নাসির থেকে যুদ্ধ পর্যন্ত মিশর
مصر من ناصر إلى حرب
জনগুলি
في البداية أجاب المسئولون المصريون ردا على استفسارنا بأنهم لا يعرفون شيئا، ثم «أسروا» لنا أن السادات في حالة نفسية سيئة، وأنه من غير الممكن مقابلته. راودتني فكرة أن يكون مكروه قد وقع له. وأخيرا، وبعد جدال طويل، سمح المصريون لألكسي كوسيجين فقط ومعه مترجم واحد بالدخول إلى إحدى الغرف في المبنى، وهناك كان يرقد رجلان على سريرين بسيطين؛ السادات وعلي صبري. وقد اتضح أن صبري كانت حالته أسوأ، وقد جيء به إلى هنا قبل السادات بفترة طويلة. وعندما أبلغوا السادات بذلك ازدادت حالته سوءا فأحضروه إلى نفس الغرفة. كلاهما ظل راقدا، وفق شهود العيان، في مظهر لا بأس به، ولكنهما كانا يتأوهان وكأنما يتنافسان فيما بينهما. وقد شرح لنا الأطباء أن ما بهما هو نتيجة لما وقع عليهما من ضغط عصبي. أقولها صراحة، لقد تسرب الشك إلى نفسي من جراء هذا المشهد. فيما بعد راودتني فكرة أخرى أوحت لي بها الأحداث ذاتها التي كان من المحتم أن تحدث في مصر في خضم الصراع على السلطة الذي تجلى فيما بعد.
من الممكن أن يكون السادات قد ذهبت به الظنون، بعد أن سمع ب «مرض» علي صبري، منافسه المحتمل، إلى أن الرجل يدبر شيئا ما بحيث يصبح هو الرئيس بعد دفن جثمان الرئيس وليس هو. وهنا ادعى السادات أن حالته «سيئة»، وأسرع ليكون بجواره حتى لا يغيب علي صبري عن ناظره. على أية حال، فقد دفن ناصر دون حضور الرجلين؛ السادات وعلي صبري، ودون حضور العديد من القيادات الأخرى. كان أبرز من رافقه حتى مثواه الأخير هم زكريا محيي الدين، وحسين الشافعي، والنميري، والمتطرف الشاب الزعيم الليبي العقيد القذافي. هؤلاء استطاعوا الصمود في خضم هذا الزحام الخارق للعادة للآلاف من الناس، وأن يتماسكوا على امتداد طريق يبلغ طوله عدة كيلومترات عبر شوارع القاهرة الملتهبة من شدة الحرارة. ومع ذلك فقد سرت شائعة بين الجماهير تزعم أن ناصرا لم يدفن في هذا المسجد حيث ووري جثمانه أمام الجميع.
استقرت حالة الاضطراب التي صاحبت موت ناصر، وانتخب السادات رئيسا شرعيا للبلاد، وبدا أن كل شيء أصبح على ما يرام. لكن المجموعة التي تبقت منذ عهد ناصر والتي كانت تمسك في الواقع بالسلطة، أحاطت بالسادات وأبدت ولاءها له. وسرعان ما بدا واضحا أن هذه المجموعة من الناصريين أرادت بحصافة تامة أن ينصت إلى رأيها وألا يضع إرادته على أية حال فوق إرادتها. كانوا يتطلعون إلى قيادة جماعية انطلاقا من معرفتهم الجيدة بالدرجة الأولى بالصفات الشخصية. والطموحات السياسية التي لدى السادات. كانوا يفترضون، من حيث المبدأ، أن السادات سوف يأخذ بعين الاعتبار آراءهم، ليس فقط لأنهم جميعا يشغلون مناصب حكومية واجتماعية رفيعة، ولأن كلا منهم يتولى مسئولية كبرى في مجاله، وإنما لأنهم كانوا يريدون أيضا أن يروا السادات شريكا لهم من الناحية الفكرية، وخاصة فيما يتعلق بحل النزاع العربي الإسرائيلي، وفي علاقات مصر بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.
