মুক্তামিদ ইবন আব্বাদ
المعتمد بن عباد: الملك الجواد الشجاع الشاعر المرزأ
জনগুলি
مقدمة
المعتمد والأدب
شعر المعتمد في دولته
ملوك الطوائف ونصارى الشمال
خلع ملوك الطوائف
المعتمد في أغمات
المعتمد في إساره والأوفياء من الشعراء وغيرهم
أولاد المعتمد وأمهم
وفاة المعتمد على الله وقبره
مقدمة
অজানা পৃষ্ঠা
المعتمد والأدب
شعر المعتمد في دولته
ملوك الطوائف ونصارى الشمال
خلع ملوك الطوائف
المعتمد في أغمات
المعتمد في إساره والأوفياء من الشعراء وغيرهم
أولاد المعتمد وأمهم
وفاة المعتمد على الله وقبره
المعتمد بن عباد
المعتمد بن عباد
অজানা পৃষ্ঠা
الملك الجواد الشجاع الشاعر المرزأ
تأليف
عبد الوهاب عزام
الساحة التي بها قبر المعتمد بن عباد.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
1
جاز المسلمون بحر الزقاق إلى جزيرة الأندلس سنة اثنتين وتسعين من الهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك.
وساروا فاتحين حتى استولوا على مدينة طليطلة في السنة التالية؛ وهي مدينة حصينة صعبة المنال يسر لهم الاستيلاء عليها فتح ما وراءها.
وامتد بهم الفتح حتى بلغوا جبال البرتات (جبال البرانس) الجبال الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا، اجتازوها في خلاقة عمر بن عبد العزيز (99-101ه) وفتحوا مدينة أربونة (ناربون) وجعلوها مبدأ غزواتهم في فرنسا، ثم فتحوا طلاشة (طولوز) سنة اثنتين ومائتين، وامتد بهم الفتح إلى سنة سبع ومائة ففتحوا جنوبي فرنسا.
অজানা পৃষ্ঠা
وفي رمضان سنة أربع عشرة ومائة، بين مدينة تور ومدينة بواتيي، كانت موقعة بلاط الشهداء، وكان قائد المسلمين عبد الرحمن الغافقي وقائد المسيحيين شارل مارتل، واضطر المسلمون إلى التراجع؛ إذ رأوا أنهم لا قبل لهم بهذه الجحافل الحاشدة في تلك الأصقاع النائية، وهذا كان منتهى فتح المسلمين في فرنسا، ولكنهم احتفظوا بمدينة أربونة إلى سنة اثنتين وأربعين ومائة حين استولى عليها ملك فرنسا في عهد الدولة الأموية الأندلسية.
2
زالت الدولة الأموية في المشرق سنة اثنتين وثلاثين ومائة من الهجرة، وقام بأمر المسلمين بنو العباس، فأتبعوا بني أمية تقتيلا وتشريدا، وكان فيمن فر من شباب بني أمية عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الملقب صقر قريش؛ لقبه أبو جعفر المنصور؛ إعجابا بهمته، وعزيمته، وسياسته.
ضرب عبد الرحمن في شمال أفريقية حتى المغرب الأقصى ثم اجتاز البحر إلى الأندلس فبايعه الناس أميرا عليهم فجمع أمرهم ورد عنهم جيوش العباسيين حينما حاولوا أن يمدوا سلطانهم على الأندلس كما امتد على سائر البلاد الإسلامية.
ودامت دولة بني أمية زهاء ثلاثة قرون، قويت الدولة وتمكنت وامتد سلطانها في البر والبحر، وتوالى على تدبيرها عشرة أمراء من عبد الرحمن الداخل إلى هشام حفيد عبد الرحمن الناصر في إحدى وستين ومائتي سنة، ثم اضطرب أمر الدولة فتوالى عليها أربعة عشر حاكما في ثلاث وعشرين سنة.
وبلغت الدولة أوج مجدها وعزها، وبلغت الحضارة أزهر أعوامها وأنضر أيامها في ولاية عبد الرحمن الناصر الذي دبر الملك من سنة 300 إلى 350ه فرد الأعداء في الشمال خائبين، وأرهب الطامعين في المغرب، فاستتب له الملك وتمكن سلطانه، وعم الأمن دولته، وعظمت هيبته، وبعد صيته، وازدهرت المدنية واستبحر العمران، فبنى الناصر مدينة الزهراء في ضواحي قرطبة آية في العمران، وبرهانا على غنى الدولة وعظمتها وبلوغ الصناعات فيها غايتها.
