هذه المذكرات
النشأة الأولى
الحياة العملية
الحياة المثالية
ذكرياتي عن ثورة 1919
زوجتي
بين السياسة والاقتصاد
الحياة النيابية
في المعارضة البرلمانية
صدمة سنة 1926
অজানা পৃষ্ঠা
كيف أرخت الحركة القومية؟
الأمير عمر طوسون
سكرتيريتي للحزب الوطني
الجبهة الوطنية
استجوابي عن المعتقلين السياسيين
استجوابي عن الأهداف القومية
منع تملك الأجانب الأراضي الزراعية والعقارات
عندما دخلت الوزارة
إخراجي من مجلس الشيوخ
مذهبي السياسي
অজানা পৃষ্ঠা
اعترافاتي1
نصائحي للشباب
هذه المذكرات
النشأة الأولى
الحياة العملية
الحياة المثالية
ذكرياتي عن ثورة 1919
زوجتي
بين السياسة والاقتصاد
الحياة النيابية
অজানা পৃষ্ঠা
في المعارضة البرلمانية
صدمة سنة 1926
كيف أرخت الحركة القومية؟
الأمير عمر طوسون
سكرتيريتي للحزب الوطني
الجبهة الوطنية
استجوابي عن المعتقلين السياسيين
استجوابي عن الأهداف القومية
منع تملك الأجانب الأراضي الزراعية والعقارات
عندما دخلت الوزارة
অজানা পৃষ্ঠা
إخراجي من مجلس الشيوخ
مذهبي السياسي
اعترافاتي1
نصائحي للشباب
مذكراتي 1889-1951
مذكراتي 1889-1951
تأليف
عبد الرحمن الرافعي
هذه المذكرات
كنت معتزما أن أخصص فصلا من كتاب «في أعقاب الثورة المصرية» لتدوين خواطري ومذكراتي، أتحدث فيها بشيء من التفصيل عن نفسي، ومراحل حياتي؛ ثم وجدت أن هذا الفصل قد يطول، وليس من حقي وأنا أؤرخ الحركة القومية في مختلف عهودها الحديثة أن أقحم فيها حديثا طويلا عن نفسي. هذا حق لا ريب فيه، ولكن أليس لي - بعد أن ترجمت لمئات من الشخصيات في تلك الحقبة من الزمن التي أرختها والتي تزيد على مائة وخمسين عاما من تاريخ مصر الحديث - أن أترجم لنفسي؟ لقد عمل المتقدمون مثل ذلك؛ ففي «الخطط التوفيقية» فصل كتبه المرحوم علي باشا مبارك عن تاريخ نفسه، ولم يوجه إليه لوم أو عتاب في هذا الصدد. حقا إن من أشق الأمور على الإنسان أن يترجم لنفسه؛ فقد يحمل هذا على محل المباهاة والأنانية. ولكني ما قصدت إلى شيء من ذلك قط، وإنما أقصد إلى أن مثل هذه المذكرات فيها من الحقائق والخواطر ما لا تتسع له كتب التاريخ. وهي مع ذلك قد تفيد لمن يريد أن يتفهم العصر الذي عشت فيه وشاهدت حوادثه وحقائقه. ثم إني أرى أن نشرها قد يكون مساهمة مني في تكوين المواطن الصالح. ربما أكون مصيبا في هذا الظن أو مخطئا ولكن هذا هو الغرض الذي أنشده.
অজানা পৃষ্ঠা
لهذا القصد، وبهذه الروح، أنشر هذه المذكرات، وقد دونت فصولها، بعضها في حينها وبعضها بعد وقوع حوادثها، وهي في مجموعها تشتمل على مشاهداتي وخواطري حتى نهاية العام الماضي (1951).
أما المستقبل فلا يعلمه إلا علام الغيوب، وخواطري ومشاهداتي عنه مرهونة بمشيئة الله.
عبد الرحمن الرافعي
أول فبراير سنة 1952
النشأة الأولى
ولدت يوم 8 فبراير سنة 1889 بالقاهرة بمنزل جدي لأمي المرحوم الشيخ محمود رضوان، بعطفة أبو داود رقم 2 بشارع درب الحصر (قسم الخليفة). (1) والدتي
هي السيدة حميدة، كريمة الشيخ محمود رضوان، من صميم أهل القاهرة، كان كاتبا بدائرة الحلمية،
1
وقد خدم رحمه الله هذه الدائرة وكان موضع ثقة القائمين عليها لصدقه وأمانته. وعندما أنشأت الأميرة مهوش قادن وقفها أدخلته ضمن مستحقيه، هو وذريته من بعده. ولما توفي خلفه في وظيفته نجله حسن أفندي المعايرجي (خالي) الذي صار رئيسا لكتبة هذه الدائرة، وكان أيضا رجلا مشهورا بالتقوى والصدق والأمانة، وسمي المعايرجي؛ لأن جده الشيخ رضوان أحمد كان يشغل وظيفة معايرجي دار الضرب بالقلعة.
فوالدتي مصرية صميمة، وقد توفيت في 21 يوليو سنة 1893 غير متجاوزة الخامسة والثلاثين من العمر، إثر التهاب رحمي بريتوني أصابها عقب الولادة، وكنت لا أزال طفلا؛ إذ كانت سني لا تزيد على أربع سنوات وبضعة أشهر.
অজানা পৃষ্ঠা
إخوتي الأشقاء.
وبالرغم من صغر سني إذ ذاك فإني أذكر صورتها جيدا، وأذكر حنانها علي وعلى إخوتي الأشقاء أمين وأحمد وإبراهيم. وكانت سيدة كاملة الصفات والأخلاق، عرفت بين أفراد العائلة بطيبة القلب، وصفاء النفس، والخصال الحميدة. وقد عشت بعدها يتيما من الأم، ولم أجد بعدها من يحبوني بحنو الأمومة. ولا أدري ماذا كان تأثير حرماني من هذا الحنو في نشأتي ونفسيتي وحياتي. على أن الذي أستطيع أن أدركه من هذا الأثر أني ظللت على حبي لها وتمجيدي لذكراها طوال السنين، وتملكني مع الزمن شعور بأني مدين لها بما حباني الله من مواهب (بحسب ظني). وزاد هذا الشعور رسوخا في نفسي ما لاحظت من اجتماع هذه المزايا في إخوتي لأمي؛ فمنهم شقيقي أحمد، ثم شقيقي أمين الذي كان يكبرني بسنتين، ثم شقيقي الأصغر إبراهيم.
كان أخي أحمد قد انتظم في الأزهر، وعرف بالذكاء والميل إلى الشعر والأدب، ومات في شرخ الشباب سنة 1903.
أما أخي أمين فلست في حاجة إلى التنويه بمنزلته في الجهاد ومكانته في الصحافة، وقد توفاه الله في 29 ديسمبر سنة 1927 في سن مبكرة؛ إذ لم يتجاوز الحادية والأربعين من العمر.
وكان إبراهيم من نوابغ مدرسة المهندسخانة وأول خريجيها عام 1913. وقد حدثني زملاؤه في التلمذة والتخرج أنه كان مشهودا له بينهم بالنبوغ والتفوق، وقد عين معيدا في المدرسة عام تخرجه منها. وعندي منه خطابات تدل على ميله إلى الأدب منذ صباه؛ ومنها كتاب أرسله إلي في 9 أبريل سنة 1910 وهو بعد طالب بالمهندسخانة لمناسبة اشتغالي بالمحاماة قال فيه:
أخي العزيز، سلام يتبعه تسليم، مزاجه من تسنيم. مضت مدة ليست بالقصيرة كنت أستطلع فيها أخبارك من السيد أمين، فكنت أبتهج كلما علمت أنك سائر في طريق النجاح غير هياب ولا وجل، مع العلم بأن كثيرا ممن سلكوا سبيلكم هذا ما عتموا أن طرقوا بابه حتى ولوا على أعقابهم مدبرين، فأساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى غيرهم؛ لأن كل من وصله خبرهم اتخذهم حجة دامغة وتقاعد بل تقاعس هو عن العمل، فيصبح الكل وهم عضو أبتر، عضو أشل في كيان هذه الأمة. ولكنك أيها الأخ قد ألقيت علي وعلى كثير من إخواني درسا من دروس المكافحة في هذه الحياة. فلتسر في حياتك الجديدة، ولتواصل المسير في تلك المعمعة، ولتستمر في تتميم ذلك البناء الذي وضعت أول حجر في أساسه من مدة وجيزة، ولتكن على يقين من أنك ستحيي ميت رجاء كثير من الطلبة الذين استولى عليهم القنوط وظنوا أن أبواب الفوز والنجاح موصدة في وجوههم مغلقة دونهم، ولكنك بإذن الله سبحانه وتعالى ستكون حجة على هؤلاء المتقاعدين فيحذون حذوك، فيكون لك بذلك كمال الشرف وشرف الكمال. فعليك مني السلام يوم دخلت في ذلك الدور الجديد من الحياة، وسلام عليك يوم تخرج منه وقد كللت أعمالك بالفوز والمنفعة لبلادنا المفتقرة إلى كثير ممن لا يبالون بما يصادفهم من العثرات، بل يمرون عليها وهم شم الأنوف كأن لم تكن تلك الحوائل شيئا مذكورا. والسلام.
