সোয়াদ নামের একটি মেয়ের স্মৃতিকথা
مذكرات طفلة اسمها سعاد
জনগুলি
وأدركت من بعد أن صلصلة الجرس تعني أن جدها فتح الباب ودخل، ولجدها حين يفتح الباب حركة معينة تجعل الجرس يصلصل بنغمة معينة يعرفها كل أفراد الأسرة، ولحذائه فوق السلم عند مدخل البيت وقع معين، وعصاه الصغيرة ذات الرأس كرأس الثعبان تقرع زجاج الباب الخارجي، ثم يدخل إلى الصالة بجسمه النحيف القصير، ورأسه الأبيض الكبير، أنفاسه العالية وهو يتحرك تعلن عن وصوله، وتلك النحنحة أو السعال أو التمخط، أو صوته العالي حين ينادي على ابنه أو ابنته أو الخادمة لتأخذ منه العصا، وتحمل عنه المعطف أو تخلع عنه الجاكتة وتعلقها على الشماعة.
لم يكن ينادي على زوجته أبدا، وخيل لسعاد أن جدها وجدتها لا يتحدثان مع بعضهما البعض أبدا، وأن خالها لا يكلم خالتها، وأن الكلام الوحيد الذي يدور داخل البيت هو بين خالتها والخادمة أو الطباخة في المطبخ، وهو ليس كلاما وإنما أوامر أو ملاحظات غاضبة.
لم تكن سعاد تحب الأيام التي تمضيها في بيت جدها، فالحديقة واسعة وبها زهور جميلة، لكن الكلب «وولف» يتربص بها كلما همت بالنزول إليها، فإذا ما ربط الجنايني الكلب في السلسلة فإن حذاءها يتسخ بالطين، وعيني خالتها دولت تتربصان بحذائها كلما صعدت من الحديقة إلى الصالة، وصوتها العالي الغاضب يرن في البيت معلنا أن أرض الصالة قد اتسخت.
ولم يكن أمامها إلا أن تجلس بجوار الراديو حين يحرك خالها المسامير وينبعث الغناء والموسيقى، عيناها تتابعان أصابع خالها، تحاول أن تكتشف السر، كيف ينبعث الصوت من ذلك الدولاب الخشبي؟ وبلغ بها الاستطلاع مرة أن مدت يدها في غياب خالها وحركت المسامير، وانتفض جسدها بنشوة عجيبة حين انطلق فجأة صوت رجل يغني، كادت تصرخ من اللذة، لكن صوت خالتها دب في أذنيها كالرعد: لا تلمسي الراديو وإلا أفسدتيه! فانكمشت داخل مقعدها الكبير في الصالة، وأقبلت خالتها بعينيها الجاحظتين الغاضبتين، تطرقع بكعب حذائها فوق أرض الصالة، ومدت يدها الكبيرة السمراء، وبأصابعها الرفيعة المرتعشة المدببة أغلقت الراديو.
في الليل قبل أن تنام تهمس في أذن أمها قائلة: متى نعود إلى بيتنا يا أمي؟ وتربت أمها على ظهرها وتقول: حين تنتهي إجازة أبيك، وتلف ذراعيها حولها وهي تقول: ولكني لا أحب هنا، وتقول أمها: لماذا يا سعاد، وهنا حديقة جميلة وبيت جدك واسعا وليس مثل بيتنا الضيق؟ وتقول سعاد: ولكني لا أحب جدي، وتضع أمها يدها على فمها وتهمس لها: لا تقولي هذا أمام أحد هنا، إن جدك يحبك ولا بد أن تحبيه يا سعاد.
وتغمض عينيها وتنام، وفي منتصف الليل تصحو، لا تجد أمها إلى جوارها في السرير، ولا أختها ولا أخيها، هي وحدها تماما، والظلام الكثيف يحوطها، عيناها تبحثان في الظلمة عن بقعة ضوء، ترى ظلالا تتحرك فوق الجدار، ظلالا سوداء ولها عيون حمراء كالعفاريت، تخفي رأسها تحت الغطاء، وتكور ذراعيها وساقيها حول بطنها، لكن البول يضغط على بطنها ويؤلمها، ترفع الغطاء قليلا وتطل برأسها لتنهض وتسير إلى دورة المياه، لكن الأشباح الغريبة لا تزال متربصة لها عند الباب، ووراء الباب ممر طويل مظلم، ودورة المياه بعيدة، ولها نافذة مفتوحة تطل على الحديقة، ومن يدري ربما يقفز من النافذة شبح أو عفريت أو لص ويأخذها بعيدا إلا حيث لا يعرف طريقها أحد! وأخفت رأسها مرة أخرى تحت الغطاء وأغمضت عينيها ونامت، ورأت وهي نائمة نفسها وهي تلعب في الحديقة، ويضغط البول على بطنها وهي تلعب فتجري إلى السلم الخلفي الذي يقود إلى دورة المياه، وتجلس وتبول، وتشعر بلذة البول الدافئ، ويضيع الألم الضاغط على بطنها حتى يتلاشى تماما مع آخر قطرة دافئة، وتفتح عينيها فجأة وتمتد يدها بسرعة من تحتها، وحين تحس البلولة تنتفض من الذعر، تحاول أن تنام مرة أخرى، لكن البلولة من تحتها تشعرها بالبرد، فتدس جزءا من الغطاء بينها وبين البلولة، لكنها لا تنام، وسؤال ملح يشيع في قلبها الخوف: ماذا ستفعل خالتها حين ترى سريرها في الصباح؟
لم تكن تريد أن يطلع الصباح، ودعت الله أن يطول الليل ويمتد حتى يجف فراشها، وقد كورت الملاءة من تحتها لتشرب البلولة، لكن الصباح طلع، ولا شيء جف، فلم تغادر فراشها وظلت في سريرها مختفية تحت الغطاء، حتى جاءت خالتها ومن ورائها الخادمة لتنظيف الحجرة، وتسللت من الفراش هاربة إلى حجرة أمها وأبيها، لكنها سرعان ما سمعت صوت خالتها العالي يرن في جميع حجرات البيت معلنا أنها بللت فراشها، فاختفت داخل الدولاب في حجرة أمها.
لكن خالتها استطاعت أن تعرف طريقها، وشدتها من يدها خارج الدولاب وهي تقول لها: اطلعي يا فلاحة يا أم شخة!
لم تكن تعرف بعد ماذا تعني كلمة فلاحة، لكنها ارتبطت في عقلها بشعور الخزي لأنها بللت الفراش، وأصبحت تبكي كلما قالت لها خالتها: يا فلاحة، وتشعر بالخزي حتى وإن لم تبلل الفراش. •••
وجدت سعاد نفسها في بيت آخر بغير شرفة وبغير شارع واسع تراه من الشرفة، وإنما نافذة كبيرة تطل على بيت آخر عال، وفوق النافذة أعمدة حديدية، رأسها أصبح كبيرا ولا يمكن له أن ينفذ بين العمودين الحديديين، فأصبحت تضغط وجهها بين العمودين وترى الشارع الصغير الضيق تحت النافذة، ورجل واقف إلى جوار عربة من فوقها أكوام عالية من الفول السوداني واللب، في وسطها مدخنة سوداء يتصاعد منها دخان كثيف، تخف كثافته وهو يعلو حتى يتلاشى في الجو.
অজানা পৃষ্ঠা