فإن قلت: قد قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) .
وقد وجدنا فيه اختلافا وتفاوتا في الفصاحة، بل نجد فيه الأفصح والفصيح.
والجواب أنه لو جاء القرآن على غير ذلك لكان على غير
النمَط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح، فلا تتم الحجة في الإعجاز، فجاء على نمط كلامهم المعتاد ليتم ظهور العجز عن معارضته ولا يقولوا مثلًا: أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه، كما لا يصح للبصير أن يقول للأعمى: قد غلبتك بنظري، لأنه يقول له: إنما تتم لك الغلبة لو كنت قادرًا على النظر، وكان نظري أقوى من نظرك، فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح مني المعارضة.
وقيل: إن الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون - مع أن الشعر الموزون من الكلام رتْبَته فوق رتبة غيره - إن القرآن منبع الحق، وجمع الصدق، وقصارى أمر الشاعر التخييل بتصور الباطل في صورة الحق، والإفراط في الإطراء، والمبالغة في الذم والإيذاء، دون إظهار الحق، وإثبات الصدق، ولهذا نزه الله نبيه ﷺ عنه، ولأجل شهرة الشعر بالكذب سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب: شِعْريّة.
وقال بعض الحكماء: لم يُرَ متَدَيِّن صادق اللهجة مُفْلق في شعره، وأما ما
وجِد في القرآن مما صورته صورة الموزون
فالجواب عنه أنْ ذلك لا يسمى شعرًا، لأن من شرط الشعر القصد، ولو كان شعرًا لكان من اتفق له في كلامه شيء موزون شاعرًا، فكان الناس كلهم شعراء، لأنه قل أن يخلو كلام أحد عن ذلك.
وقد ورد ذلك على الفصحاء، فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته
والطعن عليه، لأنهم كانوا أحرص شيء على ذلك، وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصْوى في الانسجام.
وقيل البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمى شعرًا.
وأقل الشعر بيتان "فصاعدا.
وقِيل الرجز لا يسمى شعرًا أصلا.
وقيل:أقل ما يكون من الرجز شعرًا أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال.
1 / 8