من المخلص
أخيك إبراهيم
ويبدو لي أن مستقبلا زاهرا كان ينتظر أخي إبراهيم لولا أن عاجلته منيته وهو في ريعان الشباب؛ فقد عين رحمه الله مهندسا للري بمديرية الفيوم ومحل إقامته في «طامية»، وأصيب هناك بحمى التيفوئيد التي قضت على شبابه في يوليو 1915. (2) والدي
هو الشيخ عبد اللطيف الرافعي. ويرجع أصله البعيد إلى الحجاز؛ إذ هو من سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولذلك سمي الفاروقي. وهو من علماء الأزهر. تولى مناصب القضاء الشرعي منذ سنة 1877. وكان حين ولادتي قاضيا لمحكمة البحيرة الشرعية. ونقل قاضيا للشرقية في يونيو سنة 1889، ثم قاضيا للغربية في سبتمبر سنة 1891، فقاضيا للشرقية سنة 1895، فعضوا بمحكمة مصر الشرعية سنة 1897، فمفتيا لثغر الإسكندرية سنة 1898، وبقي يتولى هذا المنصب إلى أن أحيل إلى المعاش في ديسمبر سنة 1909، واستقر بالإسكندرية منذ تعيينه مفتيا لها ومكث بها بعد إحالته على المعاش، ولما مرض مرضه الأخير انتقل إلى القاهرة حيث توفي بها في 24 يناير سنة 1918.
অজানা পৃষ্ঠা
كان رحمه الله عالما تقيا، تلقيت عنه نشأتي الدينية؛ فكان يعودني وإخوتي على الصلوات الخمس نؤديها في أوقاتها، ويرتل القرآن بحضورنا، ويأمرنا بالصلاة في المسجد أحيانا. وأذكر أنه كان يوقظني قبل الفجر لأؤدي معه الصلاة في مسجد سيدي ياقوت العرش بالإسكندرية وكان قريبا من منزلنا بالأنفوشي، وأعود معه إلى المنزل بعد أداء الصلاة. وتعودت الصوم على يده في سن مبكرة، وكنت أراه أمرا عاديا ومألوفا. وكان رحمه الله يعظنا ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويحبب إلينا التمسك بشعائر الدين وتعاليمه. وكنت من ناحيتي مرهف الحس من الوجهة الدينية الروحية، أفهم من هذه الشعائر والتعاليم أنها اتجاه من النفس إلى الله، واستشعار بالخشوع له والعمل على اكتساب رضاه، واطمئنان إلى عدله وقدرته، وركون في أوقات الشدة إلى لطفه ورحمته. وهذه الأحاسيس كان لها دخل كبير في تكويني الروحي، وفي حياتي الوطنية؛ لأنني كنت ولا أزال أرى في الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه القوة الروحية التي تعود النفس الصمود للشدائد والعقبات. (3) في التعليم الأولي والابتدائي
كان أول مكتب تلقيت فيه القراءة والكتابة كتاب الشيخ هلال
2
بشارع درب الحصر، ومكثت به عدة أشهر، ثم انتقلت منه إلى المدارس النظامية.
وصرت أتنقل مع والدي في البلاد التي ولي فيها مناصب القضاء؛ فدخلت مدرسة الزقازيق الابتدائية الأميرية سنة 1895، ثم مدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة، ولما انتقل والدي إلى الإسكندرية سنة 1898 انتقلت إلى مدرسة «رأس التين» الابتدائية.
قضيت بالإسكندرية معظم سني الدراسة، وتلقيت فيها تعليمي الابتدائي والثانوي بمدرسة «رأس التين»، وكانت من أهم مدارس القطر، وكان ناظرها طيلة هذه المدة المرحوم إسماعيل بك حسنين «باشا».
ونلت فيها الشهادة الابتدائية في يوليو سنة 1901،
3
وكنت لصغر سني لا أفقه كثيرا معنى الشهادات. وأذكر أن أحد أقراني بالمدرسة حين علم بالنبأ - وكنت أجهله - سارع إلى الحضور لمنزل والدي بالأنفوشي
4
অজানা পৃষ্ঠা
ليبشرني بالنجاح، فألفاني في حديقة المنزل الصغيرة يجرني أخي أمين في قفص من الجريد جعلنا منه شبه عربة صغيرة نتناوب ركوبها وجرها بحبل، فناداني في لهفة، فتركت القفص أسأله عن الخبر، فهنأني بالنجاح وأطلعني على نسخة اللواء التي فيها اسمي ضمن الناجحين في الشهادة الابتدائية، فضحكت مغتبطا ثم عدت إلى قفص الجريد لنتم أنا وأخي أمين عملية الجر واللعب، وكان هو أيضا من الناجحين في هذا العام. (4) في التعليم الثانوي
لم أكن - إلى أن نلت الشهادة الابتدائية - أعي من أمور الدنيا شيئا ذا بال، وكان جل اهتمامي أن أواظب على دروسي وأستذكرها وأحفظ ما يطلب من التلميذ حفظه.
دخلت القسم الثانوي (قسم فرنسي) بمدرسة رأس التين، ومكثت به ثلاث سنوات وهي مدة الدراسة الثانوية في ذلك العهد. وكنت في معظم سني الدراسة الثانوية لا أعي أيضا شيئا من الشئون العامة ولا أعرف غير منزل والدي ومدرستي.
وكنت أتردد قليلا على مكتبة بلدية الإسكندرية ؛ إذ كان أساتذتنا يذكرونها لنا كمكان يصح أن نقضي فيه أوقات الفراغ والتسلية ...
إلى أن كانت سنة 1904، فبدأت أذهب إلى قهوة بلدية أنيقة بشارع رأس التين تجاه سراي محسن باشا، وكنا نذهب إليها يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان صاحبها «الحاج أحمد» يقدم لنا شراب الليمون (الليموناده) ويتقنه كل الإتقان حتى صار علما على قهوته، ويطلعنا على بعض الصحف اليومية التي كانت تصدر في هذا العهد، ومنها «اللواء» لصاحبه ومؤسسه الزعيم «مصطفى كامل»، ولكن لم أتبين بعد منهجه ولا منهج الصحف الأخرى. ولم تكن في ذهني أية صورة عن «مصطفى كامل»؛ إذ لم أكن رأيته بعد أو سمعته، وكنت وقتئذ في الخامسة عشرة من عمري، على أنني أدركت من قراءة الصحف وقتئذ شيئا من الوعي الذي أخذ يتفتح ويتسع مداه في مدرسة الحقوق. وكنت أسمع أثناء دراستي الثانوية من أستاذ لنا في الرياضة وهو المرحوم عثمان بك لبيب، أحاديث يلقيها علينا بين حين وآخر عن حالة البلاد السياسية، وكان رحمه الله من خريجي مدرسة المعلمين العليا القديمة (النورمال) وصار فيما بعد مدرسا بمدرسة المعلمين العليا الحديثة، وكان وطنيا صميما، لا يفتأ يطعن في سياسة الإنجليز ويذكر لنا كيف احتلوا مصر غدرا وحيلة، وكيف يعملون على إرساخ أقدامهم في البلاد ويحاربون الروح الوطنية، وكان يقول لنا خلال أحاديثه: «افهموا يا اولاد كويس»، فكنت أستشعر معاني هذه الأحاديث وآنس لها وأعجب بها، وأحببت من أجلها هذا الأستاذ. وكنت ألاحظ أنه حين يبدأ بالحديث في السياسة يقفل بنفسه باب الفصل لكيلا يسمع حديثه ناظر المدرسة عند مروره بين الفصول، فكان إقفال الباب إشارة إلى بدء دروسه الوطنية، وقد أفدت منها كثيرا.
وأذكر من أساتذتي في القسم الثانوي بمدرسة رأس التين الشيخ أحمد إبراهيم «بك» العالم الفقيه المشهور، والشيخ عرفة علي غراب، والشيخ محمد عابدين، والشيخ عبد الحكيم محمد، ومن أساتذتي الأجانب المسيو هاي والمسيو توندور وكلاهما فرنسي. (5) البكالوريا
وقد نلت الشهادة الثانوية (البكالوريا) من مدرسة رأس التين في مايو سنة 1904، وكان ترتيبي الثالث
5
في الناجحين البالغ عددهم 136. (6) أراد والدي أن يدخلني الأزهر
وأراد والدي أن يدخلني الأزهر، ولكني اعتذرت بصغر سني وبأني تعودت على المدارس النظامية ولم آلف نظام الدراسة في الأزهر؛ وإذ كنت أخجل من مراجعة والدي فقد وسطت لديه بعض الأقارب لإقناعه بالعدول عن فكرته، فأفهموه أن لا محل لتغيير منهجي في الدراسة، وما دام قد اختار هو لي المدارس النظامية فمن الخير أن أستمر فيها، وذكروا له ميلي إلى الدخول في مدرسة الحقوق ورغبوا إليه أن يلحقني بها. فقال لهم إنه يريد أن يجعلني عالما من علماء الأزهر كأبيه وعمومته، فأجابوه أن الزمن قد تطور وما دام هو لا يميل إلى الأزهر فلتختر له المدرسة التي يميل إليها. فقال: أتريدون أن يخرج منها قاضيا أهليا يحكم بغير الشرع؟! فأجابوه: هذه مسألة لا يحين وقت البحث فيها إلا بعد تخرجه من مدرسة الحقوق. وهل من المحتم أن يكون قاضيا؟! فلم يقتنع بهذا الجواب، وأراد أن يخلص من هذا الإحراج، فأعرب عن رغبته في أن يلحقني بإحدى الوظائف بالبكالوريا - وكانت لها قيمة كبيرة في ذلك العصر - فقالوا له: إنه لا يميل الآن إلى التوظف، وهو صغير السن ولا يصح أن يرهق بالوظيفة. فقال لهم: إني أختار له وظيفة «معاون إدارة» وهي وظيفة سهلة لا تحتاج إلى عناء. فعرضوا علي الأمر، فاعتذرت، وقلت لهم ولوالدي: إني صغير السن ولا أحتمل أعباء الوظيفة، وإن الدراسة لا تتعبني، فدعوني أدخل المدرسة التي تميل إليها نفسي. وإزاء هذا الإلحاح قبل والدي ما طلبت، وأدخلني مدرسة الحقوق. (7) في مدرسة الحقوق
অজানা পৃষ্ঠা
دخلت كلية الحقوق - وكان اسمها «مدرسة الحقوق الخديوية» - في أكتوبر سنة 1904، ومقرها وقتئذ بميدان عابدين في المكان الذي به الآن ثكنات الحرس الملكي، وكان ناظرها المسيو جرانمولان، ووكيلها عمر بك لطفي. واقتضى دخولي المدرسة انتقالي وإقامتي بالقاهرة في شهور الدراسة. (8) متى تتلمذت لمصطفى كامل؟ (سنة 1904)
بدأ وعيي السياسي يتقدم في مدرسة الحقوق، وأخذت في قراءة الصحف قراءة فهم وإدراك. وكان الطلبة يجتمعون في أوقات الفراغ ويتحدثون عن السياسة وما وصلت إليه حالة البلاد تحت الاحتلال البريطاني. واخترنا لقضاء أوقات الفراغ والسمر قهوة راقية بشارع عابدين على ملتقاه بشارع الصنافيري (علي باشا ذو الفقار الآن) تدعى «قهوة الحقوق» لصاحبها الخواجة أندريا، وقد أعجبنا اسم القهوة، واخترناها لذلك منتدى لنا نقرأ فيه الصحف على اختلاف ميولها ومذاهبها، وأهمها «اللواء» و«المؤيد» و«الأهرام».
