الفصل الثالث
تعارف جديد - قصة الممثل المتجول - إزعاج غير مستحب ... ولقاء ثقيل الظل. ***
شعر المستر بكويك بشيء من القلق لغياب صديقيه على غير المألوف منهما، ولم يكن تصرفهما الغريب خلال الصباح كله مخففا من مخاوفه، فلا غرو إذا هو قد نهض بسرور غير عادي لاستقبالهما حين عادا يدخلان عليه، وأنشأ بشوق أكثر من المألوف يسألهما عما جرى، ويستفسرهما عن سر غيابهما، وهم المستر سنودجراس للرد على هذه الأسئلة، بأن يدلي ببيان تاريخي عن الظروف التي قصصناها الآن عليك، ولكنه أمسك فجأة؛ إذ لاحظ أن هناك بجانب المستر طبمن ورفيقهم في الحافلة أمس غريبا آخر، لا يقل مظهره عنهما غرابة؛ رجلا تبدو الهموم عليه، ويلوح وجهه الشاحب، وعيناه الغائرتان، أغرب وأعجب مما صنعتهما الطبيعة، بشعره الأسود المعتدل المنحدر في اضطراب، وتلبد نصف الطريق إلى وجهه، وكانت عيناه براقتين نفاذتين إلى حد يكاد يكون غير طبيعي، وعظما خديه ناتئين مرتفعين، وفكاه من فرط طولهما وتحولهما، حتى ليظن الرائي أنه يسحب لحم وجهه إلى الداخل لحظة تقليص عضلاته، لو لم يعلن فمه المفتوح نصف فتحة، وتقاطيع سحنته الثابتة الجامدة، أن الأمر طبيعي لا اصطناع فيه، وقد أحاط عنقه بلفاعة خضراء، تدلت أطرافها الواسعة متراخية فوق صدره، وبادية من لحظة إلى أخرى تحت عرى صداره القديم، وكان الجزء الأعلى من ثوبه سترة طويلة سوداء سابغة، وقد ارتدى من تحتها سراويل فضفاضة، وانتعل حذاء كبيرا يسارع إلى البلى.
وما لبثت عين المستر ونكل أن استقرت على هذا الرجل الأشعث الأغبر، بينما مد المستر بكوك يده نحوه وهو يقول: «صديق لصديقنا الذي معنا هنا، وقد عرفنا صباح اليوم أن لصديقنا علاقة بالمسرح في هذه المدينة، وإن كان لا يحب أن يعرف ذلك عنه، وأن هذا السيد أحد الزملاء في المهنة، وكان يهم بأن يطرفنا بحكاية قصيرة تتصل بها حين دخلت ...»
وقال الغريب ذو السترة الخضراء، الذي لقيه الجمع في اليوم السابق وهو يتقدم إلى المستر ونكل، ويتحدث بصوت منخفض، كأنه يكاشفه بسر من الأسرار، بل بحكايات وحكايات: «رجل مدهش ... يؤدي عملا شاقا ... في هذه المهنة ... ليس ممثلا ... رجل غريب ... عرك مختلف المهن والخطوب ... ونحن ندعوه في نادينا جيمي التعس.»
وحيا المستر ونكل والمستر سنودجراس الرجل الملقب «بالتعس» في أدب، وطلبا شرابا من البراندي والماء، وانثنيا يقتديان بالآخرين، فجلسا إلى المنضدة.
وقال المستر بكوك: «والآن يا سيدي هلا تكرمت علينا بقص ما كنت تهم بأن ترويه لنا؟»
وعندئذ أخرج الرجل «التعس» من جيبه لفة قذرة من الأوراق، واستدار نحو المستر سنودجراس، وكان هذا قد أخرج «كناشته»، فقال بصوت أجوف يلائم مظهره كل الملاءمة: «هل أنت الشاعر؟»
فأجاب المستر سنودجراس، مأخوذا إلى حد ما بهذا السؤال المباغت: «إنني أقوم بشيء يسير في هذا الباب.»
قال: «آه ... إن الشعر يصنع بالحياة ما تصنع الأضواء والأنغام بالمسرح، فإن أنت جردت أحدهما من بهارجه ومحسناته، وأزلت من الآخر الأوهام والخدع المحيطة به، فما الذي يبقى حقها فيهما يستحق أن يحيا المرء له أو يعنى به؟»
অজানা পৃষ্ঠা