নাসির থেকে যুদ্ধ পর্যন্ত মিশর
مصر من ناصر إلى حرب
জনগুলি
لم يذكر الكاتب أي شيء (والأرجح أنه تصرف هنا بحصافة) عما سمعه السادات عند فحصه للشرائط التي أحضرت إليه، ولماذا جلس حتى الصباح إلى جوار جهاز التسجيل. كما أنه لم تذكر في المحكمة أية «فضائح مدوية» بفضل الشرائط المسجلة. ليس من قبيل الصدفة أن المصريين ذوي الألسنة اللاذعة راحوا يتساءلون في دهشة: ولماذا لجأ السادات بعد ذلك إلى حرق الأشرطة وعليها تسجيلات للمكالمات، وهي التي زعموا أنهم وجدوها في وزارة الداخلية؛ إذ كان من الممكن ببساطة مسح المكالمات والاحتفاظ بهذه الأشرطة الباهظة الثمن. لقد تم إضرام النار في فناء وزارة الداخلية وقام السادات بنفسه أمام كاميرات التليفزيون بإلقاء الصناديق فيها، وفيما بعد عرضت هذه الملهاة في فيلم تسجيلي.
على أنه استنادا إلى الأحداث التي وردت في الكتاب، والتي بدأت مبكرا في صباح العاشر من مايو 1971م، كان من المفترض أن يحاول السادات بوعي أن يخفي المعلومات عن السفير السوفييتي أو حتى يعد له أمرا مستفزا. وفي مساء الحادي عشر من مايو أجرى السفير السوفييتي حديثا وديا طويلا مع السادات، انتهى بسؤال وجهه السفير إلى السادات عمن يمكنه الآن التحدث معه بصراحة وكأنه يتحدث إلى الرئيس. وقد سأله السادات بدوره عن الدافع وراء هذا السؤال، فأجاب السفير بقوله إنه وبعد إحالة علي صبري إلى التقاعد فقد سرت شائعات مختلفة، ونظرا للعلاقات العميقة بين البلدين على جميع المستويات، بما فيها العلاقات ذات الطابع السري؛ فإن على السفير السوفييتي، بطبيعة الحال، أن يكون حذرا للغاية وألا يسيء التصرف مع من يتعامل معهم. أجاب السادات دون تفكير بقوله: «إن أفضل أصدقائي هم شعراوي جمعة والفريق فوزي وسامي شرف، وهؤلاء باستطاعتك أن تتحدث معهم بصراحة كما تتحدث معي.» لقد ذكر لي السادات ذلك، ثم تبين أنه كانت لديه تلك «الأشرطة»، وفي الثالث عشر من مايو؛ أي بعد يومين فقط، قام باعتقالهم جميعا.
فيما بعد قص السفير على هيكل هذه الواقعة، وسأله كيف يفسر هذه الإجابة من الرئيس تحديدا على سؤال كان منطقيا تماما في تلك الآونة. فأجاب هيكل على الفور أن السادات كان يتعامل مع السوفييت جميعهم على هذا النحو من الشك، وأنه كان يريد أن «يختبر» السفير السوفييتي فيما إذا كان وراء «المؤامرة». فعندما كان السادات يستمع إلى بعض الشرائط المسجل عليها مكالمات السفير السوفييتي مع بعض المسئولين المصريين، الذين أشار السادات على السفير السوفييتي بالتعامل معهم، لم يجد أية «أدلة» تشير إلى تورط السفير السوفييتي في «المؤامرة»، وعندها شعر، على حد قول هيكل، بالغيظ (هنا يتضح لنا واحدة من الخصائص البالغة الدلالة على علاقة الرئيس بالاتحاد السوفييتي).
