يقول لصاحبه وقد عاتبه على تركه رد السلام: أنا متغضب لأجل غضبك، ومتعجب بسبب ما تعجبت! من تركي للجواب لك؛ لأني كنت حين رأيتني متوجعًا لغيبتك، التي كانت قبل رؤيتي إياك، فلما رأيتني كنت مدهوشًا، فشغلتني دهشتي وفكري فيك، عن رد السلام عليك، فكان شغلي عن رد السلام بك.
وقال أيضًا في صباه في الحماسة:
إذا لم تجد ما يبتر الفقر قاعدًا ... فقم واطلب الشيء الذي يبتر العمرا
يقول لنفسه، أو لرفيقه: إذا لم تجد الشيء الذي يقطع الفقر وأنت قاعد! وهو: إما القناعة، وإما المال. فقم واطلب الشيء الذي يقطع العمر، وهو السيف الذي يوصلك إلى مبتغاك فتنال ما تريد أو تقتل.
وقال أيضًا في صباه يستبطىء عطاء ممدوحه:
انصر بجودك ألفاظًا تركت بها ... في الشرق والغرب من عاداك مكبوتًا
فقد نظرتك حتى حان مرتحلٌ ... وذا الوداع فكن أهلًا لما شيتا
روى: أبياتًا بدل ألفاظًا. ومكبوتًا: أي مردودًا بغيظه. ونظرتك: أي انتظرتك. ومرتحل: أي ارتحالي، أو وقت ارتحالي. وانصر: من قولك نصر المطر الأرض إذ جاد عليها.
يقول: اسق بجودك ما قلت لك من الأشعار، التي قد مدحتك بها، فإني قد تركت بسببها من عاداك، مردودًا بغيظه في الشرق والغرب؛ لأن ما قلته يروى أبدًا فيغيظ أعداءك، أو لأن أعداءك طلبوا مني مدحهم، فاخترتك عليهم ومدحتك دونهم فغظتهم بذلك، فأجزني على ذلك، فقد طال انتظاري لعطائك حتى حان الارتحال، وهذا الوداع قد حضر فكن أهلًا لما شئت إن أعطيتني شكرتك وإن أحرمتني شكوتك وهجوتك.
وقال أيضًا في صباح يمدح بعض أمراء حمص ولم ينشدها أحدًا:
حاشى الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فانهلت بوادره
حاشى: أي أظهر سره. وروى خاشا: أي توقا وتجنب وفاعله مضمر تقديره خاشا المحب الرقيب، وكذلك غيض المحب الدمع، والضمير: في ضمائره، وخانته يعود إلى الفاعل المضمر، وهو: المحب. وفي بوادره: إلى الدمع.
يقول: إن المحب باعد الرقيب وتوقاه كأنما سره فخانته ضمائره؛ حيث لم يمكنه ستره لغلبة الجزع. وغيض هذا المحب أيضًا دمعه وحبسه، فلم يمكنه ذلك، فانسكبت بوادره وسوابقه من شدة الجزع وفرط الهوى، فظهر للرقيب ما كان يكاتمه وانهتك له ستره.
وكاتم الحب يوم البين منهتكٌ ... وصاحب الدمع لا تخفى سرائره
وروى: وكاتم الوجد. وصاحب الوجد. أيضًا.
هذا البيت تفسير للبيت الأول. يقول: كاتم الحب، يوم الفراق مفتضح، وصاحب الوجد، تظهر سرائره بدموعه.
لولا ظباء عديٍّ ما شقيت بهم ... ولا بربربهم لولا جآذره
الربرب: القطيع من بقر الوحش. والجآذر: جمع جؤذر، وهو ولد البقرة الوحشية. والمراد بالربرب والظباء: النساء. وبالجآذر: الصبايا والفتيات.
يقول: لولا نساء هذه القبيلة وجواريهم، ما شقيت بهم، ولا ابتليت بهواهم، فكأنه يقول: إني أحب رجال عديٍّ لحبي نساءهم وجواريهم، أو رأى من حيث الأدب أن ينسب شقاءه إلى قوم محبوبته، وإن كان مقصوده المحبوبة. وقال ابن فورجة: يقال شقي فلان بقوم: إذا أبغضوه؛ فكأنه يقول: لولا نساء عديٍّ وجواريهم، ما شقيت برجال هذه القبيلة؛ يعني أنهم إنما أبغضوني لذلك فلولاهن ما أبغضوني.
من كل أحور في أنيابه شنبٌ ... خمرٌ يخامرها مسكٌ تخامره
الأحور: الصافي بياض العين وسوادها، مع سعة العين. والشنب: برد ماء الأسنان، وعذوبته. وقيل: صفاء الأسنان. وقيل: حدتها. والمخامر: المخالط. وخمر: بدل من شنب، فكأنه يقول في أنيابه خمر. ويجوز أن يكون خمر وما بعدها، صفة لشنب. لأن النكرة توصف بالجملة، والهاء في مخامرها: للخمرة لأنها تأنث في الأغلب، وفي تخامره: للمسك. والتاء: للخمر.
يقول: كل واحد من الظباء، حسن العينين، في أسنانه بياض وصفاء، وماء بارد، خالطته خمر، وخالط تلك الخمرة مسك، يصف بذلك عذوبة فم الحبيب وشبهه بالخمر لما فيها من اللذة، ووصف طيب رائحته فشبهه بالمسك.
نعجٌ محاجره دعجٌ نواظره ... حمرٌ غفائره سودٌ غدائره
1 / 34