129

যৌবনের স্মৃতিচারণ

مذكرات الشباب

জনগুলি

و(منتيني)

Montaigne ، وكما أن الحركة الأولى كانت حركة ضد الوقوف والجمود الديني وضد الخرافات والخزعبلات التي كانت سائدة يومئذ من بيع عقود العفو ونحوها كذلك، كانت الحركة الثانية ترمي إلى تحرير العقول والأفهام من القيود القديمة قيود العادات الدينية الصارمة التي لم يك في وسع أحد مخالفتها من غير أن يعرض نفسه لأشد الخطر، ولما وافق قيام هذه الحركة انتشار العلماء الذين هجروا القسطنطينية بعد سقوطها في يد الأتراك انتشرت في النفوس روح الأخذ عن اليونان والرومان ما خلفوا وإظهاره وتوضيحه؛ لذلك لما هدأت الحركة التي كانت تهز أوربا أيام رابليه وكلفن ظهرت الآثار والأسماء اليونانية والرومانية في روايات الشعراء وأخبارهم وأخذ تاريخهم وفلسفتهم حظا كبيرا من الانتشار.

رابليه ومنتيني كاتبان مختلفان في الطينة كل الاختلاف، أولهما مضحاك عالي الصوت ترن قهقهته في الفضاء ويقهقه من كل شيء، يرى الوجود والحياة والعقل والسلطة وكل ما في الكون موضعا لأن يضحك منه، وإذا مثل شيئا مما في الحياة مثله غليظا قبيحا، ويكتفي بذلك ليجعله مضحكا، والحقيقة أنه يضحك لأن كل شيء بلغ الغاية في الغلظة والقبح يثير استهزاءنا به وضحكنا منه، أما الثاني فرجل يأخذ الحياة كما هي ويجاهد لينال خيرها ويتقي شرها، وقد اتفق أن حل البلاء والطاعون ببلد كان هو رئيسا عليها، فبدل أن يظهر للناس من الشهامة ما يجعلهم يحتملون مصائبهم بالصبر، كان هو أول فار من الوباء مبتعد عنه، غير أن ذلك لا يمنعه أن يكون كثير الاستخفاف في كتابته.

الاستخفاف بالحياة وما فيها طبع من الطباع الفرنساوية، ومهما حار به بعض الكتاب فإنك تجده ظاهرا من حين لآخر عند هذا الكاتب بشكل لا يحتمل الشك، يستخف بالحياة لأنه يرى المضحك منها كثيرا أكثر مما يجده أي إنسان آخر سواه.

ظهرت الأسماء والآثار اليونانية والرومانية بشكل واضح عند أدباء القرن السابع عشر كما قدمنا، وتصدوا لإحياء ذكر هذه الأمم مهد الفلسفة والشعر والفن الجميل، وأكبر من كان في هذا القرن السابع عشر راسين وكورني ومليير، والأول محيي ذكر اليونان، والتالي معيد تاريخ الرومان، والثالث شاعر فرنسا الضاحك، وظهر مع هؤلاء الفحول الثلاثة شاعر فرنساوي آخر نظم حكايات وما شاكلها في شكل جديد، هذا الشاعر هو لافونتين، وظهر من الكتاب مدام لافايت مؤلفة البرنسيس دي كليف، ولابريير صاحب «الأخلاق»، ظهر إلى جانب هؤلاء عدد كبير جدا من الكتاب والشعراء ولكن هؤلاء هم أظهر أدباء عصرهم.

للقرن السابع عشر أو القرن الأعظم كما يسميه الفرنساويون ميزة على غيره من العصور، تلك هي عظمته، هو عظيم في كل ما فيه، ملكته عظيمة، وملكه عظيم، وشعراؤه عظماء، وكتابه كذلك، وكل ما فيه وفرنسا نفسها ... هذه الصفة أبرزها (تين) غير مرة في كتبه عن كتاب يومئذ وعن تاريخ ذلك العصر، فوضع أمامنا لويس الرابع عشر ومظهره وعظمته وما كان يدور في بلاطه وهيبته هو وإحساسه بتلك الهيبة ومحافظته عليها في كل وقت وفي جميع الظروف، «كان يمسك عصا البلياردو كما يجب أن يمسكها لويس الرابع عشر»، وكان يسير عالي الرأس في لباسه الفخيم تزينه الدنتلات من كل جانب وعلى هامته شعره المستعار يزيده فخامة وهيبة، والناس من حوله متأثرون بذلك الوسط الذي يعيشون فيه، يجيء الرجل الشريف منهم فينتظر على باب غرفة الملك من الصباح حتى المساء لا ضجر ولا ملال، ويفرح أكبر الفرح إن هو وصل لمحادثة خادم الملك، فإذا انتهى من هذه المقابلة ذهب بعدها ليقابل مدام دمنتنون ويمر بالرسميات عينها ليصل إليها ... وهذا الترتيب المراعى فيه كسوة كل شيء بثوب العظمة كان يتصل إلى من حول الملك في معاملتهم لمن دونهم وللرعية بعد ذلك بما يشبهه.

