ثم أتبع ذلك بقوله:
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة
ليس مما يحرض على تعديد الزوجات مطلقا، بل يكاد يحرمها قطعا إلا لضرورة ملجئة، وليس التحليل للضرورة إباحة مطلقة كما يفيده نص المادة.
أو أن أسيادنا الشرعيين يعتبرون أحكام القرآن الشريف تضعف هي الأخرى بالزمان، فيصبح ما كان محظورا من المباحات؟ حاشا كلام الله الكريم أن يكون ككلام البشر، وما دمنا معتقدين به آخذين بنصوصه فالواجب أن نسير على مقتضى ما تقرره، وإذا كان الزمان الفائت قبلنا قد جاء فيه بعض الخطأ فعلينا أن نصلحه.
لم يكن تعدد الزوجات من الفضائل الممدوحة في زمن من الأزمان، وإنما هو كالأمراض اللازمة التي تعتري الجسم أو العقل، نحن مجبورون على احتمالها ما دام تركيبنا يستلزمها، كذلك الأمم التي يضعف فيها معنى العدالة ويتمشى إلى نفوس أهلها شيء من فساد الاستبداد، وتفقد بين أفرادها المساواة، تميل إلى صنوف من الترف توافق هذه الحال فيستكثر أغنياؤها من شراء الموالي واتخاذ الزوجات واقتناء كل شيء من شأنه أن يشبع منهم ذلك الإحساس الذي يملأ كل وجودهم من حب السلطة والسلطان والاستبداد بشأن غيرهم، ولولا أن ألغي الرقيق من العالم لكنا نرى مصداق ذلك في بلاد كثيرة محرومة منه اليوم، بل إن تركيا ظلت إلى عهد دستورها متجر رقيق هائل، ولم تزل إلى حد كبير رائجة السوق في العبيد والإماء خصوصا على شواطئ البحر الأحمر، والفقراء تقليدا للأغنياء يعددون زوجاتهم.
هذا المرض قديم في بلادنا، وحالنا اليوم تبشرنا بأنا نسير نحو الشفاء منه، ولكنه سير بطيء يكاد يكون غير محسوس، ولازم أن نستحث السائرين بل أن ندفعهم بعض الشيء حتى لا تكون حركتهم ذنب كل الحركات الأخرى، وعلمنا في هذا ليس بأقل أهمية منه في غيره؛ لذلك ليس من العقل أن نغضي عنه قائلين هذا ثانوي فاتركوه.
صحيح أن تعدد الزوجات نتيجة لا سبب في أصل وجوده، ولكنه أصبح اليوم سبب مفاسد شتى وخراب للعائلات كبير، وأصبح من المحتوم العمل للقضاء عليه حتى يقضى على نتائجه.
كم من عائلة تفرقت أيدي سبأ من وراء تعدد الزوجات، كما من إخوة تنازعوا واقتتلوا وتباغضوا لأنهم من زوجات مختلفة، كم نسوة بائسات يذرين الدمع على شبابهن وعلى حياتهن لأن أزواجهن قد تركوهن وتأبى عليهن عفتهن أن يخاللن.
ويعلم الله أن الحال الحاضرة عندنا، وظلم الرجال الفاحش، يجعل للمرأة عذرا إن اتخذت رفيقا.
للمرأة شرف تحافظ عليه، عفافها يجب أن يبقى مكرما، يجب أن تبقى طاهرة الذيل نقية العرض، كل هذا صحيح ولكن المرأة لا تزال ولن تزال بنت آدم وحواء، ولها نفس تحس وتتألم، وحق إن اهتضم أثار من كامن ما بين جوانحها ما قد يدفعها إلى غير ما تحب هي وترضى.
অজানা পৃষ্ঠা