আধুনিক নাগরিক জীবনের জটিলতা
معضلات المدنية الحديثة
জনগুলি
أما اصطلاح «آخر زمن» ففرنسوي صرف؛ لأن الحالة العقلية التي يعبر عنها هذا الاصطلاح وينطق بلسانها الصامت قد نبتت في العقل الفرنسوي.
ولقد شاع هذا الاصطلاح فعم استعماله في كل اللغات الحية، حتى في اللغة العربية. وأما الحالة العقلية التي تتخذ هذا الاصطلاح وسيلة لإبراز ذاتيتها، فذائعة في كل زمان، غير أنها لا تخرج في أكثر الحالات عن مجرد تقليد لعادة أجنبية.
ولا يعوزنا الدليل على سخافة هذا الاصطلاح، فإنه اصطلاح لا يولد إلا في عقل طفل أو في مخيلة همجي تقوم في عقله فكرة أن «القرن الزماني» الذي يعيش فيه عبارة عن كائن حي يولد كما تولد الحيوانات والإنسان، ويعيش مستقلا في أدوار الحياة وأطوارها، متخطيا طور المراهقة إلى الفتوة، ثم إلى الرجولة الكاملة، ومن ثم إلى الشيخوخة والانحلال، فيموت بعد أن يعمر مائة عام رازحا في أواخر أيامه تحت مبرحات الآلام.
لهذا ترى أن الشعب الفرنسوي، بدافع نفسي عقلي، إنما ينسب شيخوخته وكدورته وانحلاله الأخلاقي إلى قرن ما من الزمان المطلق غير المحدود، فيقول المفكرون فيه «آخر زمن»، وأحرى بهم أن يقولوا «نهاية أمة».
ومهما يكن من أمر هذا الإصلاح وما فيه من سخافة، فإن التكوين العقلي الذي يعبر عنه قائم قياما فعليا في عقول الكثيرين من ذوي الأثر في تربية الناشئين عقليا وأخلاقيا، لذلك ترى أن نزعة هذا العصر خليط من القلق المصحوب بحمى الفساد والخمول المعنت، ومزيج في النبوءات المحزنة المملة المقرونة بأخبث مظاهر الكفران بالجميل وجحود الأيدي المسداة بالخير.
إن الشعور السائد لشعور ينذر الناس باقتراب الفناء، ويلقي في روعهم أن الانقراض والزوال آخذان فيهم بأعظم الأسباب، فكأنهم من النفخة في الصور قاب قوسين أو أدنى، لهذا نجد أن اصطلاح «آخر زمن» عبارة عن شكاة وتململ، بل صرخة صامتة، بيد أنه اعتراف بليغ بعيد عن محتملات الجدل الكلامي والإطناب الأجوف والمعاذير الخرقاء.
ولئن كانت المعتقدات القديمة قد وسعت الاعتقاد في فناء الآلهة وانقراضها، فلقد غشيت العقول التي أنبتها هذا الزمان نوبات ألزمتها الاعتقاد بأن انحلال الأمم أمر واقع محتوم، وأن الشموس والسيارات إنما تمضي في سبيل الاضمحلال، وأن النوع الإنساني وما أبدع العقل من طريف النظم والمنتجات، إنما تسير إلى الفناء مسايرا في ذلك خطوات كون ضارب في سبيل الفساد.
وليست هذه بأول مرة استولى فيها على الناس ذعر الخوف من فساد الكون وفناء العالم، فإن فكرة كهذه قد استمكنت من قبل في مشاعر النصارى في أوروبا إبان القرن العاشر. غير أن هناك فرقا كائنا بين حيرة منشؤها الاعتقاد وقلق مرجعه الفساد.
إن الحفالة النفسية التي يخلقها الاعتقاد في «آخر زمن» في الجماعات أشبه شيء بحالة شخص أيأسه المرض وأقفطه السقام، فقام في ذهنه أن يتقدم ببطء، ولكن إلى الموت، في وسط طبيعة أبدية الحياة، فائقة بكل معاني الجمال الخالد.
إنه في اصطلاح «آخر زمن» لقسطا كافيا من الغموض يهيئه تمام التهيئة لكي ينقل من المعنى ما يعوز تيار الأفكار السائدة من لبس وإبهام، شأنه في ذلك شأن كلمات «الحرية» و«الغاية» و«الارتقاء» و«المساواة»، فإن هذه الكلمات إن خيل إلينا أنها تتضمن فكرات وتصورات فإنها ليست في الواقع إلا أصواتا جوفاء. كذلك تجد أن اصطلاح «آخر زمن» ليس بشيء في ذاته، وأن ما فيه من الشأن والخطر إنما يقاس دائما بمقتضى ما للآخذين به من كفاءة عقلية. •••
অজানা পৃষ্ঠা