انتقلت إذن من قهوة «الحاج أحمد» بالإسكندرية، إلى قهوة «الخواجة أندريا» بالقاهرة، وكان لهاتين القهوتين أثر كبير في اتجاهي الوطني والسياسي. وبدأت أقرأ اللواء قراءة فهم وإدراك، فتعجبني روحه ومقالاته، وقد تتلمذت لمصطفى كامل (صاحب اللواء) منذ أواخر تلك السنة قبل أن أراه، وصار لي «اللواء» بمثابة المدرسة التي تلقيت عنها مبادئ الوطنية، كما أنه كان مدرسة الوطنية للجيل كله.
أما أول مرة قابلت فيها «مصطفى كامل» ففي فبراير سنة 1906، أثناء إضراب طلبة الحقوق، فقد تاقت نفسي إلى رؤيته، وكان «اللواء» يناصر الطلبة في مطالبهم الحقة، فذهبت مع لفيف من زملائي إلى دار اللواء بشارع الدواوين - نوبار باشا الآن - تجاه وزارة العدل - وكان اسمها وزارة الحقانية. وقابلت الزعيم لأول مرة، وسمعت حديثه، وشعرت بتأثيره الروحي ينفذ إلى أعماق قلبي، وصار لي بمثابة أبي الروحي في المبادئ، وأكثرت من التردد على دار اللواء لكي أقابله وأراه وأسمع صوته، فكان يفيض علينا من الأحاديث التي غرست في نفسي مبادئ الوطنية، ولعله رحمه الله قد توسم في أن أكون من تلاميذه الحافظين لعهده، فعرض علي سنة 1907 أن يوفدني في بعثة صحفية إلى باريس للتخصص في الصحافة بعد حصولي على إجازة الحقوق، فقبلت هذه الثقة شاكرا، ولكن المنية عاجلته في فبراير سنة 1908 قبل تخرجي من المدرسة. (9) نادي المدارس العليا
كانت مدرسة الحقوق أول بيئة للشباب ظهرت فيها روح اليقظة الوطنية ولبت دعوة الزعيم مصطفى كامل؛ إذ كانت الغالبية العظمى من طلبة الحقوق قد استجابت إلى ندائه.
وإذ كان الشعور الوطني الصادق يستتبع النشاط الاجتماعي والعلمي؛ فقد ظهرت بيننا روح التكتل وتنظيم الكفاح، وكان تأسيس نادي المدارس العليا أول مظهر لهذه الروح، ولقد عبرت عن هذا التطور بقولي في كتاب «مصطفى كامل»: تفتحت في قلوب الشباب زهرة الوطنية التي أنبتتها دعوة مصطفى كامل وأخذت تجيش بالشعور الوطني وتتحرك نحو أغراضه وأهدافه، وبدأت علائم اليقظة والحياة تظهر فيهم بشكل عملي سنة 1905، وكان أول مظهر لهذه الحياة الجديدة أن فكر طائفة منهم في إنشاء ناد للمدارس العليا يجمع بين طلبة هذه المدارس وخريجيها.
فكر طلبة الحقوق في إنشاء هذا النادي سنة 1905 وشاركهم في الفكرة طلبة المدارس العليا الأخرى، واجتمعت أول جمعية عمومية له - الجمعية التأسيسية - يوم الجمعة 8 ديسمبر سنة 1905 بإحدى قاعات مدرسة الطب لانتخاب مجلس الإدارة. وبلغ عدد الحاضرين من الطلبة مائتي طالب من مختلف المدارس العليا، وحضره كذلك لفيف من المتخرجين، وكان اشتراكهم في ناد للطلبة دليلا واضحا على تقديرهم للشباب المثقف وما نالوه من ثقة أسلافهم من الخريجين؛ فإنهم لم يجدوا غضاضة في أن يجتمعوا وإياهم في ناد واحد. وفي الحق إنهم كانوا رجالا في شبابهم وأخلاقهم وأساليبهم، فنالوا بذلك تقدير مواطنيهم ممن كانوا يكبرونهم سنا، بل كان بعضهم أساتذة لهم.
اشتركت في الجمعية العمومية التأسيسية لنادي المدارس العليا؛ إذ كنت طالبا في مدرسة الحقوق ومن المشتركين في تأسيسه، وأسفرت عملية الانتخاب عن اختيار المرحوم عمر بك لطفي - وكان وكيلا لمدرسة الحقوق - رئيسا للنادي، وكان من خاصة أصدقاء مصطفى كامل وأنصاره هو وشقيقه المرحوم أحمد بك لطفي.
كملت معدات تأسيس النادي، واتخذ دارا له بالمنزل رقم 4 بشارع قصر النيل بالقرب من سافواي أوتيل القديمة، وافتتح يوم الخميس 5 أبريل سنة 1906. وقد حضرت حفلة الافتتاح مع إخواني المشتركين فيه من طلبة الحقوق. وكان هذا الاحتفال يوما مشهودا، وأخذنا نجتمع بالنادي؛ وبذلك انتقلنا من «قهوة الخواجة أندريا» إلى نادي المدارس العليا. وبدا لنا الفرق كبيرا بين القهوة والنادي؛ فلقد كان بناء فخما تحيط به حديقة غناء، وبه غرف واسعة مؤثثة تأثيثا فاخرا، الأمر الذي لم نعهده من قبل، لا في قهوة الخواجة أندريا، ولا في قهوة الحاج أحمد بالإسكندرية.
وكان اجتماعنا بالخريجين مما زاد في نضجنا العلمي والثقافي، وتعددت المحاضرات والاجتماعات في النادي، فكان لنا شبه معهد علمي عال أكملنا فيه دراستنا وزدنا من ثقافتنا، وقد أفدت منه كثيرا، وكانت به مكتبة غنية بالكتب والصحف والمجلات ساعدتني على توسيع مداركي وترقية أفكاري، ولم تفتني محاضرة ألقيت فيه، وظللت عضوا به إلى أن أقفل بأمر السلطة العسكرية البريطانية سنة 1914 في أوائل الحرب العالمية الأولى، وكان مقره حين أقفل بميدان حليم باشا بعمارة الخاصة الخديوية على ملتقى شارع بولاق «فؤاد» بشارع كامل «إبراهيم باشا». (10) إضراب سنة 1906
অজানা পৃষ্ঠা
كان لهذا الإضراب تأثير كبير في نفسي، يعدل تأثير نادي المدارس العليا؛ إذ كان بداية اتصالي الروحي الوثيق بالزعيم مصطفى كامل.
في يناير سنة 1906 وضعت وزارة المعارف نظاما لمدرسة الحقوق كان الغرض منه استفزاز شعور الطلبة والتضييق عليهم ومعاملتهم بنظام المدارس الابتدائية، وقد يكون لتظاهرهم بالشعور الوطني دخل في وضع هذا النظام إذلالا لهم وكبحا لجماحهم، فما إن علمنا به حتى قررنا الإضراب احتجاجا عليه. وأضربنا فعلا عن الدراسة في فبراير، وكانت طلباتنا العدول عن النظام الذي وضعته الوزارة والرجوع إلى النظام القديم.
لم يكن إضرابنا خروجا على النظام، ولا رغبة في التعطل عن الدراسة، أو التسكع في الشوارع، أو سعيا لمطالب مادية شخصية، بل كان مظهرا من مظاهر المقاومة الوطنية لسياسة الاحتلال في التعليم.
