وإن أشرفهم على الإطلاق سيد الأنام، محمد عليه أفضل الصلاة، وأزكى السلام، وإن أشرف علم ورثه أمته هذا الذكر، الذي تكفل الله بحفظه، وأنزله وحيا من عنده، وجعله روحا من أمره، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم به من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم؛ ألا وهو الذكر الحكيم، والقرآن العظيم، المتعبد بتلاوته. ثم البيان المبين لأحكامه كما قال منزله وحافظه سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
[النحل: 44]
ولما كان الذكر هو كلام الله بألفاظه، ومعانيه، محفوظا بحفظه - سبحانه وتعالى. فحفظت ألفاظه في الصدور، وبين ثنايا السطور، حيث جعل الله تعالى الذكر هو القرآن، والسنة هي البيان، واصطفى من عباده؛ الأخيار من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان في سائر العصور والأمصار، رجالا يحملوه إلى الناس كافة، في كافة الأقطار، والأمصار، لأن الصحابة شاهدوا تنزيله وسمعوا تأويله، فصاروا بذلك شهودا شاهدين، وبتبليغه للخلق مكلفين وبتأويله لكل جاهل عالمين، فامتثلوا أمر نبيهم الأمين: «فليبلغ الشاهد منكم الغائب »، وحققوا قول ربهم العظيم: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا}.
(الأحزاب: 39)
ولقد كان من تمام البيان، أن تصدى النبي صلى الله عليه وسلم لتفسيره وتبيينه، بالمبادرة منه بتبليغ الوحي تارة، أو بإجابة السائلين عن تأويله وبيانه تارة أخرى، وكل ذلك بوحي من الله، تبارك وتعالى - إما بالرسول الأمين جبريل - عليه السلام - تارة
পৃষ্ঠা ১৭