كانت هذه المجموعة من رجال الدولة تنطلق من أن الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الرئيسي للوطنية المصرية، وأن الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية لا يتوقف عند مجرد مساعدة إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة. وإنما في تغيير البنية الداخلية للبلاد العربية التقدمية وتحويلها إلى طريق التطور الرأسمالي البحت، بحيث تصبح مصر وغيرها من الدول العربية مستقلة ظاهريا وإن ظلت في واقع الأمر تابعة للنظام الرأسمالي العالمي؛ أي للولايات المتحدة الأمريكية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ومن ثم، تصبح هناك إمكانية تبعيتها أيضا من الناحية العسكرية. كان هذا المستقبل مخالفا بطبيعة الحال للطموحات الأيديولوجية للقوميين المصريين الذين كانوا يحيطون بناصر، فضلا عن أن الانحراف عن الطريق الذي كان ناصر يقود مصر إليه بعد الثورة، كان يعني وصول أشخاص آخرين إلى السلطة الحقيقية والشكلية في مصر، وهو ما كان يشكل تهديدا شخصيا لهم. وكان أكثر ما يخشونه هو تقلبات الرئيس الجديد ومتناقضاته. كانوا يخشون ذلك لأنهم كانوا يعرفونه حق المعرفة.
منذ الأيام الأولى راح هؤلاء الناس جميعا يخدمون بشرف رئيسهم الجديد. كانوا يرون أن مهمتهم تنحصر في أن يكونوا أكثر اقترابا من الرئيس. أن يجذبوه إليهم، ألا يعطوا فرصة لأي تأثير «خارجي» أن ينفذ إليه، أن يربطوه بخطوات جديدة سياسيا في المسار الناصري.
على أنهم سرعان ما اقتنعوا بعدم فعالية هذا النهج. لقد راح السادات يتخذ أكثر فأكثر قرارات منفردة غاية في الأهمية دون أن يتشاور مع من كانوا يبدون أصدقاء مخلصين لنهجه السياسي، بل وصل الأمر إلى حد عدم إبلاغهم بما سوف يقدم على عمله. والذي حدث أن هؤلاء لم يعرفوا بالعديد من القرارات إلا من خلال خطابات الرئيس أمام اجتماعات مجلس الأمة أو من خلال الإذاعة. حدث ذلك على سبيل المثال عندما أعلن السادات عام 1971م «عاما للحسم» في الصراع العربي الإسرائيلي. وقد اتضح بعد ذلك القرار أن شيئا لم يحدث، اللهم إلا طموح فارغ من جانب الرئيس نفسه. وهو ما حدث أيضا مع ما أطلق عليه «مبادرة السادات» في فبراير 1971م، عندما اقترح انسحاب القوات الإسرائيلية لمسافة ما في عمق سيناء «مقابل» فتح قناة السويس أمام الملاحة، أو، على سبيل المثال، الموافقة على قبول اقتراح الأمريكيين المعروف باسم «المفاوضات عن قرب» في نيويورك؛ أي المفاوضات المصرية الإسرائيلية المباشرة بوساطة أمريكية. وأحيانا ما كان بعض المقربين من السادات ينجحون في «الإمساك به» في اللحظة الأخيرة بالفعل، وإرغامه على تصحيح خطابه أو حتى قراره. وعندئذ كان جميع نواب مجلس الأمة المجتمعين ومعهم السفراء الأجانب يعانون من الملل من جراء الانتظار وعدم معرفة ما يحدث. كان الانتظار أحيانا ما يصل إلى أربعين وخمس وأربعين دقيقة، وأثناء ذلك، كما اتضح فيما بعد، كان المقربون من السادات يسعون «لإقناعه» أن يغير خطابه أو قراره. وبطبيعة الحال كانت الشائعات والتخمينات تسري على الفور بين السفراء حول طبيعة ما يحدث. أما أنا، فمن أين لي أن أعرف ما كان يحدث آنذاك (ولو عرفت فلم أكن لأتحدث).