كان هذا الإضراب هو الأول من نوعه في مصر؛ لأنه شمل مدرسة عالية بأسرها، وكان موجها ضد سياسة التعليم التي وضعها الاحتلال، وقد تدخل اللورد كرومر (المعتمد البريطاني) في شأنه وأمر وزارة المعارف بأن تأخذ الطلبة بالشدة، فأعلنت تعطيل الدروس في المدرسة من يوم 26 فبراير سنة 1906 حتى يوم السبت 3 مارس، وأنذرتنا بأن من يتأخر عن الحضور في ذلك اليوم يفصل من سلك التلاميذ. وكان للإضراب لجنة تقوم على تنظيمه، فاجتمعت على عجل للنظر في هذا الإنذار. وتدخل المستشار القضائي البريطاني السير مالكولم ماكلريث في الأمر، وكان يعطف على الطلبة (بعكس المستر دنلوب) فوعدهم بالنظر في طلباتهم على شرط أن يعودوا إلى الدراسة، فاتفق الطلبة رأيا على الرجوع إلى المدرسة يوم السبت 3 مارس سنة 1906، وكان لهذه العودة أثرها في نفوسنا، وكان فيها معنى الرضوخ والإذعان، فزادتنا سخطا على الاحتلال وسياسته. وأراد اللورد كرومر تثبيت مركز المستر دنلوب - وكان إلى ذلك الحين سكرتيرا عاما لوزارة المعارف، وعليه تقع مسئولية الإخلال بنظام التعليم الذي أدى إلى الإضراب - فرقي مستشارا للوزارة في مارس سنة 1906 مكافأة له على أخذه الطلبة بالشدة.
وكتبت مقالة عن هذا الإضراب، ذهبت بها إلى مصطفى كامل يوم رجوعنا إلى الدراسة، وكانت لهجتها شديدة ضد الاحتلال، فقرأها الزعيم وأثنى علي، ولكن فهمت من حديثه أنه لا يرى نشرها، حرصا على مستقبلي، وكانت هذه المقالة (التي لم تنشر) بدء مراسلتي للصحف. (11) حادثة دنشواي سنة 1906
وقعت حادثة دنشواي في 13 يونيو سنة 1906، فزادتني سخطا على الاحتلال وتعلقا بالحركة الوطنية.
كنت عام وقوعها طالبا بالسنة الثانية بمدرسة الحقوق، وكنت أطالع أنباءها في «اللواء»، فأدهش لمخالفة منهج التحقيق والمحاكمة فيها لما كنا نتلقاه من أصول المحاكمات الجنائية التي تقضي بها القوانين، وتساءلت: ما فائدة ما نتلقاه من الدروس والقواعد القانونية إذا كانت لا تنطبق على الناس كافة. ولما تلوت وصف تنفيذ الحكم في «اللواء» بقلم الأستاذ أحمد حلمي أحد محرريه، اقشعر بدني من هول ما قرأت، وأدركت مبلغ هوان المصري في نظر الاحتلال، وتحققت ألا كرامة لأمة ولا لأي فرد من أبنائها بغير الاستقلال، وحفزتني هذه الحادثة إلى أن أخصص حياتي للجهاد في سبيل الاستقلال. (12) وفاة مصطفى كامل سنة 1908
كنت في السنة النهائية لمدرسة الحقوق لما فجعنا بوفاة مصطفى كامل يوم الاثنين 10 فبراير سنة 1908، ويا لها من لحظة رهيبة حين فوجئنا بنعيه ونحن في المدرسة، فقابلناه بالذهول والوجوم، وفاضت دموعنا حزنا وأسى على الزعيم الذي كان لنا إماما وطنيا وأبا روحيا. وفي غمرة الذهول الذي أصابنا من هول الكارثة تباحثنا فيما يجب علينا عمله إظهارا لشعورنا، فقررنا بالإجماع اعتبار يوم تشييع جنازة الزعيم يوم حداد عام تعطل فيه المدارس جميعها ويشترك طلبتها في تشييع الجنازة، واتصلنا بالمدارس العليا والثانوية، فرأينا من طلبتها نفس هذا الشعور ونفس هذا الإجماع، واتخذوا نفس القرار الذي اتخذناه، واشتركنا في الجنازة، وكنت ممن حملوا النعش ضمن طلبة الحقوق الذين ندبوا لذلك من قبل جميع طلبة المدارس العليا. وكان لهذا اليوم في نفسي أثر لم تمحه الأيام والأعوام؛ فلقد طبع في قلبي مبادئ الزعيم فصارت عقيدتي الوطنية. وإلى هذه الصلة الروحية أشرت في كتابي عن «مصطفى كامل» سنة 1939؛ إذ قلت في إهدائي الكتاب إليه: «إلى من كانت حياته للأمة بعثا وطنيا، من كان لي أبا روحيا، وسأبقى له تلميذا وفيا، من علمني أن الحياة بغير المثل العليا عرض زائل وعبث ضائع، إلى مصطفى كامل أهدي كتاب «مصطفى كامل» هدية الوفاء إلى روحه العظيمة.» (13) صلتي بمحمد فريد
إني إذ أعد نفسي تلميذا لمصطفى كامل، فإني كذلك تلميذ لمحمد فريد، بل إن صلتي بفريد كانت أطول مدى من صلتي بمصطفى؛ فإني لم أدرك مصطفى كامل إلا في أوقات محدودة حين كنت أستمع لبعض خطبه أو أقابله في «اللواء» منذ سنة 1906 مرات معدودة، أما فريد فقد اتصلت به عن كثب وعملت معه تحت لوائه سنين عديدة.
كنت سنة 1908 لم أتخرج بعد من مدرسة الحقوق حين تولى فريد بك زعامة الحركة الوطنية، وكنت أتردد عليه كثيرا في «اللواء»، وتلقيت عنه مبادئ الوطنية كما تلقيتها من قبل عن مصطفى، فصادفت من نفسي موضع العقيدة والإيمان، واتخذته بعد مصطفى أستاذا وإماما لي في الوطنية، وبدأت أكتب في اللواء على عهده وأنا طالب بمدرسة الحقوق. (14) أول مقالة لي في الصحف سنة 1908
অজানা পৃষ্ঠা
وأذكر أن أول مقالة لي نشرت بالعدد الصادر في 9 مارس سنة 1908 تحت عنوان «تبدد الشعور الوطني وتجمعه» بإمضاء «حقوقي»، كتبتها بعد وفاة المرحوم مصطفى كامل بشهر، ووصفت فيها خواطري وآمالي في الجهاد، وكأنما رسمت لنفسي في هذه المقالة خطتي في الحياة؛ لذلك أود أن أنشر فقرات منها لأنها صورة من شعوري وتفكيري في مستهل حياتي السياسية، قلت: «للحوادث العظيمة على حياة الأمم تأثير كبير بما تحرك في القلوب من الشعور وتستفز فيها من العواطف؛ فلربما كانت حادثة مبدأ حياة أمة أو سببا في خلاصها من استبداد ظالم. وإذا عدت الحوادث الكبيرة التي لها يد في تكوين الشعور الوطني عندنا، لجعلنا في مقدمتها وفاة فقيدنا العظيم مصطفى كامل. فلقد كانت وفاته كشعلة من نار مست الشعور الوطني وأصابت منه موضع الإحساس والتأثر، فانفجر وظهر بمظهر لم يكن أحد منا يتنبأ به ولا يزال في نمو وازدياد.
هذا الشعور الشريف هو رأس مال الاستقلال، إذا تعهده الرجال العاملون منا زادوه قوة وشدة وحفظوه من دواعي الفتور والخمود، وساروا به في خطة منتظمة محددة، وانحصر في تيار يجري رأسا إلى غايتنا وهي التخلص من سلطة الاحتلال.
إن الشعور بالحاجة إذا لم يدفع المرء إلى العمل لنيل تلك الحاجة فلا فائدة منه البتة، فليس مجرد الشعور إلا معنى في النفس لا وجود له ما لم يظهر أثره في الخارج، الشعور قوة ولكن بشرط أن ينبعث في طريق واحد فيأمن شر التبدد والتلاشي.»
إلى أن قلت: «مات مصطفى كامل فهاج موته شعور الاستقلال في النفوس، وكان أول من أحس بوقع المصاب النابغون منا في العلم والفكر، فبكوه مع الباكين ورثوه مع الراثين، ولكن ما رأينا أحدا منهم دفعه الشعور إلى أن ينزل في ميدان الحياة الوطنية فيعمل مع العاملين في تعهد الشعور الوطني وإبلاغه الغاية التي ذكرناها. كل منا يعلم حاجتنا إلى رءوس مفكرة عاملة تنير لنا سبيل تلك النهضة، ولكنا نرى نابغينا في معزل عنها مع أنهم هم أبناء بجدتها، والشعور الصحيح هو الذي يدفع صاحبه إلى البدء في محاربة رأس مال الاحتلال أفرادا وجماعات، حتى يقوى الشعور العام في كافة الطبقات وترسخ عاطفة الحرية في القلوب، فلا يكون أمامنا سوى أمرين: الاستقلال أو الموت. حينذاك يقال: هذه أمة محال استعبادها حيث تؤثر الموت على الرضوخ، فخير لمن يريد منها نفعا أن يعاملها معاملة صديق مهاب.
ليس من الصعب علينا أن نصل بالشعور الوطني إلى هذه الدرجة ما دمنا نعمل على خطة منظمة؛ فالأساس الذي يبني عليه الاحتلال صرحه نحن مقيموه بأنفسنا؛ ألسنا راضين بأن نعيش في كنفه؟ هل يعقل أن إرادة الملايين من النفوس إذا قويت وتوجهت بصدق نحو غرض واحد، هل يعقل أن تصدها وتكبح جماحها إرادة أفراد معدودين؟! رأس مال الاحتلال في قلوبنا؛ إن شئنا استبقيناه، وإن شئنا نزعناه من بين جوانحنا، فلا يعود له مقام بين ظهرانينا؛ فصرح الاحتلال قائم على عمادين: حسن الظن به من جهة، والوهم من جهة أخرى. فبحسن الظن ترضى الملايين من البشر بتحكم الأجنبي فيهم فيثبتون سلطانه، وبالوهم يعطون له قوة لم يكن يحلم بها فيخافون من شيء هم خالقوه.