وخلف عبد الرحمن الناصر ابنه الحكم المستنصر ستة عشر عاما وأمور الدول متسقة وأمنها مستتب، ومات الحكم فخلفه ابنه هشام، وهو صبي، فتطلع إلى مقاليد الأمور رجل من عباقرة التاريخ، أهله للسلطان طموحه وحزمه وشجاعته وخلقه ودينه: محمد بن أبي عامر، تسلط ابن أبي عامر على أمور الدولة كلها وأحكم تدبيرها ومكن هيبتها وأخاف أعداءها، وبلغت مغازيه صوب الشمال أبعد ما بلغت في عصر الدولة الأموية، غزا أكثر من خمسين غزوة لم يهزم في واحدة حتى مات غازيا في الشمال ونقل إلى مدينة سالم فدفن بها سنة 392ه.
ثبت ابن أبي عامر أركان الدولة ولكنه أضعف البيت الأموي بما استبد دونهم بالأمر، وأورث السلطان بنيه، ولم يقر الناس لبني عامر بما أقروا لبني أمية، فزالت هيبة الملك وتنازعه بنو أمية وبنو حمود العلويون حتى زالت الدولة كلها سنة 422ه.
3
ملوك الطوائف
অজানা পৃষ্ঠা
تقسم بلاد الأندلس - بعد زوال الدولة الأموية - أمراء تنازعوا رقعتها وظفر كل واحد بما قدر عليه، فقامت إمارات تولاها أمراء سموا ملوك الطوائف، واستمر عصرهم زهاء خمسين عاما.
وكان للطوائف أربع عشرة دولة في أرجاء البلاد لا يتسع المجال لذكرها، ولا يحتاج هذا المقال إلى تعدادها، فإنما قصدنا إلى بني عباد من بينهم.
4
بنو عباد
كان أعظم ملوك الطوائف وأفسحهم ملكا وأبعدهم صيتا وأكثرهم ذكرا في التاريخ والأدب بني عباد ملوك إشبيلية وقرطبة.
قامت دولتهم في إشبيلية سنة 414ه، ثم اتسعت فاستولت على ملك بني حمود في الجزيرة سنة 450ه، وعلى ملك بني جهور في قرطبة سنة 461ه، وامتدت حتى شملت مرسية في الشرق.
ودامت دولة بني عباد سبعين سنة وتولاها منهم ثلاثة: أبو القاسم محمد، وابنه أبو عمرو عباد الملقب بالمعتضد، وابن هذا أبو القاسم محمد بن عباد الملقب بالمعتمد.
استمر ملك الأول تسع عشرة سنة (414-433ه)، وملك الثاني ثمانيا وعشرين (433-461ه)، واستمر ملك المعتمد ثلاثا وعشرين (461-484ه).
وكان للمعتمد في الجهاد بلاء عظيم، وفي الجود صيت ذائع، وفي الأدب منزلة عالية، ومن غير الأيام ومصائب الحدثان نصيب موفور. وقصته - كما تأتي - كأنها في المآسي خيال شاعر لا حقيقة واقع، وافتنان كاتب لا حادثات تاريخ. •••
ينتمي بنو عباد إلى لخم، ثم إلى مناذرة الحيرة، تردد ذكر هذا النسب في أقوالهم وأقوال من أرخوا لهم أو مدحوهم:
অজানা পৃষ্ঠা
من بني المنذرين وهو انتساب
زاد في فخرهم بنو عباد
فتية لم تلد سواها المعالي
والمعالي قليلة الأولاد
وفد جدهم نعيم وابنه عطاف من العريش إلى الأندلس، واستوطنا إقليم إشبيلية، ويعلم أن جدهم إسماعيل بن عباد، وهو جد المعتضد، اتصل بالمنصور بن أبي عامر فولاه القضاء فلبث قاضيا إلى أن اضمحلت الدولة الأموية في أوائل القرن الرابع الهجري، ثم خلفه في القضاء والرياسة ابنه محمد بن إسماعيل القاضي جد المعتمد، عظمت مكانته وهو قاض، وكان يحيى بن علي بن حمود الحسني الملقب بالمستعلي، تغلب على قرطبة أيام اضطراب الدولة الأموية فذهب إلى إشبيلية محاصرا، فاجتمع أهلها وبايعوا القاضي على الإمارة، وقد مكن لملكه برجل ادعى أنه هشام المؤيد بن الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر - وكانت أخباره انقطعت منذ نيف وعشرين سنة ثم قيل: إنه حي في قلعة من قلاع الأندلس - فدعاه القاضي وجعل له اسم الملك ووطد به سلطانه، وثبت إمارته حتى توفي الرجل المدعو هشاما فاستبد القاضي محمد بن إسماعيل بالملك، وكان أديبا شاعرا جوادا حسن السياسة. •••
وأبدأ الكلام في بني عباد بجمل للفتح بن خاقان صاحب «مطمح الأنفس» و«قلائد العقيان». وكلامه كلام كاتب متنوق لا مؤرخ محقق، والقصد في هذا المقال ذكر المعتمد بن عباد في حالي نعيمه وبؤسه، وإثبات طرف من أخبار بني عباد في معرض الأدب وفي زينة الشعر والنثر في غير إخلال بالتاريخ ولا تحريف للحقائق؛ ليجمع القارئ بين حوادث التاريخ الأندلسي، وصور من أدب الأندلسيين في ذلك العصر.
