وأما أنا فأحس أن هاته النظرة تحوي معنى كأنه السم، تحوي احتقارا ناطقا، فكأنه يقول: أهوه، من أمة محكومة. أقول في نفسي إذ ذاك: ويلي لهاته الإنسانية الكافرة الجاحدة، ألسنا نحن آباء مدنيتها، ألسنا الذين علمناها الطريق إلى سعادتها الحاضرة، وأجدادنا أما كانوا الحاكمين ذوي السلطان والسطوة، إن لنا على الأمم جميعا من الفخر ما نرفع به رؤوسنا نساوي بها أكبر الرؤوس.
ولكن العنيد لا تزال نظرة الازدراء ظاهرة في عينه وكأنه يجيبني: بالله ذر الماضي فالتاريخ لم يترك أمه من غير مجد، إنما لك الساعة التي أنت فيها، الحاضر فخر أصحابه وعزهم أو هو صغارهم وذلهم، كنتم الملوك ... كنتم الآلهة ... ولكن ما أنتم اليوم؟ أمة مستصغرة مسكينة! أمة راضية بضعفها وذلها! أمة تقبل الحياة ولو كانت حياة خسة ونذالة ... ها أنتم اليوم ... ... من أجل ذلك أنظر لك تلك النظرة، أعذرني عنها! إنما دفعتني لها الفطرة التي تدفعك لمثلها لو كنت في موقفي ... وإنها يا صاح لتكن غير ما قدرته أنت شيئا من الرحمة والأسى من أجلكم!
26 أغسطس
وأنا راجع اليوم من فيفي
vevey
لمونتريه كان معي في الترام غلام ألماني يبلغ السادسة له رأس كبير وجهه عريض ونظره حديد، ولكنه مما تدل عليه هيئته وهيئة الذين معه ليس من عائلة غنية.
حدقت بهذا الغلام مرارا، وأردت أن أجتلي شيئا من غامض أمره، أردت أن أعرف ما تحت هذه الرأس الصغيرة من بذور تنتجها الأيام وما عسى تكون أزهارها ... فبهت ولم أجب نفسي بكلمة.
من ذا يدري هل سيكون ذلك الغلام برأسه الكبير شيخ الفلاسفة أو رئيس طائفة، أو يكون هو كآحاد والناس يقضي حياة متشابهة بليدة، من ذا يعلم إذا كان سيقلب العالم كعبا على عقب، أو هو سحر غير منظور بعين ولا معروفا، ويبقى أيامه القصيرة ثم يقلبه العالم مرة ثانية إلى ترابه.
ماذا في هاته الرأس الصغيرة السن الكبيرة الحجم؟ هي تلك الأشياء العادية المبتذلة التي في كل الرؤوس، أم تخبئ مكنونا ستظهره الأيام لعيون الوجود كله؟ وهل خير ذلك المكنون فيه يسعد به الناس، أم شر يسخطون له ويشكون ويصيحون ... من يدري؟
على كل حال هو سيخطو على الأيام خطواته حتى يصل للغاية الكبرى ... للموت وسواء عمل كثيرا أو قليلا ومرت تحت ستر الأيام أو هو هتكه فأمامه ذلك الآخر الذي ينتظر الناس جميعا ليريحهم من العناء والويل ... أمامه الأبدية حيث الراحة الكاملة الدائمة.
অজানা পৃষ্ঠা