المؤمنين ، مستعملا للشدة والغلظة، سمتعملا للمصابرة والمداراة مع من يرجو منه الانتفاع بعلمه وكلامه ، راقد النفس ، ساكن الهوى ، فمن غلب عليه الهوى في علمه لا يؤمن أن ينتصر لباطل إذا حوجج فيه، ويخذل الحق إذا ظهر مع خصمه، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال من علماء زمانكم فاغتنموه، واسألوه عن أمور دينكم، وقلدوه أحكام حوادثكم ونوائبكم، واعلموا أن مثل هذا العالم يسمى وارثا، فإنه قد ورث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما قام به من العلم والعمل والخلق، فهو نور الأمة، ومصباح العالم، يستضاء بنوره، ويهتدى بعلمه.
فصل
ومتى رأيتم العالم يعمل بخلاف ما يعلم، فيخالف عمله علمه، ويقول ما لا يفعل ، أو يميل إلى الهوى في العلم ، أو يقل الاكتراث بالسنة والنصوص ، ويجنح إلى الرأي والتقليد ، مع قدرته على ذلك ، فيستدل بأعماله - بذلك - على سقوط منزلة النصوص عن قلبه، فيستدل بذلك على قلة دينه، أو سوء عقيدته، ومتى رأيتم العالم غير مهتم بالأمر بالمعروف ، غير مكترث بالنهي عن المنكر ، لا يبالي إذا انتهكت المحارم، ولا يتوجع قلبه لها، ولا يتأسف إذا عصي الله في أرضه، ولا يغضب لله في مخالفة أمره، ولا يحرص على الأمر بالمعروف، ويتآلف الناس عليه بالمال والخلق، فاتهموه في علمه ودينه، واستدلوا بذلك على قسوة قلبه، والطبع عليه، فما أشبه هذا بعلماء اليهود. قال تعالى: ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) [ الخطاب مع اليهود، وكذلك من عرف أمرا وخالفه أورثه ذلك القسوة، وبضده من عمل بما يعلم، أورثه ذلك الحكمة والحكم، ميراث خشوع القلب وصلاحه ، وإذا رأيتم العالم راغبا في فضول الدنيا ، نازعا لأهل المناصب في مناصبهم، يأتي أبواب الظلمة لما يناله من ذلك أو يطمع فيه، إذا دخل مع الأمراء يدخل معهم في أهوائهم، لا يحسن الحسن عندهم، ولا يقبح القبيح يأخذ معهم في الحكايات المضحكات لبسطهم ، ويأتي بالمحاضرات والملح فيمازحمهم، فاتهموه على علمه، وعلى دينه خصوصا إذ لم ينصر عندهم مظلوما،
পৃষ্ঠা ২৩৭