هذه الميزة البارزة لهذا العصر وما كان يتبع بلاط الملك من مقتضيات الأدب والذوق واللياقة، وما كان يستلزمه الوجود فيه من رشاقة العبارة ودقة اللفظ ... كل ذلك ظهر بوجه عام في كتابات يومئذ حتى لابريير وموليير مع أن أحدهما نقادة مر والآخر ضحاك من كل شيء، أما لافونتين فكان ذا طبع مستخف جوال يكره حياة البلاط وكل حياة مرتبة، كما أنه عالي الأصل فهو لا يهتم بشيء؛ لذلك لم يكن يأنف أن يدخل في شعره عبارات كانت تمجها الأذن في تلك الأيام.

لكن أظهر من ظهرت آثار العصر في كتاباتهما وأخذتهما إليها واستحوذت على نفوسهما وجعلتهما يراعيان في الشعر ما كانا يراعيان أمام الملك، هذين هما راسين وكورني، فكلاهما مهوب في شعره جد في القول لا يبتسم إلا نادرا، وإذا أراد أن يضحك ضحك عاليا، وما أندر ذلك إذ ما أقل ما كتبه من الهزليات، وهذه ليست أحسن ما عملوا، وقد تصديا كما قدمنا لإحياء ذكر اليونان والرومان، لكنهما بالرغم من هذا القصد عندهما لم يكونا ليرجعا إلى هذه العصور السالفة فيحللان النفس اليونانية أو النفس الرومانية ويظهرانها أمامنا، بل كانا إنما يستعيران الأسماء والحوادث اليونانية أو الرومانية، ثم يكسوان ذلك من شخصيتهما؛ فإن أندروماك وهوراس والسيد وكل ما في هاته الروايات من الأشخاص لا يحيي أمامنا نفسا رومانية واحدة، كلا بل ولا نفسا معينة ولكنه يظهر الأفكار التي كانت تجول برأس راسين أو كورني، والعواطف التي كانت تهز قلب أيهما، وموجات الإحساس التي كانت تمر بخيال الواحد أو الآخر منهما؛ لذلك نقول إنهما لم يظهرا على المرسح شخصا واحدا أيا كان معين الصفات، محدد تموجات النفس يقول ما يدفعه إليه مركزه وعواطفه، بل أظهرا أصواتا تنادي بما كان يجول بصدر هذين الشاعرين العظيمين.

حين نقرأ شكسبير نرى أمامنا أشخاصا ذوي حياة يسيرون يروحون ويجيئون، ويتكلم كل كما يتكلم في الحياة، ذلك أيضا ما نجده في موليير، وهو كذلك إحدى الصفات المميزة للافونتين، ولكنك لا تجده مطلقا في أشخاص راسين وكورني، وإنما تلمح أفكارا أو عواطف تمشي على المرسح وكلها المنطق الدقيق التحليل النفساني الذي لا يمكن وجوده في الحياة وإنما يوجد في رأس المفكر أو الشاعر ساعة يجلس في غرفته مسندا جبهته بيده مستعدا للكتابة.

ولكنهم جاءوا بهذه الأفكار والعواطف في لغة وقالب من أجمل ما يكون؛ لذلك فما كتبوا خالد يقرأه ابن اليوم ويقرأه أبناء المستقبل بنفس اللذة التي كان يقرأه ويسمعه بها أهل القرن السابع عشر وما بعده، لغة جمعت مع السهولة موسيقى شعرية تصل إلى النفس وتأخذ بالقلب وتهز الجوانح، تقرأها فتسحرك عن نفسك وتبقى مأخوذا بها كما يأخذك إليها فلسفة أفلاطون أو نقوش رفائيل.

অজানা পৃষ্ঠা