قال الفتح بن خاقان في كتابه مطمح الأنفس وهو يذكر الوزير أبا القاسم محمد بن عباد وهو أول من ملك منهم:
هذه بقية منتماها في لخم،
1
ومرتماها إلى مفخر ضخم، وجدهم المنذر بن ماء السماء، ومطلعهم في جو تلك السماء.
অজানা পৃষ্ঠা
وبنو عباد ملوك أنس بهم الدهر، وتنفس منهم عن أعبق الزهر، وعمروا ربع الملك، وأمروا بالحياة والهلك.
ومعتضدهم أحد من أقام وأقعد، وتبوأ كاهل الإرهاب واقتعد، وافترش من عريسته، وافترس من مكايد فريسته، وزاحم بعود، وهد كل طود، وأخمل كل ذي زي وشارة، وقتل بوحي وإشارة.
ومعتمدهم كان أجود الأملاك، وأحد نيرات تلك الأفلاك.
إلى أن يقول:
والقاضي أبو القاسم هذا جدهم، وبه سفر مجدهم، وهو الذي اقتنص لهم الملك النافر، واختصهم منه بالحظ الوافر، فإنه أخذ الرياسة من أيدي جبابر، وأضحى
2
من ظلالها أعيان أكابر ... وفاز من الملك بأوفر حصة، وغدت سمته به صفة مختصة، فلم يمح رسم القضاء، ولم يتسم بسمة الملك مع ذلك النفوذ والمضاء، وما زال يحمي حوزته، ويجلو غرته، حتى حوته الرجام، وخلت منه تلك الآجام.
وانتقل الملك إلى ابنه المعتضد، وحل منه في روض نمق له ونضد ... وتسمى بالمعتضد بالله، وارتمى إلى أبعد غايات الجود بما أناله وأولاه، لولا بطش في اقتضاء النفوس كدر ذلك المنهل، وعكر في أثناء ذلك صفو العل والنهل ، وما زال للأرواح قابضا، وللوثوب عليها رابضا، يخطف أعداءه اختطاف الطائر من الوكر، وينتصف منهم بالدهاء والمكر، إلى أن أفضى الملك إلى ابنه المعتمد فاكتحل منه طرفه الرمد، وأحمد مجده، وتقلد منه أي بأس ونجدة، ونال به الحق مناه، وجدد سناه، وأقام في الملك ثلاثا وعشرين سنة لم تعدم له فيها حسنة، ولا سيرة مستحسنة، إلى أن غلب على سلطانه، وذهب به من أوطانه، فنقل إلى حيث اعتقل، وأقام كذلك إلى أن مات، ووارته تربة أغمات.
هذه كلمات الفتح، وأثبت هنا كذلك قول ابن اللبانة الشاعر - وهو الشاعر الوفي، مدح المعتمد أميرا، وأشاد به وواساه أسيرا - وسيأتي طرف من شعره في المعتمد.
قال في بني عباد:
অজানা পৃষ্ঠা
بماذا أصفهم وأحليهم، وأي منقبة من الجلالة أوليهم، فهم القوم تجل مناقبهم عن العد والإحصاء، ولا يتعرض لها بالاستيفاء والاستقصاء، ملوك بهم زينب الدنيا وتحلت، وترقت حيث شاءت وحلت، إن ذكرت الحروب فعليهم يوقف منها على الخبر اليقين، أو عدت المآثر فهم في ذلك في درجة السابقين، أصبح الملك بهم مشرق القسام، والأيام ذات بهجة وابتسام، حتى أناخ بهم الحمام، وعطل من محاسنهم الوراء والأمام، فنقل إلى العدم وجودهم، ولم يرع بأسهم وجودهم، وكل ملك آدمي فمفقود، وما نؤخره إلا لأجل معدود.
