মুধাক্কিরাত পিকউইক

কাব্বাস হাফিজ d. 1378 AH
169

মুধাক্কিরাত পিকউইক

مذكرات بكوك

জনগুলি

وإذا الباب يفتح فجأة في جلبة شديدة، ويدخل جمع من الناس مهرولين، وهم يتصايحون أن أمسكوا المجنون.

لقد كشف سري، وأصبح نضالي الآن في سبيل شيء واحد، وهو الحرية والفكاك، واستويت على ساقي قبل أن تصل يد إلي، وألقيت بنفسي في وسط المهاجمين، وشققت بينهم طريقي بذراعي القوية، كأني كنت أحمل فاسا في يدي وأجندلهم به من أمامي صرعى مضرجين، وبلغت الباب، ونزلت السلم مسرعا، وفي لحظة واحدة احتواني الطريق.

وعدوت لا ألوي على شيء، فلم يجرؤ أحد على إيقافي، وسمعت وقع أقدام من خلفي فضاعفت سرعتي، فلم يلبث وقعها أن وهن وخفت من بعيد، ثم تلاشى بددا، ولكني طفقت أعدو مخترقا مستنقعا، عابرا جدولا، متخطيا سياجا، قافزا فوق جدار، في صيحة موحشة زادتها وحشة الصيحات المنبعثة من المخلوقات الغريبة التي تزاحمت حولي من كل ناحية، حتى راحت صيحاتنا مجتمعة تشق أجواز الفضاء. لقد كنت محمولا على أذرع شياطين تمرق في الهواء كالريح، وتدك كل جسر وسياج يعترضها دكا، وتلف بي لفا، في حفيف وسرعة جعلتا رأسي يموج موجا، إلى أن طرحتني أخيرا عنها بهزة عنيفة، فسقطت على الأرض في رجة «أليمة»، وحين أفقت وجدتني هنا ... هنا في هذا المحبس الانفرادي المظلم الذي قلما تدخله أشعة الشمس، ويتسلل القمر إليه، فلا يضيء إلا ليريني الظلال والأشباح السود الحوامة من حولي، وذلك النهج الصامت القائم على ذلك الركن المعهود، وكلما رقدت يقظان ساهرا، سمعت أحيانا صرخات غريبة، وصيحات منبعثة من بعيد في هذا المكان الرحيب، أما ما هي تلك الصيحات فلست أدري، وإنما كل ما أدريه أنها ليست آتية من ذلك الشبح الناحب الماثل في ذلك الركن، ولا هو بعابئ بها ولا مكترث؛ لأنه من أول خيوط الغسق إلى مطالع ضياء النهار لا يزال قائما، ثم جامدا لا حراك به يستمع إلى أنغام سلاسلي الحديدية، ويرقب وثباتي وقفزاتي فوق فراشي الخشن.

وقد وردت في ذيل هذا المخطوط المذكرة التالية بخط آخر: «لقد كان الرجل المنكود الذي دون هذيانه فيما سلف مثالا محزنا لعقبى القوى التي تتجه اتجاها سيئا في الشباب، ونتيجة سوأى أليمة للإفراط المتمادي، حتى يصبح إصلاحها متعذرا، فإن الإسراف في غير روية، والتناهي في الملذات بغير تفكير، والإباحية التي استبدت بأيام شبابه، جعلته محموما هاذيا مخرفا، كانت آثارها الأولى ذلك الوهم الغريب المبني على نظرية معروفة في عالم الطب، يؤيدها فريق من أهله، ويعارضها الفريق الآخر، وهي أن الجنون وراثي في الأسرة، فإن هذا الوهم الغريب أحدث لديه وجوما مستمرا تطور مع الأيام إلى جنون سوداوي، ثم انتهى أخيرا إلى جنون هاذ صاخب، وقد توافرت عدة أسباب تحمل على الاعتقاد بأن الحوادث التي رواها، وإن جاء وصفها مشوها بفعل خياله المريض، قد وقعت حقا، ومن العجيب للذين عرفوا مساوئ شبابه، وأدركوا طرفا من أخبار مفاسد حداثته، كيف لم تؤد به انفعالاته الثائرة - حين لم يعد للعقل سلطان عليها - إلى ارتكاب أفعال أكثر مما ارتكب هولا ورهبا.»

وكان مصباح المستر بكوك قد أوشك أن يخبو ضياؤه، حين انتهى من قراءة ذلك المخطوط الذي تلقاه من القسيس الشيخ، فلما انطفأ النور فجأة، دون رفيف سابق من ذبالته على سبيل الإنذار، أحس برجفة شديدة تسري في كيانه المضطرب، فأسرع في خلع ما كان قد ارتداه من الثياب عندما نهض من مرقده، وأقضه المضجع من السهد، ثم ألقى نظرة خوف حوله، وبادر في عجلة إلى التسلل تحت الأغطية، ولم يلبث أن راح في سبات عميق.