ص134:
يترك الكاتب لخياله العنان وهو يعلن أن الفريق صادق أقسم يمين الولاء للسادات في الثاني عشر من مايو 1971م بعد أن نطق بعبارة واحدة. هذه رواية تثير ما هو أكثر من الشك. لم يكن خافيا على أحد أن رئيس الأركان (صادق) رجل شديد الطموح، وكان يتطلع بقوة إلى السلطة، وقد نفد صبره على تحمل وزير الحربية الفريق فوزي. ظهر ذلك في التفاوت في الوضع الاجتماعي والتفكير العسكري؛ فصادق يمثل طبقة العسكريين العليا الموسرة، وهو من الأغنياء بالمفهوم المصري، بل إنه كان مالكا لمصنع، وكان ميالا، بطبيعة الحال، للغرب. أما الفريق فوزي فيمثل بالنسبة له النقيض في كل شيء. كان صادق لا يحب الاتحاد السوفييتي، وكان يرى أن العلاقة العسكرية معنا شر لا بد منه. وقد أصبح في النهاية وزيرا للحربية، وكما اتضح بعد ذلك أنه كان المنظم لعدد من التصرفات الاستفزازية الدنيئة ضد العسكريين السوفييت.
كان فوزي على العكس من ذلك. عمل من أجل تعاون أكثر قوة وإخلاصا مع الاتحاد السوفييتي.
لم تكن العلاقة الشخصية المتوترة بين كل من فوزي وجمعة وسامي شرف تجاه السادات بالأمر الخافي على صادق، ناهيك عن معرفته بميول السادات نحو أمريكا. وعلاوة على ذلك، ولسبب ما غير معلوم حتى الآن، كان صادق مدعوا على العشاء في منزل شعراوي جمعة، حيث حضر العشاء أيضا كل من محمد فوزي وسامي شرف والسفير السوفييتي وكبير المستشارين السوفييت الجنرال أكونيف. إبان هذا العشاء انتقد جمعة وفوزي وسامي شرف السادات على نحو شخصي لتعاونه مع الأمريكيين، بينما التزم صادق الصمت واكتفى بالإنصات ...
لا يمكن أن نستبعد أنه لم يوجد إطلاقا «ضابط شرطة شاب» لديه شرائط تسجيل، وإنما كان هناك الفريق صادق، الذي أبلغ السادات بالكيفية التي تلائم نفسيته، ومن ثم فقد عينه السادات وزيرا للحربية فور اعتقال فوزي. وكان ذلك متوقعا من الجميع.
ويصف هيكل أيضا سياق أحداث مايو وإنما على نحو مختلف بعض الشيء مقارنة بما قصه السادات نفسه على السفير السوفييتي؛ فوفقا للسادات فهو قد عرض على جمعة، على حد قوله، أن يختار بين أن يستقيل «طواعية»، أو يقيله السادات بنفسه. وفي تلك الفترة، كما أخبر السادات السفير السوفييتي، كان السادات مهتما باختيار بديلين لمنصبين مهمين في هذه الحالة؛ وزير الحربية (صادق) ووزير الداخلية (ممدوح سالم). وبعد أن أقال السادات شعراوي جمعة، أعلن الذين عرفوا ب «المتآمرين» عن استقالاتهم الجماعية بالفعل و... توجهوا إلى بيوتهم ليناموا. كانت هذه الليلة تحديدا ليلة سهاد وأرق بالنسبة للسادات؛ فقد كان يتوقع قيام انقلاب ضده؛ أي أعمال صريحة يواجه بها، لكن «المتآمرون» ذهبوا إلى بيوتهم ليناموا في أسرتهم.
من المؤسف أن هيكل لم يصف هذا السلوك الغريب الذي قام به «المتآمرون»، فلو أنهم أرادوا أن يقوموا بانقلاب، فما هي التهمة التي وجهها إليهم السادات لاحقا، وما الذي لم يعترفوا به؛ أي لو أنهم أرادوا إزاحة السادات بالقوة لكان الأمر يسيرا عليهم؛ فقد كان على رأسهم جميعا القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والبرلمان والاتحاد الاشتراكي العربي ووسائل الإعلام. لم يكن صعبا على هيكل أن يعبر عن موقفه بشأن إثبات تهمة «المتآمرين» ب «خيانة الدولة»، وأنه قد حكم عليهم بالإعدام شنقا في البداية، وهو الحكم الذي استبدله السادات بالسجن المؤبد.
অজানা পৃষ্ঠা