يقول: بحق ما بجفنيك من سحرٍ، صلى من تناهى في المرض؛ حزنًا على البعد منك؛ فإنه إنما يهوى الحياة إن واصلت، وإن لم تصلى فلا يهوى الحياة. فلا هنا جواب إن كقوله تعالى: " وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلامٌ لك " وروى: بما بجفنيك من سقمٍ وقوله: يهوى الحياة في موضع نصب صفة لدنف.
إلا يشب فلقد شابت له كبدٌ ... شيبًا إذا خضبته سلوةٌ نصلا
قوله إلا يشب: فاعل يشب ضمير الدنف الذي ذكره في البيت قبله.
يقول: إلا يشب الشعر فقد شابت الكبد، شيبًا أعظم من شيب الرأس؛ من حيث أن شيب الشعر يقبل الخضاب، وشيب الكبد لا يقبله فكلما خضبته السلوة نصل الخضاب في الحال، وشيب الكبد لا يقبله، كناية عن ضعفها. ومثله لأبي تمام قوله:
شاب رأسي وما رأيت مشيب الرأ ... س إلا من فضل شيب الفؤاد
وزاد المتنبي عليه بذكر الخضاب، والنصول، قيل إنها تصفر وقيل إنها تبيض عندما تصيبها الآفة كما قال الحكمي:
يا دعد قد أصبحت مبيضةً كبدي ... فاصبغي بياضًا بعصفر العنب
إلا أن لفظة المشيب لا تطلق على كل البياض.
يحن شوقًا فلولا أن رائحةً ... تزوره في رياح الشرق ما عقلا
يقول: إن هذا المحب يحن شوقًا إلى محبوبته، فلولا أن رائحةً من رياح الشرق تأتيه لما عقل؛ كأن المحبوبة كانت في جانب الشرق. وروى: زياد الشوق والأول أكثر. وروى: يجن أي يظهر الجنون؛ وهذا أولى بالمطابقة.
ها فانظري أو فظني بي ترى حرقًا ... من لم يذق طرفًا منها فقد وألا
ها: تنبيه المخاطب لما بعده.
يقول: لمحبوبته: انظري إلي لتدري ما بي من الحزن، فإن لم تريني أهلًا للنظر فظني بي ترى حرقًا من لم يذق بعضًا منها فقد وأل: أي نجا من البلاء، من وأل يئل إذا نجا.
عل الأمير يرى ذلي فيشفع لي ... إلى التي تركتني في الهوى مثلا
عل: بمعنى لعل، يقول: لعل الأمير الذي هو الممدوح إذا رأى ذلي يتشفع لي، إلى المرأة التي تركتني في الهوى مثلًا مضروبًا كسائر العشاق من العرب؛ ووجه تشفعه إليها أن يصل جناحه بما يصل به إلى المراد بها، ويحظى عندها لمكانه منها. وهذا مأخوذ من قول أبي نواس.
سأشكو إلى الفضل بن يحى بن خالد ... هناها لعل الفضل يجمع بيننا
أيقنت أن سعيدًا طالبٌ بدمي ... لما بصرت به بالرمح معتقلا
يقول: لما رأيت الممدوح وهو سعيد معتقلا برمحه على هيئة المحاربين، تحققت أنه يطلب بدمي من هذه المرأة القاتلة لي، على سبيل القتل والقصاص منها، لأن قتل النساء نقص، ولكن من حيث أن عادته اغتنام الأموال في الحرب، لأن ذلك كسب الشجعان، وإن المال الذي يغتنمه يجعل له حظًا منه ليصل إلى مراده منها، وانتقل الرجاء الذي في البيت الأول إلى اليقين، من حيث أنه قد رآه تأهب للحرب، لأنه إذا حارب يظفر بالأعداء وينهب الأموال، وإذا نهبها فرقها، لأن خلاف ذلك من البخل.
وقد قيل: إن هذا البيت منقطع عما قبله كأنه يقول: لما رأيته كذلك أيقنت أنه ينتقم من أعدائي.
وأنني غير محص فضل والده ... ونائلٌ دون نيلي وصفه زحلا
قوله نائل: اسم فاعل، من نال الشيء يناله. ومفعوله: زحل ونيلي: مصدر مضاف إلى فاعله، وهو ضمير المتكلم، ومفعوله: وصفه.
يقول: إني لا أحصي فضل والده، فجمع بين مدحه ومدح والده. يقول: وإني نائل زحلًا قبل أن أنال وصف والده. وروى فضل نائله فيكون مدحًا له.
قيلٌ بمنبج مثواه ونائله ... في الأفق يسأل عمن غيره سألا
القيل: الملك من ملوك حمير. ومنبج: بلد بالشام.
يقول: إن الممدوح ملكٌ، مقامه بمنبج. وعطاؤه في أفق الدنيا؛ يستخبر عمن يطلب من غيره العطاء، حتى يدل عليه بالسؤال الأول، وهو الاستخبار، والثاني: الذي هو سأل السؤال الذي هو طلب العطاء وهو كقول أبي تمام:
فأضحت عطاياه نوازع شردا ... تسائل في الآفاق عن كل سائل
يلوح بدر الدجى في صحن غرته ... ويحمل الموت في الهيجاء إن حملا
روى: الهيجاء بالمد فتكون حينئذ في الهيجاء إن حملا. وروى: مقصورًا، فعلى هذا يكون في الهيجا إذا حملا.
يقول: إن الممدوح موصوف بخصلتين: إحداهما: الحسن وهو قوله:
يلوح بدر الدجى في صحن غربته
1 / 13