والمكوس، واقتناء المماليك للاستمتاع المحرم، فقست لذلك القلوب وأظلمت أرجاؤها، وانعكست فطرهم، فصار عندهم الحسن ما استحسنته نفوسهم واستطابته، والقبيح ما قبح في نظرهم، فأعرضوا عن استحسان الشرع واستقباحه، اللهم إلا أشياء ظواهر ، ينخرم الدين جملة بتعاطيها ، وخرق سياجها ، كاستباحة المحارم ظاهرا، وخرق سياج الصوم والصلاة، فهذا لم يمكنهم تركه لأنه خروج إلى الكفر بالأصالة.
فلما عميت قلوبهم وأظلمت أسرارهم، خفي عنهم تمييز الصادق من الكاذب وكل من لبس عندهم هيئة العلماء، ووجدوا عنده كلاما ونهمة في المنطق ، كان فقيها، وكل من تزيا عندهم بلبس المرقعة كان صوفيا أو فقيرا، فضلت العامة بهم ضلالا مبينا ، لجهلهم بالصادقين، وعدم التمييز بينهم وبين الكاذبين.
فصل
وأما العلماء، فلما اهتموا - أيضا - بحب الدنيا، وجمع الحطام، والتكالب على الرفعة والمناصب بين الأنام، وشدة الاهتمام بالتقرب إلى الأمراء والدخول معهم في أهوائهم، ويفتنونهم بآرائهم طلبا للمنزلة عندهم، أظلمت - أيضا - قلوبهم، وعميت عن الرشد، فتصرف هواهم في علومهم وكدرها، فصارت علومهم الشرعية مشوبة بأكدار الهوى، ممزوجة - وإن كانت حقا - بأباطيل آرائهم ومحبوباتهم، فلا ينكرون المنكر، ولا ما قام لهم فيه مصلحة دنيوية ، من كسر من عاندهم أو ناوأهم ، فيكسرونهم بحجة إقامة الدين، ويظهرون مثالبهم، ولا يأمرون من المعروف إلا ما استجلبوا به رفقا أوجب لهم رئاسة وظهورا، فمات الحق لظهور رغبتهم، وظهر المنكر لإبقائهم على رئاستهم، فبعدوا عن الله تعالى وأبعدوا، وكانت زلاتهم كالسفينة تغرق وتغرق، اللهم إلا بقايا منهم خاملون مضطهدون مبغوضون (وقليل ما هم) فضل بهم العامة والملوك، وصاروا حجة في العوائد الفاسدة والأحكام الباطلة، والرغبة في الدنيا، والتهاون بأمور الدين، يقول الناس بأجمعهم: (إذا كان الفقهاء يفعلون ويتركون) فاتخذوهم قدوة، فضلوا في أنفسهم، وأضلوا عن سواء السبيل.
পৃষ্ঠা ২৩১