وكانت الشمس ساطعة في غرفته حين استيقظ، والصباح بدأ يدنو من الضحى، وكانت الكآبة التي استولت عليه وأرهقته في الليلة الماضية، قد تلاشت مع الظلال القاتمة التي كانت تكتنف المشهد المترامي من حوله، فأشرقت أفكاره وأحاسيسه إشراق الصباح ذاته، وما إن تناول الصحاب الأربعة فطورهم بشهية وإقبال، حتى انطلقوا سعيا على الأقدام صوب «جريفسند»، يتبعهم رجلا حاملا الحجر في صندوقه الخشبي، فوصلوا إليها حوالي الواحدة بعد الظهر - وكانوا قد أمروا بأن ترسل أمتعتهم من روشستر إلى لندن رأسا - ووجدوا لحسن الحظ أماكن لهم خارج مركبة حافلة، فدخلوا لندن في أصيل اليوم ذاته مشرقي النفوس، خفاف الأرواح، معافين.

وشغلتهم الاستعدادات التي كان لا بد من تدبيرها للرحلة التي اعتزموها إلى دائرة «إيتنزول» الانتخابية، طيلة الأيام الثلاثة الأولى أو الأربعة، ويقتضي الحديث عن هذه الرحلة الخطيرة فصلا قائما بذاته، فلا يسعنا إلا أن نخصص بقية هذا الفصل لنقص عليك فيه بإيجاز كبير تاريخ ذلك الكشف الأثري، وختام قصته.

والظاهر من محاضر النادي أن المستر بكوك ألقى محاضرة عنه في جمعية عامة، عقدت في مساء اليوم التالي لعودتهم، وتناول في المحاضرة طائفة من التفسيرات الطريفة، والتعليلات والنظريات البارعة، في معنى تلك النقوش ومرادها، كما يظهر أن رساما حاذقا تولى رسم ذلك الحجر الغريب بكل معالمه ودقائقه في أمانة وإتقان، وأن هذا الرسم طبع على الحجر، وقدمت نسخ منه إلى جمعية الآثار الملكية وغيرها من الهيئات العلمية، وأن الحسد والغيرة بمختلف أعراضهما ومظاهرهما المتعددة دبا في نفوس المنافسين؛ فذهبوا في الجدل حول موضوع الحجر كل المذاهب، وأن المستر بكوك نفسه كتب «رسالة» في ست وتسعين صفحة بالخط الدقيق، وساق سبعة وعشرين تعليلا مختلفا لمعنى تلك النقوش، والمراد منها، وأن ثلاثة سادات كبار السن حرموا أكبر أولادهم من الميراث، وقطعوا منه نصيبهم لافتراضهم الشك في صحة ذلك الأثر، وأن شخصا آخر اشتدت الحماسة به فقطع رقبته منتحرا قبل الأوان؛ يأسا من عجزه عن استقصاء معانيه، وأن المستر بكوك عين عضوا فخريا في سبع عشرة جمعية، بين أهلية وأجنبية؛ عرفانا بفضل اكتشافه، وأن هذه الجمعيات السبع عشرة لم تهتد واحدة منها إلى شيء بسبيله، ولكنها كانت جميعا متفقة على أنه كشف نادر خارق للمألوف حقا.

غير أن المستر «بلوتن» الذي يستهدف اسمه حتما لاحتقار أبدي من جانب المولعين بكل غريب، ورفيع وجليل، نقول: إن المستر بلوتن راح بذلك الشك، وتلك المكابرة، اللذين عرفا عن العامة وأصحاب العقول السوقية، يذهب في تأويل هذا الكشف مذهبا يحط من القدر، ويثير الضحك والسخرية، فقد أراد أن يطفئ بريق اسم «بكوك» الخالد، فقصد إلى «كوبهام» بنفسه، وعاد فألقى في النادي خطابا يقول فيه ساخرا متهكما: إنه اجتمع بالرجل الذي اشترى ذلك الحجر منه، وإنه يظن أن الحجر قديم، ولكنه نفى قطعا أن النقش الظاهر عليه أثري؛ لأنه هو الذي نقشه بنفسه في بعض أوقات فراغه، وأن تلك الحروف لا يراد بها أكثر ولا أقل من شيء واحد، وهو تكوين اسمه منها، فهو يدعى «بيل سطمبس» - هذه علامته - وأن المستر سطبمس لم يكن قد اعتاد الإنشاء، وإنما كل ما يسترشد به في نقش الحروف والكلمات هو «أصواتها» أكثر مما يستهدي بقواعد الكتابة والتشكيل ذاتها، ولهذا نسي اللام الأخرى من اسمه الأول.

وقد تلقى نادي بكوك - كما ينتظر من معهد مستنير مثله - هذا القول بما يستحقه من الاحتقار، وقرر فصل «بلوتن» - الجريء في دعواه، الضعيف السيئ الحال - من عضويته، وإهداء المستر بكوك منظارا ذهبيا رمزا لثقة النادي به، وموافقته على ما صرح به، فلم يكن من المستر بكوك في الرد على هذا العرفان إلا أن عهد إلى رسام برسم صورة زيتية له لتعليقها في قاعة النادي.

অজানা পৃষ্ঠা