على هذين الأساسين أمكن لبضعة آلاف أن يسودوا على مئات الملايين في بقاع متباعدة؛ فلا عجب أن كانت سياسة الاستعمار الآن هي تخدير أعصاب الأمم باستجلاب حبهم من جهة وبإلقاء الهيبة والرعب من سطوتهم من جهة أخرى. فإذا نحن عملنا على هدم هذا الأساس من قلوبنا كنا مقيمين بعملنا بناء الاستقلال، وقد دلنا التاريخ على أن الأمة التي يشتد ألمها من الاستبداد وتتخلص من آثار الوهم من سلطانه تصبح على أبواب الحرية، ولم تستطع قوة ما الثبات إزاء سلطان عاطفة الاستقلال.
هذا هو الطريق الذي سلكه غيرنا فأفلحوا؛ إذا شعروا بحاجة قاموا ودفعهم الشعور إلى التكاتف سرا وعلانية على العمل لنيل ما يريدون، فوضعوا غايتهم أمامهم، ورسموا لها الخطة العملية، وأعدوا لها معداتها، فعملوا على النظام الذي وضعوه، وكانوا بذلك من الناجحين.»
الحياة العملية
(1) في المحاماة
نلت شهادة الليسانس في يونيو سنة 1908.
অজানা পৃষ্ঠা
1
وقيدت اسمي بجدول المحاماة في 19 يوليو من تلك السنة، وكنت لم أبلغ العشرين بعد، واشتغلت محاميا بأسيوط شهرا واحدا «تحت التمرين» بمكتب الأستاذ محمد بك علي علوبة «باشا». وكان وقت التحاقي بمكتبه على أهبة القيام بالإجازة، فتركني لوكيل المكتب أتلقى عنه الإرشادات والتعليمات التي تلزم «المحامي المبتدئ»، فلم أرتح كثيرا لإرشاداته ولا لطريقته في تفهيمي القضايا، وبدا لي في أول عهدي بالمحاماة أنها لا تعجبني وأني لا آنس لها كثيرا. فضلا عن أني تساءلت في خاصة نفسي: وما مصيري في المحاماة إلى جانب نظراتي في الحياة وآمالي في الجهاد؟ فقضيت هذا الشهر قلقا أتطلع إلى الأفق لعلي أهتدي إلى طريق آخر يتفق وخواطري وآمالي.
عبد الرحمن الرافعي سنة 1908 عام تخرجي من مدرسة الحقوق. (2) في الصحافة
فما إن دعاني فريد بك إلى أن أشتغل بالصحافة محررا باللواء حتى قبلت دعوته، وبدأت حياتي الصحفية في أكتوبر سنة 1908 على عهده، ومن يومئذ ازدادت صلتي به؛ إذ كان يشرف على سياسة «اللواء» وتحريره ويكتب فيه كثيرا ويتردد عليه يوميا، وكنت أسمع منه ثناء على ما أكتب. وأذكر أني كنت أترجم إلى اللغة العربية مقالات المرحوم إسماعيل شيمي بك أحد أعلام الحركة الوطنية، وكان يكتبها بالفرنسية؛ إذ كان يتقنها دون اللغة العربية، وكانت آية في البلاغة، فجهدت نفسي في أن أبرزها إلى اللغة العربية في مستوى لا يقل عن بلاغتها الأصلية، ولعلي وفقت إلى بعض ما كنت أرجو، وكان فريد بك يراجع ترجمتي لمعظم هذه المقالات ويبدي لي إعجابه بها، فشجعني ذلك على الكتابة والترجمة.
وكنت أميل إلى كتابة المقالات المتسلسلة في موضوع واحد، ومن هنا نشأ ميلي إلى التأليف؛ إذ وجدت أن المقالة الواحدة في الصحف لا تتسع للموضوع الذي كنت أفكر فيه.
وأذكر أن أولى سلسلة مقالاتي كانت في موضوع الدستور، وعنوانها «آمالنا في الدستور»، بلغت عدتها سبع مقالات نشرت باللواء في أكتوبر ونوفمبر سنة 1908، وتوليت الرد على تقرير السير إلدون جورست المعتمد البريطاني عن سنة 1908، فكتبت في ذلك تسع عشرة مقالة نشرت في شهر مايو سنة 1909 تضمنت عرضا تحليليا للحركة الوطنية وموقف الاحتلال والحكومة حيالها.
وكتبت عدة مقالات عن حياتنا الاقتصادية وما يتهددها من خطر، وعن الاحتلالين السياسي والاقتصادي، والانقلابات الاقتصادية (اللواء 11 و14 و21 يناير و28 فبراير و7 مارس سنة 1909). (3) مدارس الشعب
وجه الحزب الوطني الشباب إلى المساهمة في بناء النهضة القومية في مختلف نواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أعماله في الناحية الاجتماعية إنشاؤه مدارس الشعب الليلية في أواخر سنة 1908، وكان الغرض منها تعليم الفقراء والعمال مجانا، وقد تطوعت مع لفيف من الشباب للتدريس في هذه المدارس، ووضع الحزب برنامجا لها يتناول المواد الآتية: القراءة والكتابة، دروس الدين، قانون الصحة والاحتياطات الصحية، العناية بتربية الأطفال، القوانين الخاصة بالمعاملات اليومية، الشئون الاجتماعية، دروس الأشياء، الحساب، تاريخ مصر والتاريخ الإسلامي، جغرافية مصر، أخلاق وآداب.
وبلغ عدد المدارس التي أنشأها الحزب في القاهرة سنة 1909 أربع مدارس في أقسام الخليفة وبولاق وشبرا والعباسية. تحوي كل منها نحو مائة وعشرين تلميذا من مختلف الحرف، وقد ألقيت بعض الدروس في مدرسة الخليفة، وسمعت محمد بك فريد يلقي فيها درسا، وسمعت أيضا أحمد بك لطفي يلقي درسا في مدرسة بولاق.
وأنشأ نادي المدارس العليا عدة مدارس أخرى على غرار هذه المدارس.
অজানা পৃষ্ঠা
كان لمدارس الشعب فضل كبير علي، فهي التي ألهمتني الفكرة الأولى لتأليف كتابي «حقوق الشعب»؛ فإن هذا الكتاب هو سلسلة دروس ومحاضرات لتفهيم الشعب حقوقه وواجباته، وكانت دروسي في مدرسة الشعب بالخليفة نموذجا مصغرا للأسلوب الذي انتهجته في هذا الكتاب. (4) عودتي إلى المحاماة
حدث تحول في حياتي العملية في أواخر سنة 1909، ذلك أن زميلي وصديقي المرحوم الأستاذ أحمد وجدي الذي كنت أعزه وأنزله من نفسي منزلة الأخ الشقيق، رغب إلي أن أترك الصحافة، وكان هو أيضا يعمل فيها رئيسا لتحرير جريدة الدستور التي كان شقيقه الأستاذ محمد فريد وجدي بك يتولى إصدارها، وقال لي إننا يمكننا أن نشتغل بالمحاماة مستقلين، وأن نكتب في الصحف ما نشاء من الآراء والمقالات، وإن ذلك أولى من الانقطاع للصحافة مما قد يفقدنا ميزة الاستقلال في حياتنا العملية. وقد ترددت في قبول هذه الفكرة؛ إذ كنت منصرفا عنها، وما زال يقنعني بها حتى قبلت نصيحته بعد أن أمعنت النظر فيها ورأيتها في جملتها أصوب من انقطاعي للصحافة، وأدركت مع الزمن أنه أسدى لي أعظم نصيحة، وساءلت صديقي حين تبادلنا الرأي في تحقيق فكرته: كيف نشتغل بالمحاماة مستقلين وأنا لم أتمرن عليها إلا شهرا واحدا وهو أيضا لم يقض مدة كافية في المران عليها؟ وانتهينا إلى أن الحياة يجب أن تنطوي على شيء كثير من المجازفة ، فعولت وإياه على الانقطاع عن مهنة الصحافة، وعملنا معا في المحاماة بمدينة الزقازيق منذ يناير سنة 1910، وفتحنا في تلك السنة مكتبا آخر لنا بالمنصورة كنت أتولى مباشرة قضاياه، ثم انتقلت بمفردي إلى المنصورة واستقر بي المقام فيها منذ أكتوبر سنة 1913 حين أنشئت بها المحكمة الابتدائية، وظللت بها نحو عشرين سنة، إلى أن انتقلت نهائيا إلى القاهرة في ديسمبر سنة 1932.
وقد ارتحت كثيرا إلى التحول من الصحافة إلى المحاماة لأنني رأيتني قد بدأت حياتي في المحاماة هذه المرة (سنة 1910) بداية حسنة، ولم أجد فيها الصعوبة التي كنت أتخيلها، بل شعرت كأني متمرن عليها، فألفتها وأحببتها، وأدركت أنها هي المهنة التي يجب أن أختارها لأؤدي واجبي الوطني إلى جانب واجباتي الشخصية، وأخذت أكتب المقالات من آن لآخر وأبعث بها إلى جريدة «العلم» لسان حال الحزب الوطني، وظهرت أول مقالة لي وأنا محام في عدد 13 مارس سنة 1910 تحت عنوان: «قوة الرأي العام والحكومة». وكتبت في عدد 30 مارس من تلك السنة مقالة مطولة عنوانها: «الشدائد خير مرب للأمم»، هنأني عليها فريد بك؛ إذ جاءت مطابقة للظرف الذي نشرت فيه مطابقة عجيبة؛ فقد أرسلتها إلى جريدة العلم في الوقت الذي صدر فيه قرار وزارة الداخلية بإيقافها شهرين، ولم أكن أعلم بصدور هذا القرار، فنشرها الحزب في أول عدد من جريدة «الاعتدال» التي اتخذها لسان حاله مدة إيقاف العلم، فهونت على القراء أمر الإيقاف؛ إذ دعوت فيها إلى مقابلة الاضطهاد بالصبر والثبات، وكأنها كتبت ردا على قرار وزارة الداخلية، فكان لها ضجة استحسان كبيرة، وصارت حديث الناس في مجالسهم، وبخاصة حين علموا أني كتبتها دون أن أعلم بقرار إيقاف «العلم»، واستبشروا خيرا بما أكتب، وطلب مني فريد بك المزيد من الكتابة، فكان ذلك التشجيع حافزا لي على توكيد صلتي بالصحافة، وزاد في توطيدها أن أخي «أمين» كان محررا مقيما بصحيفة الحزب الوطني ثم رئيسا لتحريرها.
