تأليف
هدى شعراوي
الفصل الأول
عندما أقف أمام ذكريات طفولتي، يتبين لي منذ البداية ذلك الفارق الكبير بين حياة الطفل وتربيته في الماضي، وبين ما أصبحت عليه أساليب التربية في الوقت الحاضر.
لقد كان الاهتمام منصبا على تغذية الطفل ونموه الجسماني، دون أدنى اهتمام أو التفات إلى مشاعره ونمو مداركه، ولذلك كان هناك فارق هائل بين النمو الجسماني والنمو العقلي. أما الآن فإن هناك توازنا بين الجانبين، لذلك ينشأ الطفل قادرا على الفهم والاستيعاب في سن مبكرة.
وكان الأهل يخفون عن الأطفال كل الحوادث والأحداث المحيطة بهم، فإذا مات أحد أفراد الأسرة، قيل للطفل: إنه قد سافر، وإذا أراد أن يسأل عن حقيقة من حقائق الحياة، أجابوه بخرافات لا تروي ظمأه لمعرفة الحقيقة، أو قيل له: إنه ليس من الأدب أن يتدخل فيما لا يعنيه.
ولقد كنت واحدة من هؤلاء الأطفال، وكان يعنى بنا خدم جهلاء يخفون عنا ما كان يجب أن نعرفه من حقائق، ويحيطوننا بسياج من الخرافات التي تؤثر في العقول الصغيرة الساذجة.
ولأنني كنت قليلة الالتصاق بوالدي، فإنني لا أذكر من حياتنا العائلية في طفولتي إلا القليل، ومن ذلك أنني كنت أذهب إلى غرفة والدي كل صباح لأقبل يده، وكان يصحبني في هذه الرحلة الصباحية أخ لي من أم ثانية اسمه «إسماعيل»، وكنا نجد أبي متربعا على سجادة الصلاة يسبح بمسبحته، فنقبل يده ويقبلنا، ثم ينهض ويفتح خزانة كتبه ويخرج لكل واحد منا قطعة من الشيكولاته، فنأخذها ونخرج متهللين.
ثم جاء ذلك اليوم الذي لا يمكن أن أنساه أبدا ... كنت ألعب مع شقيقي «عمر» عندما تناهى إلينا فجأة صراخ عال يملأ أرجاء البيت وملأ الخوف قلبي، وتعلقت أنا وأخي بمربيتنا، وفي ذلك الوقت أقبلت مرضعتي مهرولة، وهي تتشح بالسواد، وتصيح قائلة: لقد تحقق خبر الباشا ... فأعطني يا «سياج» الطفلين لأذهب بهما إلى منزل مسعود باشا ... حتى لا يزعجهما الصراخ والعويل.
إن هذه الجملة لا تزال ترن في أذني حتى اليوم، ولا تزال تحدث صداها في أعماقي ... ولا تزال حرارتها في قلبي ونفسي ...
অজানা পৃষ্ঠা