفي الصباح تنسى الحلم تماما فكأنه لم يكن. •••
وفي المدرسة كانت تحب الفسحة ولا تحب الفصل، فهي في الفسحة تجري وتلعب وتحرك ذراعيها وساقيها، لكنها في الفصل تجلس ساكنة وأمامها الورقة والقلم، وتمر المدرسة بين الصفوف وأصابعها الطويلة الرفيعة تلتف حول العصا، تلسع بها أصابع أي طفل يتكلم أو طفلة تتكلم بغير إذن أو تتحرك من مقعدها أو تضحك، وتقول لهم إن الضحك بغير سبب قلة أدب، وكلما خطر في عقلها شيء مضحك أطبقت شفتيها أو أخفت وجهها داخل الكراسة، وكان يخطر لها أشياء مضحكة، وأحيانا تضحك بغير سبب، لمجرد أن يلتفت إليها محمد أو سميرة وتبتسم، أو حين يقع قلمها على الأرض ويحدث صوتا عاليا، أو إذا عطس أحد التلاميذ بصوت عال، أو إذا صدر عن معدة جارها تلك الأصوات التي تشبه مواء القطط، أو أطلقت أمعاء أحدهم الهواء بتلك الصفارة المكتومة.
وأشد ما كانت تكرهه في الفصل هو أن تجلس في مكانها ثابتة بغير حركة، وأحيانا كانت ترفع أصبعها وتقول للمدرسة إنها تريد أن تذهب إلى دورة المياه، فتأذن لها بالخروج، وتنهض من مقعدها مسرعة، وتجري إلى الفناء، وتشعر بلذة كبيرة وهي تحرك ذراعيها وساقيها وتفتح فمها وتملأه بالهواء والضحك، وتتساءل بينها وبين نفسها: هل من الضروري أن يكون للحركة سبب وللضحك سبب؟ ولماذا يحرمونها من الضحك ومن الحركة التي تبعث في جسدها اللذة؟ وأليست اللذة سببا كافيا للضحك أو للحركة؟
لكنها بدأت تدرك أن اللذة القديمة التي كانت تحس بها حين تجري أو تضحك لما تعد كما كانت، وإحساس بطيء غامض أصبح يساورها بأن اللذة وحدها ممنوعة أو محرمة، ولا بد من سبب آخر غير اللذة لتبرير الحركة أو الضحك أو اللعب، وكانت قد بلغت السابعة من عمرها، وجاء شهر رمضان، أبوها يقول إنه بدأ الصيام والصلاة حين كان في مثل عمرها، وبدا لها الصيام لعبة طريفة جديدة، وأحسن ما فيها أن النظام ومواعيد النوم واليقظة المفروضة عليها تنقلب رأسا على عقب، فالليل الذي كان للنوم أصبح للسهر والأكل، والشوارع والبيوت كلها تظل ساهرة والأنوار مضاءة والأغاني تنبعث من الراديو، ويقبل المسحراتي يدق طبلته ليوقظ النائمين، وتجهز أمها مائدة السحور وترى أنواع الأطعمة اللذيذة المتعددة التي لم تراها من قبل، وأنواع جديدة من الحلوى والكنافة والقطايف، ولفائف قمر الدين، والجوز واللوز وعين الجمل، وصواني الأرز باللحم المحمر، وبينما هي تلتهم الطعام تتساءل لماذا يسمى شهر رمضان بشهر الصيام، فيقول لها أبوها: لأن الناس تصوم عن الأكل أثناء النهار، ولماذا يصوم الناس يا أبي؟ لأن الله أمرهم بالصيام يا ابنتي، ولماذا أمرهم الله بالصيام يا أبي؟ لأن الله يريد منهم أن يجربوا الجوع وكيف يتألم الفقراء.
وكانت سعاد قد ملأت معدتها بالأكل، فقالت لأبيها: ولكنني يا أبي لا أشعر بالجوع، وأحس أنني آكل وأشبع أكثر من أي وقت آخر، وكان فم أبيها في تلك اللحظة مملوءا بالطعام، ويده تقبض على قطعة لحم محمرة وتوشك أن يرفعها إلى فمه، فاهتزت يده قليلا قبل أن تقترب من فمه، ولم يستطع أن يفتح فمه ليرد على سؤال ابنته، وانتظر حتى مضغ الطعام وابتلعه ثم قال لها: ولكننا نأكل يا ابنتي بالليل فقط ونصوم النهار كله طوال شهر رمضان، أما في الشهور الأخرى فنحن نأكل بالنهار، وقالت سعاد: ونصوم بالليل يا أبي، لأننا ننام بالليل ولا نأكل كما نأكل الآن، سكت أبوها لحظة أخرى وقال لها: هذا صحيح يا سعاد، ولكننا لا نشعر بالجوع بالليل لأننا لا نحس أثناء النوم، ولكن في النهار نحس بالجوع، ونحس العطش أيضا في الأيام الحارة.