وفي سبتمبر سنة 1910 انقطعت مؤقتا عن مكتبي، وتوليت رئاسة تحرير العلم في غيبة شقيقي أمين الذي سافر إلى أوروبا لحضور جلسات المؤتمر الوطني الذي انعقد ببروكسل في ذلك العام وموافاة العلم برسائل المؤتمر، وكان الشيخ عبد العزيز جاويش رئيس التحرير يقضي مدة السجن المحكوم بها عليه من محكمة جنايات مصر في قضية «وطنيتي»، وكانت إدارة العلم بشارع محمد علي بالمنزل رقم 116. (5) في مؤتمر بروكسل سنة 1910
ساهمت في مؤتمر بروكسل سنة 1910، وكان موضوع خطبتي فيه «مركز الصحافة في مصر والأدوار التي تعاقبت عليها في عهد الاحتلال»
2
بالفرنسية، وقد ألقاها عني فؤاد بك حسيب بجلسة 24 سبتمبر ولم أحضر المؤتمر بنفسي؛ إذ كنت مشغولا بالإشراف على تحرير العلم وقت انعقاده. وقد نوهت مدام جولييت آدم إلى هذه الخطبة في كتابها «إنجلترا في مصر» الذي ظهر سنة 1922 في فصل «الصحافة»، وأثنت على الخطبة وصاحبها، ونقلت منها صحائف بأكملها محبذة مؤيدة لمحتوياتها.
ولما رجع المرحوم أمين من بروكسل عدت إلى عملي في المحاماة. (6) في المؤتمرات الوطنية
كان الحزب الوطني يعقد مؤتمرات سنوية تجتمع فيها الجمعية العمومية للحزب ويستعرض فيها فريد بك تطور الحركة الوطنية في العام المنصرم، وكانت هذه الاجتماعات تسمى المؤتمرات الوطنية، وأهمها مؤتمر سنة 1908 و1910 و1911.
وكنت أحضر هذه المؤتمرات كعضو في الحزب الوطني، وقد انتخبت عضوا في اللجنة الإدارية للحزب في مؤتمر سنة 1911 الذي انعقد بدار العلم بشارع الصنافيري (علي باشا ذو الفقار الآن)، وانتخب فيه فريد بك رئيسا مدى الحياة. (7) مع فريد في أوروبا
অজানা পৃষ্ঠা
في سبتمبر سنة 1911 صحبت فريد بك في رحلته إلى أوروبا لحضور مؤتمر السلام الذي كان مزمعا اجتماعه بروما في أواخر ذلك الشهر. وكان لمصاحبتي إياه في هذه الرحلة أثر كبير في نفسي وزادت صلتي الروحية به؛ إذ رأيت من عطفه وحنانه الأبوي، ودماثة أخلاقه، ورقة شمائله، ما حببه إلى نفسي. وصحبنا في هذه الرحلة الأستاذ أحمد وفيق. وقد أفدنا كثيرا منها لأن فريدا كان يعرف أوروبا من قبل معرفة تامة، فكان يرشدنا إلى ما يجب أن نتعلمه ونعرفه ونشاهده في البلاد التي زرناها. وصحبنا في جزء من الرحلة الدكتور منصور رفعت، وأخذت لنا صورة بباريس تذكارا لسياحتنا مع الفقيد.
الخطاب الذي أرسله فريد بك إلي في 5 ديسمبر سنة 1912.
وفي هذه الرحلة زرنا إيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا، وعرجنا بالآستانة، وعدنا منها إلى مصر. وكتبت خلال سفري عدة مقالات عن مشاهداتي وخواطري في السفر، منها مقالة بعنوان «الأمم سيف وأخلاق» أرسلتها من تورينو بإيطاليا ونشرت في عدد 6 أكتوبر سنة 1911 من العلم، ومقالة عن «الإسلام في إفريقية، مسألة طرابلس الغرب والمسألة المراكشية» أرسلتها من باريس ونشرت في عدد 16 أكتوبر، ومقالة عن «الوطنية والإنسانية وكيف يفهمونهما في أوروبا» نشرت في عدد 20 أكتوبر، ومقالة عنوانها «يومان في مجلس المبعوثان» أرسلتها من الآستانة ونشرت في عدد أول نوفمبر سنة 1911.
الحياة المثالية
وهل هي ممكنة؟
كنت وأنا طالب بمدرسة الحقوق أعد نفسي للجهاد والمساهمة في سبيل تحرير البلاد والنهوض بها. رسخ في نفسي هذا الاتجاه حتى صار (فيما أظن) عقيدة كان ولم يزل لها أثرها في حياتي السياسية والاجتماعية؛ فمن الوجهة السياسية اعتنقت المبدأ الذي يتفق مع هذا الاتجاه وهو مبدأ الجلاء، وانضويت تحت لواء الزعيمين اللذين رأيت فيهما المثل العليا للوطنية الحقة، وفهمت الوطنية على أنها إخلاص للوطن، وسعي متواصل لتحقيق أهدافه واستمساك بحقوقه، وتغليب لمصالحه العليا على مصالح الإنسان الشخصية. ومن الوجهة الاجتماعية جعلتني هذه العقيدة أرى أن الوطنية تتطلب من الوطن أن يحيى حياة مثالية؛ لأن الحياة المثالية هي الأساس الوطيد للحياة الوطنية. فتاقت نفسي عندما تخرجت من مدرسة الحقوق وانتظمت في سلك الحياة العملية أن أنشد المثالية في حياتي الشخصية والعائلية والاجتماعية، وأن أنشدها في الحياة السياسية أيضا. ولم أكن أخفي على نفسي أن الحياة المثالية ليست من اليسر ولا من السهولة بحيث تغري شابا مثلي في مقتبل العمر أن يسلك سبيلها، ولكن هكذا شاءت الأقدار أن أنشدها لنفسي، ولست أدري مبلغ ما حققت منها، وإلى أي مدى كنت مثاليا أو غير مثالي، وهل الحياة المثالية ممكنة أم لا، نافعة أم ضارة، وهل هي - بوجه خاص - ممكنة في الحياة السياسية أم لا، وهل أخطأت أم أصبت في نشداني لها؟
كل هذه أمور لست أستطيع بعد طول السنين أن أجيب عنها، وما فائدة البحث فيها الآن؟
لكن الذي يمكنني الإفضاء به أني اجتهدت أن آخذ من الحياة المثالية أقصى ما أستطيع، ويمكنني أن أقول إن نصيب الإنسان منها يتبع مبدئيا الوسط والبيئة التي يعيش فيها؛ فالمجتمع الذي يؤمن بها يساعد بداهة على أن يحياها المواطن الصالح، والمجتمع الذي لا يؤمن بها يخذلها ويباعد بين الإنسان وما ينشده منها. على أن الإرادة الشخصية لها دخل في توجيه المواطن إليها، وهي على أي حال تحتاج إلى ذخيرة من الصبر، ومن الصوفية الوطنية، تجعل المرء غير مكترث لما يلقاه من العقبات والمتاعب.
أوليست الوطنية نضالا في سبيل المثل العليا؟ وهذا النضال يقتضي توطين النفس على احتمال الأذى في سبيل محبة الوطن؟ هكذا قالوا! فهل هي مجرد أقوال وخيالات وأحلام أم أقوال تؤيدها الأعمال؟ وكيف يمكننا أن نبث روح الوطنية في نفوس الجيل إذا لم نكن مثاليين في وطنيتنا؟
على أي حال قد سعيت في أن أجعل لهذه الخيالات نصيبا من الحقائق، ولست أدري هل حققت شيئا منها أم كنت واهما في تفكيري ومسعاي؟
অজানা পৃষ্ঠা
ومما رغبني في الحياة المثالية اعتقادي أنها من أقوم السبل إلى النهوض بالأمة وتحريرها من قيود النقص والضعف التي تتعثر فيها من الوجهة الوطنية والأخلاقية والاجتماعية، وهذا التحرير الوطني هو السبيل إلى التحرير السياسي. وليس من الميسور أن تحرر الأمة من عيوبها ومواطن الضعف فيها بالقول والكتابة، بل يجب أن تكون القدوة الصالحة هي أولى السبل في هذا الجهاد، فعلى الإنسان أن يكون مواطنا صالحا ومواطنا مثاليا قدر ما يستطيع؛ فإنه بذلك يقيم لبنة في صرح النهضة القومية. ولقد كنت قبل أن أتخرج من مدرسة الحقوق أنتقد الصفوة المتعلمة من الأمة في تقاعدها عن أداء واجباتها الوطنية، وأعربت عن هذا الشعور في مقالتي الأولى باللواء؛ ومن ثم أخذت نفسي بأن أنشد الجانب المستطاع من الحياة المثالية؛ إذ كيف أعد المآخذ على غيري دون أن آخذ نفسي بما يجب أن يفعلوه؟!
