بديعة تبكي
حدثتك يا سيدي القارئ عن «بديع» والآن فلتسمح لي أن أحدثك كذلك عن «بديعة».
قلت إنني اتفقت وإياها على أن تعمل بفرقتي، وأمضينا اتفاقا «في أثناء وجودنا بسوريا»، ينص على أن تتقاضى أربعين جنيها شهريا، فلما عدنا إلى مصر، بدأنا إجراء بروفات «الليالي الملاح». وكم قاسى الممثلون في تلك البروفات، وكم بذلوا من جهود جبارة لم تكن السيدة بديعة قد اعتادتها في عملها مع غيرنا. وإني لأذكر أنها كانت في كثير من الأحوال تبكي وتنتحب و«تقطع» شعرها من الجذور بعد أن ينهكها التعب، وتتوتر أعصابها من العمل المتوالي في البروفات.
ولم يكن ذلك ليقلل من قسوتي أو يثبط من عزيمتي، فقد آليت على نفسي أن أجعل منها عروسا للمسارح، وكوكبا يلمع في أفق الفن. ولم أقصر في إطلاعها على هذه الرغبة في بعض الأحايين، فكان ذلك يدفعها إلى تحمل الألم، حتى إذا ما بلغ غايته، تملكها الغضب وغادرت المسرح باكية صاخبة ولسان حالي يقول: «برضه ولو!».
فنانة بالفطرة
كانت بديعة فنانة بفطرتها، وكانت تهوى المسرح بطبيعتها، وكنت أحس ذلك منها، وأرى في قوامها وفي جمالها ما يساعد على تكوين عقيدتي التي أبديتها، وهي أنني لابد وأن أجعل منها الممثلة التي أبتغيها، ولذلك لم أكن أولي غضبها و«عصبيتها» أية عناية. بل بالعكس، كانت كلما ازدادت غضبا ازددت قسوة ونضالا في سبيل مصلحتها من ناحية ومصلحة عملي من الناحية الأخرى.
وأخيرا آن أوان اقتطاف الثمرة، وجاء الوقت الذي شاءت فيه العناية أن تنيلنا أجر ما بذلنا من جهود. فظهرت «الليالي الملاح» آية فنية رائعة، وبدت فيها «بديعة مصابني» كوكبا هل على الجمهور في صورة ملكت لبه، واحتلت مكامن إعجابه. وزاد الإقبال وتحسنت الأحوال، وبدأ الناس يتحدثون في كل مكان عن ممثلتنا الجديدة فيقرظها عارفوها، ويرفعها غيرهم إلى أسمى مكان من إعجابهم! وهنا فقط عرفت بديعة سر التدقيق في «البروفات»، ورأت بعينيها أن نجاحها لم يكن إلا وليد تلك الجهود التي أبكتها فيما مضى فأغضبتها المرة تلو المرة.
أراني ملزما بتحليل نقطة في منتهى الأهمية، ولو من وجهة نظري أنا، كانت بديعة هاوية خالصة الهواية وكانت - وما تزال على ما أعتقد - شعلة من النشاط، فجاء نجاحها المجيد بعد ذلك حافزا قويا حملها على مطالبتي بموالاة العمل لإخراج رواية جديدة. وكأنها ظنت أن تأليف الرواية لا يكلفنا شيئا من العناء. وما هي إلا أيام معدودة أجتمع فيها بزميلي بديع ونتبادل الرأي ثم تنتهي الرواية وتكون معدة للمسرح!
حاولت أن أفهمها خطأ ما ذهبت إليه، وأبين لها أن المسألة أبعد مما يتراءى لها، ولكن! كيف أصل إلى موضع الاقتناع منها؟
هل أنا كسول؟
অজানা পৃষ্ঠা