والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبة
فوصل إلى رتبته من طريق مجلس المديرية، وعرف كيف يظهر على صفحات جريدة الأهرام «باللت والعجن» وأخيرا بالدخول في غمار «ليحي الاستقلال».
ابتدأت حياته السياسية «بلا رئيس إلا سعد» ثم تحول قليلا إلى صيحته «عدلي فوق الجميع» ثم ظهر في خطبته بعد ذلك أن لا حياة إلا لثروت، وهناك وقف؛ لأن «التالتة تابتة» والله أعلم أن المسألة ستنتهي على ما يرى نظري القصير «بلا رئيس إلا ما تقتضيه الأحوال».
ركب معي من بار اللواء، وقد كان خارجا من إدارة الأهرام بعد أن «تمطع» طبعا، وسخ الجمهور مقالة من أفكاره «وربنا يسامح داود بك بركات» قال لي بصوته الرنان الذي يصلح لترتيل سورة الكهف يوم الأحد. - فاضي يا عربجي، سوق على بيت سعد باشا، وسكت هنيهة ثم نظر إلي بتأن وقال: بسرعة ألا مفيش وقت. فلهلبت الخيل، وفي أقل من لمح البصر كنت أمام بيت الأمة، نزل البيك بدون أن يدفع الأجرة، وانتظرت وأنا - وهنا يحلو الحديث والمسامرة - ومرت ساعة بدون أن يخرج فضيلته، وضاع مني زبائن كثيرة، وأخيرا طلبت بواسطة أحد الخدم أجرتي لأنصرف على الأقل، فأخبرني أن أحمد بك ليس له أثر في بيت الأمة، كيف خرج؟ بل كيف زاغ؟ هذا ما لا أدريه بالرغم من أني لم أنم مع وجود عربجي الدكتور محجوب نائما بجانبي؛ لأنه - على ما قاله لي - أوصل سيده متأخرا ليلة البارحة، وأخيرا خرج فراش معالي الرئيس، ودفع الأجرة أكثر مما أستحق، وهكذا كان بيت الأمة يدفع من مال الأمة «لجدعان» القضية الوطنية حتى أجرة عرباتهم.
تصادف بعد ذلك أنني أركبته مرارا بعد ذلك، وأذكر من أطيبها موقفا أيام كان الخلاف بين معالي سعد باشا ودولة عدلي باشا وأحمد بك معروف حتى في دوائرنا نحن أنه سعدي صميم.
ناداني في ميدان الأوبرا، وقد كان ساهما مفكرا، وقال لي بصوته الرخيم: سوق على بيت سعد باشا، لا يا أسطى بيت عدلي باشا، أيوه أنا قلت لك سعد باشا.
فظننت، ولست من أولياء الله، أنه يريد بيت الأمة، ولم أعلم أنه يستفهم مني بسؤاله الأخير، فما وقفت أمام بيت سعد باشا إلا وأحمد بك قد رفع الكبوت، وهو يقول بصوت واطي ولكن بحدة: يا ابني ... أنا قلت لك بيت عدلي باشا مش سعد باشا، سوق بلاش فضيحة، الله يفضحك يا غبي، فسرت وأنا أضحك في سري، أضحك؛ لأن وجود هذه الشخصيات الجوفاء على مسرح السياسة في كل أمة لازم لتفريج الهم عند نزول الضيق:
وإذا كانت النفوس كبارا ... ... ... ... «وكمل يا أحمد بك».
وصلنا إلى منزل دولة عدلي باشا، وأخذت الأجرة بطلوع الروح؛ لأنه أراد أن أنتظر، وتشبثت بعدم الانتظار، «فكع» التوصيلة بكل هدوء؛ لأن قصر الدوبارة ليس كشارع عماد الدين، وكما أن هناك أحياء مباح فيها الصريخ والعويل، فهناك أحياء لا يجوز فيها حتى الهمس، وأحمد بك زكي ونبيه يعرف كيف يتخلص.
অজানা পৃষ্ঠা