حقا إن طريق الحياة المثالية ليس معبدا ولا مفروشا بالأزهار والرياحين، بل هو طريق قد يكون شائكا كثير المتاعب والعقبات، وربما جر على صاحبه بعض العنت والخذلان وجعله عرضة لكثير من صنوف العداوة وضروب التجهم والتنكر. ولكن على الإنسان أن يكون له هدف في الحياة، فإذا كان هذا الهدف شريفا، فليتذرع بالشجاعة والإيمان والقناعة والإقدام؛ فإنه بالغ بفضل الله غايته أو نصفها أو ربعها أو القليل منها، ولكنه سائر على أي حال في الطريق القويم، والأمم لا تنهض إلا بهذا النوع من الحياة. إنها لا تنهض بالحياة النفعية الفردية، وإنما تنهض بالحياة الوطنية. إن الحياة النفعية تفيد صاحبها، ولكنها إذا اصطبغت بالأنانية وعمت المواطنين، كانت الأمة مجموعة من الأفراد المتخاذلين لا يعتمد عليهم في النهوض بالوطن والبذل في سبيله ودفع الأذى عنه.
كان لي صديق في الدراسة ارتبطت وإياه برباط الود والإخلاص، تخرجنا معا من مدرسة الحقوق، ومع طيبة أخلاقه واستقامته وحسن سريرته؛ فإنه يرى خدمة البلاد بغير الطريقة التي كنت أنشدها. كان قليل الثقة في المجتمع وفي المواطنين، ونظريته أن على الإنسان أن يكون قويما في ذاته ومسلكه فحسب، أما أن ينشد الحياة المثالية فإنه بذلك يعرض نفسه للأذى بغير نتيجة، وكانت تدور بيننا من حين لآخر مناقشات ومحاورات في مختلف الرأيين، وكان يحذرني دائما مغبة الحياة التي كنت أنشدها، وكنت أخالفه في الرأي، وأقول له إن أمتنا لم تلق من بنيها الخدمات الصادقة الصحيحة، ولو هي وجدت منهم هذه الخدمات لكانت حالها خيرا مما هي عليه، فإذا لم يجد من الطبقة المتعلمة المثقفة مثل هذه الخدمات فممن تنتظرها؟! أما هو فكان يقول لي: وهل يضحي الإنسان بنفسه في وسط لا يقدر التضحية بل يخذل صاحبها؟ وأين الوسط الذي يقدر الإخلاص والمثل العليا؟
وكثيرا ما كان يقول لي: إنك تعيش في جو من الأوهام، وستصدمك الحقائق العملية في الحياة، وسترى أن المجتمع لا يقدر المثاليين بل يقدر النفعيين والوصوليين بأكثر مما تتوهم أنه يقدر المثاليين وينصر أولئك بمقدار ما يخذل هؤلاء! وكنا نفترق مختلفين في الرأي والحجة دون أن يؤثر هذا الخلاف في صداقتنا، ولكل وجهة.
لست أدري على وجه التحقيق من كان منا على حق ومن كان منا مخطئا - على الأقل في حق نفسه. كل هذا لم يصرفني عن التمسك برأيي، وقد يكون تمسكي بهذا الرأي أمرا غير إرادي، ولكن هكذا اتجهت نفسي هذه الوجهة ولقد كان لها أثرها في مختلف مراحل حياتي.
اخترت المحاماة وآثرتها على الوظيفة متأثرا بالنظرية المثالية.
اخترت المحاماة، ثم الصحافة، ثم عدت إلى المحاماة وبقيت فيها على تعاقب السنين؛ إذ رأيت أنها أقرب إلى أن أجد فيها الحياة المثالية لمن يريد أن يحياها، رأيت فيها المجال فسيحا لأساهم بنصيبي في الكفاح الوطني، وكنت أرى في الوظائف مجالا ضيقا لهذا الكفاح. ومن هنا آثرت المحاماة على الوظائف، ورأيت في المحاماة أيضا الحرية التي كنت أنشدها، فلا يحد من عملي فيها رئيس أو رقيب. وكنت أتخير من القضايا ما أراه سليما، فأجد من حرية الاختيار ما لا أجده لو كنت موظفا؛ فإن على الموظف مهما كان مستقل الرأي حي الضمير أن يعمل بما يؤمر به من الرؤساء ولو خالف ضميره في بعض المواطن، والنظام الحكومي بل الاجتماعي يقتضي ذلك. حقا إن المناصب القضائية التي كانت تؤهلني لها إجازة الحقوق هي أبعد مناصب الدولة عن التأثر بأوامر الرؤساء وأكثرها استقلالا، ولكني مع ذلك رأيتني في المحاماة أكثر حرية واستقلالا وأقرب إلى ميدان الكفاح الوطني مما لو اخترت الوظيفة. (1) أول مؤلفاتي: حقوق الشعب (سنة 1912)
اتجهت نفسي منذ سنة 1910 إلى الجمع بين المحاماة والتأليف، فقضيت أوقات فراغي من المحاماة سنة 1911 وأنا بالزقازيق في تأليف أول كتاب لي وهو «حقوق الشعب»، وقد تم طبعه وظهوره في مارس سنة 1912.
1
وعنوانه يدل على موضوعه ومعناه. ضمنته شرحا للمبادئ الدستورية، ووضعته لتأييدها وتدريسها وتعميمها، عبرت فيه عن الحكام بأنهم «وكلاء الأمة»، وأهبت بالأمة أن تناضل عن كيانها بكل ما أوتيت من حول وقوة، وجعلت شعار الكتاب: «تبتدئ القوة حيث ينتهي الضعف.» وقلت في مقدمته تعريفا بالغرض من تأليفه: «القوة والعلم، هذان العاملان هما الدعامتان اللتان تضمنان للأمم حياتها وحقوقها. جئت في هذا الكتاب أخاطب فئتين من الأمة كانوا دائما جنود الحرية في كل بلاد، وهما: رجال الغد، وجمهور الشعب. جئت أخاطب إخواني الشبان رجال الغد الذين أعد نفسي واحدا منهم وأعتقد أن عليهم واجبا كبيرا هم مدينون به نحو الله ونحو الأمة وهو واجب العمل لتحرير بلادنا؛ فكل شاب منا، سواء كان لا يزال في مهد التعليم يتلقى العلوم ويتغذى بلبان المعارف في المدارس، أو دخل في معترك الحياة، كثيرا ما يتساءل: «كيف أقوم بالواجب؟» ويطلق لنفسه عنان البحث للجواب على هذا السؤال؛ لأنه سؤال لا يكفي للجواب عنه تفكير لحظة واحدة أو يوم واحد، بل يحتاج إلى إطالة في البحث والتفكير، هذا السؤال الذي يجدر بكل إنسان أن يجعله وجهته في الحياة والذي يجب ألا نعد الرجل رجلا إلا إذا عرف كيف يجيب عنه قولا وفكرا وعملا، هذا السؤال قد جعلت غرضي من وضع الكتاب أن أجيب عنه.» إلى أن قلت: «أردت في هذا الكتاب من جهة أن أطرح بين يدي إخواني نموذجا مختصرا للعمل على أداء واجبهم نحو الأمة، ثم تخيرت من جهة أخرى في وضعه طريقة أغلب المؤلفين الغربيين الذين وضعوا الكتب والمؤلفات لتعميم حقوق الشعب ونشر النظريات الدستورية. وقصدت من ذلك أن يكون هذا الكتاب كمجموعة دروس لمبادئ الحقوق العمومية وبسط العلاقات بين الشعوب والحكومات حتى لا يحرم عامة القارئين من عرفان تلك المبادئ الضرورية لكل مجتمع يريد أن يكون حرا.»
অজানা পৃষ্ঠা
وجعلت الكتاب في قالب محاورات واجتماعات بين فريق من الشباب وجمهرة من القرويين يدور فيها الحديث حول هذه المواضيع.
وقد أعجب فريد بك بهذا الكتاب وهنأني بتأليفه وقال لي: «في البلاد صحافة وطنية، وينقصها التأليف الوطني، وقد سلكت هذا السبيل فاستمر فيه وفقك الله.» وقد عملت بنصيحته جهد المستطاع. (2) صلتي بفريد بك «في منفاه»
هاجر محمد فريد من مصر في تلك السنة (1912)، فاستمرت صلتي به في منفاه، وكنت أراسله وأعرب له في رسائلي عن إخلاصي له وثباتي على عهده، وزرته في منفاه بالآستانة في أغسطس سنة 1912، وشعرت بغبطة كبيرة؛ إذ رأيته في صحة موفورة ونفسية مطمئنة. وقد سافر يوم 20 أغسطس قاصدا باريس فجنيف وودعته على المحطة مع من ودعوه من المصريين، وكانت هذه آخر مرة رأيته فيها، ثم بادلته المراسلة في منفاه، وجاءتني منه عدة رسائل تفيض عطفا علي وتقديرا لي، فزادت صلتي به توثيقا وتوكيدا، منها رسالة بعث بها إلي في بطاقة بريد «كرت بوستال» من جنيف بتاريخ 5 ديسمبر سنة 1912 قال فيها:
حضرة ولدنا الفاضل
سلاما وتحية. وبعد، فأخبر الأخ أني في غاية الصحة رغما عن البرد الشديد الذي نزل اليوم إلى ما تحت الصفر، وعن الثلج الشديد الذي كسا الأرض أول أمس حلة بيضاء نقية وغطى جميع الجبال المحيطة بنا، ثم أرجو تبليغ سلامي لحضرة الشقيق الأمين وباقي الإخوان، وفقكم الله وإيانا لخير العمل وعمل الخير.