فأول ناشئة ملكهم، ومحصل الأمر تحت ملكهم، عظيمهم الأكبر، وسابقة شرفهم الأجل الأشهر، وزينهم الذي يعد في الفضائل بالوسطى والخنصر، محمد بن عباد ويكنى أبا القاسم، ابن إسماعيل.
وقال ابن اللبانة يصف المعتضد خاصة، وهو ثاني أمرائهم:
المعتضد أبو عمرو عباد - رحمه الله تعالى - لم تخل أيامه في أعدائه من تقييد قدم، ولا عطل سيفه من قبض روح وسفك دم؛ حتى لقد كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رءوسا، ولا تنبت إلا رئيسا ومرءوسا.
3
فكان نظره إليها أشهى مقترحاته، وفي التلفت إليها استعمل جل بكره وروحاته، فبكى وأرق، وشتت وفرق، ولقد حكي عنه من أوصاف التجبر ما ينبغي أن تصان عنه الأسماع، ولا يتعرض له بتصريح ولا إلماع.
ويقول المراكشي :
وكان قد اتخذ خشبا في حديقة قصره جللها برءوس الملوك والرؤساء عوضا عن الأشجار التي تكون في القصور، وكان يقول: في مثل هذا البستان فليتنزه. وجملة أمر هذا الرجل أنه كان أوحد عصره شهامة وصرامة وشجاعة قلب، وحدة نفس، كانوا يشبهونه بأبي جعفر المنصور من ملوك بني العباس، وكان قد استوى في فخامته ومهابته القريب والبعيد لا سيما منذ قتل ابنه وأكبر أولاده المرشح لولاية عهده.
وفي كلام المراكشي تفسير قول الفتح: كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رءوسا!
وقال ابن بسام في «الذخيرة»:
অজানা পৃষ্ঠা
وكان قد أوتي أيضا من جمال الصورة وتمام الخلقة، وفخامة الهيئة وسباطة البنان، وثقوب الذهن، وحضور الخاطر، وصدق الحدس ما فاق على نظرائه.
ونظر مع ذلك في الأدب - قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان - أدنى نظر، بأزكى طبع، حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها، ولا إمعان النظر في غمارها، ولا إكثار من مطالعتها، ولا منافسة في اقتناء صحائفها، أعطته سجيته على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطع من الشعر ذات طلاوة ظاهرة في معان أمدته فيها الطبيعة، وبلغ فيها الإرادة، واكتتبها الأدباء للبراعة، جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف بارى السحاب بها.
وتوفي المعتضد سنة 433ه بعد أن وسع ملكه، ومكن سلطانه، وأرهب أعداءه، وخلد في الأدب ذكره بلسانه ولسان شعرائه.
وأما المعتمد فالواصفوه كثيرون، وقد افتن الشعراء في مناقبه ومآثره، وأولع الكتاب بأخباره وآثاره.
يقول ابن اللبانة:
4
ملك مجيد، وأديب على الحقيقة مجيد، وهمام تحلى به للملك لبة وللنظم جيد، أفنى الطغاة بسيفه وآد؛ وأنسى بسيبه ذكر الحارث بن عباد، فأطلع أيامه في الزمان حجولا وغررا، ونظم معاليه في أجيادها جواهر ودررا، وشيد في كل معلوة فناءه، وعمر بكل نادرة مستغربة وبادرة مستظرفة أوقاته وآناءه، فنفقت به للمحامد سوق، وبسقت ثمرات إحسانه أي بسوق، منع وقرى، وراش وبرى، ووصل وفرى.
وكان له من أبنائه عدة أقمار نظمهم نظم السلك، وزين بهم سماء ذلك الملك ، فكانوا معاقل بلاده وحماة طارفه وتلاده، إلى أن استدار الزمان كهيئته، وأخذ البؤس في فيئته، وأثمر الخلاف وظهر، وسل الشتات سيفه وشهر، والمعتمد - رحمه الله تعالى - يطلب نفسه في أثناء ذلك بالثبات بين تلك الثبات، والمقام في ذلك المقام، إلى أن بدل القطب بالواقع، واتسع الخرق على الراقع.
