162

যৌবনের স্মৃতিচারণ

مذكرات الشباب

জনগুলি

الفصل الرابع

الاقتصاد السياسي وقواعد الأخلاق

لما جاء عصر الإصلاح وبدأ عهد التفكير الحر في أوروبا، وأصبح لمن سوى رجال الكهنوت حق النظر والبحث في الأمور، قام عدد كبير من العلماء يضعون قواعد العلوم المختلفة وفروع تلك العلوم، فانقطع جماعة للفلسفة النظرية، وألف آخرون في مسائل الأخلاق، وكتب غيرهم في السياسة، ووضع جماعة القواعد لعلم الاقتصاد السياسي، ومع تقارب هذه العلوم واتصالها فقد أطلق كل كاتب لنفسه العنان في السبيل الذي اختط طريقه غير مهتم بما يقال في العلوم الأخرى، ولا يتعارض نظرياتها مع النظريات التي يضعها هو في علمه أو فنه، وأصبح كل منهم معتمدا على دقته في المنطق الاعتماد كله، مؤمنا بالنتائج التي يصل إليها، معتبرا إياها القواعد والقوانين التي لا سبيل لنقضها والتي تعبر عن حقيقة الواقع في الحياة، فإذا اعترضت سبيله بنظرية أخرى في علم غير الذي يبحثه قال لك إن الوجود العام لا يستحيل معه التناقض، بل هو بعض مشتملاته، وإنه لذلك لا يعبأ باعتراضك، ويطلب منك إذا أردت مناقشته أن تأخذ نظريته كلها بناء واحدا، فإذا وجدت فيما بين أجزائها تناقضا كان لك أن تؤاخذه به، وكان ذلك الشأن يتبع أيضا فيما بين علماء الاقتصاد السياسي وعلماء الأخلاق، فالأولون يقولون إن نظريات علمهم ترمي لغرض خاص هو استفادة الإنسان بالحظ الأكبر من المال، أو بعبارتهم الخاصة أن علمهم هو العلم الذي يستظهر القوانين التي تضبط حاجات الإنسان في علاقاته بالمادة المقومة التي هي المال، وسواء لديهم أكانت هذه القوانين متفقة مع قواعد الخلق أو متعارضة معها؛ فإنهم لا يحجمون عن تقريرها، والعالم الأخلاقي بعد ذلك وشأنه في علمه الخاص ببيان أكمل الروابط التي تضمن بقاء الاجتماع الإنساني سعيدا بالخير والحق، وكان ذلك الشأن أيضا شأن علماء الأخلاق الذين كانوا يهتمون ببحث الصورة الأخلاقية الكاملة للإنسانية، ولو أدى وجودها على هذه الصورة لأن تكون مفلسة اقتصاديا تمام الإفلاس.

وقد وجه الاقتصاديون الأولون أكبر همهم إلى إقامة البناء الاقتصادي على أساس من فكرة المصلحة الذاتية التي يجب تركها وشأنها، تتكون وتنمو وتنتج كل ثمرها من غير أن يقف في وجهها مانع من قانون أو عائق من أي نوع كان، فتحكم المصلحة الذاتية في الأعمال والعلاقات الإنسانية هو، عند آدم سمث ومن تقدمه ومن سار على سنته، الضمان الوحيد لوصول الأفراد والأمم إلى الأوج من الحياة الاقتصادية، وكل شيء يقف في وجه هذه المصلحة الذاتية وحركتها لا يمكن أن يكون خيرا اقتصاديا، ولو استطاعت الجماعات والأمم أن تصل لتلغي كل القوانين وتعيش مضمونة السلم من غير حكومة، لكان إلغاء القوانين وانهيار الحكومات أكبر تقدم اقتصادي في نظر الفرديين يمكن للإنسانية تحقيقه.

ولا يحسبن أحد أن في تحكيم المصلحة الذاتية للأفراد ما يضر بحال الجماعة الاقتصادية؛ لأن المصالح الفردية تتقابل آخر الأمر وتكون مصلحة الأمة، وما دام الفرديون قد جعلوا المصلحة الذاتية أساسا فهم بذلك قد حرضوا كل فرد على أن يعمل أكثر ما يمكن، وبذلك تجني الجماعة أكبر مجموع ممكن من الجهود.

لكن تحكيم المصلحة الفردية يضعف الحال الأخلاقية حيث يجعل المبدأ السائد مبدأ تبرير الغاية للواسطة، وما دمتم يا سادتنا الفرديين تريدون تحديد القانون والحكومة وجعلهما مجرد شرطة لمنع الاعتداء الظاهر؛ فإنكم ستجعلون الغلبة في الحياة للماكرين والمخادعين والسفلة والمنافقين، كما أن ما يترتب على نظريتكم من مناصرة الملكية الفردية إلى أقصى الحدود سيحقق ظلم طائفة الملاك والرأسماليين لطائفة العمال والمفكرين ظلما فادحا، وستدسون بذلك في الروح العامة معنى الانقسام والنضال بدل تحقيق فكرة التعاون والتضامن، وستجنون بذلك على الإنسانية وأنتم لا تشعرون.

قال الانفراديون أول ما وجهت لهم هذه الاعتراضات: ما تلك إلا أوهام أخلاقي ينظر للنجوم ولا يقدر للقوانين الطبيعية حسابها، إنا يا سيدي الأخلاقي علماء نستنبط قوانين الطبيعة ونطبقها، ولا يهمنا ما تقول لأنه ليس من شأننا، وهذه القوانين تدلنا على أن المصلحة الذاتية هي الدافع الأول والأخير للعمل في الحياة، وكل منا مسوق للتقاعس فلا ينفق إلا أقل مجهود تستلزمه أحوال المعيشة، وما لم يكن هناك دافع داخلي يحرض على العمل هو دافع المنافسة قلت المجهودات التي تنفق وتدهورت أحوال الأمة الاقتصادية، وكل مداخلة خارجية يمكنها أن تحدد المجهود الفردي هي لذلك ضرر يجب استئصاله ومقاومته.

وما دمنا قد سلمنا بهذا الأساس فيجب أن نرتب عليه جميع نتائجه: الملكية الخاصة، وربح رأس المال، وإيجار الأرض، وكذلك أجرة العامل، وحرية التعاقد الفردي بشأن ذلك كله، والميراث عند عدم الوصية.

المال

كل ما في الوجود من تعس وشقوة، وكل ما يرتكب من جرائم وفظائع، وكل ما تتلوث به النفوس من رذائل ودناءات سببه المال، ليس ذلك لأن المال شر لذاته، لكنه وسيلة الخير والشر معا، فلما اختص به قوم دون آخرين سولت لهم نفوسهم أن يرتفعوا به عن مصاف من حرموا منه، فكان النضال وكان التنافس على أتعس صوره وأدناها.

অজানা পৃষ্ঠা