وخيل إليها أن الفقراء يمكن أن يجوعوا، ولكنهم لا يمكن أن يعطشوا لأن الماء كثير جدا وبغير ثمن، في الصنابير وفي البحر وفي النيل وفي الترع، وتساءلت بشيء من الدهشة: وهل يعطش الفقراء أيضا يا أبي؟ لكن أباها كان قد أنهى طعامه فنهض، ولم تبق إلا أمها التي كانت تختم طعامها بقطعة من الكنافة المحشية بالزبيب واللوز، فقالت لها: هل يعطش الفقراء يا أمي؟ وقالت أمها وفمها مملوء: إنهم يجوعون فقط، ولكن الله فرض علينا الجوع والعطش في رمضان لنشعر بالألم ونشفق على الفقراء ونحبهم ونعطيهم شيئا مما أعطانا الله، ونحمد الله على ما أعطانا من طعام، وهل الله هو الذي أعطانا الطعام يا أمي؟ نعم يا ابنتي، الله هو الذي يرزق ويعطي من يشاء ولا يعطي من يشاء، ولماذا أعطانا الله يا أمي؟ لأن الله يحبنا يا سعاد.
وشعرت سعاد بنوع من السرور، وحمدت الله بينها وبين نفسها لأن الله يحبهم ولم يجعلهم فقراء يشحذون في الشوارع مثل ذلك الرجل الأعرج العجوز الذي تراه كل يوم وهي ذاهبة إلى المدرسة وتخاف منه، وخيل إليها أن الله يكره الفقراء لأنه لم يعطهم شيئا، لكنها تساءلت: لماذا يكره الله الفقراء؟ وإذا كان الله يكرههم ولم يعطهم شيئا، فلماذا يريد منا أن نحبهم ونعطيهم مما أعطانا الله؟
وكان أبوها قد عاد إلى المائدة ليتناول الحلوى بعد أن غسل يديه من أثر اللحم المحمر، وسمعها وهي توجه أسئلتها لأمها، فقال لها: اسمعي يا ابنتي، الله له حكم كثيرة في هذه الدنيا، وخلق الله كل شيء لحكمة معينة، وخلق الخير والشر، وخلق الفقر والغنى، إنه لا يكره الفقراء ولكنه خلقهم ليمتحن الأغنياء ويرى هل سيعطون الفقراء أم لا، وهل نحن أغنياء يا أبي؟ وابتسم أبوها وهو يقول: نحن لسنا أغنياء ولسنا فقراء، ولكننا مستورون والحمد لله، ما معنى «مستورون» يا أبي؟ معناها أن ما عندنا يكفينا والحمد لله، وخيل لسعاد أن ما عندهم يكفيهم فقط وليس لديهم ما يعطونه للفقراء، وأن الله فرض الصيام على الأغنياء فقط ليشعروا بجوع الفقراء، لكن أباها قال لها إن الله فرض الصوم على جميع الناس أغنياء وفقراء ومتوسطين مثلهم، وعلى كل إنسان أن يزكي من أمواله للفقراء بما يستطيع أن يدفع، ولكن لماذا يفرض الله على الفقراء أن يصوموا في شهر رمضان وهم يشعرون بالجوع في الشهور الأخرى وليس عندهم طعام يعطونه للفقراء؟ وسكت أبوها لحظة طويلة ثم قال: إن الصيام يا ابنتي ليس له غرض واحد، وهذه هي حكمة الله، فالأغنياء يصومون ليتألموا كما يتألم الفقراء، والفقراء يصومون ليتعلموا الصبر أكثر وأكثر ويذكروا الله، ولأن الصيام أحد أركان الإسلام، وهو واجب على كل مسلم مثله مثل الصلاة والزكاة وحج بيت الله لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
ولم تستطع سعاد أن تفهم هذه الكلمات الأخيرة التي قالها أبوها، لكنها كانت قد عرفت أن هناك كلمات وآيات يجب أن تحفظ عن ظهر قلب، وليس من الضروري أن تفهم بالعقل؛ لأن عقل الإنسان أصغر من عقل الله، ولا يمكن أن يفهم كل حكم الله، وأن هناك أشياء سوف تفهمها حين يكبر عقلها وتصبح امرأة كبيرة مثل أمها.
অজানা পৃষ্ঠা