فاستعضد بابن تاشفين؛ فورد عليه كتابه يشعر بالوفاء، فثاب إليه فكر خاطره وفاء، وثبت خلال تلك المدة للنزال، ودعا من رام حربه نزال، إلى أن أصبح والحروب قد نهبته، والأيام تسترجع منه ما وهبته، فثل ذلك العرش، واعتدت الليالي حين أمنت من الأرش، فنقل من صهوات الخيول إلى بطون الأجفان،
5
অজানা পৃষ্ঠা
وهذه الدنيا جميع ما لديها زائل، وكل من عليها فان، فما أغنت تلك المملكة وما دفعت، وليتها ما ضرت؛ إذ لم تكن نفعت، وكل يلقى معجله ومؤجله، ويبلغ الكتاب أجله.
ونقل المقري قول علي بن القطاع في كتابه «لمح الملح» عن المعتمد بن عباد:
أندى ملوك الأندلس راحة، وأرحبهم ساحة، وأعظمهم سمادا، وأرفعهم عمادا، ولذلك كانت حضرته ملقى الرحال، وموسم الشعراء، وقبلة الآمال، ومألف الفضلاء؛ حتى إنه لم يجتمع بباب أحد من ملوك عصره من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء ما كان يجتمع ببابه وتشتمل عليه حاشيتا جنابه.
وفي «نفح الطيب»:
وقال الفقيه القاضي أبو بكر بن خميس - رحمه الله تعالى - حين ذكر تاريخ بني عباد: وقد ذكر الناس للمعتمد من أوصافه ما لا يبلغ مع كثرته إلى إنصافه، وأنا الآن أذكر نبذة من أخباره، وأردفها بما وقفت عليه من منظومات أشعاره، فإنه - رحمه الله تعالى - جم الأدب رائعه، عالي النظم فائقه.
6
ويقول المراكشي في كتاب المعجب:
وكان المعتمد هذا يشبه بهارون الواثق بالله من ملوك بني العباس، ذكاء نفس وغزارة أدب، وكان شعره كأنه الحلل المنشرة، واجتمع له من الشعراء وأهل الأدب ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك الأندلس، وكان مقتصرا من العلوم على علم الأدب وما يتعلق به وينضم إليه.
وكان فيه مع هذا من الفضائل الذاتية ما لا يحصى ؛ كالشجاعة والسخاء والحياء والنزاهة، إلى ما يناسب هذه الأخلاق الشريفة، وفي الجملة فلا أعلم خصلة تحمد في رجل إلا وقد وهبه الله منها أوفر قسم، وضرب له فيها بأوفى سهم، وإذا عدت حسنات الأندلس من لدن فتحها إلى هذا الوقت؛ فالمعتمد هذا أحدها بل أكبرها.
هذا كلام مؤلف من المغرب عاش في القرن السابع، بعد المعتمد بقرنين لا يمدح رغبة ولا رهبة، ولست أوافقه في كل ما قال، ولكني أنقل قوله وقول غيره؛ إشهادا على ما اعتقده أدباء الأندلس والمغرب وشعراؤها ومؤرخوها في المعتمد بن عباد، وما كان لسيرته من الأثر في نفوس أهل عصره، والعصور التي تلته.
অজানা পৃষ্ঠা
وقال مؤلف نفح الطيب بعد نقل طرف من أخبار المعتمد:
وأخبار المعتمد بن عباد، وما رآه من الملك والعز في كل حاضر وباد، وما قاساه في الأسر، من الضيق والعسر وسوء العيش، أمر عجيب يتعظ به العاقل الأريب. وأما ما مدحته به الشعراء، وأجوبته لهم في حالي يسره وعسره، وملكه وأسره، وطيه ونشره، وتجهمه وبشره، فهو كثير، وفي كتب التاريخ منه نظيم ونثير، وقد قدمنا منه في هذا الكتاب ما يبعث الاعتبار ويثير.
7
وقال ابن بسام في «الذخيرة»:
كان للمعتمد بن عباد شعر كما انشق الكمام عن الزهر، لو صار مثله ممن جعل الشعر صناعة، واتخذه بضاعة، لكان رائعا معجبا ونادرا مستغربا ... والعجب من المعتمد أنه مري سحابه في كلتا حالتيه فصاب، ودعا خاطره فأجاب، ولا تراجع له طبع، في الملك ولا بعد الخلع، بل يومه في هذا الشأن دهر، وحسنته في هذا الديوان عشر.
