আধুনিক নাগরিক জীবনের জটিলতা
معضلات المدنية الحديثة
জনগুলি
هذا ما أدت إليه سلسلة التفكير في القانون على النمط الروماني، على الضد مما قال به خياليو الكتاب، ومن أيد منهم مذهب سلطة الفرد على أن يكون عادلا، فإن النزعة الرومانية كانت تفضل دائما استبداد الجماهير على عدل الأفراد. ولقد أيدت هذه النزعات نظرية أخرى ظلت بارزة في كل العصور، فقد دلت تجاريب الرومانيين العديدة على أن في المساوئ الاجتماعية قوة تذهب بها إلى حد من الصراع والجلاد تفني فيه إحداها الأخرى، كما يستدل على ذلك بتاريخ الصراع بين الطبقات طول عصر الجمهورية والإمبراطورية، فمهما كان في حكم الجماهير من المساوئ فإن نظام التصويت العام يفسح مجال التناحر أمام المساوئ الاجتماعية، حيث يلقي بها في ذلك الجو الذي يمهد السبيل لأقوم النزعات البشرية لكي تسود على غيرها. •••
كان تصور الحرية بعد تصور القانون الأساس الثاني بل الركيزة الثانية التي قامت عليها الحضارة الرومانية. أخذ الرومان الحرية على أنها تصور لا يقوم للإنسانية من معنى سام أو غاية مثلى في نفس فرد أو جماعة من غير أن ينزل منها منزلة التقديس والاعتقاد بأنها من مقومات الحياة الاجتماعية، بل بأنها أول حق من حقوق الإنسان الطبيعية. ومن أجل أنهم اعتقدوا بأن الحرية تصور ثابت يبعث في النفس روحا حية أبدا، وليست بمذهب يجوز أن يجري عليه حكم المذاهب من حيث البقاء والفناء؛ لهذا استعصى عليهم أن يحددوها بالتعاريف، ولهذا تجد أن المعارك التي قامت بها الطبقات الرومانية في سبيل الدفاع عن حريتها والسبل التي سلكتها في هذا الدفاع مشعبة الأطراف كثيرة الحلقات، وهل كان تحطيم قرطاجنة وتشتيت اليهود إلا حلقتين من هذه الحلقات العديدة؟
كان المحور الذي دارت من حوله تصورات الأمة الرومانية هو الاعتقاد بأن الحرية حق طبيعي يقوم بقيام الفرد أو بتكون الجماعة، وأنه ليس لأحد من سلطة في انتزاعه أو انتقاصه من أطرافه. ذلك هو حق الحرية في أن تمضي الجماعة أو يمضي الفرد مقودا بمقتضى ما يوحي إليه به ضميره من تكييف الحالات التي تحيط به في الحياة، وفي توجيه الفرص التي تسنح له كيفما شاء في حدود القانون العام.
أما الحريات عند الرومانيين فثلاث: حرية الإرادة، وهي عبارة عن حرية الفرد في تحديد أفعاله على مقتضى ما تحتمل نفسيته من تصور لغايات الآداب المثلى. وحرية الفكر، وهي حق الفرد في أن يتبع بلا خوف ولا وجل موحيات عقله، من غير أن يعوقه عن ذلك تدخل السلطات ولا كرهية الجماهير ونزعاتها. والحرية السياسية، وهي حق الفرد في أن يتحرر من عسف السلطات الاختيارية وفي أن يشترك في وضع القوانين العامة أو في صبها في قالب تتطلبه المقتضيات، ولا شبهة في أن هذه الحريات الثلاث هي الغايات المثلى التي تتطلبها الجماعات لتكون حائزة لكامل حريتها.