محمد فريد
وأرسل إلي بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1912 الكتاب الآتي من جنيف:
جنيف في 21 ديسمبر سنة 1912
أخي الصادق رفع الله مقامه
استلمت بيد السرور جوابك رقم 14 الجاري، وأثلج صدري ما به من العبارات الدالة على الصدق والإخلاص للوطن الأسيف. لدي الآن مسألة مهمة جدا أحب أن تهتم بها أنت والإخوان، وهي أننا كنا معتادين على مساعدة جريدة «إجيبت» التي تصدر بلوندرة بمائتي جنيه سنويا دفعناها تماما في سنة 1911 ودفعنا جزءا منها في أوائل سنة 1912 وهو 40 جنيه فقط، فقام مستر بلنت وإخوانه بمصروفها إلى آخر عدد ظهر منها (ووصلني صباح اليوم) بمساعدة بعض الطلبة بإنجلترا، واليوم كتب لي المستر بلنت بعدم إمكان اللجنة القيام بنشرها ما لم ندفع لها إعانة سنوية قدرها مائتا جنيه. وفي نظري أن بقاء هذه المجلة في عالم الوجود ضروري لنا الآن؛ خصوصا وقد أصبحنا بلا لسان يعبر عن أفكارنا في مصر إلا «الشعب» وطبعا هو قصير العمر ما دامت الوزارة الحالية موجودة.
অজানা পৃষ্ঠা
فأرجوك التكلم في هذه المسألة مع الإخوان لجمع هذا المبلغ ولو على قسطين يدفع الأول في شهر يناير والثاني في أبريل مثلا؛ لأنه لا يصعب على الأمة التي تجود بمئات الآلاف من الجنيهات ألا تبخل بمائتي جنيه فقط لمثل هذا العمل المفيد. إني أشتغل الآن في وضع رسالة صغيرة بالفرنساوية أشرح فيها الأسباب التي أوصلت الدولة العلية لهذه النقطة الخطرة وهذا المركز الحرج، وربما ظهرت هذه الرسالة في بحر يناير.
وفي الختام أهديك أنت وجميع الإخوان مزيد سلامي ووافر تحيتي. دمت لأخيك أو والدك المخلص.
لم أر في الجرائد ذكرا لعيد رأس السنة الهجرية، هل لم يحتفل به نادي المدارس العليا كالمعتاد؟
إذا أمكنك أن ترسل لي كتاب مصطفى الرافعي «حديث القمر» أكون لك من الشاكرين. عنواني الحالي:
7 bis Boulevard du Pont d’Arve, Genève .
محمد فريد
وقد شهدت في سنة 1913 وما بعدها انفضاض بعض أنصار الفقيد البارزين من حوله، وكأن وجوده في المنفى قد أنساهم عهده، وزاد في انصرافهم عنه غضب الخديو عليه، إلى غضب الاحتلال. وكنت أفضي إليه في بعض رسائلي بألمي من تقاعس الكثيرين عن القيام بواجبهم الوطني، فأرسل إلي من الآستانة في مارس سنة 1913 خطابا يحثني فيه على عدم اليأس وعدم التأثر للذين تخلفوا وتركوا الصفوف، ويرغب إلي وإلى الإخوان العمل في نشر الدعوة إلى الاستقلال الاقتصادي لكي تستمر الحركة الوطنية في نموها ونشاطها، قال:
الآستانة في 25 مارس سنة 1913
حضرة الأستاذ الفاضل والوطني المخلص
عزيزي، وصلني جوابك المؤرخ 9 الجاري المرسل إلى جنيف، وعلمت منه عدم وصول أعداد رسالتي إليك، وهذا غير مستغرب؛ فقد اتصل بي أن الطرد المرسل إليكم حجز وصودر بجمرك الإسكندرية مع طردين آخرين مرسل أحدهما إلى ديمر الكتبي والآخر إلى السخاوي، ولم يفلت إلا الطرد المرسل إلى الأخ عبد الملك، ولا أدري إذا كانت أعداد المجلة وصلتك؛ إذ ربما تحجز هي أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা
هذا وقد ساءني ما جاء بجوابكم المذكور من العبارات التي تشف عن اليأس من مستقبل الأمة بسبب ما ظهر من بعض أبنائها من الخور والضعف، تلك الحالة التي أدت إلى تلبية العموم لدعوة عميد أعداء البلاد، وما كنت لأنتظر هذا «الشبه اليأس» منك لما أعهده فيك من قوة الإرادة وشدة الوطنية. فإذا كان الخوف من رجال السلطة حدا بالكثيرين إلى عدم إظهار إحساسهم الوطني، فما يمنعهم من صرف همتهم إلى المشروعات الاقتصادية، كالنقابات وشركات التعاون المنزلي والمالي، وقد برهن ما أسس منها عن نجاح عظيم وعلى استعداد الأمة للإقبال على مثل هذه المشروعات. هذا ميدان واسع للجميع، فادخلوا فيه بهمة ونشاط، فاستقلال مصر الاقتصادي مقدمة لاستقلالها السياسي.
على أني لم أزل أرى من الضروري تقوية لجنة الحزب الإدارية وتتميم أعضائها بانتخاب المخلصين وضمهم إليها وإتيان بعض الأعمال التي تبرهن على وجودها.
أرجوكم الاجتهاد في إدخال أعضاء عاملين في جمعية ترقي الإسلام وأن تكون أنت في مقدمة المشتركين (والاشتراك عشرون فرنكا في السنة)؛ فإن هذه الجمعية سيكون لها مستقبل عظيم وأثر فعال في جميع جهات الإسلام لو وجدت أقل مساعدة.
وفي الختام أهديكم أنت والإخوان مزيد السلام.
محمد فريد (3) كتابي عن التعاون (1914)
وقد عملت بنصيحته وضاعفت جهودي في خدمة الحركة التعاونية والحركة الاقتصادية، وصرفت سنة 1913 في وضع كتابي عن «التعاون» والمساهمة في تأليف بعض النقابات الزراعية ودراسة بعض الشئون الاقتصادية. فكتبت في «الشعب» سلسلة مقالات عن ميزان مصر الاقتصادي (أعداد 23 سبتمبر وأول و2 و5 و10 و14 أكتوبر سنة 1913)، وعن الكماليات في مصر وخسارتها منها (عدد 24 أكتوبر سنة 1913)، وعوائق الصناعة الوطنية (عدد 18 نوفمبر سنة 1913).
ولما علم الفقيد باشتغالي بوضع كتابي عن التعاون، أرسل إلي في 22 أبريل سنة 1913 الخطاب الآتي:
الآستانة البلد في 22 أبريل سنة 1913
حضرة عزيزي الفاضل عبد الرحمن أفندي الرافعي
وصلني عزيز خطابك الرقيم 4 الجاري، وقد سرني اشتغالكم بهذا المؤلف الاقتصادي، كما سرني خبر انصراف همة أحمد بك لطفي لهذه الغاية المفيدة؛ خصوصا وقد علمت من مطالعة الجرائد أن كتشنر سيشتغل بها استجلابا للأمة نحوه ونحو الاحتلال، فيجب عليكم أن تسبقوه لهذا العمل؛ حتى لا تغش الأمة ولا تنصرف إليه. على أني لم أسمع من مدة بتشكيل نقابات جديدة أو شركات تعاون أو شيء آخر من هذا القبيل، مع أنكم لو قام كل فرد منكم بتأسيس جمعية اقتصادية في دائرته لبلغ عددها في وقت قليل العشرات بل المئات؛ ولذلك أرى أن اشتغالك بالتأليف لا يجب أن يمنعك من الاشتغال عمليا في تأسيس النقابات مع إخوانك، وما هذا بعزيز عليكم لو أردتم، ولعلني أسمع قريبا بأخبار ما تؤسسونه من الشركات والجمعيات الجديدة.
অজানা পৃষ্ঠা
سرني كذلك ما قررته اللجنة من عقد مؤتمر وطني بجنيف، وقد رأيت أن يكون في 22 سبتمبر أي تاريخ انعقاد المؤتمر الأول. وإني أقترح عليك أن تكتب تقريرا عن حالة النقابات بمصر وتاريخها وبعض إحصائيات عنها وعن أعمالها، لنظهر للعالم شيئا من أعمالنا العملية ونبرهن على أن حزبنا حزب تعمير لا حزب تخريب كما يتهمونه به.
إني بانتظار نتيجة أعمالك لصالح جمعية ترقي الإسلام.
ماذا تقصد عمله في الإجازة المقبلة؟ هل تحضر لأوروبا أو تنتظر انعقاد المؤتمر؟ إني أكون سعيدا جدا لو رأيتك بين خطباء المؤتمر. وفقك الله لخدمة البلاد آمين.
سلامي لك ولجميع الإخوان، وبالأخص للأخ أمين حفظه الله لك ولنا.
المخلص: محمد فريد
وجاءني منه في يونيو سنة 1913 الخطاب الآتي:
جنيف في 6 يونيو سنة 1913
ولدي المحترم الفاضل عبد الرحمن أفندي الرافعي
السلام عليكم ورحمة الله. وبعد، فقد وصلني جوابكم المؤرخ 10 الماضي من مدة. ولم يمنعني عن الرد عليه إلا الكسل من جهة، واشتغالي بمجلة ترقي الإسلام من جهة أخرى، فقد أصدرت العدد الثاني منها عقب عودتي من الآستانة. وأرسلت لك نسخة منها، لعلها وصلت ولم تصادرها حكومتنا الأبوية الرحيمة.
من 7 مايو لم يصلني إلا جريدة أخرى مصرية، ولا أدري لذلك من سبب، مع أني كتبت للإدارة قبل سفري من الآستانة بعنواني الجديد، وها قد كتبت من عشرة أيام للإدارة مجددا. فأرجوك التحرير لأخيك أمين بالتنبيه على من يلزم بإرسال النسخ المتأخرة جميعها ابتداء من 8 مايو وعدم قطع الشعب أو أي جريدة تقوم مقامه.
অজানা পৃষ্ঠা