وقال الفتح بن خاقان في قلائد العقيان:
8
ملك قمع العدا، وجمع الباس والندى، وطلع على الدنيا بدر هدى، لم تتعطل يوما كفه ولا بنانه، آونة يراعه وآونة سنانه، وكانت أيامه مواسم، وثغور بره بواسم، ولياليه كلها دررا، وللزمان أحجالا وغررا، لم يغفلها من سمات عوارف، ولم يضحها من ظل إيناس وارف، ولا عطلها من مأثرة بقي أثرها باديا، ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا، وكانت حضرته مطمحا للهمم، ومسرحا لآمال الأمم، وموقفا لكل كمي، ومقذفا لذي أنف حمي، لم تخل من وفد، ولم يصح جوها من انسجام رفد، فاجتمع تحت لوائه من جماهير الكماة، ومشاهير الحماة، أعداد يغص بهم الفضاء، وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضاء، وطلع في سمائه كل نجم متقد، وكل ذي فهم منتقد، فأصبحت حضرته ميدانا لرهان الأذهان، وغاية لرمي هدف البيان، ومضمارا لإحراز خصل، في كل معنى وفصل، فلم يرتسم في زمامه إلا بطل نجد، ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد، فأصبح عصره أجمل عصر، وغدا مصره أكمل مصر، تسفح فيه ديم الكرم، ويفصح فيه لسانا سيف وقلم، ويفضح الرضي في وصفه أيام ذي سلم.
9
وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زينا، ولتلك الجملة عينا، إن ركبوا خلت الأرض فلكا يحمل نجوما، وإن وهبوا رأيت الغمام سجوما، وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي، وإن فخروا أقصر عرابة الأوسي. ثم انحرفت الأيام فألوت بإشراقه، وأذوت يانع إيراقه، فلم يدفع الرمح ولا الحسام، ولم تنفع تلك المنن الجسام، فتملك بعد الملك، وحط من فلكه إلى الفلك.
অজানা পৃষ্ঠা
المعتمد والأدب
نشأت دول الطوائف الأندلسية في القرن الخامس الهجري، وهو عصر زهر بالعلوم والآداب في الأندلس، على ما كان فيها من اضطراب سياسي أطاح بدولة الخلافة الأموية وزاده سقوط الخلافة شدة وانتشارا.
والقرن الخامس في الأندلس كالقرن الرابع في المشرق الإسلامي؛ اضطربت فيه دولة الخلافة وتقلص ظلها ونشأت منها دول صغيرة تنافست في دعوة العلماء والأدباء، وتبارت في الاحتفاء بمن يفد إليها من الشعراء، وإغداق العطاء لهم؛ رغبة في حسن السمعة، وبعد الصيت.
نشأت دول الطوائف في الأندلس في القرن الخامس كما نشأت في المشرق دول السامانيين والبوبهيين والغزنويين والحمدانيين وغيرها.
وأرى أن سير العلم والأدب في الأندلس يتأخر قرنا عن سيره في المشرق، فكبار الفلاسفة ونوابغ الشعراء والكتاب الأندلسيين يتأخرون في الجملة عن نظرائهم في المشرق قرنا، ولهذا أسباب لا يتسع لها هذا المجال.
تنافست دول الطوائف في الأندلس في المكارم والمفاخر، وفي تشييد الأبنية، وفي الاعتزاز بالعلماء والأدباء والشعراء الذين ينعمون في ظلالها ويتنافسون في تخليد مآثرها وتسيير ذكرها في كتب التاريخ والعلم والأدب. •••
وبنو عباد كانوا أكثر ملوك الطوائف حظا من القوة وسعة السلطان وبعد الصيت، وأوفرهم نصيبا في وفود الأدباء والشعراء والعلماء إليهم؛ بما تسلطوا على إشبيلية وقرطبة وما يتبعهما، وكانت قرطبة حاضرة الخلافة الأموية ومركز العلوم والآداب ثلاثة قرون، في عهد الأمويين، وبلغت فيها الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس أوجها.
وبنو عباد عرب من لخم ورثوا السيادة والعزة وورثوا حب الأدب، ولا سيما نظم الشعر والإعجاب به والمشاركة فيه والإثابة عليه.