إن النظر في القانون وتصور الحرية على هذه القواعد شيئان لا بد من أن ينتهي بهما الأمر إلى الجلاد والتناحر على البقاء، ولا مرية في أن الجلاد بينهما يكون تاريخ المدنيات الحديثة التي قامت على أساس القانون والحرية متلازمين منذ بداءة العصر الروماني. على أن التناحر بين القانون والحرية لن ينتهي بانتصار أحدهما على الآخر، أو تنتهي صورة من صور المدنية لتقوم أخرى مقامها، فإن القانون إن انتصر على الحرية أصبح استبدادا، وإن انتصرت الحرية على القانون أصبح الأمر فوضى. أما القاعدة الصحيحة في تنازع القانون والحرية من جهة، وتلازمهما من جهة أخرى، فتنحصر في أن الحرية تمد القانون بكل المهيئات التي تحفظ عليه قسطا من قوة الحياة يسير به دائما في مدارج النشوء والارتقاء، في حين أن القانون يمد الحرية بقسط من النظام يوقفها دائما عند الحد الذي إن تعدته انقلبت فوضى. أما النزاع بين المبدأين فباق، وأما التلازم بينهما فخالد، وكلا الأمرين تقتضيه طبيعة الأشياء الإنسانية، وما مثل المدنية في مظاهر الحياة الاجتماعية إلا كمثل الدقائق المادية في مظاهر الطبيعة، فكما أن في الدقائق قوتي جذب ودفع لا بقاء لكيان الدقائق بغيرهما، كذلك المدنية لا بقاء لها بغير قوتي القانون والحرية. وهذه القوى على تنافرها فيها من قوة التأليف ما لا يتفق لغيرها في عالمي الطبيعة والاجتماع.
وأما نصراء القانون في كل أدوار التاريخ فهم المحافظون، وأما نصراء الحرية فهم الأحرار، وهذان الحزبان قائمان في أحشاء كل حضارة تقوم على القواعد الرومانية ولو لم تظهرهما طبيعة النظام الاجتماعي في بعض الأحيان وتحت تأثير بعض الأحوال، ولقد كان لوجود هذين الحزبين في الحضارة الرومانية نتائج لا تزال آثارها حتى اليوم بارزة في جبين المدنيات الحديثة. •••
هذه هي الآثار التي خلفها التشريع الروماني للحضارات التي قامت بعد العصر الذي ازدهت فيه مدنية الرومان ، وتلك هي الأساليب التي انتجعتها الأمم الحديثة في نهضتها القريبة. وما هذه الآثار وتلك الأساليب إلا مبادئ عامة اقتبستها أمم الشرق الأدنى خلال الخمسين الفارطة من السنين، لتجعلها لنهضتها الحديثة أساسا، وهذا في الواقع أظهر ما في النهضة الشرقية من الآثار، قانون من الجماعة وللجماعة يحدد حريتها، وحريات تهيئ القانون بأسباب الحياة، وصراع بين الناحيتين يمدهما بأسباب البقاء ويهيئ للأمم سبل النشوء والارتقاء.
طابع المدنية الحديثة
مدنية الفرد ومدنية الجماهير
يرى كل كتاب العصر الحديث الذين يتجشمون مئونة التفكير في تاريخ التقدم الإنساني أن الشعب اليوناني القديم هو أرقى شعب أقلته الأرض من حيث النضوج الفكري، فما من شيء ابتكر في العلوم، وما من رأي ذاع في موضوع من موضوعات الفلسفة أو نظريتها أو مذاهبها الكثيرة إلا وتجد له بداية في تاريخ الفكر اليوناني. حتى ذلك الشيء الذي يعد من مفاخر القرن التاسع عشر، ذلك الأسلوب اليقيني العلمي الذي ندعي بأن أوغست كونت أول من وضعه، والحقيقة أنه أول من شرحه؛ تجده جليا ظاهرا في مباحث أرسطوطاليس العلمية وفي مقدمات تيوسيديديس التاريخية. وأي كبير فرق بين ما تجد في مقدمات تيوسيديديس وبين ما يدعو إليه اليوم أعلام السوربون في فرنسا من توخي الطريقة العلمية في بحث معضلات التاريخ؟ بل أية ميزة يمتاز بها بحاثو العصر الحديث على أرسطوطاليس في طريقته التي توخاها في شرح المنطق أو التاريخ الطبيعي أو الأخلاق وهي لا تؤمن إلا بما يأتيها من طريق الحواس المستندة إلى المشاهدة وصدق الاختبار؟ لهذا يمضي الكتاب بلا شذوذ معتقدين أن الشعب اليوناني القديم هو أرقى شعوب الأرض من الأسلاف إلى خلائف القرن التاسع عشر.
অজানা পৃষ্ঠা