لقد اعتبر الناصريون أن أخطر شيء في تصرفات السادات، هما قضيتا العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، ومع الاتحاد السوفييتي من جانب آخر. وفي الحقيقة، فالمسألتان كانتا وثيقتي الصلة كل منهما بالأخرى. كان الناصريون يخشون أن يقدم السادات تنازلات مهينة للولايات المتحدة الأمريكية، لعلمهم بأنه ضعيف أمام التملق والإطراء، وأنه شديد الإعجاب بنفسه، اعتاد أن يثق في القوة، وأن تعليمه وفكره قاصران. كانوا يعلمون أيضا أنه لا يحب الاتحاد السوفييتي، وأنه كان يخشى هذا التناول الصريح الصادق من جانب السوفييت للقضايا السياسية. لم تكن الأيديولوجية السوفييتية مقبولة لديه، وكان كل ما يسعى إليه هو استغلال الاختلاف السياسي بين الدولتين العظميين - الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية - لصالح مصر، على قدر فهمه هو لهذه المصالح. كان السادات أساسا رجلا يمثل الفكر الريفي المتخلف، بينما كان الناصريون يمثلون أفكار «مثقفي الطبقة الوسطى» في مصر. كان السادات هدفا للسخرية والنكات والنوادر الطريفة بسبب محدودية ثقافته بشكل أساسي، أما الناصريون فهم أناس، وإن لم يحصلوا على تعليم رفيع، فهم على أية حال من «مثقفي المدن» الأكثر تعليما؛ إذ تلقى غالبهم تعليما جامعيا.
كان أكثر ما أثار مشاعر الخوف لدى الناصريين هو تلك المراسلات التي جرت على نحو فردي بين السادات والرئيس الأمريكي، والتي لم يحط السادات الاتحاد السوفييتي علما بشأن ما جاء فيها من خطوات اتخذها في مسار علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما رأى فيه الناصريون سببا لأن يشعر الاتحاد السوفييتي حتما بفقدان الثقة في السادات. وفي هذا الصدد تحديدا كان الناصريون يقفون بشكل قاطع مع ضرورة الاعتماد على الاتحاد السوفييتي.
أربكت موافقة السادات على حضور وزير الخارجية الأمريكي روجرز إلى القاهرة في مطلع شهر مايو 1971م حسابات الناصريين، ومن ثم تحولت مخاوفهم بشأن اتخاذ السادات خطوات محتملة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى أمر واقع. وفي هذا الوقت اتسمت علاقات معظم رجال الدولة في مصر بالسادات بالكلفة الشديدة والبرود نتيجة الفضيحة الخاصة بالقرار المنفرد الذي اتخذه السادات بشأن إقامة اتحاد فيدرالي بين كل من مصر وسوريا وليبيا، فضلا عن أن شروط هذا الاتحاد قد صيغت على نحو بالغ السوء إلى حد يسمح بأن يكون لمصر رئيس ليبي أو سوري! لقد احتوت هذه الأفكار الضبابية على العديد من الأمور الغامضة غير المدروسة، والتي طرحت على الورق بشكل متعجل على هيئة مشروع الدستور اتحاد مغلق. أتذكر كيف عرض ناصر في فبراير 1970م، إبان ما عرف باسم «الزيارة السرية» لموسكو أفكاره بشأن إقامة وحدة عربية، رأى أنها لا تزال في حاجة إلى النقاش والتشاور. وفي طرحه لهذا الموضوع بشكل ودي على القيادة السوفييتية آنذاك عبر ناصر عن رؤيته لضرورة التعامل مع مثل هذه الأمور بحرص بالغ؛ إذ إنها تمس ليس فقط حياة بعض الناس، وإنما أيضا وجود دول بأكملها، وأن على المرء أن يزن المسألة بدقة، حتى لا تؤدي هذه الخطوة إلى التنافر بدلا من دعم الوحدة. لم يصر ناصر على إقامة الوحدة، وطرح فكرته جانبا ليلتقطها السادات ويقيمها على نحو مفاجئ وعاجل، وقد كان مصيرها على النحو الذي تنبأنا به.
نجح السادات في إخماد فضيحة الوحدة، لكنه تلقى درسا ملهما في الجلسة الختامية للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي؛ حيث وجه له رجال الدولة المحنكون، باستثناء عدد من أذنابه من غير ذوي الثقل، نقدا حادا للوحدة ولشروطها ولمجمل تصرفات الرئيس في هذا الشأن في واقع الأمر. هل كان من الممكن أن يمر الأمر دون أن ينتقم السادات لنفسه، وهو الذي كان يمتلك خصلة بالغة السوء؛ عدم نسيان الإهانة؟
অজানা পৃষ্ঠা