يقول الأستاذ بالنثيا في كتابه «تاريخ الفكر الأندلسي»:
1
অজানা পৃষ্ঠা
وكان الحال في إشبيلية شبيها بما كان عليه في المرية؛ إذ طغى الشعر فيها على ما عداه من أضرب الأدب في ظل بني عباد، ولقد كان المعتضد والمعتمد من أعلام الشعراء، ومن ثم لا نستغرب أن يكون بلاطهما مدرسة تخرج فيها أهل الآداب، وقد وصلت الخمريات وشعر النسيب والغزل أعلى درجات الكمال في هذا البلاط المصقول؛ حيث عجز شعراء مجيدون - من طبقة علي بن حصن، وابن حمديس الصقلي وأبي بكر بن زيدون وأبي بكر بن اللبانة وغيرهم كثيرون - عن إدراك ما وصل إليه ابن عمار وزير المعتمد النابه الذكر المنكود الحظ من تحليق في سماء الشعر، وقصروا كذلك في ملاحقة اعتماد نفسها زوج المعتمد وجارية رميك التاجر الإشبيلي قبله، فضلا عن مجاراة الملك الشاعر المعتمد فيما أبدعه من رائع القصيد، والحق أن المعتمد وفق أيام مجده وسعوده إلى درجة من التجويد مكنت له من أن يصل بشعره في أبواب الغزل ووصف مجالس السرور ووصف الحرب والنصر إلى آفاق استدرت إعجاب البدو أنفسهم.
وثبت هذا أن ينظر القارئ فيما كان بين المعتمد وكبار الشعراء من تقارض الشعر في أحوال شتى، سيجد القارئ أن المعتمد لم يقصر في مجاراة ابن زيدون وابن عمار وابن حمديس وابن اللبانة بل يجده مبرزا عليهم أحيانا، وسيمر بالقارئ كثير من تقارض الشعر بين المعتمد وشعرائه في نعيمه ودولته وبؤسه ومحنته.
وحسبنا هنا شهادة لسان الدين بن الخطيب، وما نقله عن ابن الصيرفي، قال عن المعتمد:
كنيته أبو القاسم، وهو الجواد الشجاع البليغ، ذو الأخبار الشهيرة الذكر، والأنباء الموروثة على الدهر، قال ابن الصيرفي:
المعتمد على الله محمد بن عباد نسيج وحده في الجود، وأصلب نظرائه مكسر عود، فذ في البلاغة، طرف في الشعر والكتابة، بارع النظم والنثر، كثير الأدب، جزل الألفاظ، كثير المعاني، حسن المآخذ، لدن معاطف الكلام، رقيق الحاشية، كثيف المتن، كثير البديع، رائق الديباجة، لائق الاستعارة، حسن الإشارة، جم التوليد، لم ينشده من الوزراء والشعراء أشعر منه، على كثرة ما اجتلب إليه من أعلامه الثناء، ونثر عليه من در الحمد، ووضع في يديه من حر القريض.
2
كان المعتمد شاعرا مجيدا رقيق الطبع، مرهف الحس، يعرب بالشعر عن عواطفه، ويسجل به خواطره في فرحه وترحه، وجده وهزله.
كان هو شاعرا والرميكية أم أولاده شاعرة، وكان بنوه شعراء، ومنهم من ترجم له بين أدباء الأندلس، وكانت بنته بثينة شاعرة ذكرت في الشواعر الأندلسيات.
وسيأتي ذكر أولاد المعتمد وزوجه وأمثلة من شعرهم في الفصول الآتية.
شعر المعتمد في دولته
অজানা পৃষ্ঠা
سيمر القارئ بكثير مما نظم المعتمد زفرات وحسرات في أربع السنين التي احتواه فيها الأسر في المغرب.
وأثبت هنا بعض ما نظم أيام عزته وصولته في دولة أبيه المعتضد ودولته، في معاهد أنسه وأندية سمره ومجالس أدبه، وفي خطاب الأدباء وملاطفة الخلطاء.
