137

ان يكون اول الكلام دالا على ما يناسب حال المتكلم ، متضمنا لما سيق الكلام لأجله ، من غير تصريح ، بل بألطف اشارة يدركها الذوق السليم ، والطبع المستقيم.

قال ابن المقفع : ليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك ، كما ان خير ابيات الشعر الذي اذا سمعت صدره عرفت قافيته.

قال الجاحظ كأنه يقول : فرق بين خطبة النكاح ، وخطبة العيد وخطبة الصلح ، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه ، فانه لا خير في كلام لا يدل على معناك ، ويشير الى مغزاك ، والى العمود الذي اليه قصدت ، والغرض الذي اليه نزعت.

قالوا : والعلم الأسنى في ذلك (سورة الفاتحة) التي هي مطلع القرآن ، فانها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من البراعة ، لكونها اول ما انزل من القرآن ، فان فيها الأمر بالقراءة والبدء فيها (باسم الله).

وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب ، واثبات ذاته ، وصفاته : من صفة ذات ، وصفة فعل.

وفيها ما يتعلق بالأحكام ، وما يتعلق بالاخبار : من قوله : ( علم الإنسان ما لم يعلم ).

ولهذا قيل : انها جديرة ان تسمى عنوان القرآن ، لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارات وجيزة في اوله.

فقد ظهر مما ذكرنا : ان براعة الاستهلال في مطلع الكلام ، هو : كونه دالا على ما بني الكلام عليه ، من مدح ، او هجاء ، او تهنئة او عتاب ، او توبيخ ، او تقريع ، او بشارة ، او نعي ، او غير ذلك.

পৃষ্ঠা ১৩৯