مما نظم في عهد أبيه المعتضد أبيات أرسلها إليه حين أرسله قائد جيش إلى مالقة فانهزم فغضب أبوه غضبا شديدا وعنفه واتهمه أنه ضيع الحزم باللهو واللعب:
لم أوت من زمني شيئا ألذ به
فلست أعرف ما كأس ولا وتر
ولا تملكني دل ولا خفر
ولا سبا خلدي غنج ولا حور
رضاك راحة نفسي لا فجعت به
فهو العتاد الذي للدهر أدخر
وهو المدام التي أسلو بها فإذا
অজানা পৃষ্ঠা
عدمتها وقدت في قلبي الفكر
أجل لي راحة أخرى كلفت بها
نظم الكلى في القنا والهام تنتثر
وتوجه إليه الوزير أبو الأصبغ بن أرقم رسولا من المعتصم بن صمادح ملك المرية ومعه الوزير أبو عبيد البكري والقاضي أبو بكر بن صاحب الأحباس، فلما قارب إشبيلية أرسل إلى المعتمد أبيات منها:
يا مالكا عظمته العرب والعجم
وواحدا وهو في أثوابه أمم
إنا وردناك والأقطار مظلمة
والبدر يرجى إذا ما التخت الظلم
فكتب المعتمد إليه:
حثوا المطي ولو ليلا بمجهلة
অজানা পৃষ্ঠা
فلن تضلوا ومن بشري لكم علم
لأنتم القوم إن خطوا يجد قلم
وإن يقولوا يصب فصل الخطاب فم
لا عي إن رقموا كتبا ولا حصر
إذ ينتدون ولا جور إذا حكموا
أقدم أبا الأصبغ المودود تلق فتى
هش المودة لا يزري به سأم
هذا فؤادي قد طار السرور به
إن كنت تنقلك الوخادة الرسم
سأكتم الليل ما ألقاه من بعد
অজানা পৃষ্ঠা
وأسأل الصبح عنكم حين يبتسم
وقال المعتمد في معاهد نعيمه وأنسه في إشبيلية:
ولقد شربت الراح يسطع نورها
والليل قد مد الظلام رداء
حتى تبدى البدر في جوزائه
ملكا تناهى بهجة وبهاء
لما أراد تنزها في غربه
جعل المظلة فوقه الجوزاء
وتناهضت زهر النجوم يحفه
لألاؤها فاستكمل اللألاء
অজানা পৃষ্ঠা
وترى الكواكب كالمواكب حوله
رفعت ثرياها عليه لواء
وحكيته في الأرض بين مواكب
وكواعب جمعت سنا وسناء
إن نشرت تلك الدروع حنادسا
ملأت لنا هذي الكئوس ضياء
1
وإذا تغنت هذه في مزهر
لم تأل تلك على التريك غناء
وقال وقد لمع البرق فارتاعت جارية كانت تسقيه:
অজানা পৃষ্ঠা
يروعها البرق وفي كفها
برق من القهوة لماع
يا ليت شعري وهي شمس الضحى
كيف من الأنوار ترتاع
وله مع شعرائه مساجلات تدل على أنه لا يتخلف عنهم في النظم روية وارتجالا، ولا يقع دون كبار الشعراء في لفظه ومعناه، ويقول ابن حمديس في ختام قصيدة مدح بها المعتمد:
إنا لنخجل في الإنشاد بين يدي
رب القوافي التي حلين بالفقر
من ملك الله حسن القول مقوله
فلو رآه ابن حجر عاد كالحجر
ولا أطيل في الكلام على شعر المعتمد، فليرجع القارئ إلى ديوانه؛ ففيه ألوان من الشعر تدل على طبع شاعر، وخيال بعيد، وتصرف في المعاني والألفاظ بارع.
অজানা পৃষ্ঠা
2 (1) الشعراء الذين صحبوا المعتمد
نقلت آنفا قول ابن القطاع في المعتمد:
كانت حضرته ملقى الرحال، وموسم الشعراء، وقبلة الآمال ومألف الفضلاء، حتى إنه لم يجتمع بباب أحد من ملوك عصره من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء ما كان يجتمع ببابه.
وكيف لا يقصد الشعراء والأدباء - في عصر زها فيه الشعر والأدب - ملكا أديبا شاعرا يأنس بهم، ويغدق عليهم العطاء، ويصادقهم ويجلهم، ويتخذ منهم وزراء وندماء.
وهذا ذكر من عرفوا بصحبة المعتمد من شعراء الأندلس؛ ومن هؤلاء ثلاثة ذهبوا مثلا سائرا في الوفاء، وسيأتي ذكرهم في محنة المعتمد؛ وهم: ابن اللبانة، وابن حمديس، وأبو بحر بن عبد الصمد. (1-1) أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة
أذكره هنا في جملة شعراء المعتمد. وأعظم مآثر هذا الشاعر وأكبر مفاخره وفاؤه للأمير في أسره، ومواساته في محنته، وسيأتي ذكره في أيام هذه المحنة، فحسبي هنا أن أقول: إنه اتصل ببني عباد منذ أيام المعتضد وأحسن مدحهم وأحسنوا جزاءه.
ومن مدائحه موشحة أولها:
3
كم ذا يؤرقني ذو حدق
مرضى صحاح
